من المشاهد التي أصبحت معتادة في الكويت، هو الصراع المستمر بين الحكومة الكويتية وأعضاء مجلس “الأمة” الكويتي، والذي عادة ما تكون بسبب مطالب يرفعها المجلس للحكومة، في وقت ترفضها الأخيرة بسبب عدم القدرة على التنفيذ، لا سيما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي.

الحكومة الكويتية توجه اتهامات للمجلس تتعلق برفع مطالب “شعبوية” لإرضاء الناخبين، في وقت لا تقوى الحكومة على تنفيذ هذه المطالب، فينتهي الصراع بتدخل القيادة الكويتية إما بإقالة الحكومة أو حل البرلمان، فهل تستقيل الحكومة هذه المرة.

استقالة للحكومة؟

صحيفة “القبس” الكويتية، أفادت في تقرير لها أن الحكومة تتجه نحو تقديم استقالتها، وسط أزمة متصاعدة مع مجلس “الأمة” الكويتي، إذ من المتوقع أن تقدم الحكومة استقالتها إلى القيادة السياسية خلال الأسبوع الجاري.

بحسب تقرير الصحيفة، فإن الحكومة متمسكة بموقفها، بشأن إعادة تقارير اللجنة المالية إلى اللجان من دون تعهدات، وسحب الاستجوابَين المدرَجين على جلسة الثلاثاء الماضي، والموجّهَين إلى وزير المالية عبد الوهاب الرشيد ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء براك الشيتان.

مدير الدراسات والأبحاث بـ”مركز الخليج للأبحاث” جمال أمين همام، رجح أن تشهد الحكومة بعض التغييرات في حال لم تتم الاستقالة الكاملة خلال الأيام القليلة المقبلة، مشيرا إلى أن الحل الأمثل للأزمة قد يكمن في الاستجابة الجزئية لمطالب المجلس.

أمين همام قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “من المرجّح أن تستقيل الحكومة الكويتية، أو تشهد تغييرا جزئيا، على وقعِ خلافها مع مجلس الأمة الكويتي في إطار الأزمة الحالية المتعلقة بمطالب اقتصادية يراها مجلس الأمة أنها مهمة، وتراها الحكومة أنها مطالب شعبوية لإرضاء الناخبين”.

عادة ما يتدخل أمير الكويت في حال الصدام بين مجلس “الأمة” والحكومة الكويتية، وذلك عبر استخدام الصلاحيات الدستورية، التي تمنح الأمير حق إقالة الحكومة أو حل المجلس، “تفاديا للصدام الذي قد يأخذ البلاد بطريق مسدود”.

قد يهمك: إيران تعزز أسلحتها الجوية.. ما الانعكاسات على المواجهات المحتملة في المنطقة؟

حول ذلك أضاف أمين همام، “يبدو أن المعضلة الحالية حول شراء القروض من جانب الحكومة، أو تحملها عن المواطنين مع مطالب اقتصادية أخرى، ومنها على سبيل المثال رفع المرتبات، لن توافق عليها الحكومة ما يستدعي حلها أو ربما حل مجلس الأمة لاحقا وهو سيناريو عادة ما يتكرر في الكويت”. 

مطالب شعبوية؟

في الأزمة الحالية ترى الحكومة أن مطالب بعض أعضاء مجلس” الأمة” بزيادة رواتب المتقاعدين وإسقاط القروض، هو نوعٌ من المطالب الشعبوية التي يطالب بها النواب لإرضاء الناخبين على حساب الوضع الاقتصادي غير المواتي في الكويت، كما تعتقد الحكومة أنها لو استجابت لهذه المطالب سوف يرتفع سقف أعضاء مجلس “الأمة” للمطالبة بالمزيد، وتقول الحكومة إنها مقيّدة بخطة استراتيجية تعالج كافة القضايا الاقتصادية والتنموية في الكويت وهي رؤية “2035” وأنها ملتزمة ببنود هذه الخطة الاستراتيجية. 

أما عن الخيارات المتاحة في الكويت، فقد أوضح أمين همام، “قد تكون هي الاستجابة الجزئية المتمثلة في إلغاء الرواتب الاستثنائية أو استقالة وزير المالية، أو حل الحكومة بكاملها وتشكيل حكومة جديدة وإذا تطور الأمر يمكن حل مجلس الأمة”.

والمشهد الحالي في الكويت غالبًا ما يتكرر في صراع مجلس “الأمة” والحكومات في إطار لعبة ديموقراطية يراها البعض أنها ظاهرة صحية في الكويت، بينما يراها آخرون أنها مُعطلة لاستقرار الحكومات، ومن ثم تعطيل خطط التنمية في ظل وجود حالة من التربّص من جانب البرلمان بالحكومات.

الأزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كانت قد بدأت أواخر العام الفائت، وذلك بعد رفع البرلماني الكويتي، مطالب تتعلق بتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الكويتيين، لا سيما فيما يخص “إسقاط القروض”.

أسباب الخلاف

ذروة الخلاف كانت عندما شهد مقر البرلمان الكويتي، انسحاب أعضاء الحكومة الكويتية من الجلسة البرلمانية في العاشر من شهر كانون الثاني/يناير الجاري، عقب خلاف بشأن إقرار إسقاط “قروض مواطنين”.

الحكومة ترى أن قانون شراء القروض الاستهلاكية والمقسّطة من بعض المواطنين، “إخلالا بمبدأ العدالة والمساواة”، علما أن قيمة القروض تبلغ أكثر من 14 مليار دينار كويتي “نحو 46 مليار دولار أميركي”.

ووسط تأزم العلاقة بين الجانبين، كان أمين سر وعضو مجلس “الأمة” أسامة الشاهين طالب السبت، بمساءلة وزير المالية بشأن “المليارات في مصر”.

الشاهين في منشور له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، أرفقه ببيان، “قبل الحديث عن 14 مليار جديدة، علينا معرفة مصير الـ 3 مليارات من المنح والقروض، والـ 4 مليارات المودّعة ومستحقة السداد”.

أضاف كذلك أن هناك “سؤال برلماني للأخ وزير المالية، حول هذه المسألة الهامة، المتعلقة بأموال عامة”.

الشاهين تحدث في البيان عن تشجيع “صندوق النقد الدولي” لتمويل إضافي لصالح مصر بقيمة 14 مليار دولار أميركي، وتساءل كذلك عن مصير القروض والمنح السابقة التي تم تقديمها لمصر من الكويت، منها منحة بقيمة ثلاثة مليارات ووديعة بقيمة أربعة مليارات لدى “البنك المركزي” المصري.

ومن الأسئلة التي وردت في بيان الشاهين لوزير المالية “هل تعتزم الكويت تقديم تمويل إضافي لمصر خلال الفترة الحالية؟ خاصة بظل ضغوط “صندوق النقد الدولي” وغيره بهذا الاتجاه، وتوجهات مجلس “الأمة” الواضحة بشأن توطين الاستثمارات العامة وخلق فرص وظيفية واقتصادية داخل الوطن العزيز”.

أسئلة أخرى كذلك وردت تحت عنوان “ما إجمالي وتفصيل الودائع الكويتية الحكومية في مصر؟ وما تواريخ استحقاقها؟ وما هي العوائد التي تم تحصيلها فعليا وتحويلها لخارج مصر من هذه العوائد طوال سنوات الإيداع؟ وما هي توجهات وزارة المالية والجهات التابعة بشأن التصرف بهذه الودائع المليارين؟”.

الكويت تحتل المركز الثالث في قائمة الدول الخليجية المودّعة لدى مصر، مقارنة بالإمارات “10.6 مليار دولار”، ثم السعودية “10.3 مليار دولار”.

وسط توقعات “وكالة الصحافة الفرنسية”، بانخفاض الإنفاق الحكومي في الكويت بنسبة 4.8 في المائة على حساب المشاريع التنموية والحيوية، ومناشدات وزارة المالية الجهات الحكومية بترشيد الإنفاق، لاحتواء عجز الميزانية المتوقع، أعلن مقرر لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في “مجلس الأمة” النائب صالح عاشور، في حديثٍ للصحافة بقاعة المجلس أن اللجنة تقدمت بمقترحَين، يتضمّن الأول “رفع الحد الأدنى وزيادة المعاشات التقاعدية لكل الشرائح التي تتراوح رواتبها بين 1000 إلى 1500 دينار كويتي، والذي بيّنت وفق جدول تضمنه المقترح”.

في حين جاء المقترح الثاني بخصوص استرداد الفوائد، “استرداد الفوائد غير القانونية على قروض المواطنين والتي ثبت من خلال أحكام صادرة من القضاء الكويتي أن كثيراً من هذه القروض ثبُت أخذ فوائدها سواء كانت أكثر من أصل القرض أو فوائد غير قانونية، حيث جرى استرداد 125 مليون دينار من البنوك المحلية لصالح المواطنين”.

تقرير للجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس “الأمة”، أظهر أن قيمة تلك القروض وصلت إلى 50 مليار دولار اقترضها 515 ألف مقترض، وكشفت اللجنة عقب الاجتماع مع وزير المالية ومحافظ “البنك المركزي” أن تكلفة أصل الدين للقروض المشمولة بالاقتراح تقدر بـ 14.6 مليار دينار كويتي.

المطالبات بإسقاط “قروض المواطنين”، تحظى بتأييد واسع في الأوساط الكويتية الشعبية والبرلمانية، بينما يعارضها آخرون، وبدأت المطالبات بإسقاط القروض لأول مرة خلال الأزمة المالية العالمية في العام 2009 قبل أن يقرّ “مجلس الأمة” في نيسان/أبريل من العام 2013 قانونا خاصا بشراء مديونية المواطنين، عبر صندوق خاص يتم من خلاله إسقاط فوائد قروض المواطنين المتعثرين في سداد ديونهم، وإعادة جدولة القروض لآجال طويلة.

المعارضون لقضية “إسقاط القروض” التي يطرحها البرلمان، يرون أن من حق الحكومة أن ترفض إسقاط القروض للأسباب التي تراها موضوعية، لا سيما فيما يتعلق بتحقيق مبدأ العدالة والمساواة بين الكويتيين.

بصرف النظر عن الخلاف على قضية “إسقاط القروض”، فإن الصراع السياسي المستمر بين الحكومة ومجلس “الأمة” الكويتي، يهدد باستمرار بدخول البلاد في مأزق سياسي، ويكاد لا يمضي عام واحد على الكويت إلا ويشهد فيه إقالة للحكومة أو حلّ للبرلمان بسبب الصراعات السياسية بينهما.

بعد تصاعد حدة الخلافات بين الحكومة والبرلمان، يبدو أننا سنشهد على الأقل حل جزء من الجانبين، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة حل جذري للأزمة، حيث ستبقى الكويت في هذه الدوامة ما لم تجد القيادة الكويتية آلية مناسبة للتواصل فيما بين المجلس والحكومة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.