مشروع خط أنبوب الغاز النيجيري-المغربي الذي لم يُحدد جدول زمني لإنجازه بعد، يندرج في سياق جيوسياسي يطغى عليه طلب دولي قوي على الغاز والنفط وارتفاع في الأسعار على أثر الهجوم الروسي على أوكرانيا. إذ تسعى دول عدة، خصوصا في أوروبا، إلى تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

المشروع يأتي على خلفية خصومة إقليمية متزايدة بين المغرب والجزائر التي تُعتبر أكبر مصدّر إفريقي للغاز الطبيعي والسابع عالميا. وبلغت الأزمة بين البلدين الجارين ذروتها مع قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في آب/أغسطس 2021 بقرار من الجزائر.

وعلى الأثر، قطعت الجزائر الغاز عن المغرب وأغلقت في تشرين الأول/أكتوبر الفائت، أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي الذي يضخ الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر المغرب. ومنذ ذلك الوقت تسعى الرباط إلى إيجاد بدائل لتلبية احتياجاتها، فكيف سيكون خط الغاز المغربي مع نيجيريا بدلا مناسبا لأوروبا عن الجزائر وروسيا.

غرب إفريقيا تتخذ الخطوة الأخيرة

في أيلول/سبتمبر الفائت، وقّع عدد من دول غرب إفريقيا مذكرة تفاهم لبناء خط أنابيب من نيجيريا إلى المغرب لتوريد الغاز إلى جميع دول غرب إفريقيا وفتح قناة جديدة للتصدير إلى أوروبا، تم توقيع الاتفاقية في الرباط بالمغرب بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” وجمهورية نيجيريا الاتحادية والمملكة المغربية.

جاءت هذه الخطوة وفقا للخبير بالتنمية في إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، بروس بيرمان، خلال حديثه لـ”الحل نت”، بعد أن انحازت الجزائر في سياستيها مؤخرا نحو حلف روسيا والصين، واتخذت خطوات عدوانية نحو أوروبا والمغرب ودول شمال إفريقيا.

بحسب بيرمان، فإن مذكرة التفاهم التي وقّعت، تشهد على التزام المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وجميع البلدان التي يعبرها خط أنابيب الغاز، بالمساهمة في الجدوى والدراسات الفنية، وتعبئة الموارد وتنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب.

هذا المشروع بمجرد اكتماله، سيوفر الغاز لجميع دول غرب إفريقيا وسيفتح قناة جديدة للتصدير إلى أوروبا. وطبقا لحديث بيرمان، فهو مشروع استراتيجي سيساهم في تحسين مستويات المعيشة للسكان، ودمج اقتصادات المنطقة، وخفض مستوى التصحر بفضل إمدادات الغاز المستدامة والموثوقة، وخفض أو إنهاء حرق الغاز، من بين أمور أخرى.

يتشارك في هذا المشروع ستة عشر دولة من بينها أربع عشرة دولة عضو في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، كما سيساعد المشروع البلدان الأخرى على تصدير الغاز الطبيعي الفائض لديها مثل غانا، وساحل العاج، والسنغال، وموريتانيا.

من المخطط أن يعبر مشروع خط أنابيب الغاز الاستراتيجي بين نيجيريا والمغرب، ساحل غرب إفريقيا من نيجيريا إلى المغرب، عبر بنين وتوغو وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا. وعلى المدى الطويل، سيتم توصيله بخط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا وشبكة الغاز الأوروبية. كما سيساعد في تلبية احتياجات البلدان غير الساحلية مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

بديلا مجديا لأوروبا عن الغاز الروسي والجزائري؟

مشروع خط الأنابيب النيجيري-المغربي، يتمتع بإمكانيات كبيرة لدعم أوروبا في الخروج من اعتمادها المفرط على الغاز الروسي والجزائري مؤخرا، وهو حاليا يمثل أولوية قصوى في السياسة الأوروبية.

تبعا لما تحدث به بيرمان، فإن خريطة إمدادات الطاقة الحالية لخطوط أنابيب الغاز في أوروبا تظهر تركيزا عاليا لمصادر الإمداد، إجمالا يأتي أكثر من 50 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز من مصدر واحد للإمداد، وفي الوضع الراهن من الطبيعي أن يشكل تهديدا لأوروبا حيث يمكن استخدام احتياجاتها من الطاقة كسلاح.

تمتلك نيجيريا أكبر احتياطيات غاز في إفريقيا بحوالي 200 تريليون قدم مكعب، معظمها غير مستغل أو مشتعل أو يعاد حقنه في آبار النفط. وتقول الحكومة إنها تريد تسييل المزيد من هذا المورد لاستبدال النفط الخام باعتباره السلعة الرئيسية في البلاد، حيث يشهد إنتاج النفط في نيجيريا انخفاضا حادا، بسبب السرقة الهائلة من خطوط الأنابيب ونقص الاستثمار.

في ضوء هذه البيانات، يؤكد خبير التنمية في إفريقيا، على أهمية أن تعمل أوروبا على تنويع قاعدة موردي الطاقة لديها، مشيرا إلى أن إفريقيا مصدر بديل واعد للغاز بالنظر إلى احتياطيات القارة المهمة من الغاز البري والبحري، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد على الغاز الإفريقي عبر خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي سيقلل من مخاطر قيام أوروبا باستبدال الغاز الروسي والجزائري بمصادر طاقة غير تقليدية، ودعم الاتحاد الأوروبي في مساعيه للتخلص التدريجي من الفحم تماما، وكذلك منع ظهور مصدر غاز قوي من خلال الاعتماد على الجزائر فقط، التي تحولت نحو القطب الداعم لسياسات موسكو.

إعادة تنظيم سوق الطاقة الأوروبية على أساس متين ومستدام، يراه بيرمان أنه من الضروري، لإن إعادة التنظيم هذه يجب ألا تعيد إنتاج نفس أنماط الماضي التي كشفت فشلها، مضيفا أنه لا ينبغي استبعاد خطر استخدام سلاح الغاز من قِبل النظام الجزائري.

بهذا المعنى، فقد أشار إلى قرارين اتخذتهما الجزائر يبرهنان على استخدام الجزائر للغاز كسلاح جيوسياسي، وهما إغلاق خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا في أواخر عام 2021 وخفض نقل الغاز إلى إسبانيا في عام 2022. كما شدد على عامل انعدام الأمن الذي يميز منطقة مرور خط الأنابيب الذي اقترحته الجزائر.

أما بالنسبة للمكاسب الاستراتيجية الأخيرة لأوروبا، فيرى بيرمان أن مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري-المغربي، سيعطي أوروبا فرصة لإعادة التوازن في حركتها الاستراتيجية من مخطط أفقي غير منتج لاقتراض مخطط رأسي حقيقي مضاعف لقوتها وسيعزز إيجابية وديناميكية عملية التكامل الاقتصادي في منطقة غرب إفريقيا، والتي من شأنها أن تشكل بدورها سوقا استهلاكيا كبيرا مفيدا للاقتصادات الأوروبية.

تفاصيل مشروع الغاز

كان قطاع النفط والغاز في العديد من البلدان الإفريقية أساسيا للنمو الاقتصادي في القارة. حاليا، ما يقرب من 20 دولة إفريقية منتجة مهمة في الصناعة العالمية. في السنوات الأخيرة، تسارع إنتاج النفط في إفريقيا بوتيرة أسرع من أي منطقة أخرى.

مع ذلك، نما الشرق الأوسط الأسرع في إنتاج الغاز، وتأتي إفريقيا في المرتبة الثانية، فيما تُعد نيجيريا، الفاعل المهيمن في قطاع النفط والغاز في إفريقيا، إذ لديها الفرصة لجعل إفريقيا في طليعة إنتاج النفط والغاز. ومن المقرر أن يزود خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي 16 دولة على الأقل بالغاز، وسيسمح للبلدين بالسيطرة على القطاع في غرب إفريقيا.

طول مشروع أنبوب غاز نيجيريا – المغرب يبلغ 6000 كيلومتر، ويمر عبر 13 دولة إفريقية على طول ساحل المحيط الأطلسي ويفترض أن يمد دولا غير ساحلية هي النيجر وبوركينا فاسو ومالي. وينبغي أن يتيح المشروع نقل أكثر من 5000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى المغرب. وبالتالي سيتم ربطه مباشرة بخط أنابيب المغرب-أوروبا وشبكة الغاز الأوروبية.

التقارير تشير إلى أن المشروع الطموح يتطلب رأس مال كبير للغاية حيث يتطلب استثمارات إجمالية تقارب 25 مليار دولار وسيستغرق الانتهاء منه 25 عاما. في وقت سابق من هذا العام، تلقى المشروع تمويلا كبيرا من منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” حوالي 60 مليون دولار لتمويل دراسات الجدوى والهندسة لما سيكون أحد أطول خطوط الأنابيب التي تم بناؤها على الإطلاق.

كما أكد مفوض البنية التحتية والطاقة والرقمنة في الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، نيابة عن رئيس مفوضية الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، على الدعم الكامل لهذا المشروع الإقليمي الذي من شأنه أن يؤثر بشكل إيجابي على حياة أكثر من 400 مليون شخص.

احتياطيات الغاز في نيجيريا تُقدر بنحو 125 تريليون قدم مكعب، وهي ضعف حجم احتياطياتها النفطية، مع إمكانية إنتاج لمدة 120 عاما، مقارنة بـ 30 عاما للنفط، الذي يمثل حاليا 95 بالمئة من أرباح النقد الأجنبي وأكثر من 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي، الذي ينطلق من الرؤية بعيدة النظر للملك محمد السادس، والرئيس النيجيري محمد بخاري، حيث سيمكن هذه البلدان، التي سيكون لها نصيبها من الغاز، من إحداث تغيير في مزيج الطاقة لديها، فيما يرى خبراء أن الدول الغربية ومن بينها إسبانيا تفضل وصول الغاز النيجيري عبر الأراضي المغربية حتى لا تتكرر المشكلة الحالية بين الجزائر وإسبانيا. وعلاوة على ذلك، يُعد خط الأنابيب أحد مبادرتين روجت لهما الشركة النيجيرية في محاولة للاستفادة من الطلب الأوروبي على مصادر جديدة للغاز الطبيعي في أعقاب العملية الروسية في أوكرانيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.