لم تعد إسرائيل تخشى إشعال فتيل الحرب في سوريا، إذ يبدو أن الحملة الجوية التي تشنها إسرائيل منذ سنوات ضد الجماعات والأسلحة المرتبطة بإيران في سوريا قد انتقلت إلى مستوى عالٍ في الأشهر الأخيرة، مع شن غارات على أهداف ذات قيمة عالية بوتيرة “تغير قواعد اللعبة”، وفقاً لما ذكره موقع “تايمز أوف إسرائيل”.

وعلى الرغم من أن الهجمات الإسرائيلية على عمليات نقل الأسلحة التي ترعاها إيران والميليشيات المدعومة من طهران، بما في ذلك “حزب الله”، تعود إلى عام 2013 على الأقل، إلا أن الطيران الإسرائيلي يشن الآن عمليات أكثر تواتراً تشمل اغتيال مسؤولين إيرانيين، وقد انتبه من هم على الأرض إلى ذلك.

فجر اليوم الجمعة، هزت 3 انفجارات عنيفة بلدة طرايا قرب مدينة بانياس على الساحل السوري، وانتشرت حالة من الرعب بين المدنيين. فيما كشف “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، أن الغارات استهدفت 3 قيادات إيرانية داخل منزل، وأدت إلى مقتل المستشار العسكري في “الحرس الثوري” الإيراني، رضا زارعي.

هذه الحادثة ليست نادرة، بل منذ بدء الحرب في غزة بين إسرائيل و”حماس” قبل نحو خمسة أشهر، تصاعد استهداف قادة إيران العسكريين في سوريا؛ فهل كشرت عن أنيابها لمواجهة “الحرس الثوري الإيراني” في سوريا؟

غضب على دمشق

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر وحتى منتصف شباط/فبراير الفائت، بلغت حصيلة الهجمات الإسرائيلية على سوريا 55 هجوما، منها 36 هجوما جويا و19 هجوما بريا بقذائف المدفعية والصواريخ.

أشخاص يحضرون مراسم تشييع رضي موسوي، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، الذي قُتل خلال الهجمات الإسرائيلية على دمشق في 27 ديسمبر/كانون الأول 2023. (تصوير كرار عيسى/غيتي)

تلك الضربات تسببت بمقتل 123 بينهم 12 مدنيا، وإصابة 58 بجروح متفاوتة، 60 منهم مقاتلا وقياديا من الميليشيات الإيرانية، و34 من ميليشيا “حزب الله” اللبناني، بالإضافة إلى مقتل 14 من القوات الحكومية و3 أشخاص مجهولي الهوية.

الضربات الإسرائيلية تركزت على العاصمة دمشق وريفها بـ 22 استهدافا، وتلتها محافظة درعا بـ 13 استهدافا، ثم القنيطرة بـ 10 استهدافات، و5 ضربات على محافظة حلب، واستهدفت محافظات حمص ودير الزور والسويداء بضربتين.

في تقرير جديد لمركز “جسور” للدراسات، كشف المركز عن تصاعد القصف الإسرائيلي على سوريا خلال عام 2023، حيث سجل المركز 40 غارة إسرائيلية على الأراضي السورية، بزيادة 12 غارة عن عام 2022، ومثلها عن عام 2021.

وأوضح التقرير أن الغارات الإسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية ومدنية في عدة محافظات سورية، واستخدمت فيها إسرائيل طائرات وصواريخ ومدفعية، وأسفرت عن تدمير نحو 297 هدفا، معظمها تابع للجيش السوري وحلفائه من الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني.

وأشار التقرير إلى أن الغارات الإسرائيلية تزامنت مع تصعيد الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، حيث شنت إسرائيل 11 غارة على سوريا في الفترة ما بين 10 و21 أيار/مايو 2023، بينما شنت 6 غارات فقط في الفترة نفسها بين عامي 2022 و2023. وقال المركز إن هذا يدل على أن إسرائيل تحاول إرهاب سوريا وحلفائها، وتقويض قدراتهم العسكرية، وتحجيم نفوذهم في المنطقة.

ضوء أخضر

 قالت كارميت فالنسي، الباحثة البارزة في الشأن السوري ورئيس برنامج الساحة الشمالية في معهد “دراسات الأمن القومي” في تل أبيب، إن الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا لم تعد تقتصر على مهاجمة نقل الأسلحة أو مهاجمة مطار دمشق الدولي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يحضر مراسم تشييع أقيمت للقائد في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي، الذي قُتل خلال الهجمات الإسرائيلية على دمشق، في طهران، إيران في 28 ديسمبر 2023. (تصوير المكتب الصحفي للمرشد الإيراني/غيتي)

ويبدو أن تصاعد الهجمات على أعضاء “الحرس الثوري” في سوريا بدأ على ما يبدو في وقت ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر بوقت قصير، حيث وجدت إسرائيل نفسها تقاتل في غزة وتصد هجمات الجماعات المدعومة من إيران من لبنان وسوريا وغيرهما.

منذ كانون الأول/ديسمبر الفائت، قُتل أكثر من ستة ضباط من “الحرس الثوري” الإيراني في ضربات يُشتبه بأنها إسرائيلية على سوريا، بمن فيهم العميد الإيراني سيد رضي موسوي، وهو مستشار قديم لـ”الحرس الثوري” في سوريا، وهنا “يبدو أن إسرائيل تستغل زخم الحرب لتزيد من نشاطها ضد إيران في سوريا”.

لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن الاغتيالات، لكنها اعترفت بشن ضربات ضد شحنات أسلحة يعتقد أنها كانت متجهة إلى الجماعات المدعومة من إيران في سوريا، وعلى رأسها “حزب الله”. وفي هذا السياق، تلفت فالينسي إلى أنه قبل بدء القتال في غزة، كان قتل أعضاء “فيلق القدس” – الوحدة الاستطلاعية للحرس الثوري الإيراني – أو عناصر “حزب الله”، يعتبر خطًا أحمر قد يؤدي إلى اندلاع حرب.

ورغم أن عدد القادة العسكريين الإيرانيين المتواجدون في سوريا ليس معروف بشكل دقيق، إلا أن ضابط الاستخبارات السابق، العقيد ميري إيسين يشير إلى أن إيران لا تحب أن يُقتل الإيرانيون الناطقون بالفارسية.

الهجمات المكثفة التي تشنها إسرائيل في الآونة الأخيرة هي تطور إيجابي بالنسبة لإسرائيل لأنها تؤثر على أسلوب العمل الإيراني في سوريا. والأبرز من ذلك، أن تل أبيب اتخذت رسميا قرار استهداف مسؤولي “الحرس الثوري الإيراني” بشكل منهجي، في قلب دمشق، على بعد أميال قليلة من مكان تواجد الرئيس السوري، بشار الأسد.

ما القادم؟

وفقا للخبير في الشؤون الإيرانية والشرق الأوسط، أكبر أحمد، فإن هناك استراتيجية جديدة للحكومة الإسرائيلية، لتصعيد هجماتها وعملياتها ضد “الحرس الثوري” الإيراني وأذرعه في سوريا.

منذ طوفان الأقصى حتى اليوم حماس تكشف فضائح إيران وأسرار تفاهماتها؟ (5)
قائد “الحرس الثوري الإيراني” حسين سلامي (في الوسط) يحضر مراسم تشييع اثنين من قوات الحرس قتلا في سوريا بغارة إسرائيلية عندما أطلقت إسرائيل عدة صواريخ من هضبة الجولان المحتلة على مواقع للجيش السوري قرب دمشق. (تصوير أتا كيناري / وكالة الصحافة الفرنسية)

وقد بدأت الاستراتيجية بحسب حديث أحمد لـ”الحل نت”، التي وافق عليها ونفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بعد انتهاء تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على أهداف ومواقع مختلفة في سوريا، وخصوصا التي يعمل ويتمركز بها قادة “الحرس الثوري” وأذرعه في سوريا.

الاستراتيجية وفقا للدبلوماسي السابق، والخبير في شؤون الشرق الأوسط، تبدأ بردع وتعطيل “الحرس الثوري” الإيراني وأتباعه الذين يعملون على تطوير ونشر أنواع مختلفة من الأسلحة والمعدات في سوريا، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار.

كذلك، بدأت إسرائيل منهجية فضح وتصفية “الحرس الثوري” الإيراني وأتباعه الذين كانوا يختبئون ويموهون وجودهم وأنشطتهم في سوريا تحت غطاء وحماية الحكومة السورية، والذين كانوا يتجنبون ويتملصون من كشف وجودهم وحقيقتهم ويعملون خفية في تسليح وكلاء إيران للضغط على إسرائيل.

كما يشير أحمد، إلى أن صلب الاستراتيجية الجديدة لإسرائيل، هو التأكيد وإظهار التفوق والهيمنة الإسرائيلية في المنطقة، وإرسال رسالة واضحة وقوية إلى “الحرس الثوري” الإيراني وأتباعه، وكذلك إلى داعميهم ورعاتهم مثل روسيا وإيران، بأن إسرائيل لن تتسامح وتقبل بتدخلهم في المنطقة.

إسرائيل يبدو أنها انتقلت حاليا في استراتيجيتها إلى الفصل الثالث، حيث بدأت منذ زمن بالتحديد والتحقق من أهدافها، ثم الإعداد والتنسيق للهجمات، وهي حاليا في مرحلة التنفيذ والتقييم، وهذا ما يظهر جليا بعد تصاعد سلسلة الغارات التي تستهدف حصرا القادة في “الحرس الثوري” الإيراني بسوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات