يبدو أن تصريحات الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو حول مشاركة بلاده في إعادة إعمار سوريا، لا تعدو عن كونها تأتي للاستهلاك الإعلامي ضمن إطار العلاقات التي لم تنقطع بين كاراكاس ودمشق خلال السنوات الماضية.

فنزويلا الواقعة تحت عقوبات اقتصادية دولية، حالها في ذلك كحال سوريا التي قال رئيسها بشار الأسد مؤخرا، بأن فنزويلا يمكن أن تنضم إلى “محور المقاومة”، وفق ما يسميه التيار الموالي لإيران في المنطقة. يأتي تصريح مادورو لاحقا لرغبة الأسد، ما يشي أن كاراكاس تريد تسويق صورة مغايرة تماما عن حقيقة اقتصادها المنهار ووضعها المحرج، فيسعى مادورو للادعاء بأن البلاد التي يحكمها تغلبت على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ عام 2010، بعد أزمات متلاحقة في فنرويلا آنذاك، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وما تزال حتى الآن.

رغم الأزمات الاقتصادية التي تعصف في بلاده، أعلن مادورو، يوم أمس الأربعاء أنه سيزور سوريا قريبا “للاحتفال مع الشعب السوري وقيادته بجو السلام، والاستقرار الذي تمكنت من الوصول إليه بعد مواجهتها للإرهاب خلال السنوات الماضية“.

وأكد مادورو في تصريحات نقلتها وسائل إعلام، استعداد بلاده للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار، واقترح فكرة إقامة معرض الاقتصاد والاستثمار في دمشق لجميع رجال الأعمال الفنزويليين والجالية السورية في فنزويلا للتأكيد على الاستعداد للمساعدة في إعادة الإعمار.

حول ذلك يؤكد الباحث الاقتصادي والأكاديمي، الدكتور يحيى السيد عمر، أن فنزويلا لا يمكن أن تقدم أي شيء لحكومة دمشق، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، وذلك بالنظر إلى الوضع التي تمر به منذ سنوات.

قد يهمك: إعادة الإعمار في سوريا.. هل تُجبر بوتين على تسوية سياسية دولية؟

فاقد الشيء لا يعطيه

ويقول السيد عمر في حديثه لـ“الحل نت“: “في الحقيقة تمر فنزويلا بأزمة اقتصادية وسياسية خانقة منذ عدة سنوات، والتضخم بها وصل لمرحلة التضخم الجامح والذي ترك آثارا سياسية، ولتوضيح مدى حدة أزمة فنزويلا الاقتصادية لا بد من التذكير أنها كانت منذ فترة قصيرة عاجزة عن توفير احتياجاتها من الطاقة، مع أنها من أهم المنتجين العالميين للنفط“.

وحول إعلان الرئيس الفنزويلي استعداد بلاده للمشاركة في إعادة إعمار سوريا يضيف الباحث الاقتصادي: “من خلال هذا الواقع يمكن القول بأن فنزويلا تحتاج ذات نفسها للمساعدة الاقتصادية، وهي غير قادرة على دعم دول أخرى، كما أن وضعها السياسي المرجح للتصعيد في أي لحظة يجعل منها حليف غير موثوق حتى على المستوى السياسي، وخلاصة القول فاقد الشيء لا يعطيه“.

التدهور في فنزويلا

ولا يختلف الوضع الاقتصادي في فنزويلا عن سوريا، إذ تعاني البلدين من أزمات اقتصادية خانقة، ناجمة بالدرجة الأولى عن سياسة الحكومتين في إدارة البلاد، والقرارات الاقتصادية الارتجالية التي تعمق الأزمات في مختلف الجوانب.

تمر فنزويلا بأزمة سياسية خطيرة، جاءت نتيجة مباشرة لانهيار اقتصادي على المدى الطويل، كما قال تقرير نشرته مجلة “لاكابيتال” الفرنسية.

وعلاوة على النقص الخطير في الضروريات الأساسية، يواجه الفنزويليون أيضا صعوبات متعلقة بمجال النفط، الذي يعد المصدر الرئيسي لموارد البلاد.

يذكر أن أكثر من 3 ملايين فنزويلي هجروا بلادهم في السنوات الأخيرة، نتيجة الجوع وشح العناية الصحية والبطالة واستشراء الجريمة.

وبحلول نهاية العام الماضي، كانت أسعار السلع تتضاعف كل 19 يوم بالمعدل، مما ترك العديد من الفنزويليين يتشبثون لشراء الأساسيات كالغذاء والمواد الصحية، كما انهارت قيمة العملة المحلية – البوليفار – مقابل الدولار الأمريكي.

إعادة الإعمار في سوريا

أما في سوريا فيواجه ملف “إعادة الإعمار” العديد من العقبات التي تحاول دمشق الهروب منها.

ويؤكد محللون اقتصاديون أنه بالرغم من عدم اهتمام واشنطن الزائد بالقضية السورية إلا أنها تمسك أهم الأوراق فيها، وقصدوا بذلك ملف “إعادة الإعمار“، الذي تراه واشنطن محددا أساسيا ضمن ملفات المسألة السورية، لا يمكن المضي به قبل خول الحكومة السورية في مفاوضات جدية في العملية السياسية والعمل على تطبيق القرار الأممي 2254.

وبالنظر إلى عدم التوافق الأميركي الروسي خلال الفترة الراهنة بما يتعلق بالملف الروسي، فإن قضية “إعادة الإعمار” ستبقى معلقة إلى حين إطلاق واشنطن الضوء الأخضر لمختلف الدول للمشاركة بها.

مادورو والأسد

 الرئيس الفنزويلي كان عبر خلال تصريحاته يوم أمس عن إعجابه بتاريخ سوريا وبطولات شعبها، مشيدا بشجاعة بشار الأسد الذي قاد “مأثرة تاريخية” ضد الإرهاب والعقوبات والتآمر الخارجي، بفضل مساعدة حلفائه مثل روسيا والصين وإيران، وبدعم فنزويلا المعنوي والروحي.

وفي رسالة نقلتها المستشارة الرئاسية بثينة شعبان قبل أيام (خلال الذكرى الثانية لمقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني) دعا الرئيس السوري بشار الأسد إلى توسيع “محور المقاومة”، من خلال إدراج دول جديدة إلى هذا المحور الذي كان يضم بالأساس إلى جانب إيران، كل من سوريا والعراق ولبنان، يتمثل بالحضور الفنزويلي.

للقراءة والاستماع: الأسد يُراضي الإيرانيين بمشروع اقتصادي استراتيجي

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.