بعد أكثر من ثلاثة عشر عاما من الصراع، لا تزال سوريا تمثّل أكبر أزمة لاجئين في العالم، فمنذ عام 2011، أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان والحياة في دول أخرى مثل لبنان والأردن، ولا يزال أكثر من 7.2 مليون سوري نازحين داخلياً في بلدهم، حيث يحتاج 70 بالمئة من السكان إلى المساعدة الإنسانية ويعيش 90 بالمئة منهم تحت خط الفقر. 

يعيش حوالي 5.5 مليون لاجئ سوري في الدول الخمس المجاورة لسوريا – تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر- وهنا تكمن المشكلات والخطر الذي يواجه اللاجئين السوريين تقريبا في كل يوم يعيشونه. نحاول في هذا المقال معرفة المعاناة التي تلازم اللاجئين السوريين بسبب حكومة بلادهم والحكومات المجاورة لها وكيف تحوّلت حياتهم إلى جحيم وخوفاً يطردهم حتى في البلدان التي سكنوها أو لاذوا بها هاربين.

بيروت تطالب بالطرد

بدأت معاناة السوريين منذ وجودهم في ظل حكومةٍ عملت على قمع المحتجين، و استعانت بقوات الخارجية لدعم وجودها في الحكم، ما أدى إلى خروجهم هاربين من البطش بهم في ظل أوضاع أمنية متردية، لتبدأ معاناة ثانية تحولوا فيها إلى نازحين بلا وطن و مأوى.

حركة احتجاج ضد “توطين السوريين” أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بيروت لبنان في 19 مايو/أيار 2023 (تصوير فاضل عيتاني/ غيتي)

على مدى السنوات الماضية، شهدنا العديد من الحركات والموجات الرافضة لوجود اللاجئين السوريين، تلك الحركات والموجات التي تطورت مع تطور التكنولوجيا كان آخرها انتشار إعلانات طرقية في لبنان تستهدف الوجود السوري.

خلال هذا الأسبوع مثلا، شهدنا فيديوهات صغيرة تُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي كأسلوب جديد يعبر عن رفض وجود اللاجئين السوريين يظهر في هذه الفيديوهات مدى الضرر الواقع على البلد المستضيف وتحثّ السوريين على العودة لبلادهم. 

إحدى هذه الفيديوهات تظهر طائرات فوق مدنية مرفق بالموسيقى الحزينة ويتم ذكر العبارة التالية: “سكان لبنان نصّين، أول نصّ سوريين نازحين، وتاني نص لبنانية عم يهاجروا”. 

و فيديو آخر يظهر صورة أطفال في مخيم مع أصوات خلفية لأطفال أحدهم يقول إنه ابن للاجئين سوريين وإنه قيل له أنه سيصبح لبنانيا بعد سنوات، ليجيبه آخر أنه يجب أن يعودوا إلى سوريا حيث يجب أن يكبروا هناك.

رنا دياب، عضو فريق “مهاجر نيوز”، في لقاء تلفزيوني ذكرت أن من يقف وراء هذه الحملة هم غرفة التجارة والصناعة في بيروت وشركات للإعلان والخدمات التسويقية وقناة لبنانية معروفة وكذلك منظمة “بيت لبنان العالم” غير الحكومية مع شركات أخرى داعمة.

وبحسب دياب، اعتمدت هذه الحملة على معلومات مغلوطة بشأن واقع السوريين في لبنان، مثل القول بأن السوريين يشكلون نصف سكان لبنان وهذا أمر مغلوط. إذ تقدر أعدادهم بنحو مليون ونصف، بما في ذلك أكثر من 780 ألفا مسجلين في المفوضية الأممية. 

كما أن “أوضاع السوريين الإدارية منقسمة وليست واحدة، هناك العديد من القاطنين وسط أحياء المدن غير مسجلين في المفوضية، في حين أن المسجلين يتواجدون أكثر في المخيمات خصوص في البقاع”.

فرّقتهم السياسة ووحّدهم السوريون

الحقيقة أن المشهد في بيروت معقّد جدًا؛ لأنه جمع بين اعتبارات سياسية وإنسانية أيضاً، فلبنان يرفض وجود اللاجئين السوريين لأن هناك اعتقادٌ كبير لدى فئة عريضة من لبنانيين أن اللاجئين السوريين جاؤوا إلى لبنان بعد محاولات استقطابهم من “حزب الله” ليكونوا عوناً له في مدّ نفوذه وهيمنته داخل لبنان، فقد ساعد “حزب الله” السوريين على دخول لبنان من البداية، الآن هو يلتزم الصمت إزاء وجودهم وحيال طلبات ترحيلهم. 

أعضاء من حركة “حزب التحرير” الإسلامية الراديكالية يتظاهرون في مدينة طرابلس الساحلية شمال لبنان، في 28 أبريل/نيسان 2023، احتجاجًا على ترحيل اللاجئين السوريين. (تصوير إبراهيم شلهوب/وكالة الصحافة الفرنسية)

فأصبح ملف لاجئين السوريين وجبة دسمة يجتمع عليها أصحاب الخلافات الكبيرة بين القوى السياسية الداخلية في بيروت، حيث أنتج الملف تقاطعا كبير في المواقف حتى بين الخصوم السياسيين. 

النّائب اللبناني فادي كرم، قال إنّه “لكلّ الفرقاء السياسيّين اللبنانيّين طروحاتٍ ومبادراتٍ خاصّة بهم في ملّف النزوح والوجود السوري غير القانوني في لبنان، والذي بات يُهدّد التركيبة اللبنانية”، لافتاً إلى أن “لهذه الأطراف كافّة مواقف، تحمّل فيها المسؤوليّات بالتقاعس لغيرها من الأطراف”. 

لا ينظر كثيرون إلى أن هذا التقاطع على ملف النزوح السوري، مفاجئ. نائبة رئيس “التيار الوطني الحر” للشؤون السياسية مارتين نجم، بيّنت أن ملف النزوح السوري كان واحداً من الملفات التي تحظى بإجماع القوى السياسية التي تطالب بالعودة الآمنة لهم. 

ومن هذا المنطلق، تقول نجم: “نظّمنا المؤتمر في كانون الأول/ديسمبر الماضي، ودعونا كل البلديات ونواب وفعاليات”، لافتة إلى أن الحضور كان “دليلاً على اهتمام كل القوى السياسية بهذا الملف”. 

ويأتي هذا الإجماع بعد انقسام سياسي طال نحو 8 سنوات، قبل أن بدأ يتغير تدريجياً لجهة التقارب بين القوى السياسية، منذ الأزمة المعيشية التي ضربت لبنان في عام 2019، وتزايدت التوافقات بين القوى السياسية في العامين الماضيين، حيث ارتفع الصوت إلى مستويات كبيرة، رفضاً للنازحين ومطالبةً بإعادتهم.

الإعلامي السوري المقيم في بيروت، جمعه لهيب، يرى في حديثه لـ”الحل نت”، أن عودة قضية اللاجئين السوريين إلى المشهد بقوة هذه الفترة ترجع لأن القوي السياسية اللبنانية تتعامل مع موضوع اللاجئين السوريين كورقة مناسبة وضاغطة في الانتخابات اللبنانية، فكل القوي السياسية اللبنانية تتصارع من أجل استغلال هذا الملف دون التعمّق في تفاصيله ويضيع اللاجئين وحقوقهم بين الأقدام لأجل لعبة سياسية.

شماعة اللاجئين السوريين

ترى القوى السياسية المطالبة بعودة السوريين أن النزوح بات ضاغطاً على البنى التحتية اللبنانية والبنية الاقتصادية والأمنية، كما بات ضاغطاً على المستويات الاجتماعية. هذا مع وجود عبءٍ كبير مرمي على كاهل المجتمع اللبناني في ظل عجز الدولة؛ ما يتطلب العمل على إيجاد حلول. 

اللاجئين السوريين لبنان سوريا نزوح
اللاجئة السورية غفران الجاسم، 30 عاماً، وهي لاجئة سورية تُظهر الوثائق الطبية لولديها اللذين يعانيان من مرض في القلب، داخل خيمة العائلة في مخيم للاجئين في سعد نايل في سهل البقاع شرق لبنان. (تصوير أنوار عمرو/وكالة الصحافة الفرنسية)

الباحث اللبناني خلدون الشريف، يشير إلى أن اللبنانيين يرون أن النزوح الأمني والسياسي مشروع، لكن الغالبية الآن في لبنان، ترى أنه “نزوح اقتصادي”، بمعنى أن “الفقير (اللبناني) يستقبل الأفقر (السوري)، وهو ما فرض وقائع ضاغطة حتى على البيئات المتعاطفة مع السوريين. 

ولفت الشريف، إلى أن “الديموغرافيا في البقاعين الغربي والأوسط (التي تسكنها أغلبية سنّية)، تبدلت، حيث باتت كمية النازحين أكبر من السكان المحليين؛ ما يشير إلى أن المجتمع السوري هناك لم يعد نازحاً، بل مجتمع منتج ولديه دورته الاقتصادية؛ مما يتطلب تنظيماً لرخص العمل وإيضاح الحقوق والواجبات على المقيم”، مشدداً على أنه “أمر غير مرتبط بعنصرية، بل بحسابات وطنية واقتصادية”. 

بحسب تصريح الكاتب السوري، عقيل حسن، لـ”الحل نت”، فإن ملف اللاجئين السوريين تحوّل إلى شماعة يعلّق عليها القوى السياسية اللبنانية أخطائهم، فمن المعروف أن المجتمع اللبناني لديه مشكلاته قبل وجود اللاجئين من فساد سياسي ومالي وفساد في مؤسسات الدولة يترتب عليه مشكلات اقتصادية وبطالة وتضخم ونقص العملة الصعبة وارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى الخدمات. 

أيضا، كان من الممكن أن تُحسن القوى السياسية استخدام ورقة السوريين بما يصبّ في مصلحة اقتصاد لبنان خلال العمل وتقديم الدعم لهم، ولا نغفل أن الاشتباكات في الجنوب مع إسرائيل التي حشر “حزب الله” أنف اللبنانيين فيها، ومع نزوح سكان الجنوب إلى مناطق المخيمات السورية عمل على الضغط أكثر على اللاجئين السوريين.

وفيما يتعلق بمسألة النزوح الاقتصادي فالمساعدات التي توفّرها المفوضية للسوريين في لبنان محدودة جدّا، يذكر مركز “وصول” لحقوق الإنسان، أنه “حسب المعلومات المتوفّرة، تقدم المفوضية مساعدات لنحو 20 بالمئة من اللاجئين المقيمين في لبنان فيما تصرّح المفوضية بنسبة أعلى، وتفتقر تقاريرها للشفافية المالية وآلية صرف المساعدات التي تجمعها سنويًا من الدول المانحة”. 

وبحسب دياب، أعلنت المفوضية قطع المساعدات المخصصة لشراء مواد التدفئة هذا الشتاء، وكان الأمر صدمة كبيرة للاجئين السوريين في ظل تدهور ظروفهم الاقتصادية والمداهمات الأمنية العشوائية التي يتعرّضون لها هذا العام.

العودة إلى الموت

نتفق أو نختلف حول حقّ اللبنانيين في مطالبهم بعودة السوريين إلى بلادهم، إلا أنه لا بد أن نتفق على التأثير السلبي لهذه الدعوات على السوريين، وعلى المصير الذي ينتظرهم في سوريا في حال العودة أو في حال ترحيلهم قسرا. 

اللاجئين السوريين لبنان سوريا نزوح
حركة احتجاج ضد “توطين السوريين” أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بيروت لبنان في 19 مايو/أيار 2023 (تصوير فاضل عيتاني/ غيتي)

عقيل، يؤكد أن هذه الدعوات تأتي في جزءٍ منها من خلال بعض القوى السياسية اللبنانية الداعمة للرئيس السوري بشار الأسد، وتأثير هذه الدعوات سيئة على السوريين في داخل لبنان، حيث تتأثر الخدمات التي تُقدّم لهم وهذا بالإضافة إلى الشعور بالخوف طول الوقت والمداهمات الأمنية المستمرة. 

في هذا الصدد يرى لهيب، أن عمليات ترحيل السوريين تمثّل خطر على فئتين من اللاجئين السوريين، المعارضين السوريين المطلوبين لدى المخابرات السورية فهناك حالات ترحيل حتى للمعارضين، و المطلوبين للتجنيد قهرا، حيث يتم التسليم مباشر للفرقة الرابعة والقبض عليهم. 

ليس ذلك فحسب، بل وربما تخضع عملية الترحيل للمزاج من جهة أو للطائفية من جهة أخرى فيتم تسليم المعارضين فوراً بشكل غير قانوني، وأحياناً إذا كانت العناصر الأمنية ذات قلوب إنسانية يتم الإرجاع إلى لبنان وعدم الترحيل، فالأمر كله يخضع للحالة المزاجية للعناصر الأمن في لبنان.

ووفقا لدياب، ربما تدفع هذه الدعوات بعض السوريين إلى الانتحار أرحم من العودة، فطبقا لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في سوريا في شباط/فبراير 2024، فإن سوريا غير آمنة. ولا يزال العائدون قسرا يخشون التعرّض للاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب. 

وجاء في التقرير، أن أكثر من 388.679 سوريا عادوا من البلدان المجاورة إلى سوريا منذ عام 2016 حتى 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وبينما عاد العديد من السوريّين بسبب مجموعة من العوامل، من بينها تدهور ظروفهم الاقتصادية في الخارج، ازدادت الضغوط من أجل عودة اللاجئين السوريّين الآخرين في الأشهر القليلة الماضية، وخاصّة من سلطات البلدان المجاورة. 

وترافق ذلك مع تكثيف الخطابات العدائيّة ضد اللاجئين، والتي تُوّجت ببعض التدابير من قبيل المداهمات والاعتقالات الجماعيّة وعمليّات الترحيل. 

كما أن هناك مخاوف كبيرة في حال العودة فقد يواجه العديد من اللاجئين التعذيب والعنف الجنسي والاختفاء والتجنيد القهري. وهذا ما أكد عليه في السابق رامز قيس الباحث في شؤون لبنان، حيث قال: “يعيش السوريون في لبنان في خوف دائم من إمكانية القبض عليهم وإعادتهم إلى ظروف مروعة، بغض النظر عن وضعهم كلاجئين، وتظهر الروايات عن تعذيب العائدين وتجنيدهم العسكري القسري في حرب دموية أدت إلى مقتل وتشريد مئات الآلاف”.

في عام 2018 أصدر الأسد دعوة بعنوان “عودوا إلى حضن الوطن “، لكن هذه الدعوة ما هي إلا وسيلة ناعمة للتخلص من العائدين وعلى رأسهم المعارضين له، وفق تقارير حقوقية. وليس ذلك فحسب، بل حتى وبحسب تصريحات الساسة اللبنانيين، فإن الأسد ذات يرفض الحديث أو الحوار بشأن عودة اللاجئين ويربط ذلك بالسماح له بالتحكم في ملف المساعدات الأممية، وحصوله على تمويل “الإنعاش المبكر”.

إن وضع اللاجئين السوريين في لبنان لا يختلف عن وضعهم في تركيا والعراق ومصر والأردن. فالمعاناة واحدة وإن اختلفت البلدان، وهنا يظل السؤال مفتوح دون إجابة: أين يذهب السوريون؟ إلى نظامٍ يرفض قبولهم ومنح أرضهم للمليشيات الإيرانية والقوات الخارجية؟ أم يظلّوا عالقين على حدود وفي دول الجوار مع خطابات الكراهية الرافضة لهم؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات