لم يكن ينقص السوريون من الأزمات التي تطاردهم منذ نحو عشر سنوات، حتى اجتاحت موجة الجفاف كل سوريا، وتحديدا المناطق الشمالية الشرقية، حيث انخفضت مستوى المياه في السدود الكبرى في تلك المناطق من سوريا، ولأول مرة منذ إنشائه قبل ما يقرب من ثلاثة عقود، طال الجفاف أيضا مياه سد كبير في شمال غربي سوريا نتيجة التدهور الناجم عن انخفاض منسوب الأمطار والتآكل واعتماد المزارعين المتزايد على مياهه.

أزمة المياه في سوريا ليست جديدة، فهي تعاني منها منذ عقود. إلا أن الحرب الدائرة في البلاد منذ سنوات، زادت من تفاقم الأزمة في السنوات الأخيرة، نتيجة ظهور أزمة الكهرباء ومواد الطاقة والعمليات التخريبية التي أثرت على البنية التحتية لمنظومة إمدادات المياه، فضلا عن عجز الحكومة السورية في إزالة كل هذه المعوّقات في حل أزمة المياه هذه.

كذلك، بالتزامن مع عوامل تغير المناخ التي تزيد من مخاطر الجفاف وحرائق الغابات في جميع أنحاء العالم، إلى جانب الاحتباس الحراري، واجهت سوريا انخفاضا في مستوى هطول الأمطار خلال العامين الماضيين، وهو ما انعكس في تراجع إنتاج محاصيل القمح، خاصة في مناطق الجزيرة السورية (سلة سوريا الغذائية)، التي تشهد انخفاضا خطيرا في منسوب مياه نهر الفرات.

ولأن المياه من أهم جوانب الحياة، تسعى الدول إلى تأمين احتياجاتها المائية لضمان استمرارية الحياة لشعوبها. ولكن نتيجة مرور الأنهار عبر حدود العديد من الدول المتاخمة لبعضها البعض، فإن بعض الدول تتعمد استغلال مصدر المياه الرئيسي وبالتالي التعدي على حصص الدول المجاورة لها، متجاهلة المعاهدات الدولية عبر بناء السدود والقنوات وإنشاء البحيرات الصناعية، ما يُعد خرقا للقانون الدولي واستخدام المياه كسلاح سياسي، تحت إطار “حروب المياه”، للضغط على الدول الجارة، وهو ما تمارسه تركيا الآن ضد سوريا، ببنائها السدود على نهر الفرات وحبس حصة سوريا من مياه الفرات، إلى جانب قطعها لمياه محطة “علوك”، الواقعة في مدينة رأس العين/سري كانييه بريف الحسكة، والخاضعة تحت سيطرة تركيا وفصائل “الجيش الوطني” المعارض، والمدعوم من أنقرة. حيث تغذي محطة “علوك”، كامل مدينة الحسكة وريفها ومخيمات النزوح الواقعة في الريف الجنوبي للمحافظة.

تتزامن أزمة الجفاف وشحّ المياه مع تدهور الأوضاع المعيشية وتزايد مخاطر ضعف الأمن الغذائي في البلاد، ما يشير إلى وضع كارثي يهدد السوريين، خاصة وأن مخاطر المجاعة في سوريا باتت تقترب، بحسب ما أشارت إليه التقارير الدولية مؤخرا. الأمر الذي يثير مخاوف جمّة بشأن مصير الأمن الغذائي والبيئي والوضع الاقتصادي بشكل عام، في بلد متهالك على جميع المستويات مثل سوريا، بعد الدمار الذي لحق ببُناها التحتية، إلى جانب غياب أي أفق لأي حل في البلاد، خاصة وأن العالم على أعتاب أزمة غذائية، نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتداعيات أزمة جائحة كورونا، الممتدة حتى الآن.

أزمة المياه في دمشق

تعاني العديد من المناطق في العاصمة السورية، دمشق وريفها، من أزمة مياه وتداعياتها الاقتصادية والصحية، وعلى الرغم من التطمينات الحكومية حول حلحلة الأزمة التي تنقطع لفترات طويلة، إلا أن الوضع لا يزال متفاقم.

تتغذى دمشق، وأجزاء من الغوطة الشرقية بشكل رئيسي من مياه نبع عين الفيجة، بمعدل 700 ألف متر مكعب يوميا، بالإضافة إلى 120 ألف متر مكعب، توفرها الآبار التي يبلغ عددها في دمشق والمناطق المتصلة بها نحو 200 بئر، وتغطي بمجموعها في المواسم الماطرة نسبة 90 بالمئة، من احتياج دمشق الفعلي، وفق التقارير الرسمية.

في حين مناطق محافظة ريف دمشق فتعتمد بشكل ثانوي على نبع عين الفيجة، بعد تغطية احتياج دمشق، حيث يتم تزويد بعض أحياء مناطق الريف بحوالي 77 ألف متر مكعب يوميا، ليبقى الاعتماد الرئيسي على مياه الآبار.

هذا وتعتمد تغذية مصادر المياه في دمشق وريفها بشكل رئيسي على الأمطار، ومعدلها السنوي 350 ملم في المواسم الماطرة، حيث يحظى حوض مياه نهري بردى والأعوج بنحو 2297 مليون متر مكعب سنويا من مياه الأمطار، التي توفر 881 مليون متر مكعب من المياه لمدينة دمشق، ما يجعل انخفاض معدل الأمطار العام الماضي إلى أقل من 200 ملم، يهدد العاصمة وريفها بالعطش، وفق تحقيق لصحيفة “الشرق الأوسط”.

كذلك، وتتيح الطبيعة المسامية للصخور تسرب معظم المياه المتساقطة بسرعة إلى باطن الأرض، لتشكل مصدرا استثنائيا للمياه من حيث العذوبة والغزارة، وهذا المصدر هو المهدد دائما بسوء إدارة الموارد المائية وزيادة الاستهلاك، نتيجة تركز الكثافة السكانية في العاصمة جراء النزوح إليها من المناطق الساخنة، بالإضافة إلى استنزاف مخزون المياه الجوفية بحفر المزيد من الآبار لحل مشكلة تأمين مياه الشرب. ففي هذا العام، تم منح نحو 423 ترخيصا لحفر آبار في دمشق وريفها، بينها 60 رخصة حفر آبار جديدة، والبقية توزعت بين تسوية وتعزيل وتجديد.

منطقة حوض الفرات

انحسار نهر الفرات في سوريا يتسبب بتهديدات وجودية لآلاف السكان، كما يهدد قطاع إنتاج الحبوب في كامل أنحاء البلاد. وفيما تساهم المعطيات الجيوستراتيجية في تفاقم الأزمة، يلمّح مراقبون إلى أن الأزمة قديمة، وقد ساهم سوء التخطيط، وفشل إدارة هذا الملف من قِبل حكومة دمشق، في المزيد من التصحر والجفاف.

وتظهر صورتان، وفّرتهما وكالة الفضاء الأوروبية عبر الأقمار الاصطناعية، التقطت الأولى في أيار/مايو 2020، والثانية أيار/مايو 2021، تراجع منسوب المياه في سد تشرين في وسط سوريا. كما تظهر صورتان أخريان، التقطت الأولى في آب/أغسطس 2020 والثانية في آب/أغسطس 2021، تغير مستوى المياه في “بحيرة الأسد”، على سد الطبقة في سوريا.

ويُعد سدّا تشرين والطبقة، اللذان يغطيان تسعين في المئة من حاجات شمال شرق سوريا من الكهرباء، أهم سدين بُنيا على نهر الفرات، الذي ينبع من جبال طوروس في تركيا، ويتدفق منها إلى سوريا، عبر مدينة جرابلس في ريف حلب الشمالي، مرورا بمحافظة الرقة شمالا، ومنها إلى دير الزور شرقا، وصولا إلى العراق.

انخفاض منسوب نهر الفرات “إنترنت”

وفيما حذرت الأمم المتحدة، من أن “فترات الجفاف ستصبح أطول وأكثر حدة حول البحر الأبيض المتوسط”، صَنّف مؤشر الأزمات العالمية للعام 2019 سوريا، على أنها “البلد الأكثر عرضة لخطر الجفاف في منطقة المتوسط”.

وأوضح مراقبون في وقت سابق لموقع “الحل نت”، أن “هناك تهديدات وجودية كبيرة، تطال حياة آلاف الناس، بسبب شحّ المياه، وصولا إلى حالة الجفاف العامة، وانحسار نهر الفرات، وهو من أهم الأنهار في الشرق الأوسط، ويجري في منطقة تعتبر فيها مصادر المياه، وارتباطها بالزراعة، الأهم في جُلّ حياة البشر. ولابد من تعاون في هذا السياق، وتنازلات قد تكون صعبة، من أجل استمرار تدفق المياه، وتجنّب الوصول إلى الجفاف العام والمهلك. ومن ثم فإن الاهتمام بإعادة إنشاء البنية التحتية للمياه قد يساهم هو الآخر في بعض من رأب الصدع، والتقليل من حجم الكارثة”.

وبالموازاة، رأى مهند أبو الحسن، مدير البيانات في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن “نوعية التهديدات التي تطال سكان المنطقة، نتيجة انحسار نهر الفرات، هي تهديدات وجودية، فالمنطقة زراعية بامتياز، وهي خزان الحبوب لكامل الأراضي السورية، وبالتالي، سيؤثر شح المياه فيها على سوريا ككل، لأن مخزون الحبوب سوف يتناقص”.

وتطول تهديدات الانخفاض الكبير في مخزون المياه، في سدود الطبقة وتشرين والبعث، الإنتاج الزراعي لأكثر من 475 ألف فدان (200 ألف هكتار) من الأراضي المروية، وبحسب تقارير متعددة فقَد المزارعون المحليون حوالي ثمانين في المئة من محصولهم.

قد يهمك: “تعب عام كامل احترق بدقائق”.. عن مأساة المزارعين بالجزيرة السورية

أزمة محطة “علوك”

كارثة تعطيش المواطنين في مدينة الحسكة وضواحيها وريفها الغربي ثابتة ولا تزال على حالها، ولا بوادر للانفراج النهائي، وفي ظل تفاقم أزمة التعطيش بشكل متكرر ودون انقطاع طوال فصل الصيف الجاري، نتيجة لعدم وصول مياه الشرب إلى العديد من المنازل في أحياء وقطاعات المدينة، وعلى الرغم من الضّخات غير المجدية والمستوفية لحجم الكميات الواصلة بحسب برنامج التقنين المعتمد لدى مؤسسة المياه بالحسكة، تم اللجوء إلى استخدامات الآبار المنزلية غير الصالحة للشرب، التي قام الأهالي بحفرها أمام منازلهم مجبرين على ذلك، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، مؤخرا.

وأردفت الصحيفة في تقريرها السابق، أن الأهالي في الحسكة يضطرون إلى شراء صهاريج مياه الشرب، بأسعار يصل سقفها الأدنى إلى 12 ألف ليرة سورية، لصهريج الخمسة براميل، وسط الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها عموم السوريين، على الرغم من النداءات، والاستغاثات الأهلية، والمحلية المتكررة طوال السنوات الماضية.

من جانبه، أفاد مدير عام مؤسسة المياه محمود العكلة، أن الحلول البديلة لا تزال خجولة جدا، ولا تؤدي الغرض إطلاقا وهي التي لا تزال تتم بالطريقة التقليدية وكما هي الحال الحاصلة في مخيمات النزوح التي نُصبت للنازحين فقط، من خلال محطات التحلية التي أصبحت تعمل من خلال 11 محطة، من 13 محطة، وبإمكانيات خجولة جدا ودون مستوى الطلب، والتي بدورها تقوم بإيصال مياه الشرب للمواطنين من خلال “بيدونات” المياه، ودون المستوى المطلوب لاحتياجات المدينة، نتيجة لسحب المياه من محطة “علوك”، من الجانب التركي والفصائل التابعة له.

الرئيسة المشتركة للمديرية العامة لمياه الشرب في “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، نوار صبري، أفادت لموقع “الحل نت”، إنه لا ضمان روسي لمنع تجاوزات القوات التركية والفصائل المدعومة منها بقطع مياه “محطة علوك”، عن الحسكة وريفها.

وأضافت صبري، في وقت سابق، أن المياه انقطعت بشكل كامل من الحسكة منذ أكثر من شهر، مشيرة إلى أن الروس غير جادين لحل المشكلة كنوع من الابتزاز وأن تركيا تستخدمها كسلاح ضد شمال شرقي سوريا.

ووفق تقارير لمنظمات دولية، فإنه منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019، تعطلت محطة “علوك”، 25 مرة على الأقل، والتي توفر مياه الشرب النظيفة لحوالي 460 ألف شخص. توقفت المحطة عن العمل نهائيا منذ 23 حزيران/يونيو 2021، لعدة أسباب منها انخفاض قدرة الفنيين على الوصول لإجراء أعمال الصيانة والإصلاحات ونقص الكهرباء. الأمر الذي حدّ بشكل جدي وفوري من وصول المياه إلى محافظة الحسكة.

بشكل عام، يتأثر بهذا القطع من محطة “علوك”، حوالي مليون شخص، بما في ذلك العديد من العائلات النازحة الأكثر هشاشة التي تعيش في المخيمات والتجمعات العشوائية.

وبحسب التقارير، فإن العائلات هناك تلجأ إلى مصادر المياه التي من الممكن أن تكون غير آمنة أو إلى الحد من استهلاك المياه، مما قد يُسهم في زيادة الأمراض المنقولة بواسطة المياه والتي من المحتمل أن تكون فتّاكة، ويزيد من تقويض نظام الصحة العامة الهشّ أصلا، كما وقد انتشر مرض “الكوليرا” مؤخرا، نتيجة لانخفاض منسوب نهر الفرات، وموجة الجفاف التي ضربت سوريا مؤخرا، فضلا عن هشاشة القطاع الصحي.

قد يهمك: كيف تواجه سوق العقارات مخاطر التغيّر المناخي؟

لأول مرة منذ 3 عقود

لم يسلم مناطق شمال غربي سوريا من موجة الجفاف أيضا، حيث طال الجفاف سدّا رئيسيا في شمال غربي سوريا للمرة الأولى منذ إنشائه قبل نحو ثلاثة عقود، إثر تراجع مستوى الأمطار، إلى جانب معاناة مساحات واسعة في محافظة إدلب وريف حماة، شمال غربي سوريا، نتيجة للتغيرات المناخية.

وبحسب تقرير لوكالة “فرانس برس”، فإن مياه سد (الدويسات) في منطقة دركوش بريف إدلب الغربي جفّت، وباتت البحيرة المشيّد عليها، أشبه بمستنقع صغير تحيط به أراض متشققة وأشجار يابسة وبقايا هياكل عظمية لحيوانات. وبحسب القائمين على السد، فإنها المرة الأولى التي تجف فيها مياه السدّ منذ بنائه في العام 1994، وذلك بسبب الجفاف وقلة الأمطار.

سد الدويسات “فرانس برس”

خلال السنوات الفائتة، تقلص مساحات الزراعة الذي ترافق مع انحسار مياه نهر العاصي الذي يمر وسط سهل الغاب، وصولا إلى منطقة جسر الشغور، وجفاف بحيرة سد قسطون، التي تعتمد بتجميع مياهها على الأمطار والسيول القادمة من عمق جبل الزاوية جنوب إدلب، ما أدى إلى تدهور الزراعة ومحاصيل القمح والشمندر السكري ومزروعات أخرى، كما تضررت تربية حيوان الجاموس، في المنطقة ضمن مساحة بلغت نحو 20 ألف هكتار، من الأراضي الزراعية.

بحسب عاملين في المجال الزراعي والثروة المائية في شمال غربي سوريا، يتوقع أن تشهد مساحات كبيرة من ريفي إدلب وحماة جفافا غير مسبوق خلال السنوات القادمة، نظرا لقلة الأمطار وجفاف عدد من الينابيع وعيون المياه، بحسب “الشرق الأوسط”.

قد يهمك: إذا زاد الاستهلاك ستنقطع الكهرباء.. المكتوب مبين من عنوانه

التداعيات

في سياق موازٍ، يهدد قلة هطول الأمطار المحاصيل الزراعية في الجزيرة السورية، للعام الثاني على التوالي، فضلا عن غلاء أسعار البذور والأسمدة وأجور حراثة الأرض، وخروج مئات الهكتارات عن القابلية للزراعة، وسط أزمة زيادة غير مسبوقة في مشتقات الوقود والطاقة.

أيضا، وبعد كل الانتكاسات والخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي والتي أثّرت بدورها على الثروة الحيوانية في سوريا، على مدى السنوات الماضية، يبدو أن تغير المناخ والجفاف ليس السبب الوحيد لذلك، بل تقصير وتهميش المعنيين من السلطات في حكومة دمشق، وقراراتها غير المدروسة في إدارة الأزمات، وكذلك ارتفاع أسعار المواد الأولية والأمور التشغيلية، كلها أسباب مضاعفة، أدت إلى تهالك القطاع الزراعي الذي يشكل حوالي 30-25 بالمئة، من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى كونه من أهم ركائز الأمن الغذائي في سوريا.

سد الدويسات “فرانس برس”

من حيث الأرقام، يوجد في سوريا مليون هكتار، من الأراضي الزراعية تعتمد على مياه الأمطار، و 690 ألف هكتار، مروية بمياه المشاريع الزراعية. لكن مع ذلك، لم يعد سرا أن هذا القطاع المهم يشهد تراجعا، بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، مؤخرا.

من جهته، قال رئيس نقابة الفلاحين في محافظة حماة حافظ سالم، في رده على سؤال، أن التغيرات المناخية وحدها تسببت في تراجع الإنتاج الزراعي السوري، فأجاب: “لا، أبدا ليست التغيرات المناخية وحدها سببا في ذلك، لكن المناخ قد يكون أحد الأسباب المتعددة وساهم في تراجع الإنتاج إلى حد ما، لكن الحصة الأكبر في هذا التراجع، هو ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج دون أخذ ذلك في الاعتبار عند دراسة تكاليف الإنتاج”.

وأردف سالم، في حديثه السابق، أن “الأسمدة والمحروقات لم تعد متاحة كما في السنين الماضية، فضلا عن أجور النقل واليد العاملة وفلاحة الأرض، فبعض هذه الأمور لا تُدرّس عند تقدير التكلفة وهذا خطأ، ولابد من هامش ربح محفّز ومغري للمزارعين كي يزيدوا الإنتاج، إذ لا يجوز أن يُترك الفلاح من دون دعم إذا ما أردنا لإنتاجنا الازدهار والنمو”.

قد يهمك: “سيل الزّيتون من سيل كانون”.. مزارعو الزيتون السوري يفقدون الأمل

غياب خطط استراتيجية علمية

“مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ” في الاتحاد الأوروبي، حذر من موجة جفاف شديدة وطويلة الأثر في سوريا، بسبب تفاقم نقص المياه في ظل الظروف غير العادية خلال موسم الأمطار.

وكشف المركز الدولي، أن التنبؤات الموسمية لـ “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية”، تشير إلى أن سوريا تعاني من الجفاف ونقص المياه الشديد والطويل الأمد، في ظل ارتفاع غير طبيعي في درجات الحرارة.

وتوقّع المركز، أن تستمر في ظل موسم الحرارة والجفاف من شهر تموز/يوليو، إلى أيلول/سبتمبر من العام الجاري. ونوّه التقرير الدولي، إلى أن الجفاف الذي يمتد لعدة سنوات، وندرة المياه والغذاء والطاقة، وتكاليفهما المرتفعة، “يعزز كل منهما الآخر، ويعزز أزمة الأمن الغذائي في سوريا”.

وفي هذا الإطار، قال المهندس المتخصص في التغير المناخي، مؤيد الشيخ حسن، إن القطاع الزراعي بشكل عام والاقتصاد الإنتاجي بأكمله في سوريا، تأثر بشكل كامل نتيجة سنوات الحرب الماضية، وتسبب ذلك في تراجع كبير في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، وستؤثر أزمة الجفاف بدورها بشكل مباشر وأكبر على هذه القطاعات.

أشار الشيخ حسن، أثناء حديثه السابق لموقع “الحل نت”، إلى أن القطاع الزراعي سيتأثر أكثر من الحيواني بموجة الجفاف، لما له ارتباط مباشر وأساسي بالمياه ونسبة هطول الأمطار، مما سيؤثر على اقتصاد البلاد بأكمله ويسبب بأزمة غذاء من كل بد.

وفق المهندس المتخصص في تغيّر المناخ، فإن التأثير سيكون كبيرا خاصة، وأن قضية الجفاف حاليا نتيجة التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وتغير المناخ أزمة عالمية وليس فقط على سوريا ولكن في وضع بلد مثل سوريا، تتفاقم الظاهرة أكثر لعدة أسباب، أبرزها؛ عدم وجود سياسات حكومية مدروسة علميا على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، أي لا توجد سياسات حكومية استراتيجية لمعالجة هكذا أزمات، كما لا توجد بنية تحتية تخدم أو تستطيع مواجهة أزمة الجفاف هذه، وبالتالي فإن تأثير الجفاف سيتضاعف في بلد مثل سوريا أكثر من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط وعموم العالم.

بدوره يرى المهندس الزراعي آلان محمد، أنه من الضروري للجهات المعنية في وزارة الزراعة السورية، وضع خطط وحلول مستدامة لمواجهة أزمة الجفاف والأمطار التي تبدو ستمتد لسنوات لاحقة، لإنقاذ القطاع الزراعي من التدهور والتراجع، خاصة في مناطق الساحل السوري والجزيرة، وإلا سينخفض الإنتاج الزراعي وخاصة محاصيل القمح والشعير إلى أدنى المستويات، وبالتالي ستتعرض المنطقة لتهديد حقيقي لأزمة غذائية غير مسبوقة، إلى جانب موجة غلاء في البلاد.

ونوّه محمد، في حديثه السابق لـ”الحل نت”، “بالإضافة إلى ما سبق، فإن الموسم الزراعي، وإنتاجيته مرتبطان ارتباطا كبيرا بحركة السوق وانتعاشه في سوريا، لأنه مرتبط بالتجارة؛ من تجارة المعدات والآلات الزراعية والأسمدة والعمالة وغيرها من الحركة التجارية في المنطقة، لا سيما أن الجزيرة السورية تعتبر السلة الغذائية لسوريا”.

مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة السورية، أحمد حيدر، كشف في وقت سابق، عن انخفاض نسبة المساحة المزروعة بالقمح في سوريا، حيث بلغت نسبة المساحة المزروعة 1.2 مليون هكتار، وهو أقل من العام الماضي، حيث بلغت 1.5 مليون هكتار.

قد يهمك: من “كورونا” إلى “الكوليرا”.. أزمات صحية تحاصر سوريا

تدهور الأمن الغذائي

في وقت سابق، قال ذياب عبد الكريم، رئيس اتحاد الفلاحين السابق في محافظة الحسكة، لصحيفة “تشرين” المحلية، حول أسباب تراجع الثروة الحيوانية في سوريا، إن“ الجفاف الذي تعاني منه المنطقة وغلاء المواد العلفية لأضعاف مضاعفة، حيث وصل سعر كيلو التبن إلى 1200 ليرة سورية، بعد أن كان يباع بـ200 ليرة قبل عام واحد فقط، أيضا كيلو الشعير وصل سعره نحو 1500 ليرة، بعد أن كان يباع بأقل من 200 ليرة، كلها أسباب أدت إلى تراجع الثروة الغنمية وخسارة المليارات السورية”.

وفي بحث نشره مركز “المجلس الأطلسي”، بعنوان “سوريا تعاني كارثة مائية، وستستمر”، بتاريخ 25 شباط/ فبراير الفائت، يقول إنه في أيار/مايو 2021، انخفض تدفق نهر الفرات في شمال شرقي سوريا إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، مما تسبب في أسوأ موجة جفاف منذ عام 1953، وحذر التقرير من “تراجع تاريخي ومخيف في منسوب المياه”، نظرا لأن هذا النهر، هو المصدر الرئيس للمياه للزراعة، والاستهلاك المنزلي وإنتاج الكهرباء في شمال وشرق سوريا.

علما أنه في عام 1987، وقّعت سوريا اتفاق تقاسم مياه مع تركيا، تعهدت بموجبه أنقرة أن توفر لدمشق 500 متر مكعب في الثانية كمعدل سنوي.

ومن تداعيات هذا الجفاف، اضطرار المزارعين لبيع مواشيهم بسبب نقص العلف، نظرا لندرة العشب، أو عدم قدرتهم على شرائه لزيادة التكلفة بنسبة 200 في المئة. مما تفاقم في موجة جديدة من الهجرة في سوريا من المناطق الريفية إلى المدن، والتي تضيف إلى مئات الآلاف من الأشخاص، الذين هجروا مزارعهم نتيجة للجفاف أعوام 2006 و2008 و2010، ما أدى إلى زيادة أعداد الأحياء الفقيرة التي انتشرت حول المدن السورية الكبرى، بما في ذلك العاصمة دمشق.

وتوقعت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة دمشق، في وقت سابق، أن تتعرض سوريا لأسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاما، نتيجة انحباس الأمطار في معظم المناطق السورية، إضافة إلى موجات الحر العالية في بعض المناطق.

منذ مطلع العام 2021 اعترفت حكومة دمشق، للمرة الأولى بأن الأمن الغذائي في مناطق سيطرتها بات في خطر، وهو الاعتراف الذي أثار التساؤل في ذلك الوقت حول أسبابه وسرّ توقيته، لا سيما وأن التقارير الدولية لم تتوقف عن الصدور منذ منتصف عام 2020، محذّرة من مجاعة قادمة على سوريا، ومن أمن غذائي متدهور.

ولأجل ذلك، فإن أزمة الجفاف والتغير المناخي غير المسبوق، وكذلك انخفاض منسوب مياه نهر “الفرات” في شمال سوريا، بفعل حبس تركيا لحصة سوريا من المياه، الأمر الذي أدى بدوره إلى تراجع إنتاج الكهرباء وإمدادات المياه الصالحة للشرب، فضلا عن تلوث المياه في شمال سوريا. وهو ما يرجّح (حسب الخبراء) أن تركيز الملوثات في المياه التي تصرفها السدود، عند اقترانها بارتفاع درجة الحرارة وتكاثر الطحالب والتبخر، سيدمر النظام البيئي للمنطقة، وبالتالي فإن سوريا على خط رفيع جدا من أزمة “كارثية”؛ غذائية وبيئية.

قد يهمك: جفاف شديد وتدهور أمن غذائي في سوريا.. مجاعة قادمة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.