في الوقت الذي يعاني فيه العراق من أزمة سياسية محتدمة تنعكس على الواقع الاقتصادي للبلاد، ومع تأخر إقرار الموازنة العامة، تصاعدت التحذيرات حول إمكانية صمود قانون “الأمن الغذائي” الذي أقره البرلمان في الربع الأول من شهر حزيران/يونو الماضي، الذي يعتمد على الوفرة المالية المتحققة من النفط، وبمحاولة لاستمرار حكومة تصريف الأعمال منزوعة الصلاحيات بتقديم الخدمات للمواطنين.

وفــي ظل ما تعانيه المحافظات من ضعف خدمات البنى التحتية وحاجتها إلـى مشاريع وأموال ضخمة للنهوض بواقعها، يرى خبراء اقتصاد، أن قانون الأمن الغذائي لا يمكن أن يصمد كثيرا أو يتم الاعـتـمـاد عليه نتيجة ضعف التخصيصات المـدرجـة فيه المتعلقة بالمشاريع.

وأقر الـبـرلمـان خــلال الـعـام الحالي قانون “الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية”، القاضي بتخصيص أكثر من 25تريليون ديـنـار، لتمشية أمور الدولة نتيجة عدم تشريع قانون الموازنة الاتحادية، الذي تعثر بسبب تأخر تشكيل الحكومة الجديدة. 

اعتبر مختصون في الشأن الاقتصادي، أن المشاريع التي طرحتها المحافظات كثيرة وتفوق التخصيصات المدرجة ضمن القانون بكثير، لذلك يتحتم على وزارتي المالية والتخطيط الإســـراع بوضع أولويات وجدولة مشاريع جميع المحافظات.

وقال المهتم في الشأن الاقتصادي أحمد الحجية في حديث لموقع “الحل نت”، إن “قانون الأمن الغذائي تم إقراره لخدمة مرحلة معينة وإنجاز مشاريع محددة، ولا يمكن الاعتماد عليه في تمشية أمور البلاد الاقتصادية كافة، لاسيما مع مقارنة تخصيصاته بحجم الموازنة العامة”.

وأضاف أن، “القانون جاء نتيجة أزمة سياسية ولغرض تجاوزها لا أكثر، لا أن يتحول إلى بديل للموازنة العامة التي تعتمد رواتب موظفي الدولة والمشاريع عليه، لكن ما بات يهدد فعاليته هو استمرار الأزمة السياسية وعدم إيجاد حل لها، واستمرار عمل حكومة من دون صلاحيات، بالتالي أن مخصصات القانون يمكن أن تنفذ ما يسبب إرباك للبلاد”.

اقرأ/ي أيضا: لبنان والعراق ضمنها.. اضطرابات مرتقبة بـ100 دولة

قانون محدود

الحجية لفت أيضا، إلى أن “القانون في الأساس لا يمكنه تمشية الأمور المالية الأساسية للبلاد، وذلك لأنها غير مضمنة في مشروع القانون، ما يعني أن القانون في الأساس محدود الصلاحيات، ولبرما أن هناك أطراف سياسية تسعى لانتهاء فعالية القانون وإرباك الوضع في البلاد لإحراج الحكومة وإجبارها على الانصياع لرغبات تلك القوى”.

من جهته، قال المختص في الشأن الاقتصادي الدكتور عدنان بهية في تصريح لصحيفة “الصباح”، المملوكة للحكومة العراقية، ومقرها بغداد، إن “قانون الأمن الغذائي الذي تم تشريعه بحاجة إلى الإسراع بتنفيذ آلياته من خلال جمع المشاريع من قبل وزارة التخطيط بالتنسيق مع مجالس المحافظات وتأشير الأولويات حسب المبالغ المسموح بصرفها وفق القانون”.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور ميثم لعيبي لـ “الصباح”: إن “منح المزيد من صلاحيات الصرف بسبب تأخر إقرار الموازنة المالية لا ينسجم مع أي حكومة تصريف أعمال، لأنــه يضع شكوكاً على صلاحياتها وسلطاتها”.

 وأشار إلى أنه “في حال وجود نية لاقتراح تعديلات تتيح المزيد من صلاحيات الصرف الاستثماري، فان هذا الأمر يمثل سابقة جديدة”.

وبين أن “المادة 13 من قانون الإدارة المالية رقم (6) لسنة 2019 تلزم وزارة المالية في حـال عـدم إقرار المـوازنـة بإصدار تعليمات الصرف بنسبة 12/1 من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة، إلى جانب الصرف من إجمالي التخصيص السنوي للمشاريع الاستثمارية المستمرة المدرجة تخصيصاتها خلال السنة المالية السابقة واللاحقة”.

لعيبي دعا الحكومة المقبلة ومستشاريها إلى “التحول من نوع الموازنة الحالية إلــى مـسـارات أكـثـر حـداثـة تعتمد على المسار الإصلاحي للإنفاق وإيقاف أوجه الإسـراف، والتخلص من مشكلة عـدم الإقــرار مـن خـلال وضع بنود متوسطة المدى ذات أبعاد مستقرة ومستدامة.

اقرأ/ي أيضا: كواليس اشتباكات المنطقة الخضراء ببغداد.. من أطلق النار أولا؟

حلول بديلة

كان مستشار رئـيـس الوزراء هيثم الجبوري، قد نوه مؤخرا بأنه في حـال استمر غياب الموازنة خلال 2023، فإن الحكومة الحالية لا تستطيع إرسال مشاريع قوانين، ومـن الممكن مطالبة مجلس الـنـواب بـإقـرار مقترح قانون يضيف بـعـض الـصـلاحـيـة لتتصرف الحكومة ببعض الفائض المالي المتحقق لتزيد النفقات المهمة. 

ويعاني العراق من تدهور بناه التحتية بسبب الحروب، والأحداث التي أعقبت العام 2003 والأزمات المالية التي تعرض لها مؤخرا بسبب سياسته المعتمدة على الاقتصاد الريعي، حيث ما زالـت الكثير من المحافظات تفتقر إلى البنى التحتية الضرورية وتعاني من تدهور حاد في البنية التحتية. 

كما تسبب الفساد وهدر الأموال وسوء الإدارة في البلاد ما بعد 2003 إلى تعطل عجلة الاعمار والتطوير، لينسحب الأمر على باقي قطاعات مثل الصحة والتعليم والأمن والاقتصاد الذي بقي متأخرا في آلياته.

وفي الثامن من حزيران المنصرم، أقر مجلس النواب العراقي، قانون “الدعم الطارئ” الذي يهدف إلى تشريع مدفوعات طارئة لا سيما في قطاع الكهرباء وتحقيق “الأمن الغذائي”، في ظلّ عدم إقرار موازنة عام 2022 بعد بسبب الأزمة السياسية.

وتبلغ القيمة الإجمالية للقانون 25 تريليون دينار -نحو 17 مليار دولار، خصصت منها 4 تريليونات دينار – نحو مليارين و746 مليون دولار للكهرباء، لتسديد المديونية الخارجية وديون استيراد وشراء الغاز والطاقة.

ويتركز صرف المبلغ المذكور ضمن القانون على دعم قطاع الكهرباء والطاقة، ووزارة التجارة ودفع مستحقات الفلاحين وأعمار المناطق المحررة، وإكمال المشاريع في المحافظات الجنوبية والوسطى، وفقاً لنسب الفقر فيها ودعم شبكة الرعاية الاجتماعية وتخصيصات أخرى لتثبيت أصحاب العقود والأجــور اليومية في مؤسسات الدولة. 

استمرار الأزمة 

بعد أكثر من 10 أشهر على انتهاء الانتخابات التشريعية المبكرة في البلاد، لا تزال الأطراف السياسية عاجزة عن التوصيل إلى اتفاق لتشكيل حكومة جديدة، أو إرسال قانون الموازنة.

يشار إلى أن الأزمة السياسية العراقية، جاءت نتيجة لصراع سياسي منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار التنسيقي”، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري”، بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني”، وتحالف “السيادة”، الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن“، بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية”، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي”، أو بعض أطرافه من تشكيل الحكومة، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية”، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

اقرأ/ي أيضا:  ما احتمالية استغلال “داعش” للأزمة السياسية في العراق؟

سبب الفشل

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا“، التي لجأ إليها “الإطار”، صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا، من أصل 329، وفقا للدستور، وهذا ما لم ينجح تحالف الصدر بحشده رغم وصولهم لأكثر من 200 نائب، في إحدى جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي فشلت.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار”، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار”، من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار”، في الـ25 من تموز الماضي، توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح رئيس “تيار الفراتين”، وعضو مجلس النواب الحالي، محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: هكذا أجبر السيستاني الصدر على وقف معارك الخضراء ببغداد

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.