طبيب جراح سوري متهم بالتعذيب في بلاده وصل إلى ألمانيا قبل سنوات، سيتعين عليه أن يحاسب على جرائمه في ألمانيا، بعد أن استخدم بشار الأسد مهنة الطب منذ بدء الحراك الشعبي في سوريا لبناء “مجتمع أكثر تجانساً”.

عمليات بدون تخدير، ركل الجروح أو مناطق الألم، تعليق المريض من السقف، الحقن المتعمد بمواد مميتة، كيف يمكن أن يكون طبيب هو الفاعل لمثل هذه الجرائم؟ يتساءل تقرير لصحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية، وترجمه موقع “الحل نت”.

الطبيب علاء موسى وصل به الحد إلى حرق مراهق يبلغ من العمر 14 عاما، بعد رشه بالكحول. ستبدأ محاكمته في 19 من شهر كانون الثاني/يناير الجاري في فرانكفورت بألمانيا. وتعد هذه الجرائم واحدة من أحلك الصفحات في تاريخ سوريا والتي تبدأ بالتشكيك في مسؤولية عشرات الأطباء في “ترسانة الموت” التابعة لحكومة دمشق.

“بنظرة خارجية، يبدو أنه من غير المتصور أن يرتكب شخص مهمته العلاج مثل هذه الجرائم، بل إنه أمر مزعج بشكل خاص. وستكون هذه المحاكمة خطوة مهمة في تحقيق العدالة للسوريين ضحايا هذه الجرائم”، يقول رينيه باهنس، محامي أحد الأطراف المدنية، للصحيفة الفرنسية.

كان علاء موسى يعيش بهدوء شديد في ألمانيا منذ خمس سنوات عندما اعتقل في حزيران/يونيو 2020. وفي وقت الجرائم المتهم بارتكابها، في عامي 2011 و2012، كان موسى يمارس عمله في سوريا في المستشفيات العسكرية، لا سيما في دمشق. وزار بانتظام كذلك مركز الاعتقال التابع لفرع جهاز المخابرات العسكرية في حمص.

ما من مهنة طبية بدون ولاء للسلطة؟

يتهم خليل (اسم مستعار حتى بدء المحاكمة) من حي بابا عمرو الذي يمثله المحامي باهنس، الطبيب موسى بضربه وأخيه بأنابيب بلاستيكية وتعمد إساءة معاملة أخيه.

كان ذلك في خريف عام 2011، بعد سبعة أشهر من بدء الاحتجاجات. وفي ذلك الوقت، كان خليل يبلغ من العمر 20 عاما، وتم اعتقاله مع شقيقه المصاب بالصرع. واقتيد الشابان إلى زنزانة في الفرع 261 لأجهزة المخابرات. وعندما دخل الشاب في تشنجات، استدعى طبيب لعلاجه، فركله بدلا من علاجه. ليقوم الطبيب ذاته فيما بعد بإعطائه دواء يجعله يفقد وعيه، قبل أن يأمر الحراس بإزالة جسده شبه الميت. لن يرى خليل أخيه مرة أخرى. وسيبقى مسجونا حتى عودة جثته المعذبة إلى أسرته.

قال خليل للمحققين إن هذا الطبيب هو علاء موسى. فعند وصوله بتأشيرة، عمل جراح العظام بشكل قانوني، أولا في جوتنجن، ثم في مدينة السبا باد فيلدونجن، قبل أن يتعرف عليه اللاجئون السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، ويشهدون أمام مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني، الرائد في أوروبا في محاربة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في سوريا. وبفضل الولاية القضائية العالمية، التي تخول العدالة محاكمة الأجانب المسؤولين عن جرائم ارتكبت خارج ألمانيا، فتحت النيابة العامة الألمانية تحقيقها، ومنذ ذلك الحين، تتراكم الملفات والشهادات والاعتقالات.

لقد عُقدت أول محاكمة لضابط أمن دولة سابق متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في 4000 حالة تعذيب و58 جريمة قتل. وبعد عام ونصف من الجلسة الأولى، سيتم النطق بالحكم ضد أنور رسلان أيضا في 13 من الشهر الجاري. وتقاضي النيابة الآن علاء موسى، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما فيها 18 حالة تعذيب أو سوء معاملة، كان من الممكن أن تؤدي إحداها إلى الوفاة.

موسى ينفي بطبيعة الحال ما نسب إليه، لذلك من المتوقع أن تكون المحاكمة طويلة. “ستكون قطعة جديدة من اللغز لفهم أداء النظام السوري، كما ستتيح جلسات الاستماع تحديد إلى أي مدى تم الإشارة ضمنيا إلى بعض الأطباء والمستشفيات العسكرية في إرهاب الدولة تجاه المدنيين”، يتابع المحامي باهنس.

في الساعات الأولى من الحراك الشعبي، وُضعت المستشفيات، العسكرية وحتى المدنية، تحت مراقبة أجهزة المخابرات، التي أسست مكاتبا لها هناك. ويجب على المستشفيات الإعلان عن كل مصاب، لذلك لا تذهب إلى غرفة الطوارئ إذا أصابتك رصاصة. ويخبر طبيب، كان قد هرب من دمشق وتمت مقابلته في حلب عام 2013، في منطقة كانت تحت سيطرة المعارضة آنذاك، كيف “يمكن أن ينتهي الأمر ببتر أطراف المتظاهرين الذين أصيبوا بجروح طفيفة”. كما أخبرت ممرضة سابقة في مستشفى عسكري بالعاصمة الصحيفة كيف أن رجلا أصيب برصاصة في صدره “وُضع في ثلاجة المشرحة، وهو لا يزال على قيد الحياة”.

ضرب المرضى حتى الموت

كان منير الفقير محظوظا بما يكفي ليخرج حيا. فقد اعتقل هذا المهندس بين آذار/مارس 2012 وكانون الثاني/يناير 2014 من أجهزة المخابرات المختلفة، وأرسل مرتين إلى مستشفى يوسف العظمة العسكري المعروف بمستشفى 601. في المرة الأولى بسبب الزحار والثانية بسبب مرض في القدم. “كنت خائفا جدا من الذهاب إلى هناك”. وبين المعتقلين كان المستشفى 601 يلقب بـ “المسلخ البشري”، يتذكر الناجي اليوم، والذي يعيش في اسطنبول “لقد مارس هناك علاء موسى، الذي يواجه المحاكمة التي ستبدأ في فرانكفورت، مهنته”.

في “مركز الصدمات” بمشفى 601، يتم إخفاء المعتقلين المرضى. وفي الغرف، في كل من الأسرّة الستة أو السبعة، يتم ربط اثنين أو ثلاثة سجناء عراة بسلاسل، مع القليل، أو حتى لا شيء من الأدوية التي يحتاجونها. وفي الليل يأتي رجل يسمي نفسه عزرائيل (ملاك الموت) ليضرب بعض المرضى حتى الموت. وفي الصباح يقوم “الصخرة” بفتح السلسلة وسحب الجثة من رجليها، كما يقول منير الفقير للصحيفة الفرنسية.

يتم نقل الجثث على بعد بضع عشرات من الأمتار إلى مرآب المستشفى. وهناك، في الهواء الطلق، كانت أجهزة المخابرات تجمع سجناءها المتوفين في الزنازين كل صباح. وكان من المقرر تصوير الجثث لأرشيف النظام السري، بما فيها الـ 27000 صورة، التي سرقها وهربها أحد الفارين من سوريا، والذي يطلق على نفسه “قيصر”. وهي تشكل اليوم أحد الأدلة الرئيسية على آلة الموت السورية. وبالإضافة إلى عددهم، تظهر هذه الصور دور الطاقم الطبي هناك، ونقص الرعاية المقدمة للسجناء الذين، في غالبيتهم، لم يموتوا تحت الضربات المباشرة للتعذيب، بل بسبب الجوع وسوء المعاملة أو الأمراض غير المعالجة. وتُظهر الصور كذلك دور هؤلاء الأطباء الموالون الذين زوروا الموت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.