د. محمد حبش

يقيم الإعلام السوري هذه الأيام ملطمة السيادة الوطنية بعد نجاح #الرياض في جمع المعارضين السوريين من قوى سياسية ومسلحة تحت سقف واحد والوصول الى هيئة عليا للإشراف على التفاوض ضمن برنامج الأمم المتحدة للخلاص في #سوريا.

 

النظام يتباكى على السيادة الوطنية المنكوبة، ويستغرب إعلامه المقاوم والممانع كيف رضي عدة ملايين من السوريين اللجوء إلى بلاد لا تلتزم خط المقاومة والممانعة والصمود والتصدي، وكيف يقبلون الاجتماع في بلاد الناقة والبعير، وكأن السوريين في شرادهم وشتاتهم وتغريبتهم يتابعون العروض السياحية لشركات العطلات ليتخيروا استرخاءهم ورفاهيتهم في دول اللجوء.

ولا يتوقف في الشتائم المسمومة عند دول الخليج العربي بل يمتد يشطب من خريطة السيادة الوطنية كل #أوروبا والعالم المتحضر الماكر الذي يتآمر على الصمود والممانعة عن طريق توفيره ملاذاً آمناً اللاجئين الهاربين من الخدمة في جيش السيادة الوطنية، وتوفير بعض الخدمات الإنسانية للسوريين المنكوبين الهائمين في بلاد الله.

السيادة …. إنه العنوان الذي يتذرع به النظام ضد معارضيه الذين يلجؤون إلى بلاد الله، ويقول النظام إذا كنتم جادين في خلاص بلدكم فتفضلوا الى سوريا، وهناك فقط يجب ان تقام المؤتمرات والمعارضات السورية.

إنهم يرفعون نصف اللافتة بالطبع وتتمتها معروفة بالطبع لكل مراقب  تعالوا إلى سوريا ونحن بانتظاركم مع عبد العزيز الخير ورفاقه في فروع المخابرات اللعينة التي يموت فيها المئات كل يوم تحت أبشع أشكال التعذيب والقهر.

إنهم يقرؤون دوماً نصف اللافتة، ونصف الصورة ونصف الأغنية….

يصور الإعلام السوري القاذفات الروسية الجبارة التي تطلق الموت من الأساطيل المرعبة في البحار الخمسة من حول الوطن المنكوب، ولكنه لا يصور لنا النصف الآخر من الصورة، إنه يصور منصات الإطلاق ولا يصور منصات الهبوط، يصور الصواريخ تائهة في الفضاء ولا يصورها وهي تدمر ما أتت عليه من شجر وبشر وحجر، يصور لنا الصواريخ الرهيبة وهي على متن الطرادات المدمرة ملمعة بالبوليش وكانه يعرض لنا سيارات فورد الجديدة ولم يبق إلا أن يستأجر صبايا الهوى للترويج لهذه السلع الجميلة، ولكنه لا يصور لنا المشافي والمدارس والبيوت التي تنهار عليها هذه السلع الحقيرة التي استوردها النظام لشعبه، والموت الذي تخلفه وراءها، ثم يباعي بأنه جاءهم بحماية السيادة الوطنية، ولا يوجد سخلة في الدنيا جاء قومه بأشأم مما جاءهم به هذا النظام.

هكذا يطالب النظام بحماية السيادة الوطنية، تحت رايات إيرانية وروسية وطائفية، ثم يطالبك بعد ذلك كله بتقديم الشكر للروس والميليشيات الطائفية المستأجرة على مبادراتهم بالحفاظ على السيادة السورية عبر براميل الموت وقذائف الكروز المجنونة العابرة للقارات.

لا يوجد سلاح موت لم يجربه الروسي على أرض سوريا، ومع ذلك فهو يمن على السوريين أنه لم يستخدم الرؤوس النووية في قذائفه بعد!!

شخصياً أعتقد ان فكرة السيادة الوطنية فكرة جيدة، ولكنها تمارس بطريقة وثنية ملعونة، وقديماً كتب جبران خليل جبران أنه سيأتي اليوم الذي لا يصدق فيه الناس أن أحداً كان يقتل نفسه من أجل تراب الأوطان.

لقد استخدمت الامم المتحدة فكرة السيادة الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية وسمحت بتعزيز دعائمها ومخرجاتها رغبة في إقناع الأنظمة بالانضمام إلى الأمم المتحدة بعد فشل عصبة الأمم، ويقول العارفون إن هذه الفكرة كانت وراء نجاح هذه المنظمة الدولية في تكريس نفسها كمظلة للأمم، حيث اعتبرت مبدأ التدخل في شؤون الدول الأخرى مرفوضاً ومناقضاً لبرامج الأمم المتحدة وقوانينها، وبذلك انضمت الدول الدكتاتورية للأمم المتحدة وهي مرتاحة البال.

ولكن إلى أي مدى يمكن أن تكون السيادة غطاء للاستبداد والظلم؟ وهل يمكن أن يبقى هذا العنوان الأبله غطاء لجرائم لا تنتهي يقوم بها الاستبداد، وما قيمة السيادة الوطنية إذا كان الإنسان نفسه مستباحاً مطارداً بكل أشكال القهر والإبادة؟

ما الذي نجنيه من شعار السيادة الوطنية حين يصبح ابناء هذا الوطن ضحايا براميل هذه السيادة وقذائفها المدمرة، من طراز كروز وسكود وغيرها من الصواريخ العابرة للقارات التي تنزل على رأس هذا الشعب المنكوب، والعنوان هو حماية السيادة الوطنية!!

لقد حان الوقت لنرفض هذه الأفكار الوثنية المحنطة، ونتحدث بدلاً عن ذلك عن واجب التدخل الإنساني لإنقاذ حياة الناس في نكباتهم ومآسيهم التي يتم تبريرها وتعليلها بشماعة السيادة الوطنية.

في سوريا يسلم النظام سلاحه الكيماوي بالكامل للأمريكيين……

ويسلم مطاراته العسكرية للروس….

ويسلم قواعده العسكرية للإيرانيين……

ويصرح حليفه الروسي #بوتين علناً بأن التنسيق مع الإسرائيليين في سوريا يسير على قدم وساق….

ويصرح نتنياهو علناً بأن الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية بتنسيق مع روسيا…..

ثم يتحدث بعد ذلك عن خيانة السوريين اللاجئين الهاربين من جرائمه إلى دول الجوار العربي.

لست في هيئة التفاوض، ولا يد لي فيها ولا قدم، ولكنني أشعر ببريق أمل حين تنجح السعودية في توفير منصة حقيقية للسوريين الرافضين للظلم، وتحقق هذه الخطوة الجريئة، والأمل اليوم كبير بان تستمر العملية السياسية الموعودة، ويتم الخلاص مطلع العام القادم عبر موقف دولي حازم ينهي سنوات الصراع السوداء، التي أحرقت سوريا كلها، وقتلت وشردت الملايين من أبنائها تحت عنوان السيادة الوطنية التي لم تكن في الحقيقة إلا التمسك بالكرسي على أشلاء هذا الوطن المنكوب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.