قيادة المنطقة على رأس قائمة المفاوضات الإيرانية السعودية.. أرض مشتركة مع “التهديد الخطير”؟

تاريخ من الخصومة وعلاقة شائكة كما يصفها البعض، ترجع إلى أكثر من 40 عاما، ألقت بظلالها على المنطقة واستقرارها، هي تلك التي توصف العلاقة بين المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية.

يبدو أن التغيرات الحالية التي تشهدها الساحة الدولية، قربت من وجهة نظرهما، ودفعتهما إلى الخوض في مفاوضات جادة لإنهاء صراعهما التاريخي، نحو التطبيع أو التهدئة، وتربّع العراق على عرش الوساطة بين الخصمين، إثر إعلان الحكومة العراقية على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أحمد الصحاف، عزمها الاستمرار في مساعي تقريب وجهات النظر بين الخصمين، حيث لم يُبديا أي ممانعة، وتؤكد خطواتهم رغبتهما في استكمال مفاوضاتهم، تمهيدا لإعادة جسور التواصل بينهما.

تاريخ من الخصومة

منذ عام 1928 والعلاقة الحساسة هي الوصف الأمثل لتلك التي تجمع طهران والرياض، وغالبا ما ركز الخصوم خلافهم على طريقة ترسيم الحدود المائية بينهم، والمتمثلة بالخليج العربي، ورغم ذلك فإن العلاقة لم تشهد أي ملفات حساسة حتى عام 1979.

بعد سيطرة الثورة الإسلامية الشيعية على زمام الحكم في إيران، بدأت الخلافات مع السعودية تأخذ منحنى جديد، أساسه صراع مذهبي بين النظامين السّني والشيعي.

صراعهما اتسم بحرب المواقف، حيث يناكف أحدهما الآخر في مواقفه السياسية، وفقا للصبغة المذهبية، فمثالا، تدعم طهران الحركات السياسية والشعبية الشيعية في كلّا من البحرين ولبنان وصولا إلى أفغانستان، باعتبار تحركهم حق شعبي في تقرير المصير، ولكنها تدافع في الوقت ذاته عن الحكومة السورية.

قد يهمك: العراق يكشف تفاصيل المفاوضات بين السعودية وإيران ببغداد

السعودية بدورها، تؤيد عمليات القمع التي تستهدف التحركات الشعبية في هذه الدول، بحجة دفاعها عن النظام الشرعي، ولكنها تؤيد التحركات الشعبية ضد حكومة دمشق.

خلاف الخصمين، لا يقتصر على هذه المواقف، ويتسع ليشمل اتهامات بالتدخل في الشأن المحلي بين كلا الخصمين، فطهران تتهم الرياض بدعم تنظيم “جند الله السّني”، وهو تنظيم مسلح ينشط داخل إقليم بلوشستان الإيراني، ويضلع في عمليات عسكرية ضد القوات الأمنية و”الحرس الثوري” الإيراني.

الرياض بدورها توجه أصابع الاتهام لطهران بدعم تحركات شيعية ضد العائلة المالكة في مناطق الإحساء، ذي الغالبية الشيعية شرقي المملكة، هذا الاتهام كان سبب رئيسي في قطع العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، بعد أن اعتدى محتجون على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد على مرأى من السلطات الأمنية، إثر إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، في كانون الثاني/يناير عام 2016.

مبادرات للصلح

لم تشهد العلاقة بين الخصمين أي تحسن منذ عام 2016، ولكن مبادرات أعلنتها الحكومة العراقية في نيسان/أبريل عام 2021، أوحت باحتمالية عودة العلاقة بين الخصمين.

رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، قاد محاولات لتقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران، مستغلا قربه منهما، ونتج عنها 5 جولات تفاوضية، احتضنتها بغداد جميعها، ركزت غالبا على وسائل تخفيف التوتر الإقليمي، وخاصة في اليمن وسوريا.

في تموز/يوليو الماضي، أبدى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، رغبته بإجراء حوار عَلني ومباشر مع إيران، ورحبت طهران بهذه الرغبة، باعتبارها بادرة لاستئناف العلاقة بين البلدين، بحسب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني.

عودة التوتر بين البلدين

مع بدء الاحتجاجات الشعبية الإيرانية، عاد التوتر بين البلدين الى الواجهة، حيث اتهمت إيران خصومها التقليديين في الولايات المتحدة وإسرائيل، بالتدخل في الشأن الداخلي.

السعودية حازت على نصيبها من هذه الاتهامات، وطالبتها السلطات الإيرانية، بوقف دعم عدد من الوسائل الإعلامية الناطقة بالفارسية، والتي تعتبرها معادية لنظامها، مثل موقع “إيران إنترناشيونال”، وعلى الأثر هدد قائد “الحرس الثوري” حسن سلامي، السعودية، بأن تدخلها المستمر في شؤون إيران الداخلية سيوجه دخان الاضطرابات نحوها.

مجلة “فن الحكم المسؤول” التابعة لمعهد “كوينسي” الأميركي، وفي تقريرها المنشور في 21 تشرين أول/نوفمبر الماضي، تُدرج هذه الاتهامات ضمن محاولات طهران لتخفيف حدة الضغوطات الداخلية المفروضة عليها جراء الاحتجاجات الداخلية، هي أي طهران تستهدف المعارضة الداخلية، والأعداء التقليديين، ضمن رغبتها في استغلال المشاعر الإيرانية، والايحاء بان هذه الاضطرابات هي نتاج تدخلات الأعداء.

هذا الرأي يجد صدى واسع، خاصة وأن الرياض لم تُصدر أي تعليق رسمي على هذه الاتهامات أو الاضطرابات التي تشهدها طهران، وهو ما يُفهم على أنها رغبة منها بالعودة إلى المفاوضات مع إيران.

طهران بدورها لم توقف محاولاتها لاستكمال مفاوضاتها مع الرياض، وتبدي رغبة بإتمامها، حيث تفيد عدة مصادر بأنها أرسلت هذه الرسائل عبر رئيس الوزراء العراقي الجديد، محمد شياع السوداني، أثناء زيارته لطهران ولقائه بعدة مسؤولين إيرانيين، في 29 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وعزم الأخير نقلها إلى ولي العهد محمد بن سلمان، أثناء مؤتمر “القمة العربية الصينية” هذا الشهر.

ما هي دوافع استكمال المفاوضات؟

رغبة الطرفين بإعادة مدّ جسور التواصل بينهما في هذا الوقت، ينبع من إدراكهما، أن المنطقة على وشك أن تشهد تغيير كبير في طبيعتها السياسية والاستراتيجية، وضمن هذا الإدراك، يسعى كلا الخصمين إلى تغيير الكثير من سياساتهم الخارجية.

 الطرفان أدركا أن استمرار الخلاف بينهما لن يحقق أي نتائج ملموسة في ظل هذه التغيرات في منطقة الشرق الأوسط، وتماشيا مع ذلك، أوجدت الضرورة لعودة العلاقة بينهما.

اقرأ أيضا: السعودية وإيران إلى جولة المفاوضات السادسة.. هل تفضي إلى تسوية حقيقية؟

طهران بدورها تحاول البدء بالجانب الخليجي، نظرا إلى تشابك مناطق نفوذهما، وتمكنت من استعادة علاقاتها الدبلوماسية في أب/أغسطس الماضي، مع الكويت والإمارات، ضمن هذه المساعي، بعد القطيعة الخليجية الإيرانية منذ عام 2016.

خلاف سعودي أميركي

التوقيت الحالي، شكّل حافز إضافي لطهران، فهي ترغب باستغلال الخلافات الحاصلة بين الرياض وواشنطن، كمفتاح لمفاوضاتهما القادمة، بدلا من الملفين السوري واليمني، هي لم تتخلى عن هذَين الملفَين، ولكنها ترغب بإيجاد أرضية جامعة تساهم في نجاح المفاوضات.

الرياض كانت قد رفضت طلب الولايات المتحدة، بزيادة إنتاجها النفطي، ومساعدتها في الخروج من أزمة الوقود والطاقة التي تعاني منها، الأمر الذي اعتُبر سابقة في العلاقات السعودية الغربية منذ عام 1973.

سبب هذا الموقف الخليجي، يرجع إلى تهاون الولايات المتحدة في حماية أمن المملكة، بعد تعرض منشأتها النفطية الى عدة هجمات صاروخية، شنها ضدهم جماعة “أنصار الله الحوثية”، المدعومة من طهران، كان آخرها الاستهداف الذي طال مصفاة النفط التابعة لشركة “أرامكو” السعودية في الرياض، في شهر آذار الماضي، إضافة إلى استهدافين آخرين في محافظتي جيزان وأبها، جنوبي غرب المملكة.

تاليا فإن الرياض ترغب أيضا من خلال هذه المفاوضات تحجيم الهجمات، خاصة وأن استمرارها في الوقت الحالي، وفي ظل أزمة الوقود العالمية، سيضفي أضرارا غير مرغوبة حاليا.

هي ترغب أيضا في حماية استثماراتها في المنطقة، خاصة وأن هذه الاستثمارات تنتشر غالبا في مناطق النفوذ الإيراني في لبنان، بحسب حديث الباحث في التاريخ السياسي سلام العزاوي، لـ”الحل نت” وأيضا تريد استغلال السوق العراقية، لدعم خزينتها المالية استعدادا لرؤية السعودية 2030. الرياض بذلك تشترط تخلي طهران عن سياستها الاستحواذية في المنطقة، كشرط لعودتها إلى المفاوضات.

ليس هذا فحسب، بل على ما يبدو، فإن كلا الخصمين أدركا أيضا، أن نجاح هذه المفاوضات، يعني توافقهما في قيادة المنطقة في المرحلة المقبلة، كبديل عن الولايات المتحدة التي بدأ دورها بالتراجع فعليا، وأن استمرار الخصومة سيعكّر هذه المساعي ويتيح المجال لقوى غربية أخرى أو تركيا بفرض سطوتها، وفق العزاوي.

هل تنجح مساعي التقارب السعودي الإيراني؟

المنطقة ستشهد بلا شك تغيير كبير في حال عودة العلاقة بين الخصمين، خاصة وأن معظم الأزمات التي شهدتها خلال العقود القليلة الماضية، ارتبطت بشكل أو بآخر بخصومتهما.

رغم أن نتائج هذه المفاوضات الختامية واحتمالية استمرارها، لا تزال مجهولة، فإن دلائل عدة، تؤكد مضي الخصمين اللدودين فيها حتى إيجاد حلول وسطية، ترضي جميع الأطراف، عبر الحكومة العراقية.

رئيس الوزراء العراقي، أعلن سعيه لإنجاح هذه المفاوضات، بحسب حديث الباحث السياسي حيدر سلمان، لـ”الحل نت” وتنبع هذه المساعي بشكل رئيسي بسبب مدى تأثير علاقة الخصمين مع بعضهما على واقع البلد، خاصة وأن للطرفين امتدادات داخله، أكثر من باقي بلدان المنطقة.

تعكّر هذه المفاوضات يرجع وفق سلمان، إلى التدخلات الدولية والغربية، بسبب إدراكهم أن نجاحها سينهي الكثير من التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتصب بفائدتها عليهم، كما يتعلق نجاحها بالجهود العراقية المبذولة في تقريب وجهات النظر.

 الرسائل التي حملها السوداني، لم تقتصر على الجانب السعودي، ولكنه حمل رسائل تطمينيه أخرى إلى بعض الدول العربية ومنها مصر، والأردن، ولكنه يؤكد أنها ركزت بشكل خاص على المملكة العربية السعودية، بحسب مصدر في وزارة الخارجية العراقية. هي إشارات تعزز عودتهما إلى المفاوضات قريبا، ولكن بشكل سرّي على ما يبدو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.