عمّار ديّوب

قدِم الروس إلى #سوريا لإنقاذ النظام المنهك المتعب، وهم يعلمون أن الجهة التي تقاتله ليست ضعيفة وتحوز على “دعم” إقليمي ودولي واسع. وتحضيراً لاحتمال فشل التدخل العسكري طرحوا لقاء #فيينا، أي طريق الحل السياسي، والذي كانت تنتظر كافة الأطراف ولا سيما بعد أن أفشل الروس بأنفسهم #جنيف من قبل، وفعلاً بدأ مسار فيينا.

 

مسار فيينا تطور لتتركز أجواؤه في محاربة الإرهاب بالتحديد، ولا سيما بعد تفجيرات #داعش في #فرنسا ودول أخرى، ولكن مصالح الدول الإقليمية ومصالح السوريين المعارضين للنظام لا بد أن تُلبى بالحد الأدنى. فقصة محاربة الإرهاب لوحدها سمجة ولا يمكنهم تأييدها ما لم يحدث تغيير ولو شكليٌ، نقصد الصفوف الأولى في السلطة الحاكمة بالتحديد. هذه النقطة بالتحديد هي قضية الخلاف الأكبر بين روسيا وأمريكا بالأصل، وبالتالي اضطر الروس للتفكير الجدي بكيفية حشر المعارضة لتتقبل رؤيتها بالكامل. يساعد الروس في مساعيهم “الشريرة” أن أمريكا وأوروبا أبدت مؤخراً تراجعاً بما يخص السلطة الحاكمة وقبولاً للرؤية الروسية. إذاً القضية معقدة سيما أن المعارضة لا يمكنها قبول الرؤية الروسية كاملة.

الروس يعلمون ذلك جيداً؛ فالسعودية بقيت خارج الخلاف التركي الروسي بخصصفحاتوص إسقاط الطائرة الروسية، وهناك كلام عن صفقة سريّة بين الروس والسعودية يتم بها تسهيل معركة اليمن مقابل تسهيل معركة سوريا وإخراج إيران من المشهد السوري. ولكن الروس يطمحون بعقلية الدب لإعادة الروح للنظام. هذه النقطة، وتجاهلهم للمصالح الإقليمية، دفعهم إلى تصعيد ناري خطير في المدن السورية، وتحديداً في ريف #اللاذقية من جهة، وإلى القيام بمؤتمرات في الداخل لتفريغ مؤتمر #الرياض من أهميته من جهة ثانية.

الروس يفاوضون بقوة النيران، وسيستمرون بذلك إلى لحظة الموافقة على إيقاف إطلاق النار، كما تبدو سياستهم، وطبعاً نيرانهم لن تصيب داعش أو النصرة بل ولا أحرار الشام ولا جيش الإسلام، وربما ستطال الأحرار وجيش الإسلام بعد موافقتهم على التمثيل في مؤتمر الرياض، وبالتالي عدم وضع أسمائهم ضمن قوائم الإرهاب التي تعمل عليها الأردن.

الآن وبعد أن فقد الروس المبادرة بخصوص مؤتمر الرياض، وتبيّن أن أطراف المعارضة السورية التقت واجتمعت وتوافقت، وتمثل فيه المكون العسكري ومنه مما نرفض كل توجهاته، ولكن الآن هناك تمثيل سياسي وعسكري واسع وقد استطاع إقناع من كان يعدّ ممثلاً لمعارضة الداخل، ونقصد بالتحديد هيئة التنسيق، فإن أوراق النظام القوية سقطت تماماً، ولن يفيده مؤتمر الشيراتون الأخير “للمعارضة” أو مؤتمر حزب البي يا دي وتيار قمح “المصري”. وبالتالي خسر الروس الورقة السياسية الأهم التي كانوا يعتبرونها بيدهم.

الآن ستواجه هيئة التفاوض مسؤولية كبيرة، فكثير مما سمتهم المعارضة أصدقاء الشعب السوري هم تقريباً يتبنون الرؤية الروسية للحل في سوريا، والدول الإقليمية ضعيفة إزاء الموقف الأمريكي المساند للروس، ولديها الآن فصائل إسلامية مسلحة مشاركة في الهيئة وستشارك في وفد التفاوض، وهذه ستحاول بكل السبل نسف كل ما يتعلق بالدول المدنية، وطرح موضوع الأسلمة أو الطائفية كخيار على الطاولة، وهذا سيعطي روسيا أوراقاً قوية ضد وفد التفاوض. هذه التعقيدات تستلزم عملاً دؤوباً وروحاً وطنية عالية؛ فالتشكيل الجديد للمعارضة ليس بوضعٍ سهل أبداً. . فهل سيتمكن من مواجهة عدة جبهات بآن واحد؟!

الدب الروسي وحلفاؤه، من إيرانيين ونظام، سيعملون لإفشال المؤتمر، ولنقل سيحاولون تمرير رؤيتهم بكل السبل، فهم ضمنوا التحوّل الأمريكي والأوربي نحو محاربة الإرهاب، ويريدون للمعارضة أن تفهم ذلك، ومن هنا تتالى الأخبار عن مشاركة قوات النظام في محاربة داعش والإرهاب. وأما الجدل حول من هي تلك القوات وهل قبل إيقاف إطلاق النار أو بعد، فهذا يوضح أن “الأصدقاء” أصبحوا متلهفين للخلاص من معارضة تستهدف تغيير النظام؛ فهيئة التفاوض الآن تقريباً أصبحت مسؤولة عن تيارات المعارضة ولم يعد من قيمة للائتلاف أو هيئة التنسيق أو سواها. طبعاً من أكبر الأخطاء اعتبار هذه القوى انتهت، ويمكن لأدوارها السياسية الرافضة لأية مخرجات لا تتوافق مع أهداف الثورة أن تساهم في الوصول إلى المرحلة الانتقالية؛ فهي قوى سياسية ولها علاقاتها ويفترض أن تستغلها دولياً من أجل الحل السياسي، وبما لا يتناقض مع هيئة التفاوض أو أن تنشغل بخلافات فيما بينها.

ما ذكرناه أعلاه هو الرغبة في رؤية الجانب الإيجابي في عمل المعارضة، وقولنا هذا رغم معرفتنا أن السياسة تعبر عن المصالح، وعن الدول الداعمة للمعارضة، وعن التوافق الروسي الأمريكي حول ضرورة محاربة الإرهاب أولاً وكذلك الحل السياسي وإن بدرجة أقل.

وبعيداً عن خيار فيينا ومؤتمر الرياض ومخرجاته “الهامة” فإن القوى السياسية غير المشاركة فيها معنية بصياغة خيارها الوطني، ورؤيتها للحل السياسي في سوريا ورؤيتها لكل مشكلات سوريا التي تعقدت بسبب رفض النظام لأهداف الثورة ومنذ 2011، وتبوؤ معارضة مفلسة تاريخياً سدة الثورة بلا منازع، وتفشيلها لكل تشكيلات الثورة السياسية والعسكرية.

إن الإصرار على تحقيق تلك الأهداف، وتشكيل قوى جديدة من أجل تحقيقها، يجب أن يكون ورقة ضغط على عمل هيئة التفاوض ووفد التفاوض، ورفض كل ما لا يسمح بالوصول إليها. ونضيف بأن وجود وفد موازٍ “حكومة ظل”، ولو لم يكن له صفة تمثيلية في مؤتمر الرياض أكثر من ضروري، وفد يتابع الشأن التفاوضي ويصوب بكل الأشكال الممكنة السلبيات التي ستعترض التفاوض وهي كثيرة.

نوجز إن كل اتفاق سياسي لا يراعي أهداف الثورة سيفشل وستستفيد من ذلك القوى الجهادية؛ فالفشل يعني شيئاً واحداً .. تأجيل الحل السياسي وتوسع  جبهات الجهاد والحرب والدمار والقتل؛ فلا روسيا قادرة على الحسم، ولا الفصائل التي تواجهها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.