ارتفاع أسعار البنزين في السوق السوداء، من جملة المواد التي شقت طريقها نحو الصعود، لا سيما بعد أن أصبح أصحاب السيارات الخاصة والعامة الذين يستأجرون أو يبيعون مخصصاتهم من الوقود بأسعار مبالغ فيها، وكذلك على أصحاب السرافيس الذين يقومون بتأجير بطاقاتهم، أو بيعها والتي وصلت في بعض الأحيان إلى عشرات الآلاف.

سوق سوداء للبطاقات المدعومة

في ظل تأخر مدة وصول رسالة الوقود الخاصة بالبطاقة المدعومة حكوميا إلى 14 يوما، وصل سعر إيجار البطاقة المدعومة إلى 100 ألف ليرة باستثناء سعر البنزين، فيما يجري حاليا تأجير البطاقة غير المدعومة بمبلغ 30 ألف ليرة.

وكما نقل تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، اليوم الإثنين، فإن الطلب على البطاقة المدعومة ينتشر عبر مجموعات مستحدثة على موقع “فيسبوك”.

سرقة البنزين وانتشاره في السوق السوداء، لم يكن فقط بفضل تأجير البطاقات المدعومة، بل وبحسب الصحيفة، فإن محطات الوقود تتعمد عدم تعبئة الكمية الكاملة المخصصة لكل بطاقة.

فوفقاً لما نقلته الصحيفة عن أحد المواطنين،  بعد ملئ سيارته بـ 25 لترا من محطة “الحميش”، سحب الكمية من سيارته بالكامل بسبب شكوكه بنقصها، ليكتشف أن محتوى خزان سيارته لا يتجاوز 20 لترا، رغم أن عامل الكازية قد قبض منه مبلغ 88 ألف ليرة سعر 25 ليترا و500 ليرة “بقشيش”، على حدِّ قوله.

وطبقا لما تحدث به الباحث الاقتصادي، سنان ديب، فإنه “لا يوجد 1 بالمئة من الكازيات التي تقوم بتعبئة كامل الكمية للمواطنين، فأغلبها يقوم بسرقة البنزين وبيعه بالسعر الحر, فقد باتت السرقة في الكازيات موصوفة”.

وبالرغم من وعي المواطن بالسرقة أحيانا، إلا أن ديب أكد بأن المواطنين يفتقرون لثقافة التظلّم، وهذا ما يجعل هذه المخالفات تستمر بلا هوادة، مما يدل على أن الأخلاق هي أهم ما ينقص المجتمع.

وأشار ديب أيضاً، أنه لا يوجد هدف واضح حتى الآن، حيث يمكن رؤية الارتباك والفوضى في كل اختيارات الحكومة، وهو ما ينعكس في الاقتصاد ككل.

السرقة علنية

لم تفاجئ عملية سرقة البنزين، موظفي وزارة التجارة الداخلية في ريف دمشق، إذ بحسب تقرير الصحيفة، فإن هناك جهاز مثبت داخل ماكينة ضخ البنزين مبرمج آليا ويتحكم فيه بالهاتف النقال، يقوم بالإيحاء بتعبئة كامل الكمية وإعطاء قيمة عالية فورا، مشيرين إلى أن شاشات التموين لا تستطيع أبدا رصد وجود هذا الجهاز، بل وأيضا يحتاج إلى مهندسين وأخصائيين إلكترونيين لاكتشاف برمجته.

وأشار التقرير، إلى أنه رغم الشكاوى العديدة، إلا أن وزارة التجارة أرسلت مراقبين من التموين لإحدى محطات الوقود، ولم يتم الكشف عن تركيب الجهاز وسرقة الوقود إلا بمساعدة مهندسي وزارة النفط.

وأكدت الوزارة للصحيفة، أن أغلب المراقبين قد تم توزيعهم مؤخرا على الكازيات، لمراقبة كيفية البيع والتوزيع، وفي حال اكتشاف أي تلاعب أو سرقة فإن عقوبتهما غرامة بالملايين والسجن الذي يصل إلى 5 سنوات.

وأرجعت الوزارة ارتفاع أسعار البنزين في السوق السوداء إلى أصحاب السيارات الخاصة والعامة الذين يقومون بتأجير بطاقاتهم، أو بيع مخصصاتهم بأسعار عالية إضافة إلى بيع أصحاب السرافيس لمخصصاتهم من المازوت، الأمر الذي ستحله وزارة النقل بوضع أجهزة مراقبة على الخط وتقنية “جي بي إس”.

“نحن نسرق بعضنا”

لم يكن ينقص القطاعات المتدهورة في سوريا، سوى تصريحات وزير في الحكومة والتي يكشف فيها عن سرقات كبيرة داخل الوزارة تؤثر بشكل كبير على استمرارية ما تبقى من إنتاجيتها.

الأمر لم يتوقف على ذلك، فهناك فجوة كبيرة بين التصريحات والوعود الحكومية من جهة، والمشكلات والعقبات التي يواجهها المستثمرون من جهة أخرى، حيث اعترف وزير الزراعة السوري بأن ما يحدث غير منطقي من حيث غياب الدعم الحكومي والرقابي، وقال في هذا الصدد: “نحن نسرق بعضنا”.

فخلال اللقاء الذي عقد يوم السبت الفائت، مع المستثمرين وبحضور كل من وزراء الزراعة والاقتصاد والصناعة، نوقشت العديد من النقاط التي أظهرت الفجوة الواسعة بين التصريحات والوعود الحكومية من جهة، وبين المشكلات والمعوقات التي يواجهها المستثمرون من جهة ثانية.

ووفق تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، كانت الوعود والتصريحات الحكومية من الوزراء خلال الاجتماع تدّعي المقدرة على إيجاد الحلول من خلال تعاون شفاف وصريح مع المستثمر، وأنهم على استعداد لتقديم كل الدعم والتسهيلات لاستثمار كل الإمكانات المتوافرة، في حين يرى المستثمرون أن حكومة دمشق تريد تشجيع الاستثمار قولا ولكنها تعرقله في فقرات مشروطة ضمن القوانين الصادرة.

بدوره، وزير الزراعة محمد حسان قطنا أكد أنه لا يوجد حتى الآن أي مشاريع استثمارية حقيقية في القطاع الزراعي، سواء في سلسلة الإنتاج, أو تأمين مستلزمات الإنتاج أو حتى بالتسويق. وأشار قطنا إلى أنه خلال العامين الماضيين قدمت الوزارة أكثر من 60 مشروعا للاستثمار فيما لم يتقدم حتى الآن أحد لمشاريع استثمارية كبيرة.

كما واعترف قطنا إن ما يحدث غير منطقي، فليتر المازوت تبيعه الدولة بـ500 ليرة سورية ويتم شراؤه من السوق السوداء بـ7000 ليرة، أي “نحن نسرق بعضنا” وفق قوله.

وقد كشف وزير الزراعة، في الشهر الماضي أن كمية المازوت بالسعر المدعوم المباع في الموسم الحالي بلغ 47.6 مليون ليتر من إجمالي الكمية التي تحتاجها الزراعة والبالغة 221 مليون ليتر وفق ما هو مخطط من قبل الوزارة أي بنسبة 21.5 بالمئة فقط.

وبحسب التقرير، فإن النسبة أو الكمية كبيرة جدا وهي مؤشر على أن الدعم لقطاع الزراعة كان محدودا جدا، مشيرا إلى أن الآليات الحكومية غير فاعلة، فالكميات المصادرة من المازوت تقدر بالأطنان وليس بآلاف اللترات، ولو كانت الجهات المكلّفة بتوزيع المادة جادة بإيصالها إلى المنتجين وليس لتجار السوق السوداء عبر آليات فعالة تمنع تسرّبها، لكان القطاع الزراعي ارتوى بنسبة أكبر من المازوت المدعوم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.