اللجوء والهجرة غير الشرعية، أحد أهم الأمور التي باتت تسبب ضغوطا كبيرة على دول الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ لجأ ملايين الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية في ظل تضخم اقتصادي وأزمة في الطاقة نتيجة للغزو، ولكن لم يقتصر اللجوء على الأوكرانيين فالكثير من رعايا الدول التي تعاني من نزاعات وأوضاع اقتصادية متردية يحاولون باستمرار الوصول للغرب بحثا عن حياة أفضل، وعلى رأسهم السوريون والعراقيون والأفغان وغيرهم.

خلال السنوات الماضية، اتبع المهاجرون وطالبو اللجوء العديد من الطرق للوصول نحو غايتهم، ولكن نتيجة للتدابير التي اتخذتها الدول الأوروبية بات الأمر صعبا للغاية، لكن في نفس الوقت برزت مؤخرا طرق جديدة للتهريب، أبرزها ليبيا ومؤخرا روسيا التي بدأ عدد محدود من اللاجئين العبور منها عبر شبكات تهريب إلى أوروبا.

صحيفة ألمانية، كشفت عن خطة يعمل عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تقضي بدفع موجة جديدة من اللاجئين باتجاه دول الاتحاد الأوروبي عبر الأراضي الروسية، على غرار ما فعله نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو قبل نحو عام، حين دفع بآلاف الأشخاص القادمين من الشرق الأوسط نحو دول أوروبا الغربية، وهذا ما يدفع للتساؤل حول الغاية الروسية من تسهيل الهجرة لأوروبا عبر أراضيها، والتي سيكون لسوريا حصة منها والفائدة التي من الممكن أن تجنيها حكومة دمشق من هذه الهجرة وغيرها من الأطراف في الأزمة السورية.

كالينينغراد نقطة الهجرة الجديدة؟

بحسب تقرير لصحيفة “بيلد” الألمانية، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصدد تشكيل موجة جديدة من اللاجئين ودفعهم نحو أوروبا عبر مدينة كالينينغراد بين بولندا ولتوانيا، حيث تم بالفعل فتح مطار “خرابروفو” في المدينة أمام الرحلات الجوية من جميع أنحاء العالم منذ مطلع تشرين الأول/نوفمبر الجاري، وفقا لهيئة الطيران الروسية، مضيفة أن فتح المطار يعني السماح للطيران من دول مثل تركيا وسوريا وبيلاروسيا بالهبوط الآن في كالينينغراد المحاذية لبولندا وليتوانيا.

مهاجرون على الحدود البولندية البيلاروسية “وكالات”

الصحيفة نقلت عن الخبير الروسي في مركز الأبحاث البولندي “الاستراتيجية والمستقبل”، ماريك بودزيس، قوله، إن “روسيا تحضّر العديد من الأدوات التي يمكن استخدامها ضد الاتحاد الأوروبي”، مشيرا إلى أن الخطوة الأولى تتمثل بالتهديد الصاروخي الحالي ضد المواطنين الأوكرانيين، بهدف إطلاق موجة جديدة من الهجرة من أوكرانيا إلى بولندا. ومضيفا “إذا تمكنا من إطلاق موجة أخرى من كالينينغراد إلى بولندا في الوقت نفسه، فإن روسيا يمكنها أن تزيد الضغط”.

الخبير في الشأن الروسي، طه عبد الواحد، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الأزمة المشتعلة في أوكرانيا تدفع بالفعل بآلاف اللاجئين الأوكرانيين نحو بولندا ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وهنا لا يحتاج الأوكرانيون للعبور من خلال الأراضي الروسية بل بشكل مباشر نتيجة التهديد المباشر، وهو الاتجاه الأول لدفع اللاجئين نحو أوروبا ليكونوا وسيلة للضغط على الأوروبيين.

لكن من ناحية ثانية، يشير عبد الواحد إلى أن الحدود البرية بين روسيا وليتوانيا وبولندا، عليها رقابة كبيرة منذ بداية الحرب في أوكرانيا، لكن هذا لا ينفي إمكانية عبورها، ولكن الأعداد بشكل عام القادمة من سوريا أو غيرها أقل من أعداد اللاجئين الأوكرانيين.

الصحفي عمار جلو، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن روسيا تريد أن تضغط على الأوروبيين بورقة اللاجئين من أكثر من اتجاه، الأول من خلال تصعيد عملياتها العسكرية في أوكرانيا وهذا ما سيدفع بالمزيد من آلاف الأوكرانيين للعبور نحو أوروبا، أما الثاني فهو السماح للاجئين من سوريا سواء المتواجدين في سوريا أو دول الجوار السوري، وحتى اللاجئين الأفغان وغيرهم بالعبور إلى أوروبا عبر أراضيها ولكن بعد السفر جوا إلى أكثر من مطار روسي.

جلو أوضح، أن من مصلحة روسيا إثارة الرأي العام الأوروبي والأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة الرافضة لموضوع الهجرة غير الشرعية في وجه الحكومات، والتي بدأت مؤخرا بالوصول إلى الحكم كما في إيطاليا التي ترفض حكومتها الجديدة استقبال مهاجرين ولاجئين، وتهدد باتخاذ إجراءات لمنع تدفقهم.

إقرأ:طريق اللجوء إلى أوروبا: كيف يبتلع “مثلث الموت” مئات اللاجئين الفقراء؟

ما الفائدة لدمشق وأنقرة من استمرار اللجوء

الصحيفة الألمانية، نقلت عن ماريك بودزيس، أن الحدود بين بولندا وكالينينغراد طويلة وسهلة العبور، حيث يتمركز معظم حرس الحدود البولنديين على الحدود البيلاروسية. هناك حفرة مفتوحة على الحدود مع كالينينغراد، مشيرا إلى أن معظم اللاجئين يرجح أن يأتوا من سوريا وتركيا، التي تعمل كمركز لجميع لاجئي البحر الأبيض المتوسط.

في هذا السياق، تقدم حكومة دمشق العديد من التسهيلات للراغبين بالهجرة وخاصة السفر إلى روسيا وليبيا، وتبدأ هذه التسهيلات من خلال منح جوازات السفر وحتى تسهيلات السفر عبر المطارات السورية.

عمار جلو، يشير إلى أن هناك مصلحة مهمة لحكومة دمشق في هذه التسهيلات، فهي أحد المصادر المهمة للإيرادات المالية من خلال منح جوازات السفر، إذ يصل سعر الجواز المستعجل إلى نحو 1200 دولار أميركي، كما أن مكاتب الحصول على الفيزا لروسيا والتأشيرات لليبيا ترتبط بها، بالتالي فالمصلحة المادية هي الأساس.

جلو يشير إلى أن الأمر في تركيا لا يختلف كثيرا، فأعداد طالبي اللجوء كبير جدا، ولا يقتصرون على حاملي الجنسية السورية، فهناك العراقيون والأفغان وغيرهم، وتقوم مكاتب السفر في تركيا بتأمين التأشيرات وبطاقات الطائرات ما يعود بفوائد مالية كبيرة.

في حديث خاص لـ”الحل نت”، أوضح عبد الرحمن، شاب سوري كان يعيش في الأردن، كيف تمكن من الوصول إلى ألمانيا عبر روسيا، يقول “تخرجت قبل عامين من قسم اللغة العربية من جامعة الزرقاء، ولا يوجد أي عمل وإضافة لذلك ازداد الوضع الاقتصادي سوءا بعد جائحة كورونا، لذلك قررت السفر إلى أوروبا وكان الخيار الأفضل والأكثر أمانا عبر السفر إلى روسيا ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن سبقني صديق لي منذ مدة قصيرة وقد استفدت من تجربته وكان سفري أسهل نسبيا”.

عبد الرحمن يتابع “قمنا ببيع قطعة أرض نملكها في درعا، وقمت بتقديم فيزا للدراسة في روسيا وهو الأسلوب المتبع للسفر إلى روسيا، وحصلت عليها مقابل 2500 دولار أميركي، وقمت بشكل مسبق بالاتفاق مع أحد المهربين لإيصالي إلى ألمانيا، وسافرت إلى روسيا ومن هناك وصلت عبر بولندا إلى ألمانيا وبلغت تكلفة السفر نحو 8 آلاف دولار لكن مقابل أن تكون التنقلات بواسطة سيارة، في حين أن هناك تكلفة أقل لكنها متعبة”.

عبد الرحمن أوضح، أن هناك العديد من السوريين في مخيمات اللجوء في الأردن سافروا قبل عام إلى بيلاروسيا، وحاليا يتجه العدد الأكبر نحو ليبيا لأنها أقل تكلفة من روسيا، فالغالبية بحسب وصفه تريد الهجرة.

من المستفيد من هجرة السوريين؟

خلال الأشهر الأخيرة زاد عدد السوريين الذين يقصدون ليبيا وحاليا روسيا، من أجل العبور لدول الاتحاد الأوروبي بشكل غير مسبوق، حيث لوحظ سفر عشرات الآلاف إلى ليبيا بشكل خاص نظرا لقلة التكلفة المادية مقارنة بروسيا أو بلدان أخرى.

الأعداد الكبيرة من السوريين طالبي اللجوء تعيد للأذهان موجة اللجوء الكبرى عامي 2014 و2015، ولكن في الوقت الحالي يتم السفر بتسهيلات حكومية سورية، على الرغم من دعوات حكومة دمشق لعودة اللاجئين وعقد مؤتمرات حول ذلك.

تعزيز الأمن على الحدود البوبندية البيلاروسية “وكالات”

عمار جلو، يرى أن دعوات حكومة دمشق لعودة اللاجئين للاستهلاك الإعلامي فقط، فمعظم من يعودون من اللاجئين يتعرضون للملاحقة والاعتقال أو على الأقل مراجعات للفروع الأمنية بشكل متكرر.

من جهة ثانية، فإن حكومة دمشق تنفذ أجندات متعددة من خلال تسهيلات السفر، تخدمها وتخدم إيران وروسيا، فمن ناحيتها أي حكومة دمشق فهناك هدفان، الأول اقتصادي من خلال سعيها لمنح جوازات سفر بأسعار خيالية، والثاني سياسي يرتبط بمفهوم “سوريا المفيدة” التي يجب أن يكون ساكنوها من مؤيدي الحكومة بشكل مطلق.

أما بالنسبة لإيران، فمن مصلحتها أن يتم تفريغ سوريا من أكبر عدد ممكن من سكانها، لتمرير المشروع الإيراني الهادف للسيطرة على سوريا وإجراء تغييرات سكانية وديموغرافية فيها، من خلال جلب عائلات أفغانية وعراقية لتسكن بدلا من السكان، وقد بدأ هذا الأمر بالفعل في العديد من المناطق، وهنا لا بد من ذكر أن إيران وعبر وكلاء لها، استطاعت خلال الأشهر الأخيرة شراء المئات من العقارات في مختلف المحافظات عبر وكلاء عقاريين تابعين لها من السوريين الراغبين بالسفر.

بالنسبة لروسيا، فإنها تعمل على استغلال أي ورقة ممكنة للضغط على دول الاتحاد الأوروبي كرد على العقوبات التي فرضها الغرب عليها على خلفية غزوها لأوكرانيا، واللاجئون والمهاجرون غير الشرعيون أحد هذه الأوراق، لعلمها بتنامي الرفض الأوروبي الداخلي لاستقبال مزيد من اللاجئين ما يضع الشعوب الأوروبية في مواجهة مع حكوماتها.

قد يهمك:هجرة غير شرعية لسوريين عن طريق لبنان

ملف اللاجئين، لطالما كان أبرز الملفات التي يتم التعامل معها من منطلق إنساني وحقوقي، ولكن في الحالتين السورية والأوكرانية تحول هذا الملف إلى ورقة للضغط السياسي على الدول الأخرى لتحقيق أهداف سياسية، كما أنه بات ملفا للابتزاز المادي كما تتعامل حكومة دمشق مع السوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.