بين الحسابات الانتخابية والحسابات الإقليمية والدولية المعقدة، تحاول تركيا تحقيق توازن عبر تقارب مع دمشق، يبدو هذه المرة أقرب من أي وقت مضى، حتى لو مثّل هذا التقارب صدمة وصفعة للفصائل، أو المعارضة السورية التي دعمتها أنقرة طوال السنوات السابقة.

نشر موقع “إنتلجنس أونلاين” الفرنسي، أمس الأربعاء، تقريرا يقول أن “رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا اللواء علي مملوك، عقد اجتماعا مع نظيره التركي هاكان فيدان”، موضحا أن اللقاء كان بوساطة روسية، دون تحديد تاريخ الاجتماع بينهما.

وعلى الرغم من أن نتائج الاجتماع وفق التقرير لم تكن مقنعة، إلاّ أنه سمح للجانبين بعرض مطالب كل منهما، نتيجة حرص روسيا على تأدية دور الوسيط بين البلدين، ولكن بحسب المصادر المفتوحة، فإن هذا الاجتماع هو السابع بين الطرفين بعد أن بدأت سلسلة اجتماعاتهم منذ عام 2018، وعليه فهل مسألة التقارب مع سوريا، على رأس قائمة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أم أن التصريحات التركية حول رغبة أنقرة بإعادة العلاقات مع دمشق ليست إجراء تكتيكي وإنما استراتيجي، فرضته التطورات، وما مصير هذه الاجتماعات.

قرار نهائي أم مناورة سياسية؟

فيما تبحث أنقرة خطواتها القادمة تجاه دمشق، فإنها تبدو مطمئنة إلى أن تواصلها مع حلفاء سوريا الرئيسيين، روسيا وإيران، سيكون كافيا لضمان مصالحها قبل أي إجراء أمني أو عسكري أو سياسي تقرره الحكومة السورية، في حين أن آراء المحللين السياسيين تستبعد أي اتفاق طويل الأمد بين الطرفين.

التقارب بين أنقرة، ودمشق جاء بناء على مصالح يراها الرئيس التركي مناسبة للوقت الحاضر، وليس خطة استراتيجية طويلة الأمد قد تفتح باب الحل الدائم لسوريا، لا سيما بعد استبعادها من الحضن العربي مؤخرا.

ووفقا للمحلل السياسي والأكاديمي في جامعة “برينستون” الأميركية، جان غروس، فإن لقاءات القيادة التركية مع السورية بناء على طلب موسكو وطهران، جاء منذ السابق من أجل إرساء العلاقات بين هذه الأطراف فيما يخص سوريا، على الرغم من اختلافهم في ملفات أخرى، وهذا بدوره جاء حاليا في مصلحة أردوغان، الذي يسعى لتتويج مسيرته السياسية بالفوز بالانتخابات المقبلة، التي يحفها الكثير من المخاطر أبرزها ملف اللاجئين السوريين، والحوار مع دمشق.

ويقول غروس، “عندما يتم تحليل مواقف البلدين الجارين، يمكن تقدير أن دمشق سعيدة بالظروف الحالية ولو على حساب عودتها إلى الجامعة العربية، كما أن غياب ما يقرب من 10 ملايين شخص يخفف العبء عن دمشق. ليس على النظام أن يهتم بالاقتصاد، والحياة الاجتماعية، والتعليم، والاحتياجات الأساسية الأخرى لأولئك الذين يهاجرون إلى الخارج أو يعيشون في شمال سوريا، وهنا تتحمل تركيا هذا العبء مرغمة بسبب تدخلها”.

ولذلك، يعتقد غروس، أن عودة اللاجئين ستشكل تهديدات سياسية واقتصادية وأمنية لدمشق، ولذلك فإن قرار الحل النهائي غير مطروح بالنسبة للطرفين (أنقرة ودمشق)، بل إن جميع الإرهاصات السياسية التي برزت مؤخرا، هو إجراء تكتيكي من أجل نيل مصالح حالية للطرفين على المستوى السياسي والاقتصادي لا أكثر.

كما يشير غروس، أنه “ومع ذلك، سيظل الأسد سعيدا بالوفاق مع تركيا من أجل موازنة نفوذ إيران بعد خطة العمل الشاملة المشتركة في سوريا، واستعادة الاقتصاد، والفوز على المعارضة من خلال إبعادهم عن آخر داعم لهم في المنطقة”.

شروط.. لكن من يقرر؟

المصالحة بين أنقرة، ودمشق بدأت بالفعل بعد العداء والقطيعة لأكثر من 11 عاما. يعود سبب العداء والخلاف بين الدولتين إلى أحداث ما أصبح يُعرف بـ “الربيع السوري”، ووقوف تركيا إلى جانب المعارضة السورية الموالية لها.

بحسب التقرير الفرنسي، فأن “مملوك وفيدان قدما لائحة طويلة من المطالب الضرورية خلال الاجتماع، بعد أن نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بإقناع الرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بإرسال مملوك، وفيدان اللذين يعرفان بعضهما بعضا بشكل جيد”.

وتضمنت المطالب السورية، “احترام السيادة السورية، ووضع جدول زمني للانسحاب التركي من الأراضي السورية، ووقف دعم الجماعات الانفصالية، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا منذ 2015، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب، وفتح طريق إم فور الذي يمتد من حدود البحر المتوسط غربا إلى العراق شرقا، ومساعدة دمشق على تخطي العقوبات الغربية كما تفعل تركيا مع العقوبات ضد روسيا، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، والمساهمة في إعمار سوريا، ومساعدة دمشق على استعادة السيطرة على الثروات الطبيعية من نفط وغاز وزراعة شرق الفرات”.

أما مطالب تركيا، فشملت: “عمل جدي ضد حزب العمال الكردستاني، والتعاون بين أجهزة الأمن في البلدين، ومفاوضات مع المعارضة السورية المدعومة من تركيا للوصول إلى تسوية سياسية، وعودة اللاجئين السوريين، وإنشاء مناطق آمنة في حلب ومناطق أخرى شمالي سوريا بعمق 30 كم، ومساعدة وتسهيل عمل اللجنة الدستورية السورية”.

مدى جدية الجانبين بنظر الأكاديمي غروس، يجب أن يكون موضع تساؤل. لكن يرى أن مطالب دمشق، غير المؤكدة تشبه مطالب بلد منتصر في الحرب، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع. بالإضافة إلى ذلك، بما أن روسيا هي صانع القرار الحقيقي في سوريا وليس الأسد، فإن ما يوافق عليه بوتين، أهم مما يطلبه مسؤولو الحكومة السورية.

وحول مصير فصائل أنقرة شمالي سوريا، والفصائل الجهادية في إدلب بعد التحول التركي إزاء دمشق، سبق أن جرى الحديث عن سيناريوهات محتملة، حيث أفادت صحيفة “العرب” اللندنية، بأنه “من المتوقع أن ينتهي المطاف بهذه الفصائل إلى الانخراط في أحد الفيالق تحت إشراف روسي – تركي تحت السيادة السورية، مقابل دخول المؤسسات المدنية للحكومة السورية إلى مناطقها”.

وكذلك أشارت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، إلى أن “أنقرة تحاول هندسة ترتيبات جديدة تهدف إلى إدخال هيئة تحرير الشام، في السياق الميداني والسياسي، وفي هذا الصدد تسلك أنقرة مسارا متدرّجا ومتأنّيا، بدءا من عمليات تلميع الجولاني، وجماعته، والتي لا تزال مستمرّة، مرورا باستمرار التضييق على الجماعات الجهادية المنتشرة في إدلب، وصولا إلى التخلص من الشخصيات غير السورية في صفوف تحرير الشام”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة