“نخاف من الدولة”. قد تبدو تلك الجملة مستغربة، فكيف لأحد يخاف من حكومته ودولته التي وُجدت لحمايته، لكن هذا الأمر يحصل مع البهائيين في العراق منذ أكثر من 5 عقود وحتى اليوم.

“صارلي 35 سنة عايش بالبلد ومحد يعرفني بهائي، بس المحيطين بية. شنو ذنبي لحد اليوم بالجنسية يشيرولي بغير ديانة”، يقول سامي هلال، مواطن بهائي يعيش في العاصمة بغداد لـ “الحل نت”.

جرّمت الدولة العراقية إبان نطام “حزب البعث”، نشاط البهائيين وحظرته بحسب القرار رقم 105 لسنة 1970، إضافة إلى القرار المرقم 358 في 24 تموز/يوليو 1975، الذي قضى بتجميد نشاطهم وتجميد سجلات قيودهم، عبر انتشالهم من خانة الديانة الخاصة بهم في الهوية الثبوتية؛ لتضع كلمة “مسلم” بدلا عن “بهائي” في دفاتر نفوسهم.

“لحد هسه أتذكر والدي الله يرحمه چان يحذرني بأن ما أگول آني بهائي. يكتلونك إذا تحچي هالشي، هاي العبارة راسخة بذهني من آني عمري 10 سنوات”، يقول هلال.

ما هي البهائية؟

قرارات التعسف ضد البهائيين لم تتوقف، ففي عام 1979 أصدر نظام صدام حسين آنذاك، قانونا عُرف بقانون “النشاط البهائي”، حيث رفع هذا القانون العقوبة على البهائيين من المؤبد الى الاعدام في حال التعريف بنفسهم.

ذلك القرار كان بمثابة الضربة القاضية بحقهم، ما دعا بالبهائيين إلى التواري عن الأنظار، وانتقال قسم كبير منهم إلى الإسلام بشكل قسري، ولكن صبغة بهائي بقيت على من انتقل منهم حتى اليوم.

يقول هلال، “بعد 2003، استبشرنا خير بزوال نقمة البعث وصدام. بس هاي 20 سنة مرت عالنظام الجديد وكلشي ماكو يخصنا. محد يباوعلنا، كأنما إحنا مو بشر عاديين”.

البهائية هي ديانة حديثة تأسست عام 1844م، وبغداد تُعد إحدى المنطلقات الرئيسية لها، ففيها قضى مؤسسها بهاء الله 10 سنوات، وأسماها “مدينة الله”، وتعرف بهذا الاسم لدى البهائيين حتى اليوم.

من بغداد، أعلن بهاء الله دعوته عام 1863 أثناء بداية الصيف في “حديقة الرضوان” على ضفاف نهر دجلة في جانب الرصافة، “مستشفى مدينة الطب حاليا”.

كسر الصمت

“درست وخلصت جامعة وتوظفت موظف بالدولة، والناس تعرفني آني مسلم بسبب هويتي. عيشتيش هاي اللي تنعاش هيچ. مو انتقاص من الإسلام ولا من أي دين، بس هذا حقي بديانتي مثل ما هو حق لبقية الناس بكل دين”، يقول هلال بألم وحسرة.

تمكّن البهائيون من الإعلان عن هويّتهم بشكل رسمي في العهد الملكي، فتأسّست “الجامعة البهائية” عام 1931، كما تأسس أوّل محفل مركزي لهم في عام 1936 بمحلة السعدون، وشيّدوا لأنفسهم مقبرة في منطقة بغداد الجديدة عرفت بـ “الروضة الأبديّة”، وقامت الحكومة العراقيّة بتسجيل ديانتهم البهائيّة في التعداد السكاني لسنة 1957، لكن قرارات نظام “البعث” أنهت كل ذلك.

لا توجد إحصاءات رسميّة عن أعداد البهائيين في العراق، بسبب التشتّت الذي يعيشونه جرّاء الخوف الشديد من البطش بهم، الا أن النسبة التقديرية لهم هي بحدود 10 آلاف شخص، يتوزعون على مختلف المحافظات، وخصوصا في العاصمة بغداد والبصرة وديالى والسليمانية.

من محفل بهائي في البصرة، بمناسبة المئوية الثانية لولادة “بهاء الله” في 2017

يقول هلال، “بآخر 5 سنوات شوية تشجّعنا، وگمنا نعرّف بنفسنا، وسوينا محفل علني. الناس بدت شوية شوية تتقبّلنا، إنزال حاجز الخوف اللي چنا نعيشه بزمن صدام، بس المشكلة هي هي، هويتنا تشير لغير ديانة لحد الآن”.

في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، احتفل البهائيون في بغداد، للمرة الأولى بشكل علني بالذكرى المئويّة الثانية لمولد مؤسّس ديانتهم بهاء الله، في مناسبة حضرها ممثّلون عن البرلمان العراقيّ والمفوضية العليا لحقوق الإنسان”، وممثّلو بعثة الأمم المتّحدة في العراق “يونامي”.

لا اعتراف رسمي

المناسبة حينها، كانت هي أبرز محفل يعلن فيها البهائيّون عن حضورهم الرسميّ داخل العراق منذ 47 عاما، في محاولة للإعلان عن هويتهم، إذ طالبوا حينها بالاعتراف بهم بعد عقود من التغييب المنهجي والقسري.

للبهائيين في العراق عدة محافل، في شارع الرشيد والحيدر خانة وشارع السعدون، لكن تم هدمها ومصادرتها فيما بعد، وأبرز الشواهد في بغداد هو بيت بهاء الله في منطقة الشواكة، لكنه دُمّر سنة 2013 وتم تحويله الى حسينية عرفت بـ “حسينية الشيخ بشار”، رغم وجود قرار حكومي يقضي باعتباره مبنى أثريا.

يعاني البهائيون من عدم الاعتراف الرسمي بهم كإحدى الأقليات الدينية في العراق، رغم ضمان الدستور العراقي الدائم لعام 2005، لحرية الدين والمعتقد.

“خوفنا وسكوتنا تسبّبلنا بخسارة چبيرة، لدرجة إنو ظهرت أجيال بالعراق ما سامعة بالبهائية بشكل مطلق. أتمنى هالشي ينتهي ويتم الاعتراف بينا رسميا، وأعرّف نفسي من خلال هويتي إنو آني بهائي ولو يوم واحد بعمري”، يقول هلال.

في النهاية، يبقى مصير البهائيون في البحث عن استرداد هويتهم والاعتراف بهم بيد الأحزاب السياسية الحالية، التي ينصب تركيزها على ما يمكن أن تستحصله من أرباح مالية، وآخر همها المواطن وحقوقه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.