في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة السورية عن جهودها لتأمين السلع الأساسية والمواد الغذائية بأسعار تناسب دخل المواطنين السوريين، فإن قراراتها على الجهة المقابلة تجبر التجار والمنتجين على رفع أسعار منتجاتهم في الأسواق، فترتفع شكاوى الأهالي المتأثرين بانحدار المستوى المعيشي في البلاد.

فالارتفاع المتواصل في أسعار المحروقات وحوامل الطاقة ومختلف لوازم الإنتاج، يؤدي بشكل دوري إلى ارتفاع كافة أسعار المواد في الأسواق، في حين ينحصر الدور الحكومي في إصدار قوائم الأسعار بأرقام يؤكد المنتجون أنها لا تتناسب مع تكاليف الإنتاج.

رفع تكاليف النفط

وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، أصدرت السبت قرارا بتعديل أسعار وأجور نقل المواد والبضائع لسيارات الشحن بين المحافظات السورية، وذلك بعد ارتفاع أسعار مادة المازوت التي تعتمد عليه السيارات في عملها لنقل البضائع، وتحصل عليه بأسعار مدعومة عبر “البطاقة الذكية”.

القرار شمل عمليات النقل للمسافات البعيدة والقصيرة، وقد أشار مدير الأسعار في الوزارة نضال مقصود، إلى أن القرار جاء بناءا على دراسة دقيقة لتكاليف تشغيل السيارات الشاحنة، التي تقدمت بها مكاتب نقل البضائع، وبناء على منعكسات قرار تعديل سعر المازوت المدعوم من 500 ليرة إلى 700 ليرة.

مقصود أكد في تصريحات نقلتها صحيفة “الوطن” المحلية، أن نسبة ربح مكاتب نقل البضائع تم تحديدها بعشرة بالمئة، تم إلزام السيارات الشاحنة بهذه التسعيرة وفق التعرفة المحددة من وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، بعد أن كانت تعتمد هذه التعرفة قبل عام 2021 على الأسعار الرائجة من دون وجود أي ضوابط.

خبراء في الاقتصاد أكدوا أن هذا الارتفاع سيؤدي إلى رفع العديد من السلع التي تعتمد على المحروقات لنقلها، خاصة وأن هناك عمليات نقل تجري كذلك داخل المدن كالخضار والفواكه، التي تحتاج نقل من الأراضي الزراعية إلى سوق الهال، ومن ثم من سوق الهال إلى الأسواق الداخلية.

كذلك فإن مكاتب نقل البضائع لا تحصل على كميات كافية من المحروقات المدعومة، لتغطية كافة احتياجاتها من المواد النفطية، حيث أشار  عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك عامر ديب، إلى أن  أغلبية السيارات الشاحنة تشتري المشتقات النفطية من السوق السوداء، وبالتالي فإن أي رفع لأسعار المحروقات سيؤثر بشكل مباشر على تكاليف النقل.

قد يهمك: الأسعار الخيالية سلبت الحلويات من أفواه السوريين.. كيلو بـ 130 ألف؟

بحسب تقرير “الوطن”، فإن تسعيرات النقل تأتي وفق شرائح تعتمد على المسافة الكيلومترية بين المحافظات، حيث يتم تحصيل 255 ليرة للطن الواحد بالكيلو متر عندما تكون المسافة المقطوعة من 1-30 كم، و 210 ليرات للطن عندما تكون المسافة 31-50 كم، ويتناقص أجر نقل الطن بالكيلومتر الواحد ليصل إلى 180 ليرة إذا كانت المسافة المقطوعة 51-100 كم، لتصل إلى 130 ليرة للطن في حال كانت المسافة من 100 كم فما فوق، أما إذا كان النقل لمسافة تقل عن 15 كم فيكون السعر 5000 ليرة للطن.

فشل وزاري وارتفاع قادم

خلال السنوات القليلة الماضية، تصدرت الوزارة التي تُعرف محليا بـ”وزارة التموين”، المشهد في الأسواق، وأصبحت تُصدِر بشكل شبه يومي لوائح لأسعار أهم السلع الغذائية والخدمات، وتهدّد بمعاقبة المخالفين من تجار الجملة وأصحاب متاجر البيع بالتجزئة، لكنها فشلت في تحقيق أيّا من أهدافها، حتى القرارات التي كانت تصدر عنها كانت في معظم الأحيان غير قابلة للتنفيذ. 

الحلقة المفرغة تكمن بالطبع في رفض الحكومة المركزية الاعتراف بالفشل والعجز عن تأمين متطلبات السوريين، ما يجعلها تدفع بالمؤسسات والوزارات إلى واجهة المشهد، بالتالي فإن أي تقصير أو عجز يتم نَسبه لوزير أو مدير، وحين تتصاعد الانتقادات تتم عملية استقالة أو إقالة هذا الوزير “بسبب فشله في إدارة مهامه الوظيفية”.

الحقيقة هي أن هذا الوزير ووزارته لا يملكون الأدوات الأساسية لأداء وظيفتهم، فكيف يمكن إصدار قرار بيع طبق البيض بسبعة آلاف ليرة سورية على سبيل المثال، وتكلفته على المنتج أكثر من ذلك، كذلك فإن الفساد المنتشر في مؤسسات الحكومة، ساهم أيضا بدفع وزارة التموين إلى الفشل، فقد كشفت العديد من التقارير المحلية، عن فساد في دوريات حماية المستهلك التي تتجول بالأسواق، كذلك دخول مواد منتهية الصلاحية بكميات كبيرة بعيدا عن الرقابة التي بقيت الوزارة تتغنى بها، كأبرز الجهود المبذولة خلال الفترة الماضية.

ومنذ بداية شهر رمضان ارتفعت أسعار مختلف المواد في الأسواق، لا سيما الغذائية منها، وشمل الارتفاع اللحوم والخضروات والبقوليات، ليصبح شهر رمضان عبئا ثقيلا على معظم السوريين، الذين تخلّوا بنسبة كبيرة عن عاداتهم الرمضانية المتعلقة بالغذاء خلال الشهر.

الأطعمة المصنوعة من البقوليات كالفول والفتّة والفلافل، من الأطباق الشعبية منخفضة التكلفة، وتُعد أحد الأطباق الثانوية خلال شهر رمضان في سوريا، لكن هذا العام يبدو أنها تحولت إلى قائمة الأكلات الأساسية المقدمة في مائدة الإفطار، بعد الغلاء الكبير الذي شمل اللحوم بأنواعها.

بدوره أكد رئيس الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمنتزهات بدمشق كمال النابلسي، أن هناك إقبال واضح على شراء هذه الأصناف، لافتا إلى أن نسبة شراء الفول والفتات والحمص الناعم (المسبحة) بلغت 70 بالمئة خلال شهر رمضان، فيما كانت النسبة 50 بالمئة خلال رمضان العام الماضي.

لا يبدو حتى الآن أن هناك خطة واضحة لدى وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” للتخفيف من وطأة انحدار الوضع المعيشي في سوريا، وذلك رغم إقالة الوزير عمرو سالم، وتعيين محسن عبد الكريم على رأس الوزارة، فقد يؤدي أي رفع في أسعار مستلزمات الإنتاج لا سيما النفط، إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار مختلف المواد الغذائية في الأسواق خلال الفترة القليلة القادمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات