الأوضاع السياسية المتصاعدة في باكستان.. هل ترمي بظلالها على العلاقات مع السعودية؟

التطورات الأخيرة بين السعودية وباكستان، تطرح تساؤلات عديدة حول دوافع تهدئة الخلاف واستئناف العلاقات بين البلدين اللذين تجمعهما روابط تاريخية تعود إلى أكثر من سبعة عقود، لكن التساؤلات الأهم تتعلق ربما بالعقبات التي تواجه جهود البلدين لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها.

على الرغم من حالة التوتر السياسي التي تشهدها باكستان، إلا أنّ الرياض لا تزال تحافظ على توازنها في علاقاتها مع إسلام أباد، باعتبار أنّ هذه العلاقات تتعدى الطابع السياسي لتصل إلى التعاون الأمني والعسكري فهي علاقات استراتيجية قائمة على المدى الطويل، وقد أعطت السعودية ردا إيجابيا على طلب باكستان، تمويلا إضافيا بقيمة 3 مليارات دولار ومضاعفة التسهيلات النفطية على أساس الدفع المؤجل إلى 1.2 مليار دولار.

قد يهمك: توتر في العلاقات الباكستانية الأميركية.. ما المصير والتوقعات؟

تاريخ العلاقات بين الرياض وإسلام أباد يعود إلى عام 1940، أي قبل سبع سنوات من استقلال باكستان عن بريطانيا، وعلى مدار العقود التالية، مضت العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين البلدين حتى ارتقت إلى مستوى “الشراكة” الإستراتيجية.

الرياض تسعى إلى إظهار مواقف متباينة تجاه المشهد السياسي في باكستان، فهي على ما يبدو تسعى للاحتفاظ على مسافة واحدة من الحكومة الحالية التي تقود البلاد، وعلى مسافة أخرى من المعارضة التي يقودها رئيس الوزراء السابق وزعيم حركة “الإنصاف”، عمران خان في الشارع الباكستاني، وذلك حفاظا على خط الرجعة، وقد أعربت وزارة الخارجية السعودية، مؤخرا عن إدانتها واستنكارها الشديدين لمحاولة اغتيال عمران خان مؤخرا، الأمر الذي يعطي مؤشرا عن رغبة الرياض الإبقاء على علاقات متساوية ومتوازية مع جميع الأطراف الباكستانية.

علاقات تشوبها حذر وتوتر

قد درجت العادة السياسية إلى أنّ أولى الوجهات الخارجية لرئيس الوزراء الباكستاني تكون صوب المملكة العربية السعودية، وهذه العادة والزيارات إنّما تدل على عمق العلاقات بين البلدين ومتانة هذه العلاقة، بل هي علاقات استراتيجية من الصعب الانفكاك منها، فلم يقتصر الدعم السعودي السخي على تأجيل مدفوعات القروض لواردات النفط الباكستانية، بل ساعدت الرياض في بناء شبكات كبيرة من المدارس الدينية والمنشآت على الأرض الباكستانية، كما شكَّلت تحويلات العمالة الباكستانية في السعودية نحو ربع إجمالي التحويلات الخارجية الباكستانية، كل هذا يجعل العلاقات متينة لا يمكن الخلاص منها.

لكن في ظل الاضطرابات السياسية ربما تتغير المعادلة بعض الشيء، حيث تأخذ طبيعة العلاقات بين الرياض وإسلام أباد حالة من التردد والفتور، فلم يُعلن في آخر زيارة لرئيس وزراء باكستان شهباز شريف عن دعم قوي، خاصة وأنّ باكستان تحتاج ضمانات على دعم الأصدقاء لها، وإثباتها قدرتها على تسديد الديون أمام صندوق النقد لضمان استمرار برنامج الإنقاذ المقدم من الصندوق.

هذا ما تشير إليه الباحثة والمتخصصة بالشؤون الآسيوية والباكستانية فاطمة عبد الرحمن، الذي ترى في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، بأنّ مسارات العلاقات السعودية-الباكستانية في ظل التجاذبات السياسية في الداخل الباكستاني، غير واضحة وتعتمد على الحكومة القادمة، ولا يمكن تحديد مسار العلاقات طالما لم تأتي حكومة مستقرة.

الحكومة الحالية مؤقتة وهي عبارة عن ائتلاف أو خليط من جميع الأحزاب تقريبا باستثناء حزب “الأنصاف” (التابع لعمران خان)، وفق عبد الرحمن، لذلك لطالما لم تأتي حكومة قوية تمثل حزب معين ولها مسار خاص بحيث يمكن للدول الأخرى بناء علاقات محددة اتجاهها، فإنّه يصعب تحديد إلى أي مسار ستذهب العلاقات.

من المعروف أنّ العلاقات السياسية السعودية الباكستانية قديمة جدا، والأحداث السياسية الساخنة في باكستان ليس بالجديد على الدولة النووية، حيث شهدت نصف تاريخها منذ التأسيس على الحكم العسكري كما هو الحاصل الآن، والذي يصفه الخبير في الشؤون الباكستانية سلمان عبد العزيز بأنّه “انقلاب عسكري ناعم”، إلا أنّها لم تؤثر كثيرا على العلاقات الثنائية للدولتين.

في ضوء ذلك يؤكدّ الخبير في الشؤون الباكستانية سلمان عبد العزيز، في حديث خاص لـ “الحل نت”، أنّه في ظل تطلع الحكومة السعودية تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان إلى تنمية الاقتصاد بشتى الطرق، فإنّها تعمل لمصلحتها فيما يخص هذا الملف حيث انفقت في الهند أضعاف العقود المبرمة مع باكستان، ومن هذا المنطلق نتوصل إلى أنّ السعودية تهمها من يساعدها في تنمية اقتصادها وقد تكون عائلة شريف، تتنازل بالكثير للسعودية في ظل العلاقات الشخصية بين الأسرتين.

نظرة الرياض إلى التطورات في باكستان

نظرة الرياض إلى التطورات الحالية المتصاعدة في باكستان في ظل الحراك السياسي الذي ينفذه رئيس الوزراء السابق عمران خان المطالبة بإجراء انتخابات عاجلة في البلاد، تبقى حائرة بعض الشيء، وهنا تعقّب المتخصصة بالشؤون الباكستانية فاطمة عبدالرحمن على مثل هذا الأمر بالقول، “لا أعتقد أنّ السعودية تتدخل في الوقت الحالي، وكذلك معظم الدول تنظر ربما بعين المراقب للأوضاع، لكن الوضع في باكستان حاليا هو صراع داخلي، ربما بعض أطراف الصراع تكون لديها علاقات جيدة مع الخارج، لكن لا يمكن لأحد التدخل المباشر في شؤون بلد، ربما بعد أن تأتي حكومة جديدة سيكون هناك علاقات خارجية واضحة حسب توجه تلك الحكومة”.

أما الانتخابات فهي قرار بحسب تأكيدات المتخصصة عبد الرحمن، أنّه قد يتوافق عليه الأحزاب ويتم إنهاء الوضع الفوضوي، أو تطول مدة الأزمة بعدم تنازل وتوافق الأحزاب، وبطبيعة الحال ذلك سيؤثر على ثقة الدول بالتعامل مع باكستان فالاستثمار وبناء العلاقات يتطلب استقرار سياسي.

تطور الأحداث في باكستان ربما يؤدي إلى إيجاد تحالف أقوى بين إسلام أباد والرياض، خاصة بعد توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن ودعم الأخيرة للحكومة الباكستانية الحالية، بسبب تشابك المصالح معها لضمان عدم وصول عمران خان، الذي يدعم الدوران في فلك المعسكر الروسي-الصيني المناهض للمحور الغربي.

عمران خان يريد بناء علاقات متساوية مع الجميع، سواء ذلك مع واشنطن أو السعودية أو روسيا أو الصين، بحسب عبد الرحمن، والتي أشارت إلى أنّ السعودية موقفها وموقف باكستان الحالي والسابق متقارب وربما يصبح كذلك مستقبلا، فالأحزاب في باكستان جميعها تقريبا تريد علاقات جيدة مع روسيا والصين والسعودية، وفي ذات الوقت لا تريد خسارة أميركا، لذا تتوقع المتخصصة بالشؤون الباكستانية تقوية العلاقات بين الرياض وباكستان في المستقبل بشرط وجود استقرار سياسي وقدوم حكومة جديدة.

حول العلاقات السعودية-الباكستانية إلى أين في ظل تصاعد الأوضاع السياسية في باكستان يرى المتخصص بالشؤون الباكستانية سلمان عبدالعزيز، أنّ الرياض حاليا تراقب من بعد الأحداث السياسية الساخنة في البلد، إلا أنّ مقابلتها مع قائد القوات المسلحة الجنرال قمر جاويد باجوه، ومن ثمّ دعم الصندوق السيادي في باكستان بـ4 مليار دولار في ظل وجود الحكومة الحالية، قد يوحي أنّها لا ترغب في خوض باكستان لمرحلة انتخابات جديدة، والتعامل مع حكومة جديدة وقائد جديد للقوات المسلحة، خاصة أنّ عمران خان معروف أنّه يعمل لمصلحة باكستان أولا دون الالتفات إلى الصداقات الدولية.

حول انعكاسات المشهد السياسي في باكستان، وهل يمكن أن يؤدي إلى إيجاد تحالف بين إسلام أباد والرياض، خاصة بعد توتر العلاقات بين الرياض وواشنطن ودعم الأخيرة للحكومة الباكستانية الحالية، يؤكدّ عبد العزيز، بأنّ “هذا التحالف كان قريبا جدا أن يحدث في فترة عمران خان، إلا أنّ السعودية آنذاك كانت تقف في صف الولايات المتحدة الأميركية، بينما اتجه خان إلى روسيا، مما تسبب في تحرك الدول الغربية ضده والإطاحة به، ليتسيد ممثل الولايات المتحدة واجهة باكستان إلا أنّ الحال انقلب سريعا، حيث توترت علاقات الرياض-واشنطن إبان حكم بايدن لتنضم السعودية إلى حليف جديد روسيا-الصين.

هذا التغير قد يجعل حتى الحكومة الحالية بحسب رؤية عبد العزيز أن تحذو حذو السعودية، خاصة أن السعودية-الصين قامتا بإقراض 13 مليار دولار لباكستان، إضافة إلى روسيا التي وافقت على توفير القمح في شهر كانون ثاني/يناير بسعر مخفض إلى باكستان.

في كل الأحوال يرى الخبير في الشؤون الباكستانية أّنّ “باكستان لا تملك الكلمة العليا بسبب تردي أوضاعها الاقتصادية، مما يجعلها تابعة للدول الداعمة، خاصة أن ّالجميع يتطلع للانتخابات سواء مبكرة أو في موعدها في نيسان/أبريل 2023.

اقرأ أيضا: سيناريوهات الصراع في باكستان.. تحالف لـ”طالبان” وعمران خان؟

أيا تكن الظروف والمتغيرات سواء على مستوى التطورات الداخلية المتسارعة في الداخل الباكستاني التي لم تفرز بعد حكومة قوية تستطيع الرياض التعامل معها على أرضية راسخة وثابتة، أو سواء على المستوى الخارجي والظروف الدولية وعلى رأسها الحرب الروسية في أوكرانيا وارتداداتها على المنطقة وتكوين التحالفات بين معسكر غربي تمثله الولايات المتحدة ومعسكر شرقي تمثله روسيا والصين، كل هذه المتغيرات تجعل العلاقات السعودية-الباكستانية تقف في حالة الجمود والركون حتى تضخ معالم المنطقة حتى إشعار آخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.