على الرغم من أن الدين لم يحرم الكفالة، لا بل شجع على رعاية الأيتام بشكل كبير، إلا أن إقامة أيتام سوريا محصورة بدور الرعاية فقط، فالقانون لا يجيز لأي عائلة أن تلحق أحدهم بها عبر الكفالة التي باتت بأرقم خيالية، فمع تخلي الآباء الفقراء عن الأطفال حديثي الولادة، ظهر جيل جديد من الأطفال الأيتام، إذ تشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 1.2 مليون طفل يتيم في جميع أنحاء سوريا.

النسبة قفزت للضعف

ونتيجة لما مرت به البلاد خلال السنوات الماضية، زاد عدد الأيتام إلى أكثر من الضعف في سوريا، بحسب ما كشفته مديرة “دار الرحمة” لرعاية الأيتام، براءة الأيوبي، لإذاعة “ميلودي إف إم”، أمس الاثنين، مشيرة إلى أنه ولأكثر من عام، يتركون الأطفال في دور الأيتام دون زوار.

وقالت الأيوبي، إن عدد الأيتام ارتفع لأكثر من 100 بالمئة، رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة، فالدار التي تديرها والتي كانت تأوي 150 فتاة، تضم حاليا 400 طفل يتيم من بينهم 250 فتاة و150 فتى.

وعن الأسباب ذكرت الأيوبي، في حديثها أن عدم وجود دخل ثابت للعائلة، يدفع الأبوين لإبقاء الطفل داخل الميتم، مبينة أن 3 بالمئة من الحالات، لأطفال أمهاتهم أبقتهم داخل الدار تحت ضغط الزوج الثاني لتكريس أنفسهن لتربية أطفاله.

وكشفت الأيوبي، عن حالات انعدام التواصل بين الطفل وعائلته، وقالت: “يكون أحد الأبوين على قيد الحياة، وتصل في بعض الحالات حتى سنة دون أي سؤال عنه من قِبل الأهل، وعند تواصل الإدارة معهم يرفضون الرد، وحتى بعد انقطاعهم عن زيارة أبنائهم لمدة سنة تقتصر زيارتهم لهم لمدة نصف ساعة فقط ليغيبوا بعدها”.

كما أكدت مديرة “دار الرحمة”، أن كفالة اليتيم حاليا تبلغ 200 ألف سورية شهريا، مقابل حوالي 15 ألف ليرة في 2007، علما أن هذا المبلغ يغطي النفقات التي تنفق على اليتيم، كالأكل والكساء والعناية وغيرها.

الجدير ذكره، أن صحيفة “الوطن” المحلية، في تقرير نشرته الخميس الفائت، نقلت عن مصادر في دار الأيتام وجمعيات دور التمريض في حلب، أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، رفعت الدعم عن الخبز بجميع الجمعيات الخيرية، بما فيها جمعيات لذوي الاحتياجات الخاصة، وباتت الآن ملزمة بدفع 1250 ليرة سورية لشراء ربطة خبز بدلا من 200 ليرة سورية.

أحوال الأيتام في سوريا

في آخر إحصائية رسمية نشرت عام 2018، وصل عدد الأطفال الموجودين في دور رعاية الأيتام داخل المناطق التي تسيطر عليها دمشق إلى 32 ألف طفل، منهم 22 ألف طفل في دمشق وريفها، وذلك بحسب ما أكدته مديرة الخدمات في وزارة الشؤون الاجتماعية، ميساء ميداني، حينها.

وأشارت ميداني، إلى أن كفالة الأيتام يمكن أن تكون بتخصيص مبلغ مالي يدفعه الكفيل لهم بشكل شهري، سواء كان هذا اليتيم موجودا داخل دار الرعاية أو حتى عند ذويه، إلا أنه مسجل في أحد جمعيات رعاية الأيتام.

وأضافت في تصريحات لموقع “صحيفة الأيام” آنذاك، بأن كفالة اليتيم تتمثل في تأمين المأكل والملبس والتعليم والصحة له، بمبلغ مالي وقدره 7 آلاف ليرة سورية وسطيا، ومجموعة مساعدات عينية.

مديرة الخدمات في وزارة الشؤون الاجتماعية، أكدت أن الأيتام في دور الرعاية لا يمكن إلحاقهم بأي أسرة إلا إذا كانت من ذويهم، فالطفل معروف النسب لا يوجد قانون يسمح بإلحاقه بأسرة بديلة، وهناك الكثير من الأطفال فاقدين للرعاية الأسرية، وهم من “غير المصحوبين”، أي لا يوجد من يرعاهم من ذويهم.

وهؤلاء وطبقا لحديث ميداني، لا يمكن معاملتهم معاملة مجهولي النسب، إنما يمكن كفالتهم بمبالغ ماليه وهم داخل دور الرعاية، وفي مثل هذه الحالات تقوم الوزارة بعملية تعقب أسري بحثا عن كفيل لمثل هؤلاء الأطفال من أقربائهم حصرا، وهذا يندرج تحت مسمى “الوصاية الشرعية”، وليس الكفالة.

تسول وعمالة منتشرة

تدهور الواقع المعيشي دفع بعض السوريين والسوريات ممن ليس لديهم معيل أو عمل إلى ممارسة مهنة التسول، فبات لا سبيل لهم سوى هذه المهنة. حيث ازداد وجودهم في شوارع المدن السورية في الآونة الأخيرة بشكل كبير، وخاصة من فئة الأطفال والنساء وكبار السن.

كذلك، وفي ظل الفوضى الأمنية والتهاون القضائي في المؤسسات الحكومية في هذه القضايا، اندفعت بعض العصابات والمافيات لاستغلال عدد كبير من الأطفال الذين ليس لديهم معيل أو مسؤول، عبر تشغيلهم في مهنة التسول، مقابل إعطاء الطفل أو الطفلة مبالغ ضئيلة جدا، وتأمين أكله وإقامته ونومه.

واعتبر عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، سمير الجزائري، أن “الأطفال المتسولين هم من أدوات العصابات، والمافيات الذين يديروهم ويتعاملون معهم بأسوأ الألفاظ، ويأخذون منهم ما كسبوه أثناء التسول طوال اليوم”، وأضاف الجزائري خلال مداخلة في مجلس محافظة دمشق في جلسته الأولى للدورة الثانية لهذا العام 2022 “لا يتعين علينا تأمين السكن لهم ولسنا مضطرون لفعل ذلك أساسا، ويجب علينا مكافحة ظاهرة التسوّل دون أن نصنع المتسولين”.

زيادة عمالة اليافعين بسوريا، أيضا باتت منتشرة بعد أن ألقت الظروف المعيشية السيئة بظلالها على معظم أحوال العائلات السورية، وسط تدني مستوى المعيشة والرواتب والمداخيل، فبات الانهيار يجتاح سوريا من جميع الجهات، لا سيما الاقتصادية منها، ففي الوقت الذي يجب أن يقضيه الفتيان والفتيات في التحضير لسنة دراسية مقبلة عن طريق اتباعهم للدورات التعليمية؛ هناك أسر ترسل أبناءها للعمل من أجل الحصول على دخل إضافي لسد عجز مصروفاتها أمام أعباء الحياة اليومية.

وفي تقرير لها في آذار/مارس الفائت، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، أنه تضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي في عام 2021، فالتعرض المستمر للعنف والخوف الشديد والصدمات له تأثير كبير على الصحة النفسية للأطفال، مع ما يترتب عليها من آثار قصيرة وطويلة الأمد.

من جانبها، حذرت ممثلة الأمم المتحدة الخاصة بالأطفال والصراع المسلح، فيرجينيا غامبا، في تصريحات إعلامية سابقة، من عواقب التعرض للعنف والانتهاكات لفترة طويلة وإساءة استخدام حقوقهم.، وأوضحت أن جميع الأطفال في سوريا دون سن العاشرة عاشوا كامل حياتهم في بلد مزقته النزاعات، ولم يعرفوا سوى الحرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.