ملف العناصر المتطرفين المغاربة العائدين من بؤر التوتر في سوريا والعراق، يعد من أكثر الملفات الشائكة التي تواجه الرباط، لحساسية وصعوبة هذا الملف، والتحديات الكثيرة المرافقة لعودة هؤلاء سواء من الناحية الأمنية أو الاجتماعية وكيفية تعاطي السلطات الأمنية والاستخباراتية المغربية معهم، وخاصة أن تجارب سابقة أظهرت بعض المغاربة الذين وجدوا صعوبات في الاندماج داخل المجتمع بعد عودتهم من صفوف “القاعدة” في أفغانستان، سرعان ما التحقوا مجددا بالتنظيم.

المغرب استقبل 247 عنصرا من التنظيمات الإرهابية عائدين من بؤر التوتر آنفة الذكر، وذلك وفق معطيات حديثة كشف عنها مؤخرا مسؤولون أمنيون، إذ تمت معالجة 141 حالة من بينهم بإحالتهم على القضاء، بينما ملفات بقية الحالات لا تزال في طور البحث.

عدد الملتحقين ببؤر التوتر في سوريا والعراق يناهز 1660 شخصا، من بينهم 291 امرأة و630 طفلا منهم أطفال من أب غير مغربي. وتبعا لهذه الأرقام الرسمية الحديثة التي تم الكشف عنها على هامش تفكيك خلية إرهابية كانت وراء قتل شرطي وحرق جثته وسرقة سلاحه الوظيفي، فإنه لا يزال هناك أكثر من 770 شخصا عالقين في سوريا والعراق، يتوزعون بين 387 طفلا و136 امرأة و251 عنصرا، بحسب تصريح صحفي صدر الجمعة الماضية، لمدير “المكتب المركزي للأبحاث القضائية” بالمغرب، حبوب الشرقاوي، وهي مؤسسة أمنية رسمية تعنى بملفات الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة.

الإجراءات القانونية لعودة هؤلاء من سوريا والعراق، وفق الشرقاوي، تتم من خلال مذكرة بحث أو إجراء تسليم أو أمر دولي بإلقاء القبض، لتقوم الجهات المختصة ممثلة بـ”المكتب المركزي للأبحاث القضائية”، بتقديم المسلح العائد أمام أنظار العدالة.

إعادة المتطرفين

العناصر العالقين في السجون العراقية، تعززت آمالهم بالعودة للمغرب بعد زيارة قام بها وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي قبل أيام إلى بغداد ولقائه نظيره العراقي خالد شواني، إذ تم الاتفاق على توقيع تفاهمات ثنائية بخصوص تسليم السجناء، بحسب موقع “أندبندنت عربية”.

وهبي زار معتقلين مغاربة في السجون العراقية، من بينهم سيدتان محكومتان بالمؤبد على ذمة قضايا الإرهاب، وهي الزيارة التي اعتبرتها عائلات العالقين في بؤر التوتر بارقة أمل في إعادة أعداد جديدة من هذه الفئة، حيث كان ملف إعادة المسلحين المتطرفين إلى المغرب، مطلبا ثابتا لـ”التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين المغاربة في سوريا والعراق”.

قد يهمك: “صائدو الدواعش” يملئون فراغ الانسحاب الجزئي لروسيا من سوريا

من جهته يقول المحلل السياسي المغربي، عبد الغني مزوز في حديثه لـ”الحل نت” بأن “الهاجس الأمني مازال يطغى على ملف عودة الدواعش وعائلاتهم إلى المغرب رغم الإعلان عن عدد من المبادرات الرامية إلى إيجاد حل لهذا الملف الشائك، فعائلات وأسر المحتجزين تطالب بعودتهم، حيث شكلوا تنسيقية لهذا الغرض، لكن المؤسسة الأمنية في المغرب ترفض عودتهم دون مظلة قانونية تأخذ بعين الاعتبار الخطر الذي يمثله هؤلاء على الأمن في البلاد”.

المؤسسات الأمنية في المغرب متخوفة من تداعيات إعادة عشرات الأفراد المدربين والمشبعين بالفكر المتطرف، خصوصا أن هناك أمثلة سابقة على عودة هؤلاء إلى نشاطاتهم ولا تريد الدولة المغربية إعادة تكرار أخطاء تعاملها مع العائدين من بؤر التوتر السابقة مثل أفغانستان والبوسنة.

المحلل السياسي المغربي، عبد الغني مزوز

المؤسسات ذاتها تفرق “الدواعش” الرجال عن عائلاتهم، فهناك مسار لإعادة العائلات إلى المغرب أما الرجال فمازالت ملفاتهم عالقة، بحسب مزوز، فـ”الدواعش” الذين عادوا إلى المغرب حوكموا بناءا على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 والذي ينص على الحكم بالسجن ما بين 5 و15 سنة على كل من التحق بجماعة مصنفة على قوائم الإرهاب.

لجنة برلمانية استطلاعية، تم تشكيلها للقيام بزيارات استطلاعية إلى أماكن احتجاز هؤلاء ودراسة ملفاتهم وتحديد الخيارات القانونية المتاحة للتعامل معهم، ولكن إلى غاية هذه اللحظة مازال الملف مستعصيا، لأن المطلوب هو دراسة كل حالة على حدة. ولا شك أن جريمة قتل الشرطي المغرب من قبل أفراد موالون لـ”داعش” قبل أيام سيزيد الملف استعصاءا، بحسب مزوز.

كيف تتعاطى الحكومة مع ملف المتطرفين العائدين؟

للسلطات المغربية رؤية خاصة في التعاطي مع موضوع عودة العناصر السابقين في تنظيمات إرهابية للبلاد، تعكسها تصريحات مسؤولين أمنيين مغاربة يعتبرون أن هذه العودة تحتم المواءمة في معادلة صعبة بين إقامة محاكمات عادلة للمسلحين العائدين وضمان حماية المملكة من أخطار أمنية محتملة، بحسب “أندبندنت عربية”.

المتحدث الرسمي باسم المديرية العامة للأمن أبو بكر سبيق، لخص هذه المعادلة بالتأكيد على أن عودة هؤلاء قرار معقد، بالنظر إلى أنه من بينهم من تولوا مناصب قيادية في تنظيم “داعش” وجماعات إرهابية أخرى، ومنهم من كان عضوا في ما يسمى “هيئة الحل والعقد”، أو من كان “قاضيا شرعيا في داعش”، ويعاقب القانون الجنائي المغربي الالتحاق بمعسكرات التدريب للتنظيمات الإرهابية باعتباره جرائم خطرة تستوجب السجن النافذ من 5 إلى 15 سنة وغرامة مالية تصل إلى 160 ألف دولار أميركي.

اقرأ أيضا: فرنسا تفتح ملف “الدواعش” في سوريا.. ما النتائج؟

المغرب وضع استراتيجية خاصة مع العائدين حيث يخضعهم لبرنامج مصالحة فيه عدة دروس دينية وتاريخية ونفسية يقدمها مجموعة من الأساتذة والعلماء والمختصين يكون فيها النقاش حول المصالحة مع الذات ومع المجتمع بحيث يتهيأ من خلالها المعتقل لفهم مقاصد كل جانب، وقد نجحت التجربة حيث استفاد كثير من المعتقلين المنتمين لتنظيم “داعش” لهذا التكوين الذي من نتائجه حصولهم على عفو وإدماجهم في المجتمع، بحسب حديث رئيس “التنسيقية الوطنية للمعتقلين بسوريا والعراق” عبد العزيز البقالي، لـ”الحل نت”.  

بعد الزيارة التي قام بها وزير العدل المغربي للعراق من أجل مناقشة ملف المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية، هناك معطيات إيجابية حول وضعهم الحالي ومستقبلهم أيضا، بحسب البقالي. الذي لفت في حديثه بأن “مسؤولين في وزارة الخارجية المغربية، صرحوا للتنسيقية أن هناك خطوات متسارعة لحل ملف العناصر المتطرفين المغاربة في العراق”، بحسب تعبيره.

في عام 2015 قام المغرب بإعادة تكييف قانون تشريع الإرهاب 03.03 الصادر عام 2003 ليتضمن تجريم مجموعة جديدة واسعة من الجرائم منها الالتحاق أو محاولة الالتحاق بالجماعات المتطرفة خارج المغرب. لذلك فإن المغرب دوما فتح الفرصة للعائدين الذين تمكنوا من الهرب والعودة، لكنهم يعاقبون فور وصولهم للمطار، ومع ذلك لم يتم أبدا معاقبة النساء العائدات، وفق البقالي.

مكافحة وتحديات

المغرب ركز في سياسته على مكافحة التطرف بالسجون وخاصة من خلال برنامج “مصالحة” الذي أطلقه سنة 2017 لمكافحة التطرف، وذلك لفك ارتباط المدانين في قضايا الإرهاب، لكن ليس هناك سياسة إدماج خارج السجن خاصة لعائلات المتطرفين النساء والأطفال الذين لم يدخلوا للسجن.

عودة الدواعش المغرب

هناك تحديات أمنية كثيرة أخرى، ترتبط بعدم جاهزية المؤسسات والمجتمع للتعامل معهم، خاصة لأنه ليس هناك برامج موسعة. فهناك مؤسسة “محمد السادس” لإعادة إدماج السجناء لكنها تواجه تحديات كبيرة ومحصورة على فئة السجناء السابقين فقط. وأيضا توجد تحديات أخرى ترتبط بتحمل المغاربة مزدوجي الجنسية الذين تُسحب جنسيتهم حسب إجراءات الدول الأوروبية، وإشكالية إثبات هوية الأطفال وجنسيتهم وآبائهم وإعادة إدماجهم من الناحية النفسية. بحسب المحلل السياسي، عبد الغني مزوز.

مصدر أمني مسؤول كشف أن عودة القاصرين والأطفال المغاربة من بؤر التوتر من سوريا والعراق خاضعة لشروط أمنية مشددة تتعلق، أساسا بالتحقق من الهوية، حيث تتابع هذا الملف جهات عديدة كوزارة العدل ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج والسلطات الأمنية، حيث ينحصر دور الأخيرة في الجانب الأمني والتحقق من هويات الأسماء.

موقع “هسبريس” المغربي

التحقق من الهوية شرط أساسي، بحسب المصدر الأمني، ولا يمكن إحضار شخص ولد في ساحة القتال ومنحه الهوية المغربية دون دليل، والمفاوضات ينبغي أن تشمل أيضا هذا الجانب، لإثبات من هم، إذ لا يمكن اعتبارهم أطفالا مغاربة بمجرد أن تدعي أمهاتهم ذلك، دون أن تملك وثيقة ولادة، أو اسم المستشفى الذي ولد فيه الأطفال أو وثيقة تثبت أنه من أب مغربي.

 أخيرا، عملية ادماج عناصر “داعش” العائدين إلى بلادهم مع عائلاتهم، يجب ألا يتوقف على برامج معالجة التأهيل النفسي والاجتماعي فحسب، بل يجب أن يكون مقرونا بخطط وبرامج أخرى لتسوية أوضاعهم المعيشية على المدى البعيد، وخاصة أن النسبة الأكبر من العائدين لايزال يحمل الفكر التخريبي التابع لفكر تنظيم “داعش” الإرهابي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.