يعيش الكثير من العراقيين ممن شاركوا في “انتفاضة تشرين”، حالة من الصدمة منذ انتهاء الانتفاضة وإلى اليوم، بعد ما وصفوه بـ “بيع” عدد من الناشطين البارزين لـ “تشرين”.

ناشطون كثر كانوا من المتصدين للانتفاضة وشاركوا فيها من قلب ساحات الاحتجاج في بغداد والوسط والجنوب العراقي، والبعض منهم كان السند الإعلامي لها، لكنهم سرعان ما تخلوا عن مبدأ “تشرين” بعد أن انتهت بالقمع والترهيب.

يعبر عراقيون جل أحلامهم كانت رؤية وطن بلا فساد سياسي أو مالي وبلا تدخلات إيرانية وإقليمية وتتوفر فيه الخدمات والتعيينات، عن خيبة أملهم بعشرات الناشطين “الذين تسلّقوا على دماء “تشرين” وضحاياها”، بحسبهم.

ما الأسباب التي دفعت بعشرات من الناشطين إلى بيع “انتفاضة تشرين” والتخلي عنها وعن المطالبة بالكشف عن قتلة ضحايا “تشرين”، وأين هم الآن؟

المنصب والمال

أسباب كثيرة دفعت بناشطين بارزين إلى التخلي عن “تشرين”، بحسب الناشط العراقي أيوب الجابر، الذي شارك في “انتفاضة تشرين”، وعاش بالقرب ممن تخلوا عن الانتفاضة لاحقا.

للقراءة أو الاستماع: ضحايا “انتفاضة تشرين” يتصدَّرون امتحانات العراق الوزارية، و”السراي” سؤالٌ مُرسّب

المناصب والمال السياسي والعيش بحياة رفاهية في إسطنبول، أهم تلك الأسباب، وفق الجابر، الذي يقول لـ “الحل نت”، إن معظم من باعوا “تشرين”، هم اليوم بالقرب من مركز القرار في الحكومة الحالية.

ويضيف، أن عددا من الناشطين يعملون كمستشارين لدى رئيس الحكومة وفي الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وغيرهم يعملون سماسرة لدى مكتب رئيس البرلمان، وعند الأحزاب التقليدية البارزة.

يذكر أن أسماء مثل مشرق عباس ومهند نعيم وكاظم السهلاني ورحمن الجبوري، التي تعد من أبرز الوجوه الداعمة والمساندة والمشاركة في “انتفاضة تشرين”، تعمل اليوم لدى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، بين مستشارين وبين موظفين لإدارة مكتبه وآخرين في أمانة مجلس الوزراء.

ويردف أيوب الجابر، أن النشطاء الشباب الذين لا يمتلكون الخبرة السياسية لكنهم كانوا من أبرز وجوه “تشرين”، اختاروا بيع الانتفاضة مقابل توفير حياة بكل رفاهية لهم في إسطنبول من قبل أحزاب سياسية متنفذة.

ناشطون في إسطنبول

يوجد في إسطنبول بتركيا عدد كبير من الناشطين العراقيين، معظمهم وصلوا إليها للعيش فيها بعد انتهاء “انتفاضة تشرين”، ويعمل الكثير منهم اليوم في وسائل إعلامية عراقية تدار من تركيا.

ويشير أيوب الجابر، إلى أنه يعرف 5 أشخاص على الأقل، خرجوا من العراق نحو إسطنبول تحت عذر تعرضهم لتهديدات بالتصفية، لكنهم في الحقيقة تلقوا عروضا من أحزاب سياسية تقليدية لتآمين حياتهم هناك، مقابل الصمت عن المطالبة بكشف قتلة “تشرين”، على حد تعبيره.

ويتابع الجابر، “أما البعض الآخر من الناشطين، فيعملون في إدارة جيوش إلكترونية بمكاتب عدد من المسؤولين، وأبرزهم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، مقابل مرتبات شهرية تناهز 3 آلاف دولار”.

ويلفت الناشط العراقي الجابر إلى أن، فئة أخرى أوهمت الشارع التشريني بأنها ستؤسس كيانات سياسية للمشاركة في الانتخابات المبكرة، لكنها ما أن جاءت الانتخابات حتى انسحبت منها مقابل حفنة من الدولارات ومنها “البيت الوطني” و”المرحلة”.

ويبين، أن تيار “المرحلة” المقرب من رئيس الحكومة الكاظمي، انسحب من الانتخابات بإيعاز من “التيار الصدري”، الذي خيّر الكاظمي بإسناد ولاية ثانية له مقابل انسحاب “المرحلة” من الانتخابات، أو إبعاد الولاية الثانية عنه.

إحصاءات عن ضحايا “تشرين”

يختتم الجابر، أن الانسحابات تلك والكذب على الناس بالتأسيس لكيانات تشارك في الانتخابات، تؤكد أن أولئك الناشطين لا يفرقون كثيرا عن الأحزاب المتحكمة بالعملية السياسية العراقية منذ 2003؛ لأن هدفها المال والجاه والسلطة فقط، والبلد آخر ما تنظر إليه.

للقراءة أو الاستماع: انتفاضة تشرين في العراق: ما الذي حققه “التشرينيون” بعد عامين من حراكهم الاحتجاجي؟

وكانت “انتفاضة تشرين”، قد خرجت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ضد البطالة والفساد السياسي والمالي ونقص الخدمات، والتدخل الإيراني بالشأن العراقي، وانتهت في 15 آذار/ مارس 2020.

وجوبهت الانتفاضة بقمع من “قوات الشغب” والميليشيات الموالية لإيران بالقنابل الدخانية والقناص وبخطف وتعذيب وتغييب المتظاهرين.

وشهدت الانتفاضة، مقتل 750 متظاهرا وإصابة 25 ألفا، بينهم 5 آلاف متظاهر بإعاقة دائمة، وفق الإحصاءات الرسمية وغير الرسمية.

وأدّت “انتفاضة تشرين” أدّت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي في كانون الثاني/ ديسمبر 2019، ومجيء حكومة برئاسة مصطفى الكاظمي في 7 آيار/ مايو 2020.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.