اجتماع في العاصمة الروسية موسكو، نهاية الأسبوع الماضي، التقى خلاله نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، بوفد من منصات سورية معارضة وأحزاب سورية، في محاولة روسية للدفع بالمعارضة نحو مسار تفاوضي جديد مع حكومة دمشق.

لقاء بوغدانوف بهذه المجموعات له دلالاته، فهو من ناحية يكشف عن رغبة روسية بالتلاعب في مسار العملية السياسية بسوريا، ومن ناحية يشير إلى أن وجود قوى سياسية تريد التفاوض مع دمشق على حساب مسار اللجنة الدستورية والعملية السياسية في جنيف؛ يعني زيادة في استعصاء ملف العملية السياسية، ما يفتح الباب أمام عملية إنهاء حقيقي وكامل لمسار العملية السياسية بسوريا.

التلاعب الروسي حرف للمسار الأممي

على الرغم من الادعاءات الروسية، وعدد ممن حضروا اللقاء بأن العملية السياسية التي تدعو لها روسيا تأتي تحت سقف القرار 2254 الخاص بإيجاد حل للأزمة السورية، إلا أن العديد من المراقبين يرون أن اللقاء لا يرقى لأن يكون بداية لمسار جديد، بقدر ما هو محاولات روسية لإبعاد الحل عن القرارات الأممية، من أجل فرض رؤيتها الخاصة بالحل.

لقاء موسكو بين معارضين وبوغدانوف “وكالات”

نصر الحريري، الرئيس السابق لـ”الإئتلاف السوري” المعارض، يرى في حديث خاص لـ”الحل نت”، سيتم نشره لاحقا، أن هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها روسيا إلى نسف العملية السياسية وإبعادها عن جوهرها، وإخراجها من تحت رعاية الأمم المتحدة، حيث قامت بذلك عدة مرات، مؤكدا أنها لا ترغب بحل سياسي تحت المظلة الدولية.

وأوضح الحريري، أن العملية السياسية وفق الرؤية الروسية من الصعب أن تبدأ، لأنه لا يوجد حاليا أي عملية سياسية في الأصل، فخلال السنوات الماضية كانت هناك عدة محاولات للأمم المتحدة لإيجاد حل استنفذت فيها جهودها حيث تم استبدال 4 مبعوثين أممين لم يتمكنوا من إيصال العملية لأي بداية لحل حقيقي.

من جهته، عضو “هيئة التفاوض”، بشار الحاج علي، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنه من الطبيعي أن تعمل روسيا لمخالفة القرار 2254، وبشكل سلبي، فهي تتمسك بحكومة دمشق وترى أنها حكومة شرعية، وتعمل على البحث عن إيجاد شريك محسوب عليها للدخول بعملية سياسية توصل إلى ما يسمى “حكومة وحدة وطنية” على القياس الروسي.

الأكاديمي والسياسي، عبد الكريم الحريري، فيرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن روسيا تسعى منذ بداية تدخلها المباشر في سوريا أن تكون اللاعب الوحيد والأقوى في هذا الملف، ونجحت في الجانب العسكري “دون تدخل دولي”، ولكن تأثيرها السياسي لا يزال محدودا وتحاول من خلاله حرف المسار الأممي للحل في سوريا.

إقرأ:روسيا تُجهز معارضة سورية للتفاوض مع دمشق.. ما النتائج؟

أطراف لا تمثل السوريين وبديل عن الدستورية

حتى الآن لا تزال اللجنة الدستورية قائمة، ولم يتم الإعلان بشكل رسمي عن انتهاء عملها، ولكن بحسب مراقبين فإن روسيا عملت من خلال هذا اللقاء على بدء مسار جديد للعملية السياسية بشكل مخالف شكلا ومضمونا لما اتفق عليه بعمل اللجنة الدستورية.

كما أن الشخصيات التي حضرت اللقاء لا تمثل كل أطياف المعارضة السورية، إنما تمثل منصة موسكو التي أوجدتها الأخيرة بالأصل لتشتيت المعارضة السورية، فالدعوات التي أطلقتها شخصيات من الحضور للتفاوض المباشر مع حكومة دمشق، في دمشق ليست سوى “مسرحية” مسبقة أعدتها موسكو وكانت وظيفة هذه الشخصيات الترويج لها.

وفي هذا السياق، يرى الحاج علي، أن لقاء موسكو الأخير ليس بديلا عن اللجنة الدستورية، فروسيا دائما ما تتعمد إظهار وصولها لجميع أطراف الصراع في سوريا من خلال منصة موسكو، وهذا الدور الذي تلعبه روسيا هو دور سلبي للغاية بدا من خلال إيقاف اجتماع اللجنة الدستورية الأخير لأسباب روسية وليست سورية.

ويضيف الحاج علي، أن روسيا تسعى من خلال نقل المسار من جنيف إلى أستانا، ثم إلى مسار جديد أن تتوصل لتفاهمات مع الدول الغربية ذات الصلة بالملف السوري لدفعها للتفاهم مع حكومة دمشق من خلالها، وهذا ما تريده حكومة دمشق وموسكو على حد سواء، فدمشق لا تقبل أن تشارك السوريين في الحكم، لكن هي على استعداد لتقديم كل التنازلات لبقائها في الحكم، والغرب يعلم هذه النقطة، ولكن الغرب حتى الآن يرفض ما تريده روسيا.

عبدالكريم الحريري، يرى في هذا السياق، أن روسيا تحاول تحييد المعارضة السياسية السورية من خلال هذا اللقاء، لذلك حاولت من خلاله الإظهار للعالم أنها تحتوي قسما كبيرا من المعارضة من جهة، وإظهار أن المعارضة منقسمة فيما بينها من جهة أخرى، وأن هناك قسما كبيرا من المعارضة يرغب بالمسار الذي تريده روسيا وحكومة دمشق، والهدف من كل ذلك تعطيل العملية السياسية والقرارات الأممية ذات الصلة، وستبقى كذلك تلعب على عامل الوقت وبث الخلافات بين المعارضة.

قد يهمك:بيدرسون وروسيا.. هل يطلقون “رصاصة الرحمة” على اللجنة الدستورية السورية؟

هل تنجح روسيا بمساعيها؟

العديد من المراقبين يرون أن روسيا لم تستطع خلال سنوات الأزمة السورية، أن تقدم أي حل حقيقي وأن ما كانت تقوم به هو تكرار للشعارات حول تطبيق قرارات الأمم المتحدة لكن دون أي فعل حقيقي، بل العكس كانت خلال تلك السنوات تعمل عكس ذلك ليكون الحل وفق رؤيتها، مشيرين إلى أن ذلك من الصعب أن يتحقق.

نصر الحريري، يرى أن روسيا غير قادرة على فرض ما تريد وهي تلعب على عامل الوقت، وهي غير جادة بالبدء بالعمل على الأفكار والمحاور الرئيسية الخاصة بالعملية السياسية السورية، وعلى رأسها تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، ووضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، إضافة للقضايا المتعلقة بالمدنيين والمعتقلين والمختفين قسريا والتي تعتبر غير قابلة للتفاوض أصلا.

يضيف الحريري، أن المرجعية الدولية حددت عناصر العملية السياسية بأن تكون تحت مظلة الأمم المتحدة وتشارك فيها “هيئة التفاوض” المعارضة السورية، وحكومة دمشق التي تعمل على تعطيلها مع روسيا حتى الآن، وخارج ذلك لا يمكن أن تبدأ أي عملية سياسية ولن يتم الاعتراف بها من أي جهة، ومحاولات روسيا لن تجدي نفعا.

من جهته، يعتقد الحاج علي، أن محاولات روسيا حتى الآن باءت بالفشل بسحب العملية السياسية من جنيف إلى أستانا، ووفق رأيه لن تستطيع ذلك لأنها لا يمكن أن تقوم بحل يكون بديلا عن الحل الدولي، ولو نجحت في بعض الأمور كإيقاف مفاوضات اللجنة الدستورية.

إقرأ أيضا:هل يُغلق ملف اللجنة الدستورية نهاية آذار؟

طرق رسمية للمفاوضات

النائب السابق لرئيس “هيئة التفاوض” التابعة للمعارضة السورية خالد المحاميد، كشف عن لقاء نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف منذ أيام، مع وفد من المعارضة مؤخرا في موسكو لطرح “إجراء مفاوضات مباشرة بين المعارضة والحكومة السورية في دمشق بمشاركة كل من يرغب بالحوار دون شروط مسبقة وتحت سقف قرار مجلس الأمن 2254، وبضمانات أممية”، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

اجتماع سابق للجنة الدستورية السورية “وكالات”

عضو الهيئة السياسية بـ”الائتلاف الوطني” السوري المعارض، يحيى مكتبي، رأى أن عمليات التفاوض بين الحكومة السورية والمعارضة، يجب أن تتم عبر الطرق الرسمية، في هيئة التفاوض وفق القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف واحد والقرار وفق القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف 1 والقرار 2254.

وأضاف مكتبي في حديث خاص مع “الحل نت”: “هناك طرفان للمفاوضات هما هيئة التفاوض والنظام السوري، وهذا محل إجماع دولي وضمن القرارات والأطر الدولية، فلا يحق لأحد تغيير هذه المعطيات”.

وبحسب مكتبي، فإن اجتماع وفد من المعارضة مع موسكو بشكل منفرد، هو محاولة للالتفاف على مسارات التفاوض والحل السياسي في سوريا، مشيرا إلى أن دمشق لم تمض في تنفيذ أي من بنود القرارات الدولي المتعلقة بتقدم العملية السياسية في البلاد.

وختم مكتبي حديثه بالقول: “بالمجمل ذهاب وفد من هنا أو هناك للتفاوض مع النظام بعيدا عما تم الاتفاق عليه دوليا، لن يقدم ولن يؤخر ولن يغير في جوهر العملية السياسية وهو إنجاز انتقال سياسي وفق القرارات الدولية”.

إقرأ:اللجنة الدستورية “خط منحرف” في العملية السياسية.. ما علاقة بيدرسن وروسيا؟

من الواضح أن روسيا تعمل أولا على التلاعب بالوقت والمماطلة وتفريق المعارضة السياسية السورية بكل أطيافها من أجل إنهاء مسار العملية السياسية وفق القرارات الأممية، وذلك في محاولة تبدو يائسة لتشكيل جسم جديد يضم طيفا من معارضة موسكو، ومن الواضح أنه ميت قبل أن يولد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.