الحديث عن تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا لا يكاد يتوقف، حتى أن جملا من قبيل تفاقم الأزمة المعيشية وفقدان الرواتب لقيمتها أمام العملات الأجنبية، لم يعد لها قيمة بسبب تكرارها خلال السنوات القليلة الماضية في الاقتصاد السوري.

الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، وصلت حدا غير مسبوق من الانحدار، فمع استمرار أزمة الوقود، بدأ الحديث عن تهديد المؤسسات والمرافق الحيوية بالتّوقف عن العمل بسبب نقص الطاقة، فما هي خيارات الحكومة وإلى أين يتجه الاقتصاد السوري.

أزمة وقود تهدد المؤسسات

العاصمة دمشق وغيرها من المناطق الخاضعة لإدارة الحكومة السورية، شهدت أزمة وقود متجددة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وسط عدم قدرة الحكومة على استيراد المواد النفطية بسبب خلو المصرف المركزي من القطع الأجنبي.

وربما أبرز ملامح وصول الأزمة إلى ذروتها استمرار نزيف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، ووصول سعر الدولار الواحد إلى 6300 ليرة سورية، بارتفاع بلغ 16 بالمئة خلال الشهر الماضي فقط.

مع هذا الارتفاع يجد الموظفون والعاملون في قطاعات الدولة نفسهم، أمام راتب شهري يفقد جزءا من قيمته بشكل يومي، فيكاد لا يكفي لأيام قليلة قبل الوصول إلى منتصف الشهر.

الخبير الاقتصادي فراس شعبو، رأى أن الوضع الاقتصادي في سوريا يتجه من سيء إلى أسوأ، مشيرا إلى أن الحكومة عاجزة تماما عن تقديم أية حلول من شأنها تحسين الوضع، أو حتى إبقاء الوضع كما هو عليه الآن.

شعبو قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “الوضع إلى الأسوأ، الأسعار ترتفع والمواد الأساسية بدأت تنقطع تزامنا مع الانخفاض المستمر للعملة المحلية، والحكومة عاجزة عن التدخل. نحن مقبُلون ربما بعد فترة على توقف المشافي والمدارس والمؤسسات، بسبب انقطاع المحروقات التي هي عصب أي اقتصاد“.

قد يهمك: “البيضة بـ500 ليرة”.. قطاع الدواجن يُحتضر في سوري

انقطاع المحروقات عن الصناعيين وأصحاب المصانع، سيجعلهم بالتأكيد يتوجهون نحو السوق السوداء والحصول على المواد النفطية بأسعار مرتفعة جدا، ذلك ما سينعكس بطبيعة الحال على تكاليف الإنتاج، ومن ثم وصول السلع إلى المستهلكين بأسعار مرتفعة.

وضع كارثي؟

مع ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية، ستشهد الأسواق في سوريا، إحجام الأهالي عن شراء معظم المواد، وبحسب شعبو سينخفض الطلب بشكل كبير على السلع، “وسيصبح لدينا إنتاج من قبل الشركات بأسعار مرتفعة بدون وجود طلب كافي لشراء هذه السلع“.

شعبو اعتقد أن ذلك سيؤدي إلى توقف المعامل وارتفاع البطالة ونسب الفقر بشكل وصفه بـ“الكارثي“.

حول طرق تمويل الحكومة لنفقاتها أضاف شعبو، “تعتمد على تخفيف المصروفات إلى الحد الأدنى، ورفع الدعم عن معظم فئات الشعب السوري وتخفيفه. كما أن الإيرادات الضريبية غير كافية، بالتالي تلجأ إلى التمويل بالعجز أو الإصدار النقدي“.

الخبير الاقتصادي أوضح أن الحكومة لا تمتلك خيارات للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية، مبينا أن “ما يحصل هو امتداد لأزمات سابقة، وسوء إدارة لهذه الأزمات من قبل الحكومة، وبالتالي الحكومة وصلت إلى حدّ أصبحت فيه عاجزة عن تأمين الحد الأدنى وليس حتى حدّ الكفاف من السلع والخدمات الأساسية“.

البلاد تعاني من شح كبير في المواد النفطية، بعد تراجع الإمدادات من إيران، في حين فشلت الحكومة في التغلب على هذه الأزمة، لتأمين المحروقات المخصص للشتاء، المفترض توزيعها خلال هذه الفترة.

بين الفينة والأخرى، تعلن الحكومة عن وصول ناقلة نفط إلى السواحل السورية قادمة من إيران، لكن هذا التّزود المضاف إليه الناتج المحلي، لا يسد حاجة الاستهلاك المحلي، الذي لا يقل عن 150 ألف برميل يوميا، في حين تنتج دمشق نحو 30 ألف برميل فقط.

هذا وكانت الحكومة السورية، قلّصت حصة الأسرة من المحروقات للتدفئة، العام الماضي، من 200 لتر إلى 50 لترا، والتوقعات هذا الشتاء تصب في عدم رفع الكمية، بدليل تأخر وصول رسائل تسليم مادة المازوت بالسعر المدعوم، الأمر الذي دفع السوريين للبحث عن بدائل مبتكرة لمواجهة برد الشتاء.

أزمة المحروقات ترافقها بالطبع أزمة في الكهرباء، حيث وصلت ساعات التقنين في بعض المناطق إلى عشرين ساعة يوميا، وسط توقعات بتفاقم الأزمة خلال فصل الشتاء، نتيجة ارتفاع متوقع في الاستهلاك.

السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية يواجهون صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل والمصروف.

راتب الحكومة لا يكفي للخبز

الموظف الحكومي ربما هو الخاسر الأكبر فعلا، فلم تعد فرصة العمل في القطاع الحكومي، تجذب الشباب أو الباحثين عن فرصة عمل، خاصة مع تدني الأجور والرواتب التي تقدمها حكومة دمشق للعاملين، إذ يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي 150 ألف “نحو 30 دولار أميركي“، بينما تكون الأجور أفضل في شركات القطاع الخاص.

الحكومة في دمشق تقف عاجزة أمام انهيار قيمة الرواتب والأجور، فضلا عن انهيار العملة المحلية، الذي أفقد الرواتب في سوريا نسبة كبيرة من قيمتها، وهذا ما دفع المئات من موظفي المؤسسات الحكومية السورية إلى الاستقالة مؤخرا.

وبحسب تقارير صحفية، فقد أصبح دخل المئة دولار أميركي، بمثابة حلم لكل خريجي الجامعات السورية، وهو الراتب التي تقدمه بعض الشركات الخاصة، ويكون محظوظا مَن قد يحظى بوظيفة تُقدم هذا الراتب.

نتيجة لتدني الأجور والرواتب في القطاع الحكومي، فقد شهِد الأخير خلال السنوات الماضية، آلاف الاستقالات لأصحاب الكفاءات في مختلف الاختصاصات، ذلك ما اعتبره عضو في مجلس الشعب السوري، “مؤشرا واضحا على تردي الحالة المعيشية وبحث أصحاب الاستقالات عن فرص عمل بديلة“، محذرا من تحول “الاستقالات إلى ظاهرة تسهم في تفريغ المؤسسات العامة من الخبرات والعاملين الذين لديهم مؤهلات“.

مع حلول العام 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الحالي جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط الأسعار، وتأمين المواد الأساسية والغذائية بشكل يكفي حاجة الأسواق السورية، وذلك على الرغم من الوعود الكثيرة التي أطلقتها مؤخرا بهذا الصدد.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

وأشارت الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“ المحلية، إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري “بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة“.

لا يبدو أن الحكومة من شأنها تقديم أي شيء للمواطن السوري، لمواجهة أزمات الاقتصاد والمعيشة، ذلك في وقت بات السوريون على علم أنه لا مستقبل في البلاد، وجلُّهم يبحث عن أي فرصة للسفر والخروج من سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.