بداية من الأربعاء المقبل، أعلن وزير المهجّرين بحكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، الجمعة الفائت، أن لبنان سوف يبدأ خطة إعادة اللاجئين السوريين لبلادهم، حيث سيبدأ بثلاث قوافل للاجئين ستتوجه من لبنان إلى سوريا، مشيرا إلى أن عدد النازحين العائدين إلى سوريا سيبلغ ستة آلاف شخص، في هذه القافلة وسيتوزعون على 3 قوافل.

خطة شرف الدين، تأتي ضمن ما أعلنه مدير الأمن العام اللبناني، عباس إبراهيم، عن أن الدفعة الأولى من النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم ستكون أواخر هذا الأسبوع. إذ يستأنف لبنان ابتداء من الأسبوع المقبل تنفيذ خطة “العودة الطوعية” للنازحين السوريين إلى بلادهم، والتي تتم بشكل قسري وفقا لنشطاء ينتقدون الخطة اللبنانية التي تُرغم السوريين على العودة من خلال التهديد الأمني.

يستأنف لبنان تنفيذ خطة “العودة الطوعية” للسوريين إلى بلادهم، بعدما توقفت منذ عام 2019 مع أزمة كورونا والأزمات المتتالية التي شهدها لبنان، ولكن هل تنجح لبنان بهذه السياسية خاصة مع وجود معابر غير شرعية يسيطر عليها موالون لـ”حزب الله”، مفتوحة ولم تُغلق طوال السنوات السابقة، وهل ستنجح بيروت بإعادة نحو200 ألف لاجئ سوري حتى نهاية 2023.

“لا يوجد شيء لا يمكن بيعه”

في عام 2018، بسط الجيش السوري سيطرته على مناطق غرب وجنوب البلاد، غير أن هذا التحول في السيطرة على الأراضي لم يؤد إلى توقف الأنشطة غير المشروعة، لقد شجعت القوات الموالية للجيش السوري وخصوصا “حزب الله” اللبناني، على خلق بيئة مواتية لشبكات التهريب لمواصلة عملها، مستغلة البيئة الهشة التي أعقبت الحرب في سوريا والانهيار الاقتصادي في لبنان.

الخبير في أنثروبولوجيا اللاجئين وسياسة اللجوء، بيتر نايرز، يقول لـ”الحل نت”، إنه قبل الأزمة السورية في عام 2011، كان تهريب الملابس والوقود والمنتجات السورية الرخيصة من سوريا إلى لبنان مستمر. والآن، يتدفق البشر في ذات الاتجاه من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو التي خارج سيطرتها في الشمال السوري، إلى مناطق سيطرة “حزب الله” اللبناني، بإشرافه.

تنامي التهريب من سوريا إلى لبنان، يرجع إلى عدة عوامل بنظر نايرز، أهمها العوامل الاقتصادية وعدم قدرة الدولة على توفير حياة عادلة وسهلة لمواطنيها، وهذا ما جعل لبنان المحطة الأولى لهم، كون المنطقة لا تخضع لسلطة الجيش أو الدولة اللبنانية، وتنتشر فيها عصابات التهريب والمعابر المفتوحة.

وبحسب الخبير في شؤون اللاجئين، فإن دخول السوري إلى لبنان يفتح الأبواب أمامه سواء كفرص العمل أو احتمالية وصوله إلى أوروبا عبر البحر، وهذا ما شهده فصل الصيف لهذا العام، حيث ارتفعت معدلات تهريب البشر من سوريا إلى لبنان ومن لبنان إلى أوروبا عبر البحر.

مؤخرا نشط التهريب من سوريا إلى لبنان، حيث تؤكد تقارير إعلامية، أن المهربين لجأوا الآن إلى مناطق غير مأهولة تمتد من يانتا إلى وادي العشائر، وشبعا بنت جن في الجنوب، وسلسلة جبال لبنان الشرقية، وقوسايا، وعين زبد، ونحلة، وعرسال، وفلتا، والبقاع الشمالي في أقصى شمال شرق لبنان.

ولذلك يعتقد نايرز، أنه وحتى على مدى السنوات القادمة ستظل لبنان وجهة العديد من السوريين أملا في الفرار من البلاد، وما يعزز ذلك، هو بقاء المعابر غير الشرعية التي يديرها في الغالب عناصر من “حزب الله” اللبناني مفتوحة أمامهم؛ على عكس ما حدث في الأردن عندما ضبط الجيش الأردني حدود بلاده ومنع السوريين من الفرار بطرق غير شرعية.

وقف الإعادة القسرية للاجئين السوريين

منذ إعلان شرف الدين عن استكمال خطة لإعادة اللاجئين السوريين من لبنان، دعت منظمة “العفو” الدولية والعديد من المنظمات السلطات اللبنانية، إلى وقف تنفيذ خطة لإعادة اللاجئين السوريين، إذ تتفق هذه المنظمات أن الإعادة “قسرية”.

بعد اندلاع الصراع في سوريا، أصبح لبنان وجهة لمئات الآلاف من السوريين الذين فرّوا من ديارهم مع اشتداد القتال. تقدر السلطات أن هناك أكثر من 1.5 مليون لاجئ على أراضيها، في حين أن عدد المسجلين لدى الأمم المتحدة يَزيد عن 830 ألف لاجئ.

نائبة مدير مكتب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإنابة في منظمة “العفو” الدولية، ديانا سمعان، قالت لـ”الحل نت”، “تعمل السلطات اللبنانية على توسيع نطاق ما يسمى بالعودة الطوعية، وهي خطة قائمة منذ أربع سنوات، عندما ثبت أن اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في وضع يسمح لهم باتخاذ قرار حر ومستنير، بشأن عودتهم بسبب السياسات الحكومية التقييدية بشأن التنقل والإقامة، والتمييز المتفشي، وعدم الوصول إلى الخدمات الأساسية، فضلا عن عدم توفر معلومات موضوعية ومحدثة حول الوضع الحالي. حالة حقوق الإنسان في سوريا”.

منذ عام 2017، ينظّم الأمن العام اللبناني عمليات عودة جماعية، يصفها بأنها “طوعية”، بناء على إعادة أكثر من 400 ألف لاجئ إلى سوريا، بحسب معطياته. ومع ذلك، تعتقد المنظمات الإنسانية أن عدد العائدين أقل بكثير وقد قامت بتوثيق حالات الترحيل “القسري”.

من جهته، يؤكد نايرز، الأسطورة الخطيرة القائلة بأن اللاجئين عبء اقتصادي في لبنان ليست صحيحة، إذ تظهر الأبحاث أن وصول اللاجئين السوريين إلى لبنان لم يضر باقتصاده، فبحسب آخر تقرير للمجلس العالمي للاجئين والهجرة، فإنه “إذا كان لوصول اللاجئين أي تأثير على الاقتصاد اللبناني على الإطلاق، فإنه إيجابي، من خلال زيادة المساعدات الدولية”.

وهذا لا يعني أن الاقتصاد اللبناني ليس في حالة “مريعة”، ولذلك يقوم المزيد من السوريين وكذلك اللبنانيين والفلسطينيين برحلات خطيرة بالقوارب في محاولة أخيرة للوصول إلى أوروبا. في نهاية الأسبوع الأخير من شهر أيلول/سبتمبر الفائت فقط، تبيّن أن 97 شخصا على الأقل كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا، لقوا حتفهم عندما غرق قاربهم في البحر الأبيض المتوسط.

عملية مبهمة؟

في حين أن العودة إلى سوريا من لبنان ليست جديدة، يبدو أن العودة الجماعية المخطط لها لـ 1600 أسرة، تشير إلى زيادة في معدل العودة من لبنان، البلد الذي تعيش فيه 90 بالمئة من أُسر اللاجئين السوريين في فقر مدقع بسبب أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019.

في إطار عملية العودة الحالية، يجمع الأمن العام اللبناني أسماء السوريين المسجلين للعودة، ويرسل هذه المعلومات إلى السلطات السورية، التي تمنح أو ترفض التصريح الأمني.

بحسب نادية هاردمان، الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن شفافية العملية محط شكوك، وقالت “لا توجد آلية ترصد ما يحدث للأشخاص عند عودتهم، والعملية غير شفافة ولا ترقى إلى مستوى الضمانات التي تحتاجها للتأهل للعودة الطوعية والآمنة والكريمة”.

من جهتها، قالت المتحدثة باسم المفوضية، بولا باراتشينا، إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي الهيئة المسؤولة عن حماية اللاجئين، “لا تسهّل أو تشجع العودة الطوعية الواسعة للاجئين إلى سوريا من لبنان”. ومع ذلك، فإن وكالة الأمم المتحدة “ستواصل الانخراط في الحوار مع الحكومة اللبنانية” في سياق عمليات العودة التي ييسرها الأمن العام، ودعت إلى “احترام الحق الإنساني الأساسي للاجئين في العودة بحرية وطوعية إلى بلدهم الأصلي في فترة زمنية قصيرة، والوقت الذي يختارونه”.

في عام 2021، وثّق مركز “وصول” لحقوق الإنسان، وهو منظمة غير حكومية لبنانية، 59 حالة ترحيل قسري لسوريين من لبنان، الغالبية العظمى كانوا سوريين حاولوا الهجرة إلى أوروبا عبر البحر، وعند عودتهم إلى لبنان تم ترحيلهم إلى سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، سمح قرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع عام 2019 للسلطات اللبنانية بترحيل السوريين الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني بعد نيسان/أبريل 2019. وأصبحت هذه “الإعادة” إجراء إداريا لا يحتاج إلى أمر قضائي، واعتبارا من أيلول/سبتمبر 2021، تم ترحيل 6345 سوريا، قسرا بموجب قرار المجلس.

من المرجح أن السوريين في لبنان الذين سجلوا للعودة، هم أولئك الذين يعتقدون أنهم لن يواجهوا أي مشاكل أمنية عند عودتهم. لكن بالنسبة للآلاف، خاصة أولئك الذين اختفوا قسرا من أفراد أُسرهم أو الذين شاركوا في نشاط ضد الدولة، فإن العودة قد تعني الاحتجاز الفوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة