يبدو أن الجرائم التي ارتكبت وما زالت مستمرة بحق سكان عفرين شمال غربي سوريا، لن تمر مرور الكرام أو تصبح في طي النسيان. فبعد أن رفع كل من “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ)”، وشركاؤهما شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني للتحقيق في الجرائم الدولية في عفرين بغية التصدي للجرائم التي ترتكب بعفرين، أصدر أعضاء بالبرلمان الأوروبي بياناً بشأن الانتهاكات التي تحدث بحق أهالي عفرين على يد فصائل ”الجيش الوطني السوري” والمدعومة من أنقرة، مطالبين محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم والانتهاكات.

وبحسب ما جاء في نص البيان الصادر عن أعضاء البرلمان الأوروبي، والذي حصل موقع “الحل نت” على نسخة منه، فإنه “قبل ست سنوات، في  كانون الثاني/ يناير 2018، بدأت تركيا وميليشيات مسلحة متحالفة معها من الجيش الوطني السوري بقصف منطقة عفرين كجزء من عملية عسكرية تسمى (غصن الزيتون). استمر الهجوم العسكري لأكثر من شهرين وأدى إلى تشريد أكثر من 300,000 مدني، وكانت غالبيتهم من الأكراد”.

وأضاف البيان “بدعم من تركيا، أنشأت الميليشيات المسلحة حكماً تعسفياً يستمر حتى يومنا هذا. منذ ذلك الحين، تحمل السكان في شمال غرب سوريا، وخاصة المواطنين الأكراد، انتهاكات واسعة النطاق ومنهجية، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، الإخفاء القسري، والتهجير القسري، واعتقالات تعسفية، وتعذيب، وعنف جنسي، وتدمير أو استيلاء على الممتلكات”.

إدانة التجاوزات في عفرين

وطبقاً لنص البيان: “بصفتنا أعضاء في البرلمان الأوروبي، ندين بشدة الاحتلال التركي للأراضي السورية وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبتها الميليشيات المدعومة من تركيا في شمال غرب سوريا والضربات الجوية التركية على البنية التحتية المدنية في شمال شرق سوريا، التي تحرم الكثير من السكان من الكهرباء والماء. نحث الاتحاد الأوروبي وجميع الدول الأعضاء فيه على الانضمام إلى إدانة هذه الأعمال. ندعوهم إلى استخدام كل الأدوات الدبلوماسية والسياسية والقانونية للضغط على تركيا، ونطالب بوقف فوري لانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في عفرين وغيرها من المناطق التي تحتلها تركيا في سوريا. نظراً لانتماء تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فإنها تتحمل التزاماً بسياسة خارجية متعددة الأطراف وحماية حقوق الإنسان”.

إننا نقف متضامنين مع الضحايا والناجين من هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ونؤكد حقهم غير القابل للتصرف في العدالة، وفق البيان الصادر عن أعضاء الاتحاد الأوروبي.

إن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها الميليشيات الموالية لتركيا والإسلاموية تعتبر جرائم بموجب القانون الدولي ويمكن التحقيق فيها في أي مكان في العالم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية. جنباً إلى جنب مع ستة ناجين من الجرائم، قام المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)  وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ) وشركاؤهم بتقديم شكوى جنائية إلى مكتب النائب العام الاتحادي الألماني في 18 كانون الثاني/ يناير 2024، مطالبين بإجراء تحقيق شامل مع الجناة، بحسب البيان.

وخلص البيان بالقول: “حتى الآن، كانت بعض جرائم نظام الأسد (النظام السوري بقيادة بشار الأسد) والجماعات الإسلاموية، مثل جبهة النصرة وداعش، محور التحقيقات في أوروبا. ومع ذلك، فإن المعاناة التي يتعرض لها السكان المدنيون ذوو الأغلبية الكُردية في شمال غرب سوريا لم تتم معالجتها بعد. نحث بقوة المدعي العام الاتحادي الألماني في كارلسروه على بدء تحقيق شامل. وندعو الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي للانضمام إلى هذه الجهود، لضمان محاسبة جميع الأطراف في الحرب السورية وتحقيق العدالة لجميع المواطنين السوريين”.

البحث عن العدالة المفقودة

إن الانتهاكات المستمرة والتجاوزات العدوانية و”الممنهجة” المتكررة التي تنفذها تركيا ووكلائها المحليين ضد عفرين، والتي تعتبر “جرائم حرب” كما وصفتها منظمات حقوقية محلية وأجنبية، والتي وثقت العديد من التفاصيل والملابسات بهذا الخصوص، ستؤدي حتماً إلى إلى محاكمة جنائية سواء في الوقت القريب أو مستقبلاً.

فعملية التغيير الديمغرافي والتهجير القسري في المناطق الكُردية بشمال غربي سويا، وكذا سرقة محصول الزيتون، فضلاً عن الاعتقالات العشوائية والخروقات الحقوقية التي تطاول كل كُردي لاعتبارات قومية وهوياتية، مثلما جرى بحق شابين تم قتلهما بينما لا يتجاوز عمرهما عشرين ربيعاً لمجرد الغناء بالكُردية، هي إجراءات عنصرية وتفضح نظام “أبارتهيد” وعنصري ينفجر توحشاً من أحقاده القومية.

وتعد هذه الانتهاكات الموثقة بالمنظمات الأممية مثل “هيومان رايتش ووتش” أو “العفو الدولية” جرائم بالمعنى القانوني والتي تحتاج لمسائلة أطرافها والمتورطين فيها بل والذين وفروا حماية لحدوثها من دون عقاب للوصول إلى “العدالة” بالمعنى السياسي والقانوني والحقوقي.

ونظراً لأن هذه التجاوزات مستمرة، والجرائم بحق السكان لم يتم الوقوف عليها من قبل المنظمات الحقوقية الدولية بشكل حازم أو المحاكم الدولية، يبدو أن جهات حقوقية وأعضاء بالاتحاد الأوروبي باتت تدرك ضرورة التحرك من أجل وقف هذه الانتهاكات العدوانية بحق السكان الأبرياء في شمال غرب سوريا.

وفي حديثها السابق لـ”الحل نت” قالت سيماف حسن مسؤولة المناصرة والتواصل في منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وهي إحدى الجهات المشتركة في تقديم دعوى جنائية للقضاء الألماني بهذا الخصوص، إنه حتى الآن كانت جرائم فصائل الجيش الوطني بحق سكان عفرين تمر بدون عقاب، وعلى مدار 6 أعوام من مراقبة العالم لهذه المنطقة تتحول لساحة تُرتكب فيها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بعلم تركي.

فيما كان من الضروري التعاون والعمل مع الناجين من هذه الجرائم لبناء شكوى بهدف تسليط الضوء على هذه الجرائم التي لم تكن موضوع التحقيق في أية دعاوى سابقة رُفعت أمام المحاكم الأوربية، وفق حسن. وأيضاً ساعدت الكمية الكبيرة من الأدلة والتوثيقات على البدء بهذه الشكوى الجنائية.

عبر هذه الشكوى، قدمنا في “STJ” و”ECCHR”  الأدلة اللازمة لبدء تحقيق هيكلي في الجرائم الدولية المرتكبة في عفرين، قالت مسؤولة التواصل بالمنظمة الحقوقية، وحول النتائج المأمولة أوضحت: “أن يتم البدء بالتحقيق، هذه الخطوة ستمهد الطريق أمام اللجوء إلى القضاء الدولي في سياقات أخرى مشابهة، إذ تم رفع دعاوى على شخصيات من الحكومة السورية متورطة في جرائم حرب وتم إصدار أحكام بحقهم أيضاً بالاستناد إلى الولاية القضائية العالمية، ومن الضروري البدء بمحاكمات مشابهة في الجرائم التي تحصل في المناطق التي تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني التابع لتركيا”.

وفي المحصلة، الهدف الأساسي للدعوى، والحديث للمصدر ذاته، هو إنصاف الضحايا ومحاسبة المنتهكين وتقديمهم لمحاكمات عادلة، ونتمنى أن تكون رادعة بطبيعة الحال، وأيضاً وسيلة لإخبار العالم بجرائم فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال غرب البلاد ضد الكُرد بسوريا.

الدعوى القضائية هذه ودعم أعضاء بالبرلمان الأوروبي لفتح تحقيق في الجرائم المرتكبة بعفرين هي محاولة لرسم أفق جديد، أي أن الجرائم والتوحش ضد الكُرد سواء من جانب تركيا أو الفصائل المحلية المسلحة التابعة لها يتعين ألا تمر دون مسائلة أو عقاب وتوصيف قانوني.

في المقابل، يرى الحقوقيون أن مثل هذه الدعاوى تفتح الطريق أمام كافة الدول الغربية، لملاحقة مرتكبي الجرائم والانتهاكات في سوريا، سواء في مناطق فصائل “الجيش الوطني السوري” المدعومة من تركيا أو ضد الآلة القمعية التي مارستها الحكومة السورية ضد الشعب السوري على مدار السنوات السابقة.

كما تعد هذه الشكاوى الجنائية خطوة لتضييق الخناق على المتّهمين بارتكاب جرائم حرب في سوريا، ولا سيما في عفرين، نظراً لأن العديد من التقارير الأممية أدانوا ووثقوا الانتهاكات والتجاوزات التي حصلت في عفرين على يد ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” المدعومة من أنقرة.

لذا، فإن الدعوى القضائية هذه ودعم أعضاء بالبرلمان الأوروبي لفتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في عفرين هي محاولة لرسم أفق جديد، أي أن الجرائم والتوحش ضد الكُرد سواء من جانب تركيا أو الفصائل المحلية المسلحة التابعة لها يتعين ألا تمر دون مسائلة أو عقاب وتوصيف قانوني يلازمها وينضم لسجلها التاريخي الذي يحفل باعتداءات ضد الإنسانية والقانون الدولي، بداية من الأرمن مروراً بالكُرد وحتى خصوم النظام الحالي الذي يبعث بالعثمانية الجديدة وينضوي داخل حيز التشدد القومي كما يصطف مع قوى الإسلام السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات