الصدمات الاقتصادية والمناخية في القارة الإفريقية، تسببت على مدار السنوات القليلة الماضية في زيادة معدلات الهجرة داخل القارة وخارجها، ومع وصول أزمتي الاقتصاد والمناخ إلى ذروتيهما خلال الأشهر الماضية، أصبحت مدن الشمال الإفريقي محطة للهجرة إلى أوروبا أو نقطة لاستقرار المهاجرين من الجنوب الإفريقي.

تونس من بين الدول التي تخوض تحديات عديدة أمام موجات الهجرة من دول إفريقيا، خاصة وأنها هي الأخرى تعاني من أزمة اقتصادية داخلية، فضلا عن تبعات التغير المناخي الذي شملت كذلك بلدان الشمال الإفريقي، فما هي خيارات تونس لمواجهة هذه التحديات.

أزمة الهجرة في تونس لها العديد من الجوانب، فمن جهة هناك حركة هجرة من المواطنين التونسيين بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، ومن جهة أخرى تحولت تونس لمحطة عبور المهاجرين الإفريقيين نحو البلدان الأوروبية على الجهة الأخرى من البحر، لكن من يفشل بعبور هذه الرحلة فإنه يقرر البقاء في تونس.

“وضع غير طبيعي”

خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي في تونس، وصف الرئيس التونسي قيس سعيد، تدفق المهاجرين الإفريقيين من جنوب الصحراء نحو تونس بأنه “وضع غير طبيعي”، تزامنا مع انتشار المهاجرين في العديد من المناطق التونسية، خاصة ولاية صفاقس التي تعد منصة رئيسية لانطلاق موجات الهجرة غير الشرعية.

فضلا عن الأسباب الاقتصادية العديدة التي تدفع سكان إفريقيا للهجرة منذ سنوات، فقد تسببت موجات التغير المناخي في ظهور الهجرة المناخية التي ضاعفت أعداد الراغبين بمغادرة بلادهم بحثا عن عيش أكثر استقرارا، وقد كشف المؤشر العربي الصادر عن معهد “الدوحة” عن حجم ظواهر اجتماعية أصبحت راسخة، كما انتشار الفقر والبطالة والتوجه نحو الهجرة، وغير ذلك من المؤشرات، وجاءت بعض نتائجها مفارقة للانطباعات السائدة.

موجات الهجرة هذه شكلت تحديات كبير بالنسبة لتونس، على العديد من المستويات بينها الأمنية والاقتصادية، إذ اعتبر سعيد أن موجات الهجرة هذه معدّ لها ووصفها بأنها “ترتيب إجرامي”، لتغيير التركيبة السكانية لتونس، الأمر الذي رفضته أكثر من 20 منظمة حقوقية تونسية ونددت بما وصفته “خطاب كراهية” تجاه المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

قد يهمك: أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات ما قبل الغزو.. بوتين خسر حرب الشتاء؟

فضلا عن الضغوط الداخلية، تواجه تونس أيضا ضغوطا متزايدة من شركائها في الدول الأوروبية، الذين يطالبون بتعاون أكبر من دول شمال إفريقيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية، المنطلقة من سواحل البلدان الشمالي في إفريقيا نحو أوروبا، إذ تمثل شواطئ هذه البلدان محطة عبور للمهاجرين للوصول إلى الضفة الأخرى من البحر، في حين تسعى الدول الأوروبية العمل بشكل جدي للحد من هذه الموجات.

تحديات تونس

في حين تصف إيطاليا مثلا الوضع التونسي أنه أصباح “مقلقا بشكل متزايد، وهو لا يمكن أن يكون مصدر قلق لإيطاليا فقط، بل لكل دول أوروبا أيضا”، حيث تسعى الحكومة الإيطالية لبحث وقف تدفقات الهجرة، التي تشكل مصدر قلق كبير لإيطاليا، خصوصا أن الأرقام الرسمية تفيد بأن إيطاليا استقبلت أكثر من 32 ألف مهاجر غير نظامي سنة 2022؛ من بينهم نحو 18 ألف تونسي.

الكاتبة والصحفية التونسية عايدة بن عمر، أوضحت بأن الأوضاع التي تمر بها تونس لا تؤهلها للتعامل مع أزمة المهاجرين من الجنوب الإفريقي، مشيرة إلى أن أبرز التحديات تكمن في الحفاظ على حقوق الإنسان وعدم استغلال المهاجرين، فضلا عن احتمالية تغيير الطبيعة السكانية في بعض المناطق.

بن عمر قالت في حديث خاص مع “الحل نت”، “تعيش تونس مأزقا اقتصاديا واجتماعيا خانقا مع استفحال البطالة، ولذلك فهي غير مؤهلة لاستقبال  موجات هجرة جماعية، من بلدان إفريقيا وجنوب الصحراء، ولا يوجد لها من خيار سوى تقنين هذه الهجرة بالتأشيرة والوثائق الثبوتية ومزيد من نشر قوات حماية الحدود البرية، والاستعانة بالمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني للتعامل مع الحالات الإنسانية الخاصة مع مزيد من التشديد على عدم استغلال اليد العاملة الرخيصة وعدم إدخالها في الدورة الاقتصادية التونسية”.

السلطة في تونس ترى كذلك أنها تواجه تحديا يتعلق بتغيير البنية الديمغرافية التونسية، ويشكل لها هذا قلقا على المدى البعيد، أما بن عمر فأضافت حول ذلك “هناك مخاوف من أن تؤدي هذه الهجرة العشوائية وغير المنظمة، إلى أن تقوم السلطة باستغلال المهاجرين وتشكيل جماعات تكون يد ضاربة يتم استغلالها من قبل السلطة التونسية، كميليشيات تواجه معارضي السلطة واستخدامهم في النزاعات العسكرية والابتزاز السياسي”.

ماهي الخيارات؟

لمواجهة أزمة الهجرة غير الشرعية، فإنه يجب على السلطات التونسية العمل على حل المشاكل الداخلية، خاصة المتعلقة بالشفافية مع التونسيين وعدم الالتفاف على الأزمات الاقتصادية وتقديم الوعود الزائفة، التي دائما ما قد تؤدي إلى التوتر السياسي وبالتالي موجات الاحتجاج ضد السلطة، بالتالي التأثير على الحالة الأمنية في البلاد التي تشكل بيئة خصبة للانفلات الأمني.

كما أن سن قوانين وتنفيذها بحسب مختصين، هي من الأولويات اللازم تحقيقها لضمان سلامة أمن البلاد وعدم استغلال المهاجرين وانتهاك حقوقهم بعد ان يكونوا قد وصلوا إلى الأراضي التونسية، أما إطلاق التصريحات واتهام المهاجرون بالمسؤولية عن الفوضى وزعزعة الاستقرار، فقد وصفها البعض بأنها “تحريض على الكراهية” لا يمكن لها أن تحل الأزمة.

 “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” وهي أهم منظمة تتابع ملف الهجرة، ندد الأربعاء الفائت بخطاب الرئيس التونسي الذي دعا فيه لوقف تدفق المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، معتبرا أنه عنصري ويدعو للكراهية.

ردود الفعل هذه من قبل المنظمات الحقوقية جاءت بعد أن أبدى الرئيس التونسي تشددا واضحا إزاء تدفق المهاجرين إلى تونس، وقال إن ذلك “يؤدي إلى مزيد من العنف والجرائم والممارسات غير المقبولة”، مطالبا باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفق المهاجرين.

في تونس عدد اللاجئين وطالبي اللجوء نحو 8930 بينهم 2804 فقط حصلوا على صفة لاجئ، فيما ينتظر 67 بالمئة منهم تسوية أوضاع إقاماتهم بحسب أحدث البيانات للمجلس التونسي للاجئين، تمثل محافظات تونس الكبرى وكل من صفاقس ومدنين أكثر المدن التونسية استقبالاً للمهاجرين الذين تنعكس الأزمة السياسية السائدة في البلاد عليهم، وذلك بالتزامن مع تعثر السلطات في إقرار قانون لحماية اللاجئين إثر تعليق أعمال البرلمان.

حتى الآن فشلت السلطات رغم المساعي المتكررة، في صياغة مشروع قانون خاص بحماية اللاجئين بإشراف وزارة العدل ولجنة حقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و”المعهد العربي لحقوق الإنسان” بهدف وضع إطار قانوني يحدّد صفة اللاجئ وحقوقه في الاندماج في البلد المستضيف، وكيفية التعامل مع مسألة اللجوء في البلاد.

لا يبدو أن الحكومة والسلطة في تونس تملك المقومات لمواجهة أزمة الهجرة غير النظامية بمفردها، لذلك فإن مختصين يرون أن على الحكومة التونسية التعامل بشكل جدي مع المنظمات والحكومات الأوروبية، لمساعدتها في مواجهة قضية الهجرة، تزامنا مع العديد من الأزمات الداخلية الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.