انخفض إنتاج القمح في سوريا بنسبة 75 بالمئة، وفقًا لـ “منظمة الأغذية والزراعة” (الفاو) التابعة للأمم المتحدة. وبحسب ما ورد أنتجت البلاد مليون طن من القمح في عام 2022، بانخفاض ثلاثة أضعاف عن مستويات ما قبل الأزمة، وتم تحديد الحرب إلى جانب الجفاف والعقوبات الاقتصادية، على أنها الأسباب الرئيسية لانخفاض إنتاج القمح، إلا أن هذا العام لدى وزيرة الاقتصاد السابقة رأي آخر.

قرار الحكومة السورية بتحديد سعر الشراء المحلي للقمح لموسم 2023 عند 2300 ليرة سورية (0.9163 دولار) للكيلوغرام أثار انتقادات العديد من الخبراء ومسؤولين سابقين في الحكومة، حيث يعتقدون أن هذه الخطوة غير مدروسة ويمكن أن تؤدي إلى مزيد من الانخفاض في إنتاج القمح في البلاد.

أسعار غير منطقية

بحسب وكالة الأنباء السورية، فإن قرار الحكومة الذي صُدر أمس الثلاثاء، بتحديد سعر القمح بأقل من السعر العالمي تضمن الشعير أيضا، حيث حددت سعر الكيلوغرام منه عند 2000 ليرة سورية. لكن هذه الخطوة برأي النقاد قد تثني المزارعين عن زراعة القمح، مما يؤدي إلى مزيد من الانخفاض في الإنتاج المحلي.

موسم زراعي سيء في سوريا - موقع "الحرة".
عائلة تجمع القمح من حقل في ريف القامشلي شمال شرق سوريا، 1 تموز / يوليو 2022. “رويترز”.

وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، قالت على صفحتها الرسمية في موقع “فيسبوك”، إن الحكومة تعمدت تسعير القمح بأقل من السعر العالمي منذ العام الفائت، ما أدى إلى انخفاض محصول القمح المسلَّم. ففي العام السابق، لم يكن المحصول كافياً لأكثر من ثلاثة أشهر، وكان لابد من استيراد الباقي.

عاصي انتقدت قرار الحكومة إعادة تسعير القمح عند 2300 ليرة سورية هذا العام، مشيرة إلى عدم استعداد الحكومة للتعلم من أخطاء العام السابق. مضيفة “وكأن الاستمرار بالاستيراد وعدم تشجيع المزارعين على زراعة القمح باتت سياسة متبناة ودائمة لصالح المستوردين”.

وفقا لما تذكره الوزيرة السابقة، فإنها ترى أن “كل الإجراءات التي نتخذها، تؤدي إلى استمرار الدخول في  دوامة العجز المالي والتضخم الذي  يعانيه  الاقتصاد الوطني، هامش السنة الماضية كان سعر الصرف في السوق الموازية  3800 ليرة سورية، وهذه السنة ارتفع سعر الصرف وبلغ حوالي ضعف سعر السنة الماضية”.  

في 2022، زادت سوريا وبشكل كبير استيراد القمح من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا، باستخدام أسطول من سفن‭ ‬البلدين لتجنب العقوبات الأميركية، ما يُعد مؤشرا على أن العلاقات الاقتصادية بين سوريا وروسيا ازدادت قوة في هذا الجانب، ويبدو أن الحكومة السورية هذا العام تعتمد على ذات المصدر.

هل تفقد سوريا محصولها الاستراتيجي؟

خبراء التنمية الزراعية يعتقدون أن قرار الحكومة بتحديد سعر الشراء المحلي للقمح دون المعدلات الدولية قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في إنتاج القمح في البلاد وزيادة الاعتماد على الواردات. قد يكون لذلك عواقب وخيمة على الأمن الغذائي للبلاد، لا سيما في ضوء الأزمة الاقتصادية المستمرة والأثر المدمّر للحرب.

قرار الحكومة بتحديد سعر الشراء المحلي للقمح بسعر أقل من السعر الدولي يُنظر له على أنه تحرك قصير النظر يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على المدى الطويل. خصوصا أن مراجعة قرارات الحكومة واتخاذ إجراءات لدعم المزارعين المحليين تشجعهم على الإنتاج المحلي للقمح.

لا شك بأن الحرب أثّرت بشكل كبير على القطاع الزراعي في البلاد، حيث أدى الصراع إلى نزوح ملايين السوريين، وكثير منهم مزارعون. كما أدت أيضًا إلى انهيار البنية التحتية، بما في ذلك أنظمة الري ومرافق التخزين، مما تسبب في النهاية إلى انخفاض غلة المحاصيل. كان لمزيج هذه العوامل تأثير كبير على قدرة البلاد على إنتاج القمح، وهو غذاء أساسي للسكان السوريين.

كما ساهم الجفاف في انخفاض إنتاج القمح في سوريا. شهدت البلاد عدة سنوات متتالية من هطول الأمطار دون المتوسط، مما أدى إلى انخفاض مساحة الأراضي الصالحة للزراعة. كما اضطر المزارعون السوريون إلى مواجهة نضوب احتياطيات المياه الجوفية، مما حدّ من كمية المياه المتاحة للري. ساهمت هذه العوامل في انخفاض كمية القمح التي يمكن زراعتها، مما أدى إلى انخفاض أرقام الإنتاج.

مؤخرا أدى عدم انتظام هطول الأمطار في الموسمين الماضيين إلى تقلص محصول القمح في سوريا الذي كان يبلغ نحو أربعة ملايين طن سنويا عام 2011، وهي كمية كانت تكفيها لإطعام شعبها وكذلك تصديرها إلى البلدان المجاورة في الظروف المواتية.

كيف يأتي القمح إلى سوريا؟

بحسب تقرير لقناة “العربية” نُشر أمس الثلاثاء، فإن كميات القمح المرسلة إلى سوريا من ميناء سيفاستوبول المطلّ على البحر الأسود في القرم زادت 17 مثلا هذا العام مسجلة ما يزيد قليلا عن 500 ألف طن، بحسب بيانات للشحن من رفينيتيف لم يتم الكشف عنها من قبل، ليشكل ذلك ما يقارب ثلث واردات البلاد الإجمالية من القمح.

البيانات تُظهر أن الدولتين اعتمدتا بشكل متزايد على سفنهما الخاصة لنقل القمح، من بينها ثلاث سفن سورية مشمولة في العقوبات التي فرضتها واشنطن، وذلك في ظل عقوبات مفروضة على البلدين صعّبت التجارة عبر طرق النقل البحرية المعتادة والحصول على تأمين ملاحي.

طبقا لبيان مجلس الوزراء، فإن تحديد السعر الجديد جاء نتيجة حساب دقيق لتكلفة الإنتاج الحقيقية في ظل الدعم المقدَّم للقطاع الزراعي من بذار ومحروقات وأسمدة، وبما يضمن هامش ربح للفلاح بنسبة 35 بالمئة لكل كيلو غرام، وذلك بهدف التشجيع على تسليم المحصول واستجرار أكبر كمية ممكنة من الإنتاج.

الانخفاض في إنتاج القمح في سوريا هو نتيجة لمجموعة من العوامل، بما في ذلك الحرب المستمرة والجفاف، إلا أن استمرار الحكومة بفرض تسعيرة أقل من السعر العالمي يُعد بنظر العديد قرار غير مدروس قد يؤدي إلى فقدان المحصول الاستراتيجي كما حصل مع القطن العام الفائت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات