لم تعد التداعيات محصورة على المستوى الداخلي أو النظام الإيراني؛ فعلى ما يبدو أن صدى الاحتجاجات الإيرانية التي تشهدها البلاد منذ أيلول/سبتمبر الماضي، بات له مسارات خارجية أخرى، وهذه المرة على مستوى أذرع ولاية الفقيه التي تستخدمها لخدمة أجندات مشروعها التوسعي. فبعد ما عمقت الاحتجاجات الانقسامات في الداخل الإيراني، ها هو تأثيرها يأخذ بالاتساع ليشمل “حزب الله” اللبناني.

حيث أثّرت الاحتجاجات التي انطلقت على إثر وفاة الشابة الكردية مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما، على إثر اعتقالها من قبل شرطة “الأخلاق” المعنية بمتابعة لباس المرأة وفرض الحجاب، على الأزمة الاقتصادية لـ “حزب الله” اللبناني، الذي بدأت تظهر عليه مشاكل نقص التمويل جليا، عبر توقفه عن تقديم الحوافز لقادته وللمقاتلين، وتوقفه أيضا عن استقدام بضائع تموينية إيرانية لمنتسبيه، بالإضافة إلى تعليق برامج مساعدات يقدمها في مناطق هيمنته بلبنان.

إذ توقف “حزب الله” عن تخصيص بطاقة “سجاد” لعائلات عناصره وذويهم حصرا، التي قام بتوزيعها منذ عام 2021 كجزء من مخصصات اجتماعية يوفرها الحزب للبيئة التي يتمتع فيها بنفوذ سياسي، والتي تسمح لحامليها بشراء مواد غذائية بأسعار أقلّ من 60 بالمئة تقريبا عما هو معروض في السوق اللبناني، حسب ما نقلت قناة “الجديد” اللبنانية.

تصدع “حزب الله” اللبناني

تأكيدا على ذلك، فإن مصادر مطلعة أخرى أكدت أن مشروع هذه البطاقة قد وصل إلى حائط مسدود، بعد ما يقارب العامين على تجربة “حزب الله” في هذا الملف، حيث عجز الحزب اليوم عن استجلاب المواد الغذائية والزيوت والشاي من إيران، بسبب الاحتجاجات المستمرة والأزمة الاقتصادية الأخيرة وحاجة طهران إلى العملة الصعبة، في ظل تصاعد العقوبات الدولية ضدها.

اقر أ/ي أيضا: “الهروب الكبير“.. لماذا احتشد الصينيون أمام مكاتب الهجرة في بكين؟

ليس ذلك فحسب، بل إن قناة “إيران إنترناشيونال” أكدت نقلا عن متابعيها، أن انعكاسات الاحتجاجات الإيرانية بدأت تظهر في لبنان، وأن “حزب الله” سيفقد القدرة على الوقوف على قدميه، لأنه يعاني أصلا من أوضاع غير مستقرة في الداخل اللبناني، فيما تتعالى الأصوات الشيعية ضد سياساته والتي كانت داعمة له في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يشبه إلى حدّ كبير ما يواجهه نظام خامنئي الذي فقد دعما كبيرا من قِبل الشخصيات السياسية والدينية التي كانت تنعم عليه بالمديح.

حيث طالبت على غير العادة، مجموعة من العلماء ورجال الدين والناشطين الثقافيين والمدنيين والمحاميين وأساتذة الجامعات والأطباء والطلاب والتجار وغيرهم، غربي إيران، في بيان مشترك؛ إنهاء الحصار الاقتصادي والعسكري والأجواء الأمنية وأجواء الخوف والرعب، وذلك في إشارة إلى ما يمارسه النظام الإيراني ضد المحتجين بقيادة ولاية الفقيه علي خامنئي.

كلّ ذلك في الوقت الذي بدأت فيه علامات أزمة العقوبات بالظهور داخل “حزب الله” من خلال خطوات تقشفية طالت مقاتليه الذين يعانون حالة، هي نفسها حالة الشعب اللبناني، من ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية، حيث خفّض الحزب رواتب عناصره وقادته والجنود الاحتياط لديه بنحو 30 بالمئة، كما خفّض رواتب عائلات قتلاه، وخفّض أيضا من نفقاته العسكرية، وجمّد الكثير من برامجه الاجتماعية، هذا بالإضافة إلى وقفٍ كلي تقريبا لبرامج علاج جرحاه الذين أصيبوا في الحروب في سوريا واليمن، وفق ما نقله موقع “النشرة” اللبناني.

على الرغم من ذلك، يرى المحلل السياسي والأكاديمي عقيل عباس، في حديث لموقع “الحل نت”، أن ما يحدث في الوقت الحالي في إيران من احتجاجات لا شك سيكون له انعكاسات على مستوى أنشطة “حزب الله“، ومسار الحزب، بيد أنه لا يرقى إلى مستوى أن يمثل تهديدا لمستقبل الحزب، لسبب أن الحزب قد كيّف وضعه على مثل هذه الأوضاع منذ زمن بعيد، وعمل على التهيؤ لمثل هذه الظرف كما وفّر مصادر تمويل متعددة يمكن أن تُغنيه.

تأثيرات مضاعفة

لكن عباس لفت إلى أن، تأثّر “حزب الله” بالدرجة الأولى عائدٌ إلى العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حيث أثرت بشكل كبير على فعالية الحزب وأجبرته على الحد الكثير من أنشطته، مؤكدا أن تلك العقوبات قد جاءت بشكل موجِع للحزب وأصابته بالصميم، لذلك يمكن أن يكون تأثير تلك العقوبات مع حالة الحرج الحالية التي تصيب المنظومة الإيرانية بشكل عام انعكاسا على مستوى الحزب.

عباس أشار إلى أن الهدف الذي يمكن أن توفره تلك الضغوط هو ردع نفوذ “حزب الله” الذي يمثل أحد أهم أذرع النظام الإيراني، لذلك تمثل تلك الضغوط خطوة معنوية، خصوصا وأن الهدف من العقوبات كان محاكات النظام الإيراني.

اقرأ/ي أيضا: بعد “كورونا“.. عودة العالم للإغلاقات مجددا بسبب المتحور “باي“؟

هذا وشمل حدّ الحزب من نشاطاته، المؤسسات الإعلامية التابعة للحزب، كتلفزيون “المنار” وإذاعة “النور“، ووصلت الأزمة المالية خلال الأشهر الماضية إلى اقتطاع أكثر من نصف رواتب الذين يعملون فيها منذ بداية فرض العقوبات الأميركية على إيران، وهذا يعكس الأزمة الحقيقية التي تمر بها تلك المؤسسات في الوقت الراهن، والتي أدت إلى إثارة البلبلة والتململ واستقالة بعض العاملين فيها.

إضافة إلى ذلك، بدأ “حزب الله” بالتخطيط لاعتماد سبل جديدة لتأمين الميزانية تحسبا لوقفها بشكل كلي من إيران، التي تعاني الأمرّين؛ بسبب الثورة الشعبية منذ أكثر من ثلاثة أشهر، محاولا الاعتماد على مصادر تمويل ثانية، إذ يحاول الحزب استثمار النبرة الدينية عبر توظيف لجان زكاة لجمع الأموال دعما للمقاومة، وقد ترأست هذا التوجه “هيئة دعم المقاومة” التي تمارس أعمالها في مناطق نفوذ الحزب وفي المخيمات الفلسطينية وفي مناطق الدروز والمسيحيين، حسبما رصدت شبكة “إيران إنسايدر” الإخبارية.

مثلا على علاقة “حزب الله” في الاحتجاجات الإيرانية، كان آلاف المحتجين الإيرانيين قد هتفوا في الكثير من المدن الإيرانية ضد زعيم “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله، قائلين، “سید حسن نصر الله… سنقتلك يا وقح“.

“حزب الله” وتجنب الاحتجاجات الإيرانية

في حين تجنب نصر الله التطرق إلى ما يجري في إيران من احتجاجات الشارع، وذلك في خطابه الذي ألقاه بمناسبة مرور 3 أعوام على مقتل قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” قاسم سليماني ونائب قائد “الحشد الشعبي” في العراق أبو مهدي المهندس، بطائرة أميركية مسيرة في مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني/يناير 2020.

الأمر الذي فسرته صحيفة “الإندبندنت” البريطانية بالقول، إن لهذا التجاهل للمرة الثانية دلالاته؛ وأهمها أن تلك الثورة الشعبية باتت تسبب اهتزاز الشعور بالقوة لدى أذرع الـ “حرس الثوري” في الإقليم، وأن القوة الداعمة لهم طوال الأعوام الماضية أمست بشكل جدّي في مهب الريح ومهددة بالسقوط.

هذا وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد وقّع في العام 2018، قانونا أقره “الكونغرس” ويفرض عقوبات إضافية على “حزب الله” اللبناني، وتهدف هذه العقوبات إلى حرمان “حزب الله” من الحصول على موارد لتمويل نشاطاته.

العقوبات تمنع أي شخص يدعم الحزب ماديا أو بطرق أخرى من دخول الولايات المتحدة، كما يعطي القانون الرئيس الأميركي صلاحية رفع حظر إعطاء تأشيرات الدخول بشرط أن يبلغ “الكونغرس” بقراره في فترة لا تتجاوز ستة أشهر، وعلى أن يقدم أدلة لـ “الكونغرس” تشير إلى أن قراره يصب في مصلحة الأمن القومي.

كذلك يلزم القانون الإدارة بتقديم تقرير علني يفصل أصول العناصر القيادية في “حزب الله” وشركائهم، بمن فيهم أفراد من الحكومة اللبنانية المتحالفين معهم، وتحديدا ما إذا كان يجب إدراج نواب “حزب الله” على لائحة داعمي الإرهاب، إضافة إلى فرض عقوبات على داعمي “بيت المال” و“جهاد البناء” ومجموعة “دعم المقاومة” وقسم العلاقات الخارجية للحزب وقسم الأمن الخارجي للحزب، وتلفزيون “المنار؛ وراديو “النور” و“المجموعة الإعلامية” اللبنانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.