لا يزال المشهد السياسي في العراق غامضا، لاسيما مع استمرار الصمت السياسي لزعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، الذي يمثل القطب الرئيسي للصراع، مقابل محاولات حثيثة من غرمائه في البيت الشيعي من تحالف “الإطار التنسيقي“، في التوصل إلى تفاهمات تمكنهم من المضي في تشكيل حكومة جديدة تنال رضا جميع الأطراف، أو على الأقل الصدر، الذي يخوض معهم صراعا محتدم لمنعهم من المشاركة في الحكومة المقبلة، أو في تحجيم وجودهم من خلال انتخابات مبكرة جديدة.

أطراف “الإطار”، المقرب من إيران، تسعى جاهدة في الوقت الحالي إلى إقناع الصدر، بحل يضمن لجميع الأطراف مصالحها، أو رغباتها، وهو الذي كان قد أعلن اعتزاله السياسة نهائيا في نهاية الشهر الماضي، بعد نجاح خصومه في تعطيل مشروعه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية“، تستثني مشاركة “الإطار” فيها، مقابل استمرار دعوة الأخيرة إلى حكومة “توافقية“.

غير أن الصدر، على ما يبدو حتى الآن لم يخسر مشروعه، حتى وبعد ما فشل في تمرير حكومة “الأغلبية”، نتيجة تعطيل “الإطار” ذلك من خلال البرلمان، حيث عمدوا إلى عدم تحقيق النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث مناسبات، والذي لا يمكن تشكل أي حكومة جديدة من دون انتخابه بالأغلبية النيابية وفق الدستور.

وعلى الرغم من كل ما شهدته الأزمة من تطورات كان “الإطار”، يحاول خلالها دائما أن يظهر نصره في تعطيل مشروع الصدر، لكنه حتى اللحظة يبدو أنه غير قادر هو الآخر على المضي في تشكل الحكومة، حتى وبعد امتلاكهم الأغلبية داخل البرلمان، التي منحها لهم الصدر، الفائز الأول في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بأكبر عدد من المقاعد، بعد توجيه أعضاء كتلته الـ 73 بالاستقالة من المجلس.

إذ ما يزال الصدر، يتحكم بالمشهد كيفما يشاء، في أقل تقدير من حيث تعطيله تشكل حكومة جديدة، كان “الإطار” قد توقّع بعد انسحابه وكتلته من العملية السياسية سهولة تشكيلها حتى بعد توصلهم إلى تفاهمات داخلية للاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة في تموز/يوليو الماضي، لم تسمح له الفرصة حتى الآن في قول كلمته في ظل تسيّد الصدر وأنصاره للمشهد.

مشهد، وبحسب مراقبين، لعل رئس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي أكبر المستفيدين منه، خاصة ما بعد أظهر أنصار الصدر لإصرارهم على عدم السماح لغرمائهم في سلبهم حقهم كأكبر كتلة نيابية بتشكيل الحكومة، وهو الذي تجلى في صدام مسلح عقب شهر كامل من الاعتصام داخل المطقة الخضراء – معقل الحكومة وحيث المقار الدبلوماسية، وتعطيل أعمال البرلمان منذ نهاية شهر تموز وحتى أخر شهر آب/أغسطس الماضيين.

اقرأ/ي أيضا: تفكّك “الإطار التنسيقي” في العراق؟

وجهة نظر

في ظل هذا الجمود، يقول المهتم في الشأن السياسي العراقي عادل العنزي، إن “هذا السيناريو كان مخطط له منذ ما قبل الانتخابات الأخيرة، والذي بدأ من خلال مغازلات الكاظمي للصدر، إذ أن الكاظمي، كان يعي جيدا حجم التعقيدات وسطوة الأحزاب التقليدية على المشهد، ولذلك لم يشأ الدخول في الانتخابات، لكنه ذهب مقابل ذلك في صناعة تحالف استراتيجي مع الصدر“.

العنزي، أضاف في حديثه لموقع “الحل نت“، أن “الكاظمي نجح في الحصول على دعم الصدر، والأطراف السنية والكردية، وكان دعمهم له واضحا لاسيما في تعبيرهم بأكثر من مناسبة بأنهم على استعداد في دعم استمراره في المنصب لولاية ثانية، لكن استمرار عداء الإطار، له ومع تحسسهم احتمالية استهداف وجودهم، أصروا على عدم التجديد له، ومنا هنا بدأت قصة الصراع على الحكومة“.

بالتالي، أن “الصدر ومن خلال توافقه مع الكاظمي، فقد حاول بكل الوسائل الاستفراد بتشكيل الحكومة، وإعادة انتاج الكاظمي لولاية ثانية، حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه من انسداد سياسي عقيم، وتطور حجم الخلاف إلى القطيعة“، يبيّن العنزي.

ويلفت، إلى أن “الصدر متقصد في البقاء على هذا المشهد كما هو الآن، فهو يريد كسب الوقت قدر المستطاع لضمان حصوله على ضوء أخضر دولي في القضاء على خصومه، وهذا لا يمكن الحصول عليه من غير الكاظمي، الذي يحظى بمقبولية إقليمية ودولية“.

لذلك أن “زيارة الكاظمي حاليا لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، سيكون فاصلا في عمر هذا الصراع، إذ أنه في حال تمكن الكاظمي من اقناع الأطراف الدولية في دعم مشروع الصدر الذي يخدمهم في الوقت الحالي بتحجيم وكلاء إيران في العراق، فأن المرحلة القادمة ستشهد تصيّدا أكثر حدّة من قِبل الصدر، تجاه خصومه بهدف إرغامهم على الخضوع لرغبته في استمرار الكاظمي، الذي سيعمل في حال بقائه لولاية ثانية جديا على خنقهم“.

العنزي، يختتم حديثه بالقول، إن “المرحلة القادمة معتمدة على زيارة الكاظمي لنيويورك، وعلى مدى صدق الصدر، في الذهاب معه إلى عقد سياسي جديد، وفي حال تخاذل أي من الطرفين فهذا يعني عودة العراق إلى مربع النفود الإيراني“، مبينا، أن “كل تلك السيناريوهات المطروحة هي بغض النظر عن الوسائل، أو المخاضات التي ستمر بها، سواء كانت عبر العودة إلى انتخابات جديدة، أو من خلال فرض الإرادات، المهم هو تماسك التحالفات بين السنة والكرد والصدر، وعناية الخطوات“.

اقرأ/ي أيضا: مقبرة جماعية في النجف تعود لحقبة صدام حسين.. ما القصة؟

أميركا تدعم الصدر؟

حديث ربما يعززه، ما تحدثت عنه مصادر من محيطات الكاظمي، بأن زيارته إلى أميركا، ستركز على بحث الأزمة السياسية في البلاد مع قادة دول العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن، بالتزامن مع إشارات وصلت من واشنطن على لسان مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف، مؤخرا بضرورة سماع صوت الصدر، في الوقت الذي يواجه فيه نفوذ إيران تراجعا كبير.

وكان المكتب الإعلامي للكاظمي قد أعلن في بيان، وصل رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، صباح اليوم الثلاثاء، إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال واجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستنطلق يوم غد الأربعاء.

بالمقابل، لا تزال المصادر المقربة من “التيار الصدري“، تنفي حقيقة التوصل إلى اتفاق لعقد اجتماع مع زعيم “التيار” مقتدى الصدر، الذي يلتزم الصمت السياسي، فيما تشير مصادر أخرى إلى أنه حتى الآن، فأن الصدر، يصرّ على مطالبه في حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة دون الذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة، ويتولى الكاظمي مسؤولية ذلك.

يأتي ذلك بعد التطورات التي شهدتها الأزمة السياسية في العراق، بعد أن اشتدت في الـ30 تموز/يوليو الماضي، على إثر اقتحام جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات، قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

بعد ذلك عاد المشهد ليتطور في 29 آب/أغسطس الماضي، شهدت بغداد تصعيدا صدريا، على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري“، مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره للمنطقة الخضراء، والقصر الجمهوري (الحكومي)، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع جاء بعد أن هاجمت القوات الحكومية مع فصائل تابعة لـ “الحشد الشعبي“، وموالية لـ “الإطار“، أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، ما دفع “سرايا السلام“، الجناح المسلح التابع للصدر للتدخل للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء، انتهت عندما دعا الصدر، في اليوم التالي من خلال مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح سقط 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري، بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

سياق الأزمة السياسية

تلك التطورات جاءت نتيجة لصراع سياسي، دام لأكثر من 10 أشهر، منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز كتلة الصدر فيها أولا، وخسارة قوى “الإطار“، الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية وطنية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني“، وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

“إنقاذ وطن” أصر بـ 180 مقعدا نيابيا، على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية “، تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي “، أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية“، يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة “الأغلبية“، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية – البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور، وهو ما لم يتمكن “إنقاذ وطن” من تحشيده.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار“، توصّله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي، محمد شياع السوداني، في الـ25 من تموز الماضي، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

اقرأ/ي أيضا: آلاف القطع الأثرية العراقية عالقة خارج البلاد.. ماذا يعيق استردادها؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.