الاقتتالات الحاصلة بين الميليشيات الإيرانية من طرف وبين قوات الحكومة السورية من طرف ضمن مناطق سيطرة الأخيرة شرقي سوريا وخاصة في دير الزور ومناطق بريف الرقة زادت وتيرتها مؤخرا، إذ باتت تُشكل أبرز عناصر الفوضى وفقدان الأمن في المنطقة، نتيجة ما تسفر عنه من أضرار يدفع ضحيتها المدنيين أولا وأخيرا والتي تصل أحيانا إلى حد وقوع قتلى وجرحى وأضرار في الممتلكات والمنازل.

أسباب عدة تكمن خلف هذه الاشتباكات، يأتي أبرزها في محاولة ميليشيات إيران بسط نفوذها على كامل المنطقة وإقصاء أي دور للقوات الحكومية، إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بالسيطرة على معابر التهريب وخاصة الحدودية مع العراق، لما تدره من أموال كثيرة لجيوب قادة الميليشيات المسيطرة على هذه المعابر.

أبرز الميليشيات الإيرانية المتواجدة في الشرق السوري، والتي تعود جميعها لقيادة “الحرس الثوري” الإيراني، هي ميليشيا “فاطميون” و”زينبيون” و”الباقر” إلى جانب ميليشيا “الحشد الشعبي” و”حزب الله” بشقيه اللبناني والعراقي، وتمتلك معظمها قواعد عسكرية بالقرب من الحدود العراقيّة السوريّة، أبرزها وأكثرها أهمية قاعدة “الإمام علي” شرقي دير الزور، حيث تمنع جميع هذه الميليشيات أي قوى تابعة للحكومة السورية من التدخل في مناطق سيطرتها في سوريا.

اشتباكات على المعابر

مصادر خاصة لـ”الحل نت” في دير الزور، تحدثت عن إغلاق “معبرالسكك” غير الشرعي في بادية البوكمال، والذي تستخدمه الميليشيات الإيرانية لعمليات التهريب بين سوريا والعراق، بعد وقوع اشتباكات مسلحة، الجمعة الماضية، بين ميليشيا “الحرس الثوري” المسيطرة عليه، مع دورية تابعة لـ”الفرقة الرابعة” التابعة للجيش السوري، حيث تحاول الأخيرة أن يكون لها نصيب من السيطرة على المعبر، الأمر الذي ترفضه الميليشيا الإيرانية.

الميليشيات الإيرانية سبق وأن أغلقت معبر “السكك”، لمرات عدة نتيجة الخلافات الداخلية بين ميليشيا “الحرس” من جنب وميليشيا “الحشد الشعبي” العراقي من جنب آخر، حول إدارة عمليات التهريب وتقاسم أرباح المعبر، وأسفرت هذه الاشتباكات إلى وقوع قتلى وجرحى من الطرفين.

قد يهمك: إيران تؤسس ميليشيا جديدة في دير الزور.. من المسؤول عنها؟

الاشتباكات عند معابر التهريب الحدودية مع العراق لم تتوقف خلال السنوات القليلة الماضية سواء بين الميليشيات الإيرانية أو بينها وبين القوات الحكومية أو إحدى الميليشيات الموالية للأخيرة أيضا، ويعد “معبر السكك” غير الشرعي أبزر تلك المعابر التي تستخدمها ميليشيات إيران للتهريب، بحسب حديث الصحفي عبيدة عبد الرحمن لـ”الحل نت”.

القوات الحكومية وخاصة قوات “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري”، تسعى مؤخرا إلى زيادة تواجدها في المناطق الحدودية مع العراق، من جهة البوكمال، وتحاول أن يكون لها نقاط في جميع معابر التهريب وخاصة عند معبر “السكك”، وهو ما ترفضه ميليشيا “الحرس” بشكل قاطع، حيث تُصر الأخيرة على تواجد القوات الحكومية أو الأجهزة الأمنية التابعة لها بداخل المربع الأمني في مدينة البوكمال فقط، وألا يكون لهم أي تدخل أو نفوذ خارج حدوده، بحسب عبد الرحمن.

بعض الاشتباكات تسبب بإغلاق المعبر لأكثر من 10 أيام متتالية، حيث كان أبرزها اشتباك بين عناصر من “الحرس” وعناصر من “الدفاع الوطني”، في كانون الأول/ديسمبر 2022، أسفرت عن وقوع أكثر من 10 قتلى وجرحى من الطرفين، بعد محاولة الأخير نصب حاجز لهم على مقربة من مواقع “الحرس” عند المعبر.

عبيدة عبد الرحمن لـ”الحل نت”.

من جانب آخر تحاول قوات “الحرس الجمهوري”، أن يكون لها نصيب في السيطرة على “معبر القائم” الحدودي بين العراق والبوكمال، والذي يخضع لسيطرة حصرية من قبل ميليشيا “الحرس” و”الحشد الشعبي” العراقي، بحسب عبد الرحمن، وذلك لأن قاعدة “الإمام علي” القريبة من هذا المعبر تعتبر أكبر مقر يخضع للسيطرة الإيرانية الحصرية في هذه المنطقة، حيث يشهد المعبر حالات اقتتال خلال الآونة الأخيرة بين عناصر من كلا الطرفين، غالبا تتسبب في إيقاف المعبر عن العمل لساعات.

ميليشيا إيران ترفض إشراك أي طرف في إدارة المعبر الذي تستخدمه في عمليات نقل وتهريب الأسلحة والذخائر إلى الداخل السوري، عبر برادات شحن الخضار والفواكه، كما تقوم بعمليات تمويه لتجنب الاستهدافات الجوية للمعبر من خلال نشر أعلام الحكومة السورية، وإظهار عناصرها بالزي المدني عند المعبر، وفق عبد الرحمن.

اشتباكات داخل المدن

 الاشتباكات بين القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية، لا تقتصر على معابر التهريب فقط، بل تمتد إلى داخل المدن أيضا، حيث تسود ريف دير الزور الشرقي للأسبوع الثاني على التوالي، أجواء من التوتر بعد اشتباكات جرت على أطراف مدينة الميادين بين “الدفاع الوطني” وميليشيا “فاطميون” مؤخرا، وذلك بعد محاولة الأخيرة السيطرة على مقر وحاجز لقوات “الدفاع الوطني”، على طريق الشبلي بالقرب من منطقة “عين علي”، بحجة أن المقر يقع بالقرب من “مزار عين علي” وهي منطقة نفوذ إيرانية.

عناصر “فاطميون” طوقوا المقر والحاجز، وطلبوا من عناصر “الدفاع الوطني” الانسحاب من المقر بشكل سلمي، إلا أنهم رفضوا ذلك، واستدعوا تعزيزات من المناطق المجاورة، لتدور اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن 3 إصابات بين عناصر “فاطميون”، وإعطاب آلية دفع رباعي، قبل أن ينسحب عناصرها من المكان، فيما تسود المدينة حالة من التوتر وسط محاولة من قيادة المنطقة العسكرية والأفرع الأمنية التهدئة بين الطرفين، وفق تقارير صحفية.

اقرأ أيضا: السجون السريّة.. ذراع غامضة للقوة الإيرانية في سوريا؟

هذه الحادثة، تسببت بوقوع ثلاث إصابات في صفوف المدنيين وأضرار في المحال التجارية وبعض المنازل، كما سبقها بأيام قليلة، حالة احتقان وتوتر شديد أيضا بين الميليشيات الإيرانية وبين الأمن العسكري داخل مدينة الميادين، وفق الصحفي عبيدة عبد الرحمن. وذلك بعد العثور على عنصر من “الحرس الثوري” مقتولا بعدة طلقات في الرأس بالقرب من جسر المدينة، حيث تتهم ميليشيا “الحرس” عناصر من الأمن بقتل العنصر، إثر وقوع خلافات شخصية بينه وبين عناصر من الأمن.

من وجهة نظر عبد الرحمن، كل ما تقوم به ميليشيات إيران من استفزاز للقوات الحكومية مؤخرا هو في سبيل إخراجها من المناطق التي تريد الميليشيا السيطرة عليها لوحدها.

السيطرة في مدنية الميادين والتي تعد أهم مدن دير الزور، تنقسم بين القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية، حيث تشهد خلافات مستمرة بين الطرفين، إذ تحاول إيران من خلال ميليشياتها المنتشرة في عموم المنطقة السيطرة بشكل كامل على المدينة، أسوة بمدينة البوكمال بغية تأمين خط الإمداد القادم من العراق عبر الحدود، وصولا إلى عمق سورية والبحر المتوسط.

تهميش القوات الحكومية

 إيران ووكلاؤها تسيطر على سبع بلدات على الأقل على الجانب الشرقي من نهر الفرات الممتد جنوب مدينة دير الزور، من الميادين إلى البوكمال. ويشمل ذلك سلطة عسكرية كاملة وإدارة تنفيذية يمارسها ما يقرب من 4500 عنصر مسلّح، بعضهم من “الحرس الثوري” والبعض الآخر من ميليشيات أخرى تابعة له مثل “لواء الباقر”، و”فاطميون”، و”الحشد الشعبي”، و”حزب الله” بشقيه اللبناني والعراقي، وفق دراسة لـ”منتدى فكرة” التابع لـ”معهد واشنطن”. 

كان تواجد هذه العناصر قد أضعف بشكل كبير الدور المحلي لميليشيات “الدفاع الوطني” وبقية الميليشيات المحلية الأخرى التابعة للحكومة السورية، ويُعزى ذلك جزئيا إلى انعدام ثقة “الحرس الثوري” بقدرات هذه القوات، ولكن أيضا بسبب خطة طهران الطويلة الأمد لتعزيز نفوذها الخاص.

الميليشيات المحلية يُسمح لها بممارسة سلطتها في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية في دير الزور، وفق عبد الرحمن، وفي الوقت ذاته لا تسمح لها ميليشيات إيران بالتدخل في المناطق الخاضعة لسيطرتها في المنطقة. حيث شهدت المنطقة بشكل شبه دوري، حالات اعتقال عدة لعناصر من “الدفاع الوطني” من قبل “الحرس الثوري” بسبب صراعات بينهم على السلطة، دون أي تدخل من قبل الجيش السوري.

لا يقتصر تهميش وجود القوات الحكومية أو الميليشيات المحلية التابعة لها من قبل الميليشيات الإيرانية في دير الزور فحسب، إذ يمتد ذلك إلى مناطق تواجدها بريف الرقة الجنوبي الشرقي، بحسب عبد الرحمن. حيث تعد ميليشيا “الحرس الثوري” صاحبة الكلمة والنفوذ في المنطقة، متجاهلة أي تواجد لقوات الحكومة السورية، وأي تدخل أو معارضة لأي عنصر سواء من الجيش السوري أو إحدى الميليشيات المحلية الموالية لعمل الميليشيات الإيرانية يعرض نفسه للمحاسبة والاعتقال.

ميليشيا “الحرس” نشرت 12 نقطة عسكرية في منطقة صفيان جنوب الطبقة، ومحيط المنصورة بالإضافة إلى قرب قرية غانم العلي شرق الرقة، حيث تم تزويد النقاط الجديدة، بمحارس مسبقة الصنع وسيارات دفع رباعي مزودة برشاشات، وعدد كبير من العناصر للقيام بدوريات، بالإضافة إلى نشر حواجز تفتيش على الطرق الرئيسية في المنطقة، وجميع هذه النقاط يمنع على أي عنصر تابع للقوات الحكومية الاقتراب منها، بحسب عبد الرحمن.

صمت حكومي

من أبرز الأهداف التي حققتها طهران في دير الزور هو سيطرتها على مدينة البوكمال ومعبرها الحدودي مع العراق، وتتلخص أهمية البوكمال بالنسبة لإيران في كونها عقدة مواصلات برية مهمة تصل منها إلى سوريا ثم لبنان، حيث تُعتبر امتدادا لصحراء الأنبار العراقية، كما ترتبط بصحراء السويداء ودرعا وتدمر ودير الزور، ما يكسب المدينة أهمية اقتصادية إضافية لإيران. لذا هي تعمل جاهدة على تقوية نفوذها بتلك المنطقة، وذلك على حساب سيطرة ونفوذ القوات الحكومية، بحسب حديث الكاتب والصحفي نورس العرفي، لـ”الحل نت”.

طهران تعتبر الحليف والداعم القوي لدمشق منذ بداية الأحداث السورية في 2011، وهذا ما يجعل الأخيرة في حالة خنوع ورضوخ كامل لها، بحسب العرفي، وهذا قبل التطورات السياسية الأخيرة، فبعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي أعطت طهران قوة أكبر، وذلك بعد وقفوها مع روسيا ضد أوكرانيا وتزويد موسكو بأسلحة وطائرات مسيرة، أصبح هناك الآن تقارب بين موسكو وطهران الأمر الذي يصب في مصلحة الأخيرة وتواجدها في سوريا، بحسب تعبيره.

قد يهمك: “منازل المهجّرين”.. ضحية ميليشيات إيران في دير الزور

سابقا كان هناك مناكفات، وكان هناك أيضا صراع على السيطرة بين إيران وروسيا أما الآن، فأصبح هناك تقارب وهذا التقارب على حساب الحكومة السورية، لذلك نرى بأن إيران أصبحت تتمدد بشكل أكبر وتزيد من نفوذها على حساب نفوذ القوات الحكومية التي لا تستطيع أن ترد. ويرى العرفي، بأن طهران أخذت الضوء الأخضر من موسكو بهذا الصدد.

الصراعات الأخيرة بين الميليشيات الإيرانية والقوات الحكومية إذا ما تفاقمت أكثر سيمتد تأثيرها على بقية المدن السورية، بحسب العرفي، حيث سنشهد حركات نزوح جديدة وحصار لبعض المناطق، في دولة تعاني من انهيار اقتصادي كبير وكل ذلك يدفع ثمنه المواطن السوري المغلوب على أمره.

الاهتمام الإيراني بدير الزور ليس بالجديد، بل أطلقته قبل عقود عدة وتحديدا عام 1988، عندما بدأت محاولاتها لكسب تأييد أبناء المحافظة من خلال شخصيات عشائرية في قرية حطلة بريف مدينة دير الزور.

طهران استغلت الأبواب المفتوحة أمامها من قبل الحكومة السورية في تلك الفترة، ناهيك عن الحالة المعيشية الصعبة لسكان قرى وبلدات عدة في ريف المحافظة، وقدمت إيران الأموال ورواتب لكل من يدخل المذهب الشيعي أو يساعد على ترويجه، لتشهد قرى أخرى امتدادات هذه المشروع، مثل الصعوة وحوايج بومصعة وزغير جزيرة، وفق موقع “السورية نت”.

بعد سنوات من بدء نشاط إيران، بنت طهران 3 حسينيات، واحدة في قرية الصعوة وأخرى في حوايج بومصعة، إضافة إلى الحسينيات الموجودة في قرية حطلة. بالمقابل، جوبهت التحركات الإيرانية بداية بمحاولات لوأدها من أبناء المحافظة، لكن القبضة الأمنية للحكومة آنذاك، والبطش بكل من يحاول الوقوف ضد المشروع، سمح لإيران بالاستمرار في محاولاتها، ورغم ذلك لم تتمكن على مدار عقود ثلاثة، من التوسع إلا لعدة قرى وبلدات في الريف.

 أخيرا، الاقتتالات بين القوات الحكومية والميليشيات الإيرانية ضمن مناطق انتشارهم شرقي سوريا، بات مسلسل اعتاده السكان، بالرغم من عواقبه السلبية على المنطقة ومستقبلها، في ظل سيادة قانون السلاح وغياب المحاسبة عنها وكثرة الانتهاكات والتجاوزات التي منعت قسم كبير من النازحين من العودة إلى مناطقهم، حيث تحاول طهران كسر أي قوى تقف بوجهها في سوريا، و تحاول من خلال ذلك أن تُصدر نفسها كقوة عظمى وملجأ للأهالي من خلال استغلال حاجتهم وظروفهم المادية المتدنية، أملا في تحقيق مشروعها في المنطقة، إلا أن مراقبون يرون بأن إيران لن تنجح في تنفيذ مشروعها هذا، لأنها لم تُحدِّث وسائلها في تنفيذه، هي لا تزال تعتمد على الذهنية البدائية للسيطرة والتي لن تقود إلى حالة استقرار عادة ما يحتاجها كل مشروع هيمنة مهما كانت هويته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات