بعد سنوات عجاف مر على الملف السوري، ووضعه في أدراج الملفات المهملة لكونه لم يعد أولية للدول على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، أتت سعودية من بعيد لتنفض كل هذا الغبار على الملف الذي يعد من أعقد الملفات في الشرق الأوسط والعالم، وليشهد الملف السوري حراكا دبلوماسيا عربياً على غرار الحراك الدبلوماسي الغربي في العامين 2011 و2012.

المملكة العربية السعودية غيرت كل التوقعات، فرغم صمتها من المبادرات العربية الإماراتية والأردنية منها، ليتفاجئ العالم بأجمعه يوم الجمعة 10 آذار/مارس الماضي، إعلان عن اتفاق بين السعودية وإيران في بكين برعاية صينية، لينعكس ذلك وبشكل مباشر على الملف السوري، حتى أعلنت وكالة “رويترز” عن زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إلى دمشق في أيار/مايو القادم لدعوة الرئيس السوري بشار الأسد، إلى القمة العربية القادمة في الرياض، ولترفع المملكة مستوى التوقعات وسط ترقب الجميع نتيجة هذا التغير الكبير في الموقف السعودي وما يمكن فعله.

في الوقت نفسه، تواردت أنباء عن رفض ثلاث دول إعادة العلاقات مع “الأسد” وإعادة عضوية سوريا إلى جامعة الدول العربية، وهم قطر والكويت والمغرب، الأمر الذي ترك تساؤلات حول أسباب رفض هذه الدول، وشروطها، ومدى إمكانية الدول الثلاثة إعاقة قرارات جامعة الدول العربية، وماذا تريد السعودية من التطبيع مع الأسد بعد أن دعمت المعارضة السورية سياسيا وعسكريا، وكانت من أوائل الدول التي وقفت مع الشعب السوري بعد اندلاع الاحتجاجات في آذار/مارس 2011.

اجتماع عمَان السري!

سبق الموقف السعودي، زيارات مكوكية قام بها “بشار الأسد” إلى الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان، بعد عودته من زيارة رسمية إلى روسيا الإتحادية، وما كان ملفتاً للنظر أن الاستقبال الذي حظي به الأسد كان يتضمن كل البروتوكلات المعهودة والمعروفة.

كما سبق زيارات الأسد، زيارات وفود عربية إلى دمشق كزيارات رؤساء البرلمانات العربية، ووزراء خارجية الأردن والإمارات، ومصر، مع أنباء عن احتمالية زيارة الأسد إلى مصر للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسط كل الزيارات بقي الموقف الأميركي الرسمي رافضاً للتطبيع مع الأسد، وتحدثت تقارير إخبارية عن زيارة غير معلنة قام بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “CIA”، ويليام بيرنز، قبل أيام إلى السعودية والتقى مع ولي العهد السعودي، ونقلاً عن صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن بيرنز أخبر ولي العهد السعودي عن شعورهم بالصدمة إزاء التقارب السعودي مع طهران ودمشق كونهما لا تزالان تخضعان لعقوبات أميركية.

على الرغم من زيادة التوتر السياسي بين واشنطن والرياض، كشف الباحث الأردني، صلاح ملكاوي، في حديث إلى “الحل نت” وهو مختص في الشأن السوري والمقرب من صناع القرار الأردني، عن اجتماع سري آخر جرى في العاصمة الأردنية عمَان، في آذار/مارس الماضي، “عقد اجتماع سري لم يعلن عنه في عمّان حضره كل من الأردن والسعودية والولايات المتحدة وبريطانيا والضالعين في الملف السوري من الدول العربية، وكان النقاش حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لم يكن الجانبين الأميركي والبريطاني معترضين على عودة الأسد إلى الجامعة العربية والتطبيع معه واستقباله”، بحسب ملكاوي.

 خلال حديثه ذكر ملكاوي، أن واشنطن ولندن “طلبوا أن يكون هناك خطوة أو مبادرة حُسن النية من الأسد، وأن يقدم تنازلات خاصة كما أسموها مثل الحد من نفوذ وسطوة المخابرات على المجتمع السوري والإفراج عن المعتقلين”، مؤكدا أن الاجتماع كان على مستوى مسؤولين من “صناع القرار من الأمنيين والدبلوماسيين”، وبعد ذلك تواردت أنباء “عن زيارة قام بها اللواء حسام لوقا رئيس إدارة المخابرات العامة في سوريا إلى العاصمة الرياض للتنسيق الأمني”، كما قال ملكاوي.

رؤية السعودية 2030 تشمل المنطقة العربية

قرأ الكثير من المحللين الموقف السعودي من عودة العلاقات مع الأسد، لكون السعودية كانت من أوائل الدول التي أيدت “الثورة السورية” وأدانت الأسد وحكومته، واحتضنت المملكة كيانات المعارضة ودعمتها سياسياً ومالياً وعسكرياً، وعليه فإن هذا التحول آثار الجدل الواسع، وكان السؤال الأبرز ما هو الهدف السعودي من إعادة العلاقات مع الأسد، خصوصا وأن الوضع السوري السياسي على حاله منذ العام 2011، ولم يتغير أي شيء، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي، من مؤتمر “ميونخ للأمن” في تصريحه الأول عن الملف السوري، “سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي، على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.

تهدف المملكة إلى تغير المجتمع السعودي وتطويره ليصبح قوياً ومنتجا، من خلال “رؤية 2030″، التي أعلن عنها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان في 25 نيسان/أبريل 2016، وهي رؤية ما بعد النفط، وستغير هذه الرؤية المملكة رأساً على عقب، إلا أن هذه الرؤية لا تشمل الداخل السعودي فقط، بحسب صلاح ملكاوي.

إذ أوضح السياسي الأردني، أن “هذه الرؤية تشمل كل المنطقة العربية بدون استثناء، وإنهاء الملفات أولاً بأول، بعد أكثر من عشر سنوات دامية مرت بها المنطقة وأرهقتها بعد الربيع العربي الذي أظهر عجز النظام العربي بعد سقوط الأنظمة في العديد من الدول، وهو ما دفع بدول طامحة إلى استغلال هذا الوضع وملئت الفراغ مثل الجانبين الإيراني والتركي وتوغلا في المنطقة إلى جانب دول أجنبية”.

الهدف الآن إعادة الهدوء والاستقرار للمنطقة العربية بعد أكثر من عشر سنوات من الصراعات والتدخلات الدولية برأي ملكاوي، وظهور نظام لا دولة التي استنزفت المنطقة كلها، و”رؤية 2030″ هي ليست للسعودية فقط إنما للمنطقة، وهذه الرؤية تتطلب الاستقرار حتى تتحقق أهداف هذه الرؤية.

كما أن “السعودية ترى أنها والعرب ككل أخطأوا بتعليق عضوية سوريا من الجامعة العربية في 2011 وهو ما حول الصراع من الغطاء العربي إلى إقليمي ثم دولي، فالسعودية تحاول من خلال القمة القادمة في الرياض بشهر أيار/مايو إعادة الحل إلى الغطاء العربي وداخل الجامعة العربية تحديداً وسحب الملف من الدول الإقليمية كإيران وتركيا ودولية مثل روسيا والولايات المتحدة”، تبعا لما قاله ملكاوي.

في بداية شهر أيار/مايو القادم يعتقد ملكاوي أن وزير الخارجية السعودي والدبلوماسيين السعوديين سيقومون بجولة من الزيارات المكثفة إلى كل الدول العربية للحصول على موقف عربي واحد، لتوجيه دعوة للأسد، أي أن هذه الزيارات بهدف الحصول على إجماع عربي لتوجيه الدعوة، قد تنجح هذه المساعي وقد لا تنجح، ولربما تطرأ مستجدات من الآن وحتى بداية الشهر الخامس قد تغير الخطة”.

الدول الرافضة وأسبابها

بعكس الرؤية السعودية التي تسعى إلى إجماع عربي. ترفض ثلاث دول بحسب أنباء عدة عودة العلاقات مع الأسد، وإعادة عضوية سوريا إلى جامعة الدول العربية، إذ قرر وزراء خارجية العرب في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، في اجتماع طارئ بالقاهرة تعليق عضوية سوريا من جامعة الدول العربية كنوع من الضغط على الأسد لقبول بالمبادرة العربية آنذاك والتي دعت إلى سحب الجيش ووقف الانتهاكات ضد المدنيين.

من بين الدول الثلاث كل من الكويت وقطر والمغرب، لكن مصدراً حكومياً في المملكة المغربية قد صرح بشكل مباشر لصلاح ملكاوي والذي خص “الحل نت” به، أنه “لا يوجد لدى المغرب أي موقف أو مانع من عودة الأسد إلى الجامعة العربية، لأن السياسة المغربية تتميز بالموضوعية والواقعية في قراءة أي ملف سياسي خارجي، وأن المغرب تأخذ مواقف إذا كان الأمر يتعلق بأمنها القومي”.

بالتالي عودة سوريا إلى الجامعة العربية لا يمس الأمن القومي المغربي، ولكن كان لدى المغرب معلومات سببت لها بعض المخاوف ونقلت هذه المعلومات للجانب العربي، حول تدريب الإيرانيين لعناصر من “البوليساريو” وتزويدهم بطائرات مسيرة، بحسب المصدر. ولربما سيكون هذه المخاوف المغربية رفعت إلى الجانب السعودي للضغط على إيران في مباحثاتها الجارية لمنع التدخل الإيراني في قضية الصحراء الغربية، ويكون بذلك قد كسبت السعودية صوت المغرب معها في الموافقة على عودة عضوية سوريا إلى الجامعة العربية.

كان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية قد صرح بأن بلاده لن “تخون” ضحايا الأزمة السورية عبر تطبيع العلاقات مع دمشق، وعلق ملكاوي أنه جاء “استخدام المتحدث الرسمي لمصطلح خيانة في غير محله، كونه مصطلح صفري، الساسة لا يستخدمون آراء صفرية عند عرض وجهات نظرهم، السياسة متغيرة ومرهونة دائماً بتحولات طارئة وغير طارئة”.

قطر لن تستطيع التغريد منفردة بعيداً عن مسار عودة العلاقات العربية – السورية، وستجد لها مخرجاً لعلاج التداعيات التي ستطال موقفها من عودة العلاقات مع دمشق، ” كما أن قطر والكويت سيتعرضان لضغوطات عربية لتغير مواقفهم تجاه إعادة العلاقات مع الأسد، ولن يكون لهم أي تأثير حقيقي على قرارات الجامعة العربية، وفي النهاية سيكون القرار بالأغلبية، وسيقبلون بالقرار أي كان، إضافة إلى أن علاقة قطر والكويت مع الجانب الإيراني جيدة ولا يوجد عداء بينهم وهذا يلعب دور كبير أيضاً في تغير مواقفهم تجاه الأسد.

الموقف القطري والكويتي برأي ملكاوي، “هو مبني أنه يجب الإلتزام بالقرارات الدولية الشرعية وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2254، وأن أي تطبيع مجاني بدون أن يقدم الأسد أي تنازلات فهو ما يرفضه الجانبان القطري والكويتي، ولكن في الوقت نفسه، فإنهم يعتبرون أن أي تطبيع مع الأسد يؤدي في النهاية إلى تطبيق أي من القرارات الدولية فهو محل ترحيب الدولتين”.

تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية كان بناء على اجتماع لوزراء الخارجية العرب، ولم يكن القرار على مستوى القمة والرؤساء.

إن التحرك السعودي الأخير مبني على بنية صلبة، خصوصا بتزامنه مع عودة العلاقات السعودية الإيرانية، إذ ضمن النقاط بين الطرفين هو الملف السوري، وأن السعودية ستضغط على إيران التي بدورها ستجبر الأسد بقبول الشروط السعودية، ومن خلال طريقة استقبال الإمارات للأسد هناك دلالة على قبول الأخير للشروط العربية والسعودية، إذ تم استقباله بكافة البروتوكلات المعهودة في زيارات رؤساء الدول وبوجود حرس الشرف، على عكس زيارة الأسد إلى أبو ظبي العام الماضي، وقريباً تصبح عودة العلاقات الإقليمية مع سوريا ضرورة سياسية واقتصادية في العلاقات الإقليمية أكثر من كونها مجرد اختيار يقبله أو يرفضه أي رئيس.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات