وسط قفزة قياسية في إصابات فيروس “كورونا” لليوم الرابع على التوالي، تثير السياسة الصارمة لمكافحة وباء “كورونا” استياءً متزايدا في الصين.

إصرار الصين على سياسة “صفر كوفيد”، أثبتت عدم جدواها، في ظل تزايد عدد الإصابات أخيرا، وفق خبراء، وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب تمسك بكين بهذه السياسة، بجانب أسباب عودة “كورونا” بهذا الزخم.

الصين “منعزلة”؟

لجنة الصحة الوطنية، أعلنت يوم أمس الأحد، أن الصين سجلت ارتفاعا قياسيا في إصابات “كورونا” بلغ 39 ألفا و791 إصابة جديدة بفيروس “كورونا”، السبت الماضي، منها 3709 إصابات مصحوبة بأعراض و36 ألفا و82 بلا أعراض. وسجلت الصين 35 ألفا و183 إصابة جديدة بفيروس “كورونا” في اليوم السابق، منها 3474 إصابة مصحوبة بأعراض، و31 ألفا و709 بلا أعراض.

باستثناء الحالات الوافدة، فقد سجلت الصين 39 ألفا و506 إصابات محلية جديدة، منها 3648 مصحوبة بأعراض، و35858 بلا أعراض، ارتفاعاً من 34 ألفا و909 قبل يومين. وتم تسجيل حالة وفاة جديدة مقارنة مع عدم تسجيل أي وفيات في اليوم السابق، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 5233. كما وسجل بر الصين الرئيسي حتى الآن 307 آلاف و802 إصابة مؤكدة مصحوبة بأعراض، بحسب وكالة الأنباء الرسمية.

هذا وتسعى الصين إلى مواجهة الفيروس باتباع سياسة “صفر كوفيد”، وهو ما يدفعها إلى تنفيذ إجراءات الإغلاق لأي مؤسسة تظهر فيها ولو إصابة واحدة، وتتوسع في الإغلاق أحيانا لتشمل مقاطعات بأكملها، وهو ما بدأ يثير غضب مواطنين صينيين، يرون أن بلادهم تغلق من دون الوصول لهدف “صفر إصابات”، بينما يفتح العالم أبوابه.

موقع التدوينات الصغيرة في الصين “ويبو”، حمل مقارنات عقدها صينيون بين الحشود الجماهرية في مباريات كأس العالم بقطر، والإغلاقات التي تمارسها دولتهم بمجرد ظهور أي إصابة بالفيروس، وتساءلوا “هل كأس العالم يقام على كوكب آخر؟، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط“.

قد يهمك: سياسات الإغلاق في الصين.. لماذا فشلت بالحد من تفشي “كورونا“؟

أسباب عودة “كورونا”

سلطة “الحزب الشيوعي” الصيني الحاكمة تدافع عن سياسة الرئيس الصيني شي جين بينغ، الخاصة بـ”صفر كوفيد”، قائلة إنها “ضرورية لعدم الضغط على نظام الرعاية الصحية في دولة يبلغ عدد سكانها مليارا و412 مليون نسمة”، بينما يرى خبراء الفيروسات والمناعة أنها سياسة تبدو مستحيلة، وتسببت في حدوث ما يسمى بـ”الفجوة المناعية”.

أحد مدرسي علم المناعة وتطوير اللقاحات في معهد “إدوارد جينز” بجامعة أكسفورد بيّن، أنه “يمكن أن تكون تلك السياسة مجدية مع أمراض تنتقل عن طريق الدم مثلا، حيث يتم تنفيذ سياسة الإغلاق، لحين القضاء على سبب المشكلة، ولكن الفيروسات التنفسية من المستحيل القضاء عليها بهذه السياسة؛ لأن الفيروس ينتقل عن طريق الهواء، وإذا نجحت في السيطرة عليه في وقت معين، ثم قمت بفتح أبوابك، سينتشر مجددا، إن لم يكن بواسطة مواطنين صينيين، فسيكون مصدره أجانب؛ لأن الصين دولة منفتحة اقتصادياً على العالم، طبقا لـ”الشرق الأوسط”.

كذلك، ومثل “الفيروس التنفسي المخلوي” الذي انتشر في أكثر من دولة حول العالم بسبب حدوث “فجوة مناعية”، سببتها إغلاقات “كوفيد -19″، فإن الإغلاقات التي تنفذها الصين تحدث هذه الفجوة، ولكن مع فيروس “كورونا”.

الصحيفة اللندنية أشارت إلى أنه “عندما يصاب قطاع عريض من السكان بالفيروس يشكلون مناعة، ستكون مجدية، حتى لو أصيبوا بالفيروس مجددا؛ لأن الفيروس ورغم تحور بعض أجزائه، تظل هناك نسبة معقولة من مكوناته القديمة، تعطي مناعة تقلل من الإصابة الشديدة، ولكن مع الإغلاقات يحرم السكان من هذه المناعة الطبيعية، وبالتالي عند تحور الفيروس سيواجهون فيروسا بتركيبة مختلفة إلى حد كبير، مما يزيد من عدد الإصابات وشدتها”.

هذا “وبالإضافة إلى الحرمان من المناعة الطبيعية التي تحدث بسبب الإصابة، فإن المناعة المكتسبة عن طريق اللقاحات لم تتحقق بالقدر الكافي في الصين، فعدد من حصلوا على اللقاح قليل، قياسا بعدد السكان، فضلا عن أن اللقاحات الصينية، القائمة على تقنية الفيروس المعطل، هي الأقل في الكفاءة، لأن المناعة التي توفرها لا تستمر لفترة طويلة”.

وفق برنامج العلوم الطبية بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، فإن “سياسة صفر إصابات حرمت الصينيين من المناعة المجتمعية”. وأن التعامل مع فيروس “كورونا” يجب أن يتم حاليا، بنفس آلية التعامل مع فيروس “الإنفلونزا”، فهذا الفيروس يتسبب في وفاة ما بين 500 و800 ألف شخص سنويا، ومع ذلك لا يكون سببا في الإغلاق”، وفق “الشرق الأوسط”.

قد يهمك: الصين عالقة في فخ من صنعها.. ما أثر ارتفع إجمالي حالات “كوفيد” اليومية عالميا؟

مظاهرات حاشدة

على إثر سياسة الحكومة الصينية المتمسكة بـ”صفر كوفيد”، امتدت المظاهرات التي تشهدها مدن صينية منذ أيام ضد إجراءات الإغلاق الصارمة إلى شنغهاي والعاصمة بكين.

أيضا، خرجت إلى الشوارع نسبة كبيرة من السكان، مساء الجمعة الماضي، في مدينة أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانغ، تندد بسياسة الإغلاق، حيث ظل الكثير من سكان هذه المدينة، البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة، تحت واحد من أطول الإغلاقات في البلاد، ومُنع الكثير منهم من مغادرة منازلهم لمدة تصل إلى 100 يوم. كما خرج بعض السكان في العاصمة بكين في احتجاجات محدودة وواجهوا المسؤولين المحليين بشأن القيود المفروضة على حركتهم، ونجح البعض في الضغط عليهم لرفع هذه القيود قبل الموعد المحدد.

وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن شاهد وفيديو، أشارت إلى أن مئات المتظاهرين شاركوا في احتجاجات على القيود الصارمة لمكافحة “كوفيد-19” في جامعة “تسينغهوا” في بكين، فيما تشهد مدينة شنغهاي منذ فجر يوم أمس الأحد، مظاهرات، كما ذكر شهود عيان، احتجاجا على إجراءات الإغلاق الصارمة التي تطبقها السلطات في إطار سياسة “صفر كوفيد” في البلاد منذ نحو ثلاث سنوات.

كما وشارك مئات الطلاب من جامعة “تسينغهوا” تظاهرة ضد سياسة الحكومة الصينية لمكافحة وباء “كوفيد-19”. وقال أحد الطلاب لـ “الوكالة الفرنسية”، ” بدأ الطلاب في رفع لافتات عند مدخل المقصف ثم انضم إليهم تباعا مزيد من الأشخاص”. وأضاف، “الآن هناك ما بين مئتي و300 شخص. أدينا النشيد الوطني ونشيد الأممية وهتفنا، الحرية ستنتصر”.

كذلك وتم تداول مقاطع فيديو على الإنترنت تظهر حشدا أمام مطعم الجامعة، يلتف حول متحدث يصرخ قائلا “إنها ليست حياة طبيعية، لقد سئمنا، حياتنا لم تكن كذلك من قبل!”.

أما في شنغهاي، يظهر في تسجيل فيديو يتم تداوله بشكل واسع على الإنترنت متظاهرون في مكان حددت “وكالة الصحافة الفرنسية” موقعه الجغرافي في شارع ولوموكي، وسط المدينة، وهم يرددون هتافات تطالب الرئيس شي جين بينغ بـ”الاستقالة”، وتهاجم “الحزب الشيوعي” الصيني، في تعبير نادر عن عداء للرئيس والنظام في العاصمة الاقتصادية للبلاد.

إلى جانب انتشار عشرات رجال الشرطة في مدينة ووهان، وإغلاق الشوارع التي جرت فيها التظاهرات. والطلب من الناس مغادرة الموقع، لكنّ البعض أصرّ على البقاء، كما وتم توقيف أشخاص عدّة، بحسب مراسل “فرانس برس”.

أجنبي لم يرغب كشف اسمه أضاف لـ “الوكالة الفرنسية”، “يبدو أنّ الشرطة تبحث عن أفراد يُشتبه في أنّهم يتقدّمون التظاهرات”، مضيفا “كان الجو متوترا جدا، لكن كانت هناك أيضا حماسة. لقد صب المتظاهرون غضبهم على الشرطة والحزب الشيوعي الحاكم”.

قد يهمك: فقاعة أزمة الديون العالمية.. هل تنفجر من الصين؟

مع تشديد القيود الصناعات تتعطل

في بيان لـ “صندوق النقد” الدولي، يوم الخميس الماضي، قال إن الصين بحاجة إلى تعزيز التطعيمات للاستعداد لمزيد من تعديل استراتيجيتها الخاصة بـ “صفر كوفيد” وكذلك مساعدة مطوري العقارات بشكل أفضل على إكمال المنازل التي تم شراؤها مسبقا.

جيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير العام لـ “الصندوق الدولي”، توقعت أن يتأثر النمو في الصين، وهذا التباطؤ الاقتصادي في البلاد سيؤثر على بقية العالم. فبعد نصف يوم فقط من قمة الصين لتطوير السيارات بالخارج في شنغهاي، ألغى المنظمون الجلسات بسبب الاضطرابات المفاجئة من “كوفيد”، وقالوا إن “أشكالا مختلفة من العروض التقديمية” ستُستخدم لإكمال جدول الأعمال الذي يستمر يومين.

الخبير في سلوك الحكومة الصينية، تيموثي تشيك، أوضح لـ”الحل نت”، أن سياسة الصين في القضاء على فيروس “كورونا” تسببت بغضب شعبي واستياء بين شرائح واسعة من السكان مع اقتراب الذكرى السنوية الثالثة للوباء، مما أثار احتجاجات متفرقة وضرب الإنتاجية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

تشيك، بيّن في تصريح سابق أن احتجاجات عنيفة اندلعت في مصنع تجميع أجهزة “أيفون” الضخم التابع لشركة “فوكسكون” في وسط الصين، بعد أن شددت العديد من المدن بما في ذلك بكين وشانغهاي وغوانغتشو وتشونغتشينغ قيود “كوفيد” مع زيادة الحالات، حيث كشف مكتب الصحة الوطني أن البلاد سجلت 31454 حالة منزلية، 27517 بدون أعراض مؤخرا.

في المنطقة الصناعية جنوبي مدينة غوانغتشو، تم بناء الآلاف من غرف المستشفيات المؤقتة لاستيعاب المرضى، ويبدو أن سلسلة القواعد الجديدة التي أعلنتها الحكومة المركزية في وقت سابق من هذا الشهر التي كانت تشير إلى تحول بعيدا عن “صفر كوفيد”، وتخفيف متطلبات الحجر الصحي لدخول البلاد وتبسيط نظام تحديد المناطق عالية الخطورة لم تجد نفعا.

طبقا لهذه الحقائق، يرجع تشيك، سبب عودة الإصابات بشكل مفاجئ وكبير إلى فقدان الثقة عند الشعب الصيني حول فعالية اللقاح المحلي، فبعد عدم موافقة بكين على طلب المساعدة في دعهما بلقاحات خارجية أكثر فعالية للاستخدام، لم يتلقَ سوى 85 بالمئة فقط من البالغين فوق سن الستين جرعتين من اللقاحات المحلية بحلول منتصف آب/ أغسطس الماضي، وفقا للسلطات الصحية.

سلطات بكين قالت، إن العاصمة تجبر الآن جميع من يسعون لدخول الأماكن العامة مثل مراكز التسوق والفنادق والمباني الحكومية، لإجراء اختبار “بي سي آر” في غضون 48 ساعة، كما انتقلت المدارس في جميع أنحاء المدينة إلى التعليم عبر الإنترنت.

كما وشهدت الشركات الصناعية الصينية الكبيرة المزيد من التراجع في الربح الإجمالي خلال الفترة بين كانون الثاني/ يناير، وتشرين الأول/ أكتوبر مع تزايد تف انتشار “كورونا”، وفرض المدن قيودا جديدة لمكافحة الفيروس، بما يشمل إغلاقات في أماكن بعينها، الأمر الذي أثر سلبا على الحركة الاقتصادية.

بيانات من مكتب الإحصاءات الوطنية أظهرت عبر نشر تقرير يوم أمس الأحد، أن الأرباح الصناعية هبطت ثلاثة بالمئة في الأشهر العشرة الأولى من 2022 على أساس سنوي مقارنة مع تراجع نسبته 2.3 بالمئة في الفترة من كانون الثاني/ يناير وحتى أيلول/ سبتمبر.

المكتب أفاد في بيان مقتضب، “تتكرر موجات التفشي الحديثة للعدوى الوبائية المحلية، وتزايدت حدة مخاطر الركود في الاقتصاد العالمي، وتواجه المؤسسات الصناعية ضغوطا أكبر”.

البيانات القاتمة لثاني أكبر اقتصاد في العالم عكست أزمة في سداد الديون في قطاع العقارات وتباطؤ حاد في إنفاق المستهلكين. أما في القطاعات الصناعية فقد شهدت أكثر التراجعات حدة، وهي البترول والفحم والوقود، التي تراجعت أرباحها بنسبة 70.9 بالمئة مقارنة مع 67.7 بالمئة في الأشهر التسعة الأولى من العام. حتى بعض القطاعات التي شهدت نموا قويا للأرباح عانت من تباطؤ ملحوظ في وتيرة هذا النمو.

هذا وتثير السياسة الصارمة لمكافحة “كوفيد-19” استياءً كبيرا في الصين. وجرت تظاهرات متفرّقة شهد بعضها أعمال عنف في عدد من المدن في الأيام الأخيرة، بما في ذلك في أكبر مصنع لهواتف “آيفون” في العالم الذي يقع في وسط مدينة تشنغتشو وتملكه شركة “فوكسكون” التايوانية العملاقة.

على الرغم من اللقاحات الكثيرة المتاحة وخلافا للدول الأخرى في العالم، ما زالت الصين تفرض إجراءات عزل فور ظهور إصابات بما فيها حجر على الذين تثبت إصابتهم بالمرض في مراكز، واختبارات “بي سي آر” شبه يومية للدخول إلى الأماكن العامة.

في العموم، يمكن القول إن الوضع السيء في الصين أثّر سلبا على الشركات العالمية وكذلك الشركات المحلية في البلاد، ويخشى العديد من الاقتصاديين حدوث ركود اقتصادي في الصين الآن، وموجة الإصابات الأخيرة تشكل اختبارا لمدى قدرة هذه السياسة على الصمود، في وقت يسعى فيه المسؤولون لتجنب إغلاق على مستوى مدن بأكملها كما حصل في شنغهاي لمدة شهرين في نيسان/ أبريل الفائت.

قد يهمك: كيف يساعد اتفاق التجارة الحرة على الحد من الفقر بإفريقيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.