في كل مرة تتعرض فيها القوات الروسية لانتكاسات في حملتها العسكري ضمن الغزو الروسي لأوكرانيا، تتعالى أصوات المسؤولين الروس للتلويح باستخدام الأسلحة النووية، فما هي احتمالية تورط موسكو في حرب نووية مع العالم.

روسيا ناقشت الخيار النووي

شبكة ” سي إن إن” الأميركية نقلت عن مصدر استخباراتي أميركي، قوله القادة الروس، ناقشوا متى وكيف وتحت أي ظروف ستستخدم روسيا سلاحا نوويا تكتيكيا خلال معارك غزو الأراضي الأوكرانية.

خارج إطار التهديدات الواردة من روسيا، لا يبدو أن هنالك مؤشرات واضحة على نية روسيا استخدام السلاح النووي بشكل جدّي حتى الآن، لكن مسؤولون في الإدارة الأميركية أعربوا عن قلقهم، بسبب التقارير التي تحدثت عن مناقشة القادة الروس، الذين أعربوا عن إحباطهم المتزايد بشأن خسائر روسيا في ساحة المعركة في أوكرانيا، ما يزيد من احتمالات وصول الجيش الروسي إلى اليأس وبالتالي التفكير بالسلاح النووي.

وفق تقرير الشبكة الأميركية كذلك، فإن “هناك أيضا تساؤلات حول ما إذا كان ضم روسيا لشرق أوكرانيا المعلن من جانب واحد في وقت سابق من هذا العام، يعني أن روسيا مستعدة لاتخاذ المزيد من الإجراءات المتطرفة لحماية تلك المنطقة“.

تهديدات مكررة

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، يرى أن التهديدات الروسية باستخدام أسلحة غير تقليدية، أصبحت مكررة منذ الفترة حتى ما قبل بدء عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، مشيرا إلى أن إقدام روسيا على هكذا خطوة، سيكون لها تبعات سلبية عليها وعلى حلفائها من بعض الدول.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “بدأت القيادة الروسية هذه التهديدات، قبل اجتياح الأراضي الأوكرانية، في بدايات هذا العام عندما جرى تحريك بعض تلك الصواريخ، لتخويف الغرب والرضوخ للطلبات الروسية بدون الغزو، لم يلقَ بالا القادة الغربيون للتهديدات، وحصل الاجتياح“.

حتى الآن لم تستعمل روسيا خلال عمليات غزو اوكرانيا إلا الأسلحة التقليدية، لكن مع كل انتكاسة وهزيمة للجيش الروسي في أوكرانيا، تتعالي الأصوات باحتمالية اللجوء للسلاح النووي لإنقاذ القوات الروسية من المأزق الذي دخلت فيه نتيجة ضربات الجيش الأوكراني الذي يصدّ العدوان.

حول ذلك أضاف معراوي، “العقيدة الروسية النووية تشترط تعرض الأراضي الروسية نفسها للغزو أو احتمال تعرض القيادة الروسية بموسكو للتهديد، ولم يحصل من الجانب الغربي ما يخرق تلك العقيدة، وعندما ضم الرئيس الروسي الأقاليم الأوكرانية الأربعة للدولة الروسية، يُعتقد أن يتم تفعيل أحد بنود العقيدة الروسية (عندما تتعرض أراض روسية لاعتداء خارجي) لكن الغرب لم يلتفت لذلك ولم تتأثر خطط الجيش الأوكراني باستعادة كامل خيرسون برّيا، بل يتم مهاجمة الاسطول الحربي الروسي نفسه في ميناء سيفاستوبول بالقرم“.

معراوي يعتقد أن السلاح النووي هو سلاح دفاعي وليس هجومي، وبالتالي أمر مهاجمة دولة نووية لدولة نووية أخرى ليس واردا في المرحلة الراهنة، لا سيما وأن صواريخ الاعتراض الأميركية لأي صاروخ نووي روسي تكون قد وضعت بحالة التأهب، “خوفا من حماقة ولو نسبة حدوثها ضعيفة من حماقات الرئيس الروسي“.

قد يهمك: ملامح استنزاف روسيا عسكرياً واقتصادياً في أوكرانيا

معراوي ختم حديثه قائلا، “خيار استعمال السلاح النووي دونه عقبات كبيرة وأهمها تأثر المهاجم ربما بأضعاف كمية التدمير عندما يتم الرد عليه، ويُروى عن الرئيس بوتين من عدة سنوات قوله عندما تم سؤاله ماذا ستفعل روسيا إذا ما تعرضت لهجوم نووي من دولة ما، أجاب مبتسما نذهب كلانا إلى العالم الآخر“.

السياسة الغربية من جانبها تتعامل في صد العدوان الروسي في أوكرانيا، بما يجنب روسيا اللجوء للخيار النووي، فحتى الآن يمكن القول إن التهديدات باستخدام الأسلحة النووية من جانب روسيا، تجاوزت مرحلة اللفظ، لا سيما بعد أن وضع بوتين قوة الردع النووية في حالة تأهب، مشيرا إلى أن سياسة الولايات المتحدة وحلفائها تمثّل “تهديدا لوجود الدولة الروسية وسيادتها” وفق تصريحه، بعد أن كان وقّع مرسوما في حزيران/يونيو 2020، يحدد أن موسكو أذنت لنفسها باستخدام الأسلحة النووية في حالة “الاعتداء على الاتحاد الروسي باستخدام الأسلحة التقليدية، عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددا“.

السياسة الغربية المذكورة تكمن في تحقيق التوازن العسكري في أوكرانيا، فإمداد أوكرانيا بأسلحة فتاكة بما يسمح لها بشن ضربات قوية ضد روسيا، أو في العمق الروسي، سيزيد من احتمالية تنفيذ موسكو لتهديدها بشن هجمات نووية، وهو أمر بالطبع لا يرغب به أحد، ولو على حساب استمرار الحرب بالشكل الذي نراه حاليا.

صحيح أن هذا الدعم لا يؤمّن هزيمة روسيا في ساحة المعركة، لكنه على الأقل منع سقوط أوكرانيا كصيد سهل في يد الروس كما كان يطمح بوتين، والنتيجة هي أن حرب استنزاف طويلة الأمد قد بدأت، ولا أحد يعلم موعد نهايتها.

من خلال ذلك يمكن قراءة أسباب عدم توجيه ضربات قوية للقوات الروسية في أوكرانيا، فالغرب لا يبدو أنه يسعى لهزم روسيا بشكل مباشر وسريع، بالتأكيد خوفا من التهور الروسي وإشعال حرب؛ تكون بالضبط كما وصفها بايدن، في تصريح سابق “حرب نهاية الكون“.

الصحفية جوستين برابان، تشرح أن تصعيد “الكرملين” اللفظي يدخل في لعبة الردع العادية، لأن استخدام السلاح النووي يعني أن إستراتيجية الردع التي تؤطره قد فشلت، أما بالنسبة للخبراء والأكاديميين والجنود والمتخصصين الذين شاركوا في برامج نزع السلاح النووي، فهم منقسمون حول هذه المسألة، إلا أنهم يعتقدون أن إخفاقات بوتين العسكرية الأخيرة جعلت ظهره إلى الجدار، وبالتالي فإن استخدام الأسلحة النووية يمكن أن يشكل الملاذ الأخير بالنسبة له.

ومع ذلك، يرى وزير الدفاع الأميركي الأسبق وليام بيري، أن “بوتين عقلاني وليس مجنونا، ويمكنه استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا لتحقيق النصر؛ وبالتالي ضمان بقاء نظامه“، خاصة أن موسكو لديها “ميزة نسبية” هي ما يسمى الأسلحة النووية التكتيكية، وأشار إلى أن “فرص نشوب حرب نووية شاملة كانت عالية أيام أزمة الصواريخ في كوبا، ولكن فرص استخدام السلاح النووي أعلى اليوم” حسبما نقلت برابان في مقاله بصحيفة “ميديا مارت“.

مقال الصحيفة تساءل، عما إذا كان العالم سيرى الضربة النووية، إذا قررت روسيا القيام بها قبل أن تقع، لترد بأنه من الصعب إخفاء تحريك الصواريخ النووية عن يقظة أجهزة المخابرات الأميركية، التي تراقب مواقع هذه الصواريخ عن طريق صور الأقمار الصناعية، وربما أيضا من مصادر بشرية، بل إن الروس يمكن أن يجعلوا هذه العملية مرئية طوعا من أجل زيادة الضغط على خصومهم.

عقيدة الجيش الروسي تقوم على اللجوء للخيار النووي في حال تعرض ترسانته العسكرية لخسائر كبيرة، وتستند هذه الفكرة على امتلاك روسيا أكبر ترسانة نووية في العالم، وحيازتها 2000 رأس حربي من الأسلحة النووية الصغيرة (التكتيكية).

الولايات المتحدة الأميركية تملك في المقابل، عددا أقل من الرؤوس النووية (6550 لأمريكا مقابل 6850 لروسيا)، لكن ترسانتها من الأسلحة النووية الصغيرة في أوروبا لا تزيد عن 100، وذلك بسبب التعقيدات السياسية والاحتجاجات الشعبية على نصب هذه الأسلحة في دول حلف “الناتو“، بحسب ما يشير تقرير لـ“القدس العربي“.

استبعاد الخيار النووي

الباحث في العلاقات الدولية حسن النيفي يرى من جانبه، أن التهديدات النووية التي أطلقتها روسيا، بعيدة التنفيذ لأسباب عديدة، أبرزها أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي وبالتالي من المؤكد أنه سيكون هنالك رد أميركي، ما يجعل خيار السلاح النووي خيارا انتحاريا.

حول ذلك قال النيفي في حديث سابق مع “الحل نت“، “على الرغم من التهديدات الروسية باستخدام السلاح النووي، إلّا أن ذلك مستبعد، لسببين، يتمثل الأول في إدراك بوتين جيدا، أن سلاح الردع النووي الأميركي ربما يكون أسبق من صواريخ بوتين النووية الهجومية، ولا أعتقد أن الروس سوف يقدمون على ذلك إلّا إذا أرادوا الانتحار فعلا“.

النيفي، دعم وجهة نظر الاستنزاف البطيء لمنع روسيا من اللجوء إلى الأسلحة النووية، وأضاف، “ما يهدف إليه الأميركان ومن خلفهم أوروبا، هو إبقاء بوتين في المستنقع الأوكراني، ومن ثم جعله ينزف عسكريا واقتصاديا إلى أن يصل إلى مرحلة الإغماء، وربما راهنت واشنطن أيضا على أن وصول بوتين، إلى مرحلة الترهل بعد استنزاف طويل سيخلق عوامل سقوطه من داخل روسيا قبل خارجها، وربما اعتقدَ الغرب أن هذه الطريقة من المواجهة ربما لا تعطي بوتين الفرصة للمبادرة باستخدام السلاح النووي، لعدم وجود خطر داهم أو مباغت عليه“.

تبقى جميع الاحتمالات حتى الآن مفتوحة مع استمرار عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن التحركات النووية المحتملة، بالتأكيد لا يمكن إخفائها عن العالم، إذ أنه من الصعب إخفاء تحريك الصواريخ النووية عن يقظة أجهزة المخابرات الأميركية التي تراقب مواقع هذه الصواريخ عن طريق صور الأقمار الصناعية، وربما أيضا من مصادر بشرية.

قد يهمك: موسكو ودمشق بين إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.. الواقع والمآلات

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة