في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها الدول الأوروبية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، تسعى بعض الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى إقامة مشاريع ومبادرات مترابطة مشتركة تؤدي إلى منفعة جماعية على المستوى الاقتصادي وبالتالي تحقيق مستقبل مستدام.

لعل أهم المشاريع المشتركة بين هذه الدول هو الربط الكهربائي بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ لا شك أن هناك فرصة كبيرة أمام هذه الدول التي تنعم بالموارد الطبيعية مثل أشعة الشمس ونسبة الرياح لاستغلال هذه الكمية من الطاقة في العديد من المشاريع. وفي الواقع، بدأت بعضها في إنشاء مشاريع للطاقة المتجددة منذ سنوات عديدة، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والمغرب.

من الجانب النظري يمكن لمنطقة الصحراء الكبرى بشمال إفريقيا توفير طاقة شمسية بقدر احتياجات العالم أربع مرات. ورغم تمتعها بإمكانات ضخمة ومستويات متقدمة عالميا على صعيد الطاقات المتجددة، إلا أن المنطقة، باستثناء المغرب، ما زالت تشهد تعثرا في خططها للانتقال الطاقي، إن لم يكن انعداما كليا لهذه الخطط، بالإضافة إلى ذلك، فإن تنفيذ هذه المشاريع في دول الشرق الأوسط مثل مصر والأردن يعتمد على حجم الاستثمار وقدرة الحكومات على دعمها، حيث إن تنفيذها الفعلي حتى الآن يمثل تحديا للدول التي تعاني بالفعل من ضائقة اقتصادية. لذلك يبقى التساؤل الأهم، أو النقطة الأبرز التي يجب تسليط الضوء عليها، هي السيناريوهات والتوقعات المحتملة حول هذه المشاريع التي تربط بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ثروات دول المنطقة

العديد من دول منطقة الشرق الأوسط لديهم القدرة على التحول بسهولة من كونها في طليعة الدول المصدرة للنفط في العالم إلى لعب دور مهم في مجال تصدير الطاقة المستمدة من ضوء الشمس وسرعة الرياح. كما ستعمل هذه الخطة المستقبلية الجريئة على تقليل اعتماد المنطقة على النفط والغاز، بالإضافة إلى توفير بديل نظيف ومستدام. هذا التحليل يشمل دول منطقة شمال إفريقيا أيضا، ويكشف عن إمكانية إحداث تحول اقتصادي في دول المنطقة من خلال تمكين العالم من الاستفادة من أشعة الشمس وسرعة الرياح التي ينعمون بها.

مدير عام شركة الكهرباء الوطنية المهندس أمجد الرواشدة، “الربط الكهربائي بين الدول لم يعد خيارا بل ضرورة” “الغد”

العديد من الخبراء أشاروا إلى حجم وكمية أشعة الشمس الهائلة التي تغمر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كل يوم، والتي يمكن أن توفر حصة كبيرة من احتياجات العالم من الطاقة الكهربائية بحلول عام 2050، والتي تقدر بـ 40 ألف تيرا واط كل ساعة. اعتمادا على هذه الكمية الهائلة يمكن إنشاء شبكة نقل كهربائية عالية الفولتية، من شأنها استغلال الطاقة الشمسية المنتجة في كل من السعودية وعُمان والإمارات والكويت والعراق ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمملكة المغربية.

مشاريع الربط الكهربائي الإقليمية والدولية

خلال فعاليات مؤتمر “كوب 27” المعني بتغيّر المناخ والذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، ركز وزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني الدكتور صالح الخرابشة، على أهمية التعاون المشترك لتحقيق مستقبل مستدام من خلال تنفيذ مبادرات مشتركة أهمها الربط الكهربائي بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

كما تم مناقشة النظرة المستقبلية للمؤتمر الإقليمي لـ”حوار الطاقة المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا” (إم إي إف إي دي)، والذي انعقد بدعوة من الأردن وألمانيا، خلال شهر حزيران/ يونيو 2022 في منطقة البحر الميت بالأردن. خلال هذا المؤتمر أيضا تم التركيز على أهمية الربط الكهربائي بين هذه الدول الذي من شأنه أن يحقق التكامل بينهم، وأن يكون المؤتمر خلال انعقاده في السنوات القادمة استكمالا للعمل على التنفيذ التشاركي بين هذه الدول للوصول إلى مستقبل مستدام.

أهمية مشاريع الربط الكهربائي بالنسبة للأردن مع دول الجوار العربي يكمن في تعزيز مكانته الاقتصادية واستغلال موقعه الاستراتيجي في ضخ المزيد من الاستثمارات لتعزيز أمن الطاقة العربي، وتصدير الفائض للدول المجاورة.

الأردن ينظر لمشاريع الربط الكهربائي العربي باهتمام كبير، إذ تعد من أولويات الحكومة لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية المرتقبة بين الأردن ودول الجوار العربي، وتشكل نواة لسوق الكهرباء العربية، يؤدي فيها الأردن دورا إقليميا مهما في تبادل الطاقة باستغلال موقعه الجغرافي بين دول المنطقة.

في أيلول/ سبتمبر عام 2020، وقّع الأردن والعراق اتفاقا تزود بموجبه عمّان بغداد بالطاقة الكهربائية بعد ربط شبكة الكهرباء بين البلدين. كذلك إلى جانب العراق والأردن تشكّل مصر الطرف الثالث في مشروع الربط الكهربائي، الذي سيشمل لاحقا دولا عربية أخرى، على أمل تحقيق الربط الكهربائي العربي الشامل، بانضمام دول مجلس التعاون لدول الخليج، ودول المشرق العربي وبقية الدول العربية، وصولا إلى شمال إفريقيا.

بعد وضع حجر الأساس لمشروع الربط الكهربائي بين الأردن والعراق، عقد اجتماع أردني سعودي بخصوص مشروع الربط الكهربائي الأردني السعودي والذي سيتم الاتفاق النهائي عليه لاحقا، بالإضافة إلى رفع كميات الطاقة المصدرة إلى فلسطين لتصل 80 ميغا واط. هذا فضلا عن تزويد لبنان، بالإضافة إلى الربط الكهربائي الأردني المصري.

قد يهمك: قمة “كوب 28”.. تحديات التحوّل للطاقة النظيفة و“العدالة المناخية“؟

 كذلك، تواصل مصر تنفيذ مشروعات الربط الكهربائي مع بعض دول إفريقيا والشرق الأوسط، لتصبح مركزا إقليميا لتبادل الطاقة الكهربائية في القارة السمراء ودول المنطقة، إذ تم البحث بين مصر والسعودية حول مشروع الربط بين البلدين، والذي يعد من أكبر وأهم المشروعات بالمنطقة بالكامل، لما تتمتع مصر من قدرات هائلة في مجال الطاقة المتجددة.

بنك “ستاندرد تشارترد”، أفاد إنه رتب تمويلا بقيمة 566 مليون دولار، بالتعاون مع مؤسسة “سوميتومو ميتسوي” المصرفية، لصالح الشركة السعودية للكهرباء لتسهيل مشروع الربط الكهربائي بين الرياض والقاهرة. وسيتم ضمان التمويل، وفق بيان من البنك، لمدة 14 عاما من قبل وكالة “ائتمان الصادرات” السويدية، وتموله مؤسسة “ائتمان الصادرات” السويدية.

إن الربط بين البلدين يتم عبر 3 تحالفات لشركات عالمية ومحلية لتنفيذ مشاريع الربط الكهربائي بين السعودية ومصر. ويعتبر هذا المشروع الأول من نوعه وعلى نطاق واسع لتيار الجهد العالي المستمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لربط شبكات الكهرباء. ويُتوقع أن يتم إنجاز مشروع الربط بحلول عام 2026، وسيدعم تدفق الطاقة في اتجاهات متعددة، من مدينة بدر في مصر إلى المدينة المنورة مرورا بمدينة تبوك في السعودية.

كذلك، هناك خطط ربط كهربائي قائمة بين مصر وليبيا، ومصر والسودان، إضافة إلى مشروع مصري مستقبلي للربط الكهربائي مع دول شمال إفريقيا، في إطار استكمال الربط الكهربائي، بين مصر ودول شمال إفريقيا بالكامل. مصادر ديبلوماسية مصرية، تقول إن هناك تنسيقا مشتركا بين دول شمال إفريقيا وبعضها بشأن التنفيذ المستقبلي لمشروعات ربط كهربائي، وأن هناك خطط لتدعيم قدرة الخط “المصري الليبي”، الذي سيُمهد الطريق لمباحثات إضافية لتحقيق الربط مع دول الإقليم، بحيث تكون ليبيا بوابة الربط الكهربائي بين مصر ودول إفريقيا.

الربط الكهربائي بين مصر والسعودية “إنترنت”

بالتالي وعقب تدعيم الخطط المصرية لربط الكهرباء مع ليبيا، ستتم دراسة الربط مع دول المغرب الكبير مثل تونس والجزائر والمغرب، وحتى دولة موريتانيا مستقبلا، لكن دون شك أن الأمر قد يحتاج لسنوات لتحقيقه، لكنه مشروع يجري العمل على تحقيقه على الأرض، بدعم من القاهرة ووسط ترحيب من دول الإقليم.

أيضا، من أهم وأكبر مشروعات الطاقة المتجددة، تلك الموجود في منطقة الظفرة في أبو ظبي، الذي ينتج 2 غيغا واط، وهناك اثنان من أكبر المواقع ذات المشروعات المتعددة، وهي حديقة “محمد بن راشد” للطاقة الشمسية في دبي، تنتج نحو 5 غيغا واط، ومع مشروع “بنبان” في مصر وينتج 1.8 غيغا واط.

في العام الماضي، أنتجت المنطقة 20.5 تيرا واط من كهرباء الطاقة الشمسية، في مقابل 15.6 تيرا واط من طاقة الرياح، كان معظمها تقريبا في مصر والمغرب. وإذا ما قارنا فإن المغرب، وهي واحدة من أصغر مستخدمي الكهرباء في المنطقة، استهلكت 41 تيرا واط من جميع المصادر.

قد يهمك: بعيدا عن العقوبات.. شركات الواجهة تمول “حزب الله” بالذهب الفنزويلي مقابل النفط؟

بالرغم من أنها ليست متناسقة، كما هي الحال لدى شمال أوروبا الغربية، توجد مصادر ممتازة للهواء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتتميز منطقة جنوب المغرب، والمناطق المحيطة بخليجي العقبة والسويس في مصر والأردن، وشمال غرب السعودية، وجنوب مصر، وجنوب شرق ساحل عُمان، بالرياح النشطة التي تهب فيها. وهناك أجزاء من ليبيا، وجنوب تونس، وصحراء الجزائر، والكويت أيضا تتميز بأنها تهب فيها رياح قوية. وبالمقارنة مع معظم أجزاء أوروبا، تتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأنها تتضمن مساحات واسعة مفتوحة، حيث لا تلقى مزارع الرياح التي يتم تركيبها معارضة السكان المحليين، مما يجعل منها مناطق استراتيجية لإقامة مشاريع إنتاج الطاقة.

العديد من دول المنطقة تطمح إلى أن يكون مشروع الربط الكهربائي بين الدول المذكورة بعد تنفيذه أحد محاور الربط في مشروع الربط الكهربائي العربي الشامل، والذي سيكمل الربط بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي مع دول المشرق العربي وبقية الدول العربية في شمال إفريقيا، وتعزز السوق الإقليمي لتجارة الكهرباء ومشاركة الأطراف المصدرة للطاقة.

مجمل عقبات المشاريع العربية

خيارات مسارات نقل الطاقة بين دول شرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعد جميعها مجدية، ولكن ستكون مكلفة جدا وذلك لاعتبارات لوجستية أولا، حيث إن نقل الطاقة بين هذه الدول يُعد مكلفا جدا، وبالتالي يقترح الخبراء أن الطاقة القادمة من شمال إفريقيا يجب أن ينقَل معظمها إلى أوروبا، في حين يجب تصدير معظم الطاقة القادمة من بقية الدول إلى جنوب آسيا، كما يمكن التنسيق لعملية تبادل كبيرة بين الدولة المُنتجة للطاقة في هذه الشبكة، وهذا التبادل من شأنه أن يخفف من أوجه التفاوت في الإمدادات نتيجة ظروف محلية تشمل العواصف التّرابية، والغطاء السحابي، واختلاف ساعات سطوع الشمس.

مشروع “بنبان” المصري “إنترنت”

كذلك، طاقة الهواء وفق ظروف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستكون على الأرجح عالية الثمن أكثر من الطاقة الشمسية، حتى لو أن السعودية ضمنت سعر التعرفة المنافس والبالغ 2.13 سنت لكل كيلو واط في دومة الجندل؛ إذ إن أقل عقد للطاقة الشمسية في المنطقة كان 1.03 سنت لكل كيلو واط ساعي، ويستغرق إنشاء مشروعات طاقة الرياح وقتا طويلا.

فمثلا بحسب التقرير السنوي لـ “الوكالة الدولية للطاقة” (بي دي إف) حول صناعة الطاقة المتجددة عالميا، قدرات الطاقة المتجددة في مصر في طريقها للنمو بنحو 65 بالمئة بحلول عام 2027، بدعم أساسي من مشاريع الرياح البحرية الجديدة. يأتي ذلك بينما تمضي البلاد نحو إضافة ما يصل إلى 4.1 غيغا واط من الطاقة المتجددة على مدى السنوات الخمس المقبلة، مما يرفع إجمالي قدرات البلاد إلى 10.4 غيغا واط من 6.3 غيغا واط حاليا، وفقا لأحدث بيانات متاحة من “هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة” المصرية، بالتالي ستمثل مصر ما يقرب من ربع إجمالي قدرات الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بحلول عام 2027، لكن على ما يبدو أن نمو مصادر الطاقة المتجددة الجديدة في مصر يتباطأ، وذلك بالنظر إلى عدم اليقين بشأن خطط الحكومة المصرية لمشاريع المرافق المملوكة للدولة والتأخيرات في نظام المناقصات التنافسية التي تتسبب في خفض التوقعات لهذا العام لمصر.

ففي عام 2021، احتلت مصر المركز الرابع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث كمية الطاقة المتجددة التي كان من المتوقع أن تضيفها البلاد خلال السنوات الخمس التالية، بعد الإمارات والسعودية والمغرب. لكن هذا العام، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تضيف السعودية والإمارات وإسرائيل وعمّان والمغرب قدرات جديدة من الطاقة المتجددة أكثر من مصر بحلول عام 2027. ومن المتوقع أن تشكل مصر والدول الخمس نحو 85 بالمئة من نمو الطاقة المتجددة في المنطقة.

قد يهمك: محادثات أميركية صينية “معمّقة”.. تقليل من توترات القوى العظمى؟

على الرغم من حزمة مشاريع الرياح الجديدة الموقعة من قبل الحكومة المصرية مع المطورين من القطاع الخاص سلسلة من الاتفاقيات المبدئية لمشاريع الرياح الضخمة خلال قمة خلال مؤتمر “كوب 27” الماضي. والتي من المتوقع أن تضيف الاتفاقيات ما يصل إلى 29.5 غيغا واط من طاقة الرياح الجديدة للبلاد. يتضمن ذلك مزرعتين ضخمتين للرياح كل منهما بقدرة 10 غيغا واط، بما يجعلهما من أكبر مزارع الرياح في العالم؛ الأولى تعمل على إنشائها “إنفينيتي باور” و”حسن علام” للمرافق بالتعاون مع الشريك القديم “مصدر” الإماراتية، والأخرى تتولى “أكوا باور” السعودية تطويرها. هذه المشاريع كلها في المراحل الأولى من التنفيذ، إذ تنتظر الانتهاء من دراسات الجدوى وتوقيع العقود النهائية، مما يعني أنه غير معروف حتى الآن أيّا منها سيؤتي ثماره في النهاية أو المدة التي قد يستغرقها الأمر لتقدير ثمار إنتاج تلك المحطات، حيث تخطط “هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة” لطرح مناقصة واحدة على الأقل في العام الجديد، إذ تتطلع إلى طرح 350 ميغا واط من الطاقة غير المستغلة في مجمع “بنبان” الضخم في أسوان، مع تمويل محتمل من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فالطاقة الفائضة تعيق تطوير المشاريع الجديدة، بينما يعد نقص التمويل الخاص للمشاريع الجديدة تحديا آخر، وفق التقديرات.

كما أنه هنالك عدة أسئلة مهمة، يُجدر الإجابة عليها من قبل المعنيين، أولها، أين ستضع مصر التوربينات من أجل مشروعاتها الضخمة المستقبلية، تكون الممرات الهوائية في شبه جزيرة سيناء مقيدة نسبيا، وتحيط بها الجبال. ولهذا يجب النظر في أماكن أخرى باتجاه الجنوب نحو ساحل البحر الأحمر، أو مناطق أخرى داخلية، الأمر الذي ينطوي على صعوبات لوجستية. ولا تحدد أحدث الاتفاقات المعروفة أية مواقع أو أي برنامج زمني.

التساؤل الثاني، وهو هل حقق مشروع استخدام الرياح في البحر لإنتاج الكهرباء النجاح، كما هي الحال في شمال غرب أوروبا، حيث توجد رياح أقوى وأكثر اتساقا، ومنطقة أكبر للتطوير، على الرغم من أنها تكون على حساب مزيد من التكاليف.

التساؤل الثالث، وهو هل يمكن لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي توجد فيها رياح أكثر هدوءا، خصوصا في الإمارات وقطر، والبحرين، أن تقوم بالاستخدام الاقتصادي للتوربينات من أجل رفع الفائدة من الرياح البطيئة، إلى أعلى حد ممكن. كذلك، وهل يمكن للدول الأخرى التي لديها رياح قوية، ولكنها تفتقر إلى الطاقة، والتي لم تحقق الكثير من التطور حتى الآن، مثل العراق، والكويت، وليبيا، وتونس، البدء في تبنّي تقنية إنتاج الطاقة من الرياح.

عليه، تعد عقبة القضايا السياسية القائمة بين الدول المقترحة من أحد العوامل الكبيرة التي يمكن أن تعرقل عملية تصدير الطاقة، بل وتزيدها تعقيدا، غير أنه في الوقت نفسه يؤدي عملية الاعتماد المتبادل بين هذه الدول العربية إلى تحسين الاستقرار السياسي في المنطقة.

الحاجة إلى “الطاقة المتجددة”

المغرب يسعى من جهته لتحقيق نسبة 52 بالمئة من إنتاجه للكهرباء عبر الطاقات المتجددة في حدود 2030، فيما تطمح تونس إلى 30 بالمئة والجزائر إلى 27 بالمئة في الأفق الزمني ذاته، والمنطقة المغاربية تتمتع بإمكانيّات مميزة لإنتاج الطاقات المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية، وفي مرتبة ثانية طاقة الرياح، وتعتبر المملكة المغربية الأكثر تقدما على مستوى استغلال الطاقات المتجددة، مغاربيا وإفريقيا. فالانتقال الطاقي يعد المخرج الوحيد للمملكة للتخلص من تبعيتها الطاقية التي بلغت 90.57 بالمئة سنة 2020، وفق تقرير لموقع “الكتيبة”.

المغرب يدشن أكبر مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم “إنترنت”

من جانبها، تفتقد تونس أيضا، إلى المصادر الطبيعية للمحروقات، رغم توفر حقول الطاقة الموجّه إنتاجها أساسا نحو التصدير، مما يضطرها إلى استيراد الطاقة. فـ62 بالمئة من الحاجات الغازية التونسية يقع استيرادها حاليا من الجزائر. في حين تتمتع بمصادر وافرة للطاقات المتجددة، مثل طاقة الرياح، الطاقة الشمسية، الطاقة الحيوية، الطاقة الكهرومائية، لكن هذه المصادر غير مستغلة كما يجب.

كذلك، تعترض مشاريع وخطط الانتقال الطاقي في تونس صعوبات هيكلية وقانونية نظرا لعدم تهيئة الأرضية المناسبة لهذا الانتقال، وغياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة وتعاقب الحكومات بما لا يخدم وضع استراتيجية ناجزة ومستقرة للانتقال الطاقي.

في حين أن الجزائر، والتي تعد الأغنى والأكثر إنتاجا للطاقات الأحفورية بين دول المغرب العربي، حيث 9 بالمئة من الصادرات الجزائرية غاز وبترول، فإن وضعها هذا يجعلها في تبعية كلية لهذا النوع من الطاقة، مما يعطل تصور رؤية شاملة للتنمية في الجزائر. كما أن إنتاج الكهرباء يعتمد كليا على الغاز الطبيعي. بالتالي، فإن خروج الجزائر من أزمتها متعددة الأبعاد يعتمد على توجهها لاستغلال الطاقة الشمسية التي تعد الجزائر من أثرى الدول بها بمدة تشميس تتراوح بين 2000 و3900 ساعة في السنة، وتعرض يومي بقيمة 3000 إلى 6000 واط-ساعة/ متر مربع، أي ما يعادل 9 مرات الاستهلاك العالمي.

خلاصة واستنتاجات

مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في دورته الأخيرة “كوب 27” في شرم الشيخ المصرية، الذي أكد الحاجة إلى إيجاد بدائل لأنواع الوقود الأحفوري ووضع حلول لتداعيات التغيّر المناخي، يُجدر على قادة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التعاون والتكاتف لتحقيق الرؤية الرامية إلى ربط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمشاريع الكهرباء.

قد يهمك: زعزعة استقرار القارة السمراء.. دور سلبي لروسيا والصين؟

مصر سبق أن تقدمت بمقترحات بشأن “الربط العربي”، كما قدمت لقمة “الاتحاد الإفريقي” في شباط/ فبراير 2021 مقترحا بشأن الربط الكهربائي مع دول شمال إفريقيا، وتم التصديق عليه وإدراجه ضمن القائمة النهائية في مجموعة المشروعات العابرة للأقاليم، فضلا عن وجود مقترحات للربط مع دول الخليج العربي عبر العراق وصولا لباقي دول مجلس التعاون الخليجي، الذي على أساسه ستصبح القاهرة البوابة التي ستربط بين قارة إفريقيا ممثلة في دول شمال إفريقيا، وعدة دول تسعى مصر لتحقيق الربط الكهربائي معها في القارة، والدول العربية في الخليج وشمال غرب آسيا، ودول أوروبا، خاصة وأن مصر لديها بالفعل شبكات ربط كهربائي مع العديد من الدول مثل الأردن وقطاع غزة والسودان وليبيا، وتخطط لمزيد من التوسع بحلول عام 2030.

لكن يبدو أن نجاح مشاريع ربط الكهرباء بين دول شرق الأوسط وشمال إفريقيا يستند على عدة عوامل؛ لعل أبرزها التعاون والتكاتف الجاد من قبل هذه الدول، ووضع المصالح الاقتصادية بعيدا عن الخلافات والرؤى السياسية، بالإضافة إلى الدعم الغربي، سواء من الدول أو الهيئات والمؤسسات والشركات الاستثمارية الاقتصادية الكبرى، خصوصا وأن سرعات الانتقال الطاقي نحو الطاقات النظيفة والمتجددة ومراحله ومدى الاستجابة لمتطلباته والمضي قدما للربط الكهربائي بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ليست بهذه السهولة، ذلك لأن كلفة إنتاج الطاقات المتجددة مرتفع جدا حاليا رغم تراجع هذه الكلفة نسبيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.