في 25 كانون الثاني/يناير الفائت، قالت وزارة الخزانة الأميركية في منشور على موقعها الإلكتروني، إن الولايات المتحدة أصدرت عقوباتٍ جديدة تتعلق بإيران وميانمار والسودان، واللافت في الأمر هو وجود السودان ضمن هذه القائمة.

ما يفسّر إدراج السودان ضمن قائمة عقوبات تتواجد بها إيران، هو عودة التعاون العسكري بين السودان وإيران، عبر اتفاق سرّي بين الحكومتَين السودانية والإيرانية لاستئناف التعاون العسكري بينهما، بعد سنوات من القطيعة والعداء.

ولكن، هل ستصبح الخرطوم العاصمة العربية الخامسة التي تسيطر عليها إيران، ولماذا يُنشئ رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان،‬⁩ علاقات مع دولة معزولة، وهل تسعى طهران لتدويل الحرب وتهديد أمن البحر الأحمر، خصوصا بعد إرسال طهران لطائرات مسيّرة، مع زيارة مرتقبة لوزير خارجية السودان إلى إيران.

 شبح الهيمنة الإيرانية يخيم على الخرطوم

عاد التعاون العسكري بين السودان وإيران بعد فترة من استئناف العلاقات بينهما بشكل رسمي في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وذلك بعد 7 سنوات من الانقطاع، وتزوَّدت الخرطوم بطائرات مسيّرة من قِبَلِ طهران لتعزيز القدرات العسكرية للجيش السوداني.

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (يسار) يلتقي برئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للسودان، في الرياض، المملكة العربية السعودية، في 11 نوفمبر 2023. (غيتي)

تم رفع الحرج عن السودان بفضل اتفاق بين السعودية وإيران، وبوساطة صينية، وذلك عبر استئناف الخرطوم علاقتها مع طهران، وكانت السودان قد قطعت علاقاتها مع إيران بعد اقتحام السفارة السعودية في الخرطوم في كانون الثاني/يناير 2016، ولكن التّسوية الصينية ساهمت في تخفيف التوترات وإعادة الروابط بين البلدين.

بحسب ما نقلته  وكالة “بلومبرغ” الأميركية، في تقرير لها عن مسؤولينَ غربيينَ، فإن “أقماراً اصطناعية التقطت صوراً لطائرة دون طيار من نوع (مهاجر 6) الإيرانية، الشهر الحالي، في قاعدة خاضعة لسيطرة الجيش شمالي الخرطوم”، ليبدأ التحذير من تدويل الحرب وتهديد أمن البحر الأحمر.

في هذا السياق، وطبقا لما حصل عليه “الحل نت” من مصدر عسكري سوداني، فإن الاتفاق الذي تمّ توقيعه في طهران الشهر الماضي بين الجيش السوداني و”الحرس الثوري” الإيراني، يتضمن تبادل الأسلحة والتدريب والدعم الاستخباراتي واللوجستي، فضلاً عن إنشاء قواعد ومنشآت عسكرية مشتركة على الأراضي السودانية.

بحسب المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، فإن الدوافع الرئيسية وراء الصفقة مواجهة النفوذ والضغوط المتزايدة للسعودية ومصر والولايات المتحدة في المنطقة، خاصة بعد استمرار الجيش السوداني في حربه مع “قوات الدعم السريع”.

أيضا تهدف إيران لاستغلال الفراغ السياسي والأمني في السودان، الذي يمرُّ بمرحلة انتقالية هشّة وغير مؤكدة إلى الديمقراطية، والوصول إلى موقع السودان الاستراتيجي وموارده المتاخمة للبحر الأحمر ونهر النيل، والذي يضمّ أكبر منجم للذهب في إفريقيا، فضلاً عن احتياطيات النفط والغاز.

 لعبة خطيرة

استئناف التعاون العسكري بين الجيش السوداني وإيران، أعاد إلى الواجهة ملف العلاقات المعقّدة بين البلدين، حيث يُحيي هذا التعاون ذكريات حقبة نظام الإسلاميين التي اتّسمت بتعاون وثيق مع طهران في المجال العسكري.

هيمنة إيران على الخرطوم هل تنتظر السودان مصير بغداد ودمشق؟ (3)
عرض الطائرة بدون طيار “مهاجر 6” في 23 أغسطس 2023 في طهران، إيران. (عطا كيناري/ وكالة الصحافة الفرنسية)

ويثير تزويد إيران للجيش السوداني بطائرات مسيّرة من طراز “مهاجر” تساؤلات حول تأثيرها على التوازن الاستراتيجي في المنطقة، خاصة في ظل التوتر مع إسرائيل والمخاوف من تصاعد النفوذ الإيراني في الدول العربية.

طبقاً للمصدر العسكري، فإن الصفقة تتكون من عدّة عناصر، حيث ستقوم إيران بتزويد السودان بأسلحة ومعدّات متطورة مثل 12 طائرة “مهاجر 6” التي يصل مداها إلى 200 كيلومتر وتستطيع حمل حمولة 40 كيلوغراما، وصواريخ قصيرة المدى مثل “كاتيوشا” و”بي إم 21″، ويجري التفاوض حول صواريخ “فتح” ذات القدرة ويصل مداها إلى 300 كيلومتر، ويمكنها حمل رأس حربي وزنه 500 كيلوغرام.

كما ستقوم إيران بتدريب وتقديم المشورة للجيش السوداني الذي يخوض حربا ضد “قوات الدعم السريع”، التي يقودها الجنرال المثير للجدل محمد حمدان دقلو، المعروف أيضًا باسم “حميدتي”، والذي كان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي والحليف المقرّب من عبد الفتاح البرهان.

-يجري التفاوض أيضا بإنشاء طهران وتشغيل قواعد ومنشآت عسكرية في السودان، مثل قاعدة “بورتسودان” البحرية التي تقع على ساحل البحر الأحمر ويمكنها استيعاب السفن الحربية والغواصات الإيرانية، وقاعدة “كوستي” الجوية التي تقع بالقرب من النيل الأبيض ويمكن أن تستضيف طائرات مقاتلة وقاذفات قنابل إيرانية، وتُقدّر قيمة الصفقة بنحو 5 مليارات دولار، تدفعها إيران نقداً ونفطاً، والسودان ذهبا وأرضا.

 الخرطوم عاصمة عربية جديدة لطهران

التعاون العسكري بين إيران والسودان شهد تطوراً لافتاً بعد اتهام الخرطوم إسرائيل بإرسال 4 طائرات لضرب مجمع “اليرموك” للصناعات العسكرية في جنوب الخرطوم، في تشرين الأول/أكتوبر 2012، حيث تعتقد إسرائيل أن المصنع يعمل به خبراء إيرانيون، ويمدّ حركة “حماس” في غزة بالأسلحة التي تصلها عبر شرق السودان.

عبد الفتاح البرهان (في الوسط)، رئيس القوات المسلحة السودانية والزعيم الفعلي للسودان، ومحمد حمدان دقلو (يسار)، يحضران حفلًا في الخرطوم، السودان، في 5 ديسمبر 2022. (محمود حجاج/ غيتي)

يُظهر تدخّل إيران في الملف السوداني أهمية ساحل السودان على البحر الأحمر، الذي يمتد على طول 640 كيلومتراً، حيث تتنافس دول مثل الصين وروسيا وتركيا للوصول إليه.

وتُعدّ إيران من الدول التي تسعى لتعزيز نفوذها في السودان، وتقديم الدعم المادي للجيش السوداني، بما في ذلك تزويده بطائرات مسيّرة.

ويُنظر إلى هذا الدعم بـ”قبول واسع في الأوساط الدبلوماسية الإيرانية”، حيث ترى طهران أن الحصول على حليف في السودان، خاصة على طول البحر الأحمر، سيكون بمثابة “فوز كبير” لها.

لكن هذا التعاون يُثير مخاوف القوى الإقليمية والغربية الأخرى، التي ترى فيه تهديدًا لمصالحها في المنطقة. وتُشير هذه المخاوف إلى تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، ومساعي طهران لإنشاء شبكة من التحالفات مع الدول العربية، بما في ذلك السودان.

الكاتب والباحث السوداني، محمد المختار، يتوقع في حديثه لـ”الحل نت”، أن تتصاعد الصراعات والتوترات في السودان، مثل الحرب الأهلية في دارفور، والنزاع الحدودي مع إثيوبيا، والصراع على السلطة بين العسكريينَ والمدنيينَ.

كما أن دخول إيران رسميا إلى جانب البرهان سيولّد ردود أفعال وتدخلات الجهات الإقليمية والدولية، مثل السعودية ومصر والولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا وقطر، التي لديها مصالح وأجندات متنافسة ومتضاربة في السودان والبحر الأحمر.

علاوة على ذلك، فإنه بحسب المختار، سيكون للتدخل الإيراني يدٌ في تعطيل التجارة والملاحة البحرية في البحر الأحمر، الذي يُعدّ أحد أهم الممرات المائية وأكثرها ازدحاما في العالم، ويربط أوروبا وآسيا بأفريقيا والشرق الأوسط.

أخيرا، يبدو أن تصاعد التعاون بين السودان وإيران يُثير المخاوف من تدويل الحرب في السودان، خاصة في ظل سعي بعض صُنّاع القرار الإسلاميينَ إلى تغيير المعادلة على الأرض، إذ تعتبر هذه الجهات التسليح هدفاً تكتيكياً، بينما غايتها الرئيسة هي تدويل حرب السودان، وتهديد أمن البحر الأحمر، وتحويل السودان إلى قاعدة إيرانية جديدة في المنطقة، فيما تُدرك الولايات المتحدة خطورة هذا التعاون، ولن ترضى عن أي تحالف بين السودان وإيران، خاصة أن المصالح الإيرانية في السودان ستكون شبيهة بعلاقاتها في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
2.7 3 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات