في ظل تعثر كافة الجهود الدولية والإقليمية، خلال الفترة الماضية، في إيجاد انفراجة للصراع المتفاقم في السودان بين “الجيش السوداني” بقيادة رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة نائبه، الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، فإن طرفي الصراع وقّعا بعد 4 أسابيع من القتال الدامي، على “اتفاق جدة”، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية على أن يكون مبدئيا يتبعه جولات أخرى من النقاشات، بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

اللافت في هذا الاتفاق أنه قائم وينص على الالتزام بحماية المدنيين في السودان، وعقب التوقيع على الاتفاقية، علق وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بالقول “المحادثات التي تمت وإعلان الالتزام بحماية المدنيين يأتي كخطوة أولى، وستتبعها خطوات أخرى، والأهم هو الالتزام بما تم الاتفاق عليه، والمملكة ستعمل حتى يعود الأمن والاستقرار للسودان وشعبه الشقيق”.

في الواقع هذا الأمر ككل يثير عدة تساؤلات حول مدى نجاح هذا الاتفاق الأولي، وضمان سريانه حتى التوصل لاتفاق نهائي يفضي بالصراع لبر السلام الدائم، والمعوقات والعوامل التي يمكن أن تفشل هذه الجهود الرامية لإنهاء الصراع بالسودان، وإذا ما كان التوصل إلى حلول بين طرفي الصراع في السودان يمكن أن يحل مشاكل وأزمات البلاد، وتداعيات فشل التوصل إلى حلول نهائية مستدامة.

الاتفاق ليس بحجم الصراع؟

نحو ذلك، توصل ممثلون لـ”الجيش السوداني” بقيادة البرهان و”قوات الدعم السريع” بقيادة “حميدتي”، إلى إعلان بعد نحو شهر من القتال الذي أسفر عن مقتل أكثر من 750 شخصا ونزوح الآلاف، في إطار مفاوضات أولية برعاية السعودية والولايات المتحدة ومشاركة “الأمم المتحدة” بدأت السبت الماضي في مدينة جدة السعودية.

اتفاق جدة المبدئي_ “مواقع إخبارية”

الاتفاق نصّ على ” تأكيد طرفي الصراع على ضمان حماية المدنيين في جميع الأوقات، ويشمل ذلك السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق الأعمال العدائية الفعلية على أساس طوعي في الاتجاه الذي يختارونه”، في حين لم يشمل وقفا لإطلاق النار.

وزارة الخارجية السعودية قالت في بيان اليوم الجمعة “سيوجه إعلان الالتزام نشاط القوتين لتمكين إيصال المساعدات الإنسانية بأمان، واستعادة الخدمات الأساسية، وانسحاب القوات من المستشفيات والعيادات، والسماح بدفن الموتى باحترام”، مؤكدة أنه عقب التوقيع ستركز محادثات جدة على التوصل إلى اتفاق حول وقف فعّال لإطلاق النار لمدة تصل إلى 10 أيام.

الأكاديمي والباحث السياسي السوداني، محمد تورشين، يرى أن التوصل إلى تسوية للصراع في السودان تصطدم بحالة التعقيد التي تطال عوامل وأسباب هذا الصراع لكنها جيدة بالوقت الحالي ربما وغير معدومة، إذ تحتاج إلى وسيط قوي يدفع في إطار الحل السياسي بشكل مستدام، الأمر الذي يبدو مرتبطا بمبدأ التنحي لا سيما من قبل “حميدتي” والبرهان وباقي العناصر في القيادات باللجنة الأمنية المرتبطة بنظام حكم عمر البشير السابق.

تورشين يأمل بأن الولايات المتحدة الأميركية والرياض وباقي الشركاء يسعون لإنجاح هذه الفرصة من المباحثات من خلال تلك الفرضية بحيث تكون مدخلا للحل السياسي وانفراجة تامة بواسطة جيش واحد موحد غير منقسم، حسبما يحلل ويتحدث بشكل خاص لموقع “الحل نت”.

“عامل فشل”؟

تورشين يرى أن رغبة كل طرف في الانتصار على الآخر، الأمر الذي يشكّل عامل فشل، لذلك فإن القضية معقدة، بالنظر إلى أن الصراع هو صراع وجودي لحيازة أو الانفراد بالسلطة والثروة ووجود أطراف إقليمية تغذّي تنامي الصراع مثل مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية.

لذا، فإن التوصل لحلول أو مقاربة سياسية مرنة بين أطراف الصراع قد يكون مدخلا مهما لتحقيق السياقات أو المقدمات التي تبعث بالاستقرار في السودان. وأي اتفاق لا يتحدث بشكل مباشر عن أن يكون هناك مراجعة للرتب والانتماءات والهويات لـ”قوات الدعم السريع” ثم إصلاح المؤسسة العسكرية لن يتم التوصل لنتيجة سياسية مرضية وتسوية لحلحلة الصراع هناك، وفق تقدير تورشين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التوصل إلى حل نهائي بشأن إحلال السلام في السودان من خلال هذه الأطراف المتصارعة لا يمكن الاعتماد عليه بشكل كامل لتحقيق الاستقرار الشامل في البلاد أو حل أزمات البلاد جميعها. وهذا يتطلب تكامل وانخراط القوى المدنية والأحزاب المستقلة أيضا، بما يضمن حقوق جميع الفئات.

هذا ويتواصل القصف الجوي والمدفعي في الخرطوم، اليوم الجمعة، رغم التزامها بحماية المدنيين والسماح بعبور المساعدات الإنسانية. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية لوكالة “رويترز”، مطالبا عدم ذكر هويته، إن “الطرفين متباعدان جدا”. وأضاف أن الانتقال من وقف موقت لإطلاق النار، عند الموافقة عليه، إلى وقف دائم للأعمال القتالية ستكون عملية طويلة، لكن واشنطن تأمل في أن تؤدي موافقة الطرفين على التوقيع على الإعلان اليوم الجمعة، إلى تزايد الزخم. وأضاف المسؤول قائلا إنه من المتوقع أن تشارك جماعات مدنية في وقت لاحق في المحادثات.

أحد المشاركين في جهود الوساطة ذكر إن الوسطاء دفعوا الجانبين للتوقيع على إعلان المبادئ الخاصة بحماية المدنيين بهدف تخفيف التوترات في ظل استمرار الخلاف بشأن التوصل لوقف أوسع لإطلاق النار. وفي الأثناء، أعلنت وكالة “الأمم المتحدة للاجئين” أن 200 ألف شخص فروا من السودان حتى الآن، موضحة أن 30 ألف لاجئ وصلوا إلى تشاد في الأيام الأخيرة مما يرفع العدد الإجمالي في هذا البلد إلى 60 ألفا.

ترحيب دولي

في المقابل، رحبت الآلية الثلاثية لـ”الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و”الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية” (إيغاد) بتوقيع إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان بين طرفي النزاع، ووصفت الآلية الثلاثية الإعلان بأنه خطوة أولى مهمة نحو التخفيف من المعاناة الإنسانية وحماية حياة وكرامة المدنيين في السودان.

بالعودة إلى المحلل السوداني، محمد تورشين، فإنه يرى أن الاتفاق سيكون مدخلا جيدا للحل. أما تداعيات الفشل فستكون وخيمة حسب اعتقاده، حيث إن “قوات الدعم السريع” أظهرت قدرة على المناورة والسرعة في تنفيذ الأهداف والحركة، الأمر الذي عقّد فُرص الحسم العسكري من قبل “الجيش السوداني”.

الصراع العسكري في السودان- “رويترز”

بالتالي السودان يحتاج إلى إنهاء الصراع عبر طاولة المفاوضات وجدّية الأطراف في الجلوس لإيجاد مقاربة للانفراجة والحل حتى لا تكون التداعيات سلبية على المنطقة وليس على السودان وحده، وهو ما يحتاج لتفعيل أدوار إقليمية ودولية منها مصر والمملكة وواشنطن، على حدّ تعبير تورشين. خاصة وأن الرياض تسعى مؤخرا عبر دورها الثقيل، لإرساء السلام والاستقرار بالمنطقة، وتعزيز مكانتها الدبلوماسية في المشهد الدولي من جهة وتهيئة الأجواء لمشاريعها وخططها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المستقبلية، وبالتالي قد تمارس أدوات ضغط قصوى على طرفي الصراع السوداني لتعزيز فرص نجاح وساطتها بشكل نهائي.

فيما رحبت القوى المدنية الموقّعة على “الاتفاق الإطاري” بشأن السودان، أيضا باتفاق “جدة” المبدئي، الذي يكفل حماية المدنيين ومعالجة القضايا الإنسانية، وقالت القوى المدنية في بيان مقتضب “يأتي هذا التوقيع كخطوة أولى مهمة في طريق إنهاء الكارثة التي حلّت ببلادنا عقب اندلاع الحرب في 15 نيسان/أبريل الماضي، وهي خطوة تتطلب المزيد من الجهد لاستكمالها وصولا لوقف دائم لإطلاق النار ومن ثم حل سياسي شامل ومستدام”.

البيان أردف “نشد على أيدي قيادة القوات المسلحة والدعم السريع على هذه الخطوة المهمة، ونحثّهم على الالتزام بنصوص الاتفاق والعمل على الإسراع بتطويره لوقف دائم لإطلاق النار بأسرع ما تيسّر. نتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة على ما بذلاه من جهد لتحقيق هذا الاختراق المهم، وندعوهم لمواصلة هذا العمل النبيل”.

بنود الاتفاق الأولي

في سياق اتفاق “جدة” بخصوص السودان، فقد نصّ على 7 بنود، أهمها الالتزام بحماية المدنيين كشرط أساسي، ويؤكد التزام الجانبين بسيادة السودان ووحدته. الطرفان اتفقا على أن مصالح وسلامة الشعب السوداني أولوية رئيسية، والالتزام بضمان حماية المدنيين السودانيين في جميع الأوقات، والسماح بمرور آمن للمدنيين في السودان لمغادرة مناطق الأعمال العدائية، والامتناع عن تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية، وإجلاء الجرحى والمرضى دون تمييز والسماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بذلك، وفق قناة “العربية”.

الطرفان أكّدا أن ذلك جاء إدراكا من المعنيين بضرورة تخفيف المعاناة عن كاهل الشعب والناجمة عن القتال في السودان منذ 15 نيسان/أبريل 2023، ولا سيما في العاصمة الخرطوم، وتلبية لمتطلبات الوضع الإنساني الراهن الذي يمرّ به المدنيون.

الموقّعون شددوا على التزامهم بالخطوط الأساسية بموجب القانون الدولي الإنساني لتيسير العمل الإنساني من أجل تلبية احتياجات المدنيين، على ألا يؤثر ذلك على أي وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقّعة عليه، ولن يرتبط بالانخراط في أي عملية سياسية.

كما رحّب الطرفان بالجهود التي يبذلها أصدقاء السودان من أجل ضمان احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الالتزام بالإعلان وتنفيذه على الفور، على ألا تحل أي من النقاط في الإعلان محل أي التزامات أو مبادئ بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تنطبق على هذا النزاع المسلح وعلى وجه الخصوص البروتوكول الإضافي الثاني لسنة 1977، والملحق باتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 والتي يجب على جميع الأطراف الوفاء بها.

في العموم، يُعد التوصل إلى هذا الاتفاق المبدئي مؤشرا إيجابيا، لكن فرص تحقيق عملية سلام حقيقية ومستدامة تبدو منخفضة للغاية، على الأقل في الوقت الحالي، في ظل رغبة كل طرف في الانتصار على الآخر عسكريا، والانفراد بالسلطة والثروة، إضافة إلى وجود أطراف إقليمية تغذي تصعيد الصراع مثل “فاغنر”، بيد أن كل الاحتمالات ممكنة في الفترة المقبلة، وسط الجهود الإقليمية والدولية الجارية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 2 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات