بعد لبنان اتفاق لتطوير حقل للغاز في غزة.. ماتأثيره على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية؟

تطوير الغاز في شرق المتوسط، مرحلة جديدة ومهمة بدأت في الآونة الأخيرة بالتزامن مع أزمة الطاقة العالمية على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، فبعد التحضير للبدء في تشغيل حقل “كاريش”، المشترك بين لبنان وإسرائيل، تم الاتفاق على تطوير وتشغيل حقل غاز “غزة مارين” في قطاع غزة، بين مصر والسلطة الفلسطينية وبموافقة إسرائيلية.

هذا التطور له نتائج مهمة، سواء على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، والفلسطينية الفلسطينية حيث أن الحقل يقع ضمن قطاع غزة الواقع تحت سيطرة الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى انعكاساته الاقتصادية ومدى تأثيره على الاستقرار في المناطق الفلسطينية ونظرة إسرائيل لهذا الأمر، ما يدعو للتساؤل حول الجدية الإسرائيلية للسماح للفلسطينيين من الاستفادة منه، أو أن لها أهداف أخرى وراء ذلك.

اتفاق فلسطيني مصري

بحسب تقارير صحفية اطلع عليها “الحل نت”، يتجه صندوق الاستثمار الفلسطيني “الصندوق السيادي” للتوصل إلى اتفاق فني مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”، يقضي بتطوير حقل “غزة مارين” للغاز.

وقالت التقارير يوم أمس الأحد، إن الجانبين سيوقّعان خلال الربع الأخير من 2022، على الاتفاق الفني الذي يحدد توزيع الحصص على الشركاء وكيفية تسويق الغاز.

حقل غاز “غزة مارين” – وكالات

 ويملك صندوق الاستثمار الفلسطيني حصة تبلغ 27.5 بالمئة من الحقل، وشركة “اتحاد المقاولين”، “سي سي سي” نفس الحصة، بينما الحصة المتبقية البالغة 45 بالمئة ستكون للشركة المشغّلة.

وكان التوقيع على الاتفاقية بين “الصندوق السيادي الفلسطيني”، و”إيجاس” و”سي سي سي”، قد تم في شهر شباط/فبراير 2021، من أجل تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، لتوفير احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي.

وبحسب الاتفاقية، فإنه بعد الانتهاء من توقيع اتفاقية الإطار الفنية، تبدأ “إيجاس”، الخطوات العملية لتطوير الحقل، تمهيدا لاستخراج الغاز بالكميات التجارية بعد 30 شهرا من التوقيع.

إقرأ:مقترح نهائي لحل الخلاف الإسرائيلي– اللبناني حول حقل “كاريش”

لماذا وافقت إسرائيل على تطوير حقل الغاز؟

المصادر الفلسطينية، تجنبت الإشارة إلى دور إسرائيل في الاتفاق، مكتفية بالقول إن الأمور تسير باتجاه تطوير الحقل بالتوافق مع جميع الأطراف ذات العلاقة دون أن يتم ذكر الأطراف.

أما موقع “المونيتور” الأميركي، فقد كشف الخميس الماضي، عن موافقة إسرائيل على استخراج الغاز من حقل “غزة مارين”، وذلك وفق معلومات حصل عليها من مسؤول في جهاز المخابرات المصري وعضو في اللجنة التنفيذية في منظمة “التحرير الفلسطينية”.

وأضاف “المونيتور”، أنه حصل على المعلومات من مسؤولين فلسطينيين ومصريين حول نجاح الوساطة المصرية في دفع إسرائيل للسماح ببدء استخراج الغاز الطبيعي قبالة سواحل قطاع غزة.

ونقل الموقع عن مسؤول في جهاز المخابرات المصري، دون الكشف عن اسمه، قوله إن وفدا اقتصاديا وأمنيا مصريا ناقش مع الجانب الإسرائيلي منذ عدة أشهر مسألة السماح باستخراج الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة، مضيفا: “نجح الوفد أخيرا في التوصل إلى حل وسط يعود بالفائدة على جميع الأطراف المعنية، وأهمها إسرائيل والسلطة الفلسطينية”.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عادل ياسين، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن موافقة إسرائيل في هذه المرحلة ينسجم مع محاولاتها إنقاذ السلطة الفلسطينية، من حالة الانهيار البطيء التي تمر بها، وفي إطار الجهود التي تبذلها لمساعدتها وتعزيز مكانتها السياسية ورفع أسهمها لدى الشارع الفلسطيني، واستعادة جزء من الشرعية التي فقدتها خلال الفترة الماضية.

خلاف فلسطيني حول إدارة الحقل؟

من المعروف أن هناك خلافات عديدة بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وبما أن حقل الغاز يقع ضمن القطاع، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى خلافات بين الطرفين تتعلق بإدارته، ما قد يؤثر على تشغيله.

عادل ياسين، يرى أن إسرائيل تسعى من خلال موافقتها على تطوير حقل الغاز في إطار سعيها لترسيخ الانقسام بين الضفة والقطاع، باعتبار أن هذه الخطوة ستؤدي إلى نشوب خلافات بين الطرفين حول أحقية إدارة الحقل وأحقية العوائد المرجوة منه.

من جهتهم، بيّن مراقبون، لـ”الحل نت”، أن اتفاقية الغاز مهمة جدا للفلسطينيين، لأنها حقل “غزة مارين”، قادر على تحقيق اكتفائهم من الغاز الطبيعي، ولكن بحسب الحسين، فإن نشوب خلافات بين الطرفين الفلسطينيين، السلطة والفصائل، أمر متوقع وهذا ما قد يؤخر العمل في تطوير الحقل مدة أطول بحجة الأمن، وهو المطلب الإسرائيلي، بأن يتم البدء بإجراءات عملية استخراج الغاز من حقول غزة بداية عام 2024، لضمان أمنها.

الموافقة الإسرائيلية شكلية؟

موقع “المونيتور”، نقل عن عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة “التحرير الفلسطينية”، قوله إن مصر أبلغت السلطة الفلسطينية بموافقة إسرائيل على البدء في استخراج الغاز الفلسطيني قبالة سواحل غزة. وأشار إلى أن ذلك جاء بعد ضغوط سياسية تمارسها دول أوروبية على إسرائيل، لتلبية احتياجاتها من بدائل الغاز عن الغاز الروسي.

وأوضح المسؤول الفلسطيني أنه بموجب الاتفاق ستشرف مصر وإسرائيل على عملية الاستخراج، وسيتم تصدير هذا الجزء من الغاز إلى مصر، وستصدر إسرائيل الجزء الأكبر منه إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص. وستعود الإيرادات المالية من عملية تصدير الغاز الفلسطيني إلى خزينة السلطة الفلسطينية، مع تخصيص جزء من هذه الإيرادات لدعم اقتصاد غزة.

وفي هذا السياق، يتخوف مراقبون من أن تقوم إسرائيل باختلاق ذرائع مختلفة لإيقاف تطوير الحقل وتشغيله، لأن البدء بعملية الإنتاج والتصدير سيؤدي إلى استقرار الوضع في غزة من الناحية الاقتصادية، وهذا يتنافى مع السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع، حيث تتخوف من أن تستخدم الفصائل حصة غزة من عائدات الغاز في تطوير نفسها عسكريا.

ويعتقد عادل ياسين، أن موافقة إسرائيل هي شكلية وليست حقيقية، لأن مجرد السماح بالتنقيب عن الغاز في غزة سيساهم في تحسين مستوى المعيشة في القطاع، كما سيساهم بطريقة أو بأخرى بتعزيز مكانة “حماس” والفصائل، وهو ما يتعارض مع مصالح إسرائيل بإبقاء الحصار مفروضا على غزة وربط أي محاولة لترميم القطاع وتحسين الظروف المعيشية للسكان بالإفراج عن الجنود الإسرائيليين الأسرى.

اتفاق “كاريش” في مراحله الأخيرة

في سياق تطورات التنقيب عن الغاز شرق المتوسط، بين الرئيس اللبناني، ميشال عون، يوم أمس الأحد، أن بلاده ستتسلم الصيغة النهائية لاقتراح ترسيم حدودها البحرية مع إسرائيل اليوم الإثنين، عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.

وأوضحت الرئاسة اللبنانية في بيان، أن هوكشتاين، أبلغ عون في اتصال هاتفي بأنه تم تحديد الملاحظات بشأن الاقتراح، مشيرا إلى أن الجانب اللبناني سوف يدرس الصيغة النهائية للاقتراح بشكل دقيق؛ تمهيدا لاتخاذ القرار المناسب.

 وبحسب البيان، فقد أكد هوكشتاين، أن جولات النقاش خُتمت، وتم تحديد الملاحظات، وسيرسل الصيغة النهائية للاقتراح (مسودة) اليوم الإثنين.

وكان الوسيط الأميركي سلّم، مطلع تشرين الأول / أكتوبر الحالي، كلا من لبنان وإسرائيل، مسودة اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما، إلا أن الطرفين أبديا ملاحظات عليها.

وكانت الرئاسة اللبنانية، أعلنت في بيان لها في وقت سابق، أن ملاحظات بيروت على مسودة اتفاق لترسيم الحدود تضمن حقوقها في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.

أسابيع على بدء العمل في “كاريش”

أسابيع قليلة وتبدأ شركة بريطانية تعمل لصالح إسرائيل في استخراج الغاز من حقل “كاريش”، المتنازع عليه بين لبنان وإسرائيل، فيما الحكومة اللبنانية لم تعلن رسميا تاريخا محددا لبدء التنقيب.

وحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإنه وفق الأجواء العامة يبدو أن لبنان راضي عن الحلول التي جلبها بحقيبته الوسيط الأميركي في محادثات حل النزاع الحدودي البحري بين إسرائيل ولبنان، آموس هوكشتاين، حين زار لبنان في 9 من أيلول/سبتمبر الجاري، واجتمع مع الرئيس ميشال عون، ونائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، ورئيس الأمن العام عباس إبراهيم، ليخرج بتصريح للإعلام يقول فيه، “مفاوضات ترسيم الحدود البحرية حققت تقدما جيدا جدا”.

قبل يوم واحد من زيارة الوسيط الأميركي إلى لبنان، أعلنت شركة “إنيرجيان بي إل سي” البريطانية، بأنها جاهزة لأن تبدأ في غضون بضعة أسابيع باستخراج الغاز من حقل “كاريش”، الواقع شرقي البحر المتوسط، وهذه الشركة ستقوم بالتنقيب لصالح إسرائيل؛ فيما اتفقت الحكومة اللبنانية مع شركة “توتال” الفرنسية، للتنقيب داخل لبنان.

حماس إسرائيلي وتهديدات من نصرالله

  وفق المعطيات المتوفرة، هناك خطة أصبحت جاهزة عن كيفية انطلاق عملية رسم الحدود برا وبحرا، خاصة وأن إسرائيل أبدت مؤخرا حماسة لحل الموضوع بأقرب وقت، بحسب حديث سابق للمتخصصة في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان، لـ “الحل نت”، وبحسب المعلومات فقد وافقت اسرائيل على إعطاء لبنان مساحة 860 كيلومتر مربع مع السماح لهم أيضا بالأفضلية في التنقيب بحقل “قانا”، ولكن ذلك لن يكون مجانا، إذ تسعى إسرائيل في الحصول على نقطة رأس الناقورة البرّية والمنطقة التي تقع فوقها (هي أخر نقطة لبنانية مع الحدود الإسرائيلية)، والتي لطالما كانت نقطة اختلاف بين البلدين.

للأسف فإن خط 23 لا ينطلق من رأس الناقورة، بحسب هايتيان، وبالتالي اعتبرت اسرائيل أن من حقها المطالبة به، وهنا تكمن العقدة التي قد تعرقل نوعا ما خاتمة تلك المفاوضات. لبنان متمسك بالمساحات البرية التي تفصل بين الناقورة والحدود الإسرائيلية لذا الأمر ليس سهلا.

هايتيان، تعتقد أن كل من الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية تريدان الإسراع في حل الملف للتخفيف من تصعيد نصر الله، الذي كان يهدد بحرب بين البلدين في بداية أيلول/سبتمبر الحالي، ثم عاد مهددا بالحرب في نهاية الشهر، هو يضغط جدا على إسرائيل ولكن قد يكون هناك مماطلة نوعا ما، إذ ترد معلومات حول تأجيل المفاوضات إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية والأميركية وحتى اللبنانية، فيما “حزب الله” يريد حسم الموضوع قبل رحيل الرئيس اللبناني ميشال عون، ليقال أن على عهده وكونه حليف الحزب، تم تحقيق أكبر وأهم ملف لبناني.

في العام 2020 انطلقت المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية التي بين إسرائيل ولبنان، وكانت الولايات المتحدة الأميركية عرّابة المحادثات؛ عند الجولة الخامسة توقفت المباحثات، والسبب خلافات حول مساحة المنطقة المتنازع عليها في البحر المتوسط.

بعد سنتين قررت واشنطن إحياء الملف لحله جذريا، وفي حزيران/يونيو الماضي، تصاعد التوتر بين لبنان وإسرائيل، حين وصلت إلى المنطقة البحرية المتنازع عليها سفن تابعة لشركة “إنيرجيان”، مخصصة لاستخراج الغاز استؤجرت لحساب إسرائيل.

“حزب الله”، حذر مرارا إسرائيل من القيام بأي نشاط في “كاريش” قبل التوصل لاتفاق بهذا الشأن مع لبنان. وفي الثاني من تموز/يوليو الفائت، قالت إسرائيل إنها اعترضت ثلاث مسيرات تابعة لـ “حزب الله”، كانت متجهة إلى منطقة حقول الغاز في البحر المتوسط.

حجم الاحتياطيات في كل من “كاريش” و”غزة مارين”

حجم الاحتياطات من الغاز الطبيعي في حقل “كاريش”، يُقدر بنحو 1.3 تريليون قدم مكعب، في حين تشير تقديرات أخرى إلى أن حجم الاحتياطات يتراوح بين 1.5 تريليون إلى 2 تريليون قدم مكعب، بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”.

حقل غاز “كاريش” – وكالات

ومجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية يقدر بنحو 22 ألف كيلومتر مربع، في حين تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كيلومترا مربعا.

ويُقدر حجم الاحتياطي البحري اللبناني من النفط بنحو 865 مليون برميل، وتُقدر حصة لبنان من الغاز الطبيعي الذي يحتضنه البحر المتوسط بنحو 96 تريليون قدم مكعب.

أما في حقل “غزة مارين”، يُقدر الاحتياطي في الحقل 1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي 32 مليار متر مكعب، يعادل طاقة إنتاجية 1.5 مليار متر مكعب سنويا لمدة 20 سنة.

قد يهمك:حرب لبنانية إسرائيلية بسبب غاز المتوسط؟

من المهم أن نذكر أن منطقة شرق المتوسط باتت تتحول إلى منطقة طاقة استراتيجية في الغاز، حيث تتجه الأنظار الأوروبية إليها حاليا لتكون مصدر للغاز كبديل للغاز الروسي، ولكن يبقى معرفة حقيقة الدور الإسرائيلي خاصة فيما يتعلق بحقل الغاز في قطاع غزة، هل ستمر الاتفاقية ويبدأ العمل بالحقل، أم ستضع إسرائيل العراقيل نتيجة لمواقف سياسية وأمنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.