بدأت فكرة رفض اللجوء إلى أوروبا للسوريين، تراود العديد من العناصر السابقين المنتمين للفروع الأمنية التابعة لوزارة الداخلية السورية، والتي عرف عنها الكثير من الانتهاكات ضد المدنيين. 

فكرة الرفض تأتي بعد الطلب المتزايد من قبل المنظمات الحقوقية على محاكمة السوريين في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، الموالين أو العاملين ضمن القوات الأمنية أو من الذين كانوا على صلة بالمليشيات المحلية أو القوات الحكومية، بتهمة التعذيب تحت رعاية الدولة.

اللجوء إلى أوروبا .. “الحياة في سوريا ولا سجون أوروبا”

ذكر عمر أحمد (اسم مستعار لأحد العاملين في فرع الأمن العسكري بالسويداء) لـ”الحل نت”، أنه فكر مليا قبل اتخاذ قرار المكوث في سوريا. بعد أن حصل على فرصة لمغادرة البلاد نحو أوروبا من أجل طلب اللجوء.

وقال أحمد، إن استبعاده لفكرة عدم خوض التجربة التي يحلم بها العديد من السوريين داخل البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية وعدم وجود حلول لها؛ هو ما سمعه من وسائل الإعلام عن محاكمة سوريين اتهموا بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين خلال السنوات الماضية.

ومع إدعاء أحمد لـ”الحل نت”، أنه لم يقوم بأي انتهاك، (هنا يشير “الحل نت” إلى أنه لم يستطع التأكد من هذه المعلومة). إلا أن تخليه عن فكرة الهجرة كانت بسبب السمعة السيئة لفرع الأمن العسكري. حيث يمكن أن يجد القضاء الأوروبي منفذا إلى محاكمته، وفق اعتقاده.

تستخدم الدول الأوروبية الآلية التي أنشأتها الأمم المتحدة في عام 2016. وهي آلية دولية محايدة ومستقلة، والتي تعد لتهم ارتكاب جرائم حرب ضد أفراد بسبب الصراع السوري. وبدأت على إثرها منظمات وهيئات حقوقية بجمع الأدلة لاستخدامها في محاكمات مستقبلية محتملة.

للقراءة أو الاستماع: فريق دولي لمحاكمة مقاتلي “داعش” المتسببين بالإبادة الأيزيدية

الولاية القضائية في ألمانيا

بعد لجوء عشرات آلاف السوريين إلى أوروبا وتحديداً ألمانيا، استخدمت ألمانيا لمحاكمة بعض السوريين في أوروبا، مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح لدولة أجنبية بملاحقة الجرائم ضد الإنسانية. بما في ذلك جرائم الحرب والإبادة الجماعية، بغض النظر عن مكان ارتكابها. بعد تلقيها شكاوى من سوريين يزعمون أنهم تعرضوا للتعذيب في سجون الحكومة السورية.

ففي فبراير/شباط 2021 ، سجنت المحكمة الألمانية، ضابط المخابرات السورية السابق، إياد الغريب، لكونه شريكا في جرائم ضد الإنسانية في أول محاكمة في العالم على الانتهاكات.

وفي آذار/مارس 2017، قدم سبعة سوريون ناجون من التعذيب ومجموعة حقوقية شكوى جنائية في ألمانيا ضد مسؤولي المخابرات السورية. وفي وقت لاحق من ذلك العام، تم تسليم ما يقرب من 27000 صورة التقطها مصور عسكري سوري سابق يُعرف باسم قيصر. والذي وثق التعذيب والموت في سجون الحكومة، إلى المحاكم الألمانية.

كما أعلن “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان”، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أن 13 سوريا قد رفعوا شكوتين جديدتين بشأن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بشأن أعمال تعذيب. كما قدم سبعة رجال وسيدات سوريين آخرين قالوا أنهم تعرضوا أو شهدوا عمليات اغتصاب واعتداء جنسي في مراكز احتجاز السلطة السورية إلى النيابة العامة الألمانية. حسبما كشفت المجموعة في حزيران/يونيو 2020.

وقاموا بتسمية تسعة من كبار مسؤولي المخابرات الحكومية والجوية، بمن فيهم ضباط المخابرات السورية، جميل حسن. الذي كان بالفعل موضوع مذكرة اعتقال دولية. ومن المقرر أن تبدأ محاكمة ضابط المخابرات السوري السابق، أنور رسلان، المتهم بالتعذيب والقتل والجرائم ضد الإنسانية في فرانكفورت في 19 يناير/كانون الثاني الجاري.

للقراءة أو الاستماع: ألمانيا: البدء بمحاكمة شاب سوري قاتل إلى جانب حركة أحرار الشام

القضايا تتوالى ضد الأسد في فرنسا

كانت أولى القضايا تبدأ موجتها في فرنسا، عندما فتح المدعي العام في باريس، في سبتمبر/أيلول 2015، تحقيقا أوليا ضد الأسد لارتكابه جرائم ضد الإنسانية بشأن مزاعم الاختطاف والتعذيب.

ثم تلاها في يوليو/تموز 2016، تقديم أسرة طبيب سوري توفي في سجن تابع للحكومة السورية، شكوى في باريس بشأن تعذيبه وقتله. وفتحت محكمة فرنسية أخرى تحقيقا في 2016 في اختفاء مازن الدباغ ونجله باتريك. وهما مواطنان فرنسيان وسوريان كانا قد اعتقلا في سوريا قبل ثلاث سنوات.

كما أصدرت فرنسا أول مذكرات توقيف دولية لمسؤولي المخابرات السورية في 2018 بتهمة “التواطؤ في أعمال تعذيب” تتعلق بالقضية. وكذلك “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية” و “التواطؤ في جرائم حرب”.

وكانت مذكرات الاعتقال بحق مدير مكتب الأمن الوطني، علي مملوك، ورئيس المخابرات الجوية، جميل حسن، وعبد السلام محمود، الذي كان مسؤولا عن فرع المخابرات الجوية في العاصمة دمشق.

في أبريل/نيسان 2021، تمكنت ثلاث منظمات غير حكومية من تقديم شكاوى وفتح تحقيق في هجمات كيماوية في 2013. أكدت تقارير الأمم المتحدة ضلوع الجيش السوري في تنفيذها. وتم رفع القضية في ألمانيا وباريس، نيابة عن ضحايا هجوم 2013 وهجوم 2017 باستخدام غاز السارين.

وسجنت السلطات الفرنسية، في ديسمبر/كانون الأول 2021. رجل فرنسي – سوري للاشتباه في قيامه بتزويد الجيش السوري بمواد يمكن استخدامها لصنع أسلحة كيماوية. كما قال مسؤولون قضائيون حينها، إن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على شخص متهم في فرنسا بدعم القوات النظامية.

للقراءة أو الاستماع: باريس لا تستطيع محاكمة مرتكبي جرائم الحرب بسوريا

اللجوء إلى أوروبا للسوريين وانتشار محاكمة بعضهم!

ولم يقتصر رفع القضايا في فرنسا وألمانيا. ففي يوليو/تموز 2017، رفضت محكمة إسبانية شكوى قدمتها امرأة إسبانية من أصل سوري ضد تسعة مسؤولين حكوميين سوريين. بشأن الاحتجاز القسري والتعذيب والإعدام المزعوم لشقيقها في 2013.

كما بدأت النمسا والنرويج والسويد عام 2017 بإجراءات قانونية لمحاكمة الجنود السابقين في الجيش السوري، بتهم ارتكاب جرائم حرب. وفي السويد، قدمت أربع منظمات غير حكومية شكوى في نيسان/أبريل 2021 ضد الرئيس السوري بشار الأسد. والعديد من كبار المسؤولين بعد هجومين كيميائيين في 2013 و 2017.

قد يهمك: منظمات حقوقية تطالب فرنسا بمحاكمة ضابط مخابرات سوري سابق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.