العديد من التساؤلات تثار حول احتمالية تغيير إسرائيل لاستراتيجيتها بشأن غاراتها على سوريا، إلى جانب تزويد كييف بالمزيد من الأسلحة وخاصة سلاح القبة الحديدية، الذي طالما طالبت به كييف. تأتي هذه التساؤلات بعد قيام موسكو بتقليص قواتها وسحب نظام الدفاعات الجوية “إس-300” من سوريا، وكذلك دعم إيران العسكري المتزايد لموسكو.

صحيح أن إسرائيل أعلنت من خلال وزير دفاعها، بيني غانتس، أن “إسرائيل تدعم وتقف إلى جانب أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي والغرب، وهذا شيء قلناه منذ اليوم الأول وسنكرره”. وأضافت “أود أن أؤكد أن إسرائيل لن ترسل أنظمة عسكرية إلى أوكرانيا لاعتبارات عملياتية متعددة”. وتشمل هذه الاعتبارات استمرار الوجود العسكري الروسي في سوريا، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي “إس-400”. لكن هذا لا يمنع إسرائيل من تقديم دعم عسكري لأوكرانيا، على غرار دعم إيران لروسيا، إذا تطورت الأحداث وتغير مسار التنسيق والأمور بين الطرفين. وفي خضم كل ذلك، قد تصبح المنطقة، لا سيما سوريا، ساحة معركة جديدة بين الأطراف المتصارعة، فضلا عن تحول أوكرانيا إلى ساحة معركة بين إيران وإسرائيل.

“المشهد يتعقد أكثر”

صحيفة “نيويورك تايمز” قالت إن تقليص القوات الروسية في سوريا، ربما يكون عاملا في تغيير استراتيجية إسرائيل هناك، لافتة إلى أن موسكو سحبت نظاما للدفاع الجوي من سوريا، إضافة إلى بعض القوات لتقوية آلتها الحربية في أوكرانيا، مما سيعيد حسابات تل أبيب، بشأن الغارات التي تقوم بها على سوريا أو تسليح القوات الأوكرانية.

الصحيفة الأميركية قالت، إن الروس أعادوا نشر معدات عسكرية مهمة وجزء من القوات في سوريا، وذلك نقلا عن ثلاثة مسؤولين بارزين في الشرق الأوسط، مما يكشف عن أثر العملية العسكرية الروسية المترنحة في أوكرانيا على التأثير في مناطق أخرى، وهو ما أزال واحدا من المعوقات الإسرائيلية لتسليح أوكرانيا. وهذا لا يعني نهاية الوجود العسكري الروسي في سوريا. فروسيا لا تزال تحتفظ بوجود عسكري كبير. إلا أن هذا قد يعمل على تعديل ميزان القوة في واحد من أعقد محاور الحرب في العالم، وربما يسمح لإسرائيل، لإعادة التفكير في استراتيجيتها السورية والأوكرانية.

دبلوماسي غربي بارز ومسؤول دفاعي إسرائيلي كبير، قال إن موسكو نقلت بعضا من قواتها ودفاعاتها الجوية من سوريا، بشكل أزال عائقا أمام الهجمات الإسرائيلية في سوريا.

في هذا السياق، يرى الأكاديمي السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة “بغداد”، طارق الزبيدي، أن إسرائيل وبقية العالم الغربي ستستمر في دعم أوكرانيا عسكريا وسياسيا، ذلك لأن الحرب في الواقع ليست حربا بين دولتين، وإنما بين دول متعددة. وفي إطار هذه الحرب المعقدة في أوكرانيا، توجد هناك خصوصية لسياسة إسرائيل تجاه الحرب، فهي تدعم أوكرانيا ضد روسيا لسببين؛ أولهما كون روسيا هي الحليف الإستراتيجي لإيران، والسبب الثاني مواقف روسيا في مجلس الأمن الدولي واستعمال حق النقض لأكثر من مرة ضد قرارات تصب في مصلحة إسرائيل.

الزبيدي أردف في حديثه لـ”الحل نت”، أن زيادة تقليص الوجود الروسي في سوريا أمر متوقع، حيث تقود روسيا الآن حرب استنزاف كبيرة تحتاج إلى الكثير من الدعم وقد تحرك وحداتها في سوريا. خاصة قرب المسافة من أوكرانيا يساعدها على إرسال الدعم السريع، لكن إيران ستملأ الفراغ الروسي، وهذا يجعل إسرائيل تواجه تحديا قد يجعلها تزيد من قصفها داخل الأراضي السورية، لا سيما مواقع القوات الإيرانية. وبافتراض الرد الروسي، لن يكون هناك رد روسي على الأزمة المتوقعة بين إيران وإسرائيل لأنها منشغلة بالحرب مع أوكرانيا، على حدّ تعبيره.

في حين يرى المحلل السياسي، زياد سنكري، المقيم في واشنطن، إن الخطوة الروسية بخفض قواتها في سوريا تصب في مصلحة إسرائيل في خطوة تزيل أحد العوائق أمام خطط تل أبيب في سوريا، وخاصة سلاح طيرانها الذي يقوم باستهداف محدد للعديد من الأهداف على الأراضي السورية، في ضربات تعتبرها استباقية.

لكن في الوقت نفسه وفق اعتقاد سنكري الذي تحدث لـ”الحل نت”، أن هناك قراءة إسرائيلية للجانب السلبي من الخطوة الروسية، بحيث يخشى البعض من أن يفتح سحب الروس لجنودهم ومعداتهم الباب للإيرانيين وأذرعهم وخاصة “حزب الله” اللبناني، بمليء الفراغ مما يعطي الإيرانيين حرية الحركة والانتشار في مناطق شاسعة، لم يكن بمقدورهم فعلها في ظل الوجود الروسي الذي كان حاجزا أمام خطط “الحرس الثوري” الإيراني.

مسيّرة إيرانية تنقض على هدفها في كييف “إنترنت”

كل هذا يأتي في وقت ينخرط الجانب الإيراني بدعم وتزويد القوات الروسية في أوكرانيا بمسيّرات، وفي ظل المعلومات بقيام إسرائيل بتزويد الأوكرانيين بمعلومات استخبارية عن المسيّرات الإيرانية كفيلة برسم خطط عسكرية لاحتواء مفعولها، وهذا ما أغضب الروس لدرجة قيام الرئيس الروسي السابق ديميتري ميدفيديف والذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي حاليا، بالتهديد بأن هذا الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا كفيل بتدمير العلاقة بين موسكو وتل أبيب. وهذا يعتبر التصريح العلني الواضح الى مدى تدهور العلاقة بين الدولتين، على حدّ قول سنكري.

بحسب تقدير سنكري، ينظر الإسرائيليون بقلق إلى مدى التعاون الروسي الإيراني ويعتبرونه نقلة إستراتيجية من شأنها أن تعرقل خططهم لمحاصرة النظام الإيراني، خاصة وأن روسيا لا تزال دولة فاعلة في مجلس الأمن وتشارك بشكل مباشر في المفاوضات النووية الإيرانية، شبه المجمدة حاليا.

قد يهمك: روسيا تبدأ حرب البنى التحتية في أوكرانيا.. تغطية على فشل عسكري؟

سوريا “ساحة معركة جديدة”؟

الصحيفة الأميركية، قالت نقلا عن دبلوماسي غربي بارز ومسؤول دفاعي إسرائيلي كبير، إنه تم سحب كتيبتين عسكريتين أو ما بين 1200- 1600 جندي روسي، فيما قال آخرون إن الأعداد أكبر، واتفقوا جميعا أن عدد الجنود الروس في سوريا قد انخفض.

المسؤول الإسرائيلي قال، إن عددا من القادة الروس نقلوا من سوريا إلى أوكرانيا، في وقت لم تعد القيادة في موسكو منخرطة كثيرا بالإدارة اليومية للعمليات في سوريا، بما في ذلك عمليات التنسيق مع إسرائيل. ويأتي التحرك وسط تراجع النفوذ الروسي في الجمهوريات السوفييتية السابقة بوسط آسيا، حيث قال القادة هناك، إن الحرب في أوكرانيا حرفت نظر موسكو عن قيادتها التقليدية وقوضت من قبضتها وهالتها. هذا وتشنّ إسرائيل غارات منتظمة على سوريا لمنع إيران وميليشياتها، من تثبيت موطئ قدم لهم قرب الحدود الشمالية لها.

المحلل السياسي، زياد سنكري، يرى أن الهدف الإسرائيلي في سوريا واضح وشبه صريح، وهو إبعاد إيران و”حزب الله” اللبناني، عن الأراضي السورية وهو ما ترجمته خلال السنوات الماضية باستهداف دائم لقواعد “الحرس الثوري” و”حزب الله” وتدمير ما تعتبره مخازن للأسلحة ومراكز تجمع إستراتيجي لهذه القوى.

كما وهناك فرق إسرائيلية تعمل على مدار الساعة لتتبع حركة القوات، كما أن الضربات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية كانت تتم بشبه تفاهم مع الروس، حيث اتبعت موسكو سياسة عدم التدخل في العديد من الأوقات باستثناء بعض الحالات. ولكن علاقة موسكو بتل أبيب، بدأت بالتدهور مع إطلاق صواريخ روسية مضادة للطائرات في سوريا على طائرات السلاح الجوي الإسرائيلي، بالإضافة الى اتهام روسيا لإسرائيل، بتزويد الأوكرانيين بأسلحة فتاكة ساهمت بشكل من الأشكال بتقويض وتقهقر القوات الروسية، على حدّ تعبير سنكري.

بالتالي، فإن العلاقات الروسية الإسرائيلية تمر بمفترق طرق، ولكن الجانبين حريصَين أن لا تخرج عن السيطرة خصوصا لما لذلك من تبعات في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر “بركان خامد”، في ظل قلق إسرائيلي متصاعد من الخطر النووي الإيراني، والذي يمكن أن يخرج عن السيطرة في أي وقت في ظل مطالبات إسرائيلية بالعلن والخفاء، بضرورة ضرب إيران لشل قدرتها من الوصول إلى الحقبة النووية، وفق سنكري.

أما الأكاديمي السياسي طارق الزبيدي فيرى أن سوريا ضحية لصفقات إقليمية ودولية، الأمر الذي يجعل احتمالية حدوث توترات داخل سوريا مرجحا.

يأتي ذلك في ظل الخلافات القائمة بين الفاعلين المسيطرين على المشهد السوري، ولذلك فإن الأزمة السورية ستبقى قائمة ومستمرة بلا حل لكنها ستبقى بلا تصعيد عسكري عنيف ربما، بحسب الزبيدي.

قد يهمك: المسيرات الإيرانية.. تعرية لروسيا وعقاب لطهران؟

تزويد أوكرانيا بالأسلحة؟

في سياق متّصل، حذّر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف، إسرائيل يوم الإثنين الفائت من تداعيات تزويد أوكرانيا بالأسلحة، قائلا إن أي خطوة تصب في إطار دعم القوات الأوكرانية ستضر بشدّة بالعلاقات الثنائية. وقال ميدفيديف الذي شغل في الماضي منصبي الرئيس ورئيس الوزراء في بيان على منصة “تلغرام” إن “إسرائيل تستعد على ما يبدو لتزويد نظام كييف بالأسلحة. إنها خطوة متهورة للغاية. ستدمّر جميع العلاقات الثنائية بين بلدينا”.

إن شراء روسيا للمسيّرات الإيرانية، يضع إسرائيل أمام معضلة قد تقودها لاتخاذ القرار بتزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة ما سيؤثر على علاقاتها مع روسيا. مع العلم أنه منذ بداية الأزمة الروسية الأوكرانية في شباط/ فبراير الماضي، أرسلت إسرائيل مساعدات إنسانية لأوكرانيا ودعمتها سياسيا بإدانة العمليات العسكرية الروسية.

بغية تفادي أزمة مع روسيا، رفضت إسرائيل طلبات متكررة من أوكرانيا بتزويدها بالأسلحة الثقيلة بما فيها أنظمة الدفاع الجوي والمعدات العسكرية، في وقت امتنعت فيه عن الموافقة بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا.

في حين تنفِ إيران كل الأنباء الواردة بخصوص إرسال طهران أسلحة وطائرات مسيّرة لموسكو لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، يعمل الاتحاد الأوروبي وواشنطن، على فرض عقوبات جديدة على إيران بعد جمع “أدلة كافية”، تشير إلى أنها تزوّد روسيا بطائرات مسيّرة فتاكة. كذلك، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد عن “قلق عميق” بشأن العلاقات العسكرية الإيرانية مع روسيا خلال مكالمة هاتفية يوم أمس الخميس، مع وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا.

هذا الحديث جاء في بيان صادر عن مكتب لابيد، أنه تم خلال المكالمة التي جرت مساء “اطلاعه على آخر تطورات الحرب في أوكرانيا وأكد أن إسرائيل تقف إلى جانب الشعب الأوكراني”، مضيفا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد “قلقه العميق حيال العلاقات العسكرية بين إيران وروسيا”.

بينما قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، يوم أمس الخميس إنه تحدث إلى لابيد، وناقش بالتفصيل طلب كييف لأنظمة دفاع جوي وصاروخي وتكنولوجيا. وكتب على منصة “تويتر” “أبلغته بالمعاناة التي لا توصف والخسائر في الأرواح والدمار الناجم عن الصواريخ الروسية والطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع”.

نظام دفاع القبة الحديدية الإسرائيلي  “AP”

على الرغم من كل هذه التوترات، إلا أن إسرائيل قالت إنها “لن تزود أوكرانيا بالأسلحة”، ولكنها عرضت في الآونة الأخيرة مساعدة الأوكرانيين في تطوير أجهزة إنذار من الضربات الجوية للمدنيين. واقتصرت مساعدتها لكييف على الإغاثة الإنسانية، مشيرة إلى رغبتها في استمرار التعاون مع موسكو بشأن جارتها سوريا التي مزقتها الحرب، وضمان رفاهية يهود روسيا.

طالما إن إسرائيل اعتمدت منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا موقفا دبلوماسيا حذرا سعيا منها للحفاظ على العلاقات مع موسكو، بالإضافة إلى أنها تحاول الحفاظ على علاقاتها مع روسيا التي تتواجد في سوريا المجاورة وذلك لمواصلة ضرباتها الجوية ضد إيران، عدوتها اللدود، فضلا عن حماية اليهود، فإنه من المرجح أن تُبقي إسرائيل على هذه العلاقة، وبالتالي عدم منح أوكرانيا سلاح القُبّة الحديدية. لكن إذا ما تغيرت مجريات الأحداث في أعقد حرب في العالم حاليا؛ الحرب الأوكرانية، ربما تغيير إسرائيل من استراتيجيتها ويحدث تصعيدات إسرائيلية ضد إيران وأذرعها.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.