همسات صامتة يتردّد صداها في شوارع وأسواق دمشق التي كانت تنبض بالحياة في يوم من الأيام، بعد أن وجد الناس أنفسهم ضحية شبكات من المؤامرات، لكن هذه المرة ليس على المستوى السياسي، إنما هو بسبب الاختفاء المفاجئ لمكوّن بسيط ولكنه أساسي.

من رفوف الأسواق والبازارات السورية اختفى السكر، تاركا فراغا لا يمكن ملؤه إلا بالأسئلة والاستفسارات الشائكة، كلها تحوم حول استغلال التجار عديمي الضمير لموسم صناعة المربى، أو أن تخفيض سعره وتحديد سعر مبيع الكيلو بـ 3700 ليرة “دوكما” و 3900 ليرة للمعبأ، كان السبب في انتهاء الكمية التي تستوردها البلاد.

أين اختفى السكر في سوريا؟

بشكل جلي، كشف أمين سر “جمعية حماية المستهلك” بدمشق وريفها عبد الرزاق حبزة، أمس الثلاثاء، الجانب المظلم لقضية اختفاء السكر من الأسواق السورية، مبينا التلاعب الذي حصل من قبل التجار، وكيف بات سوق السكر ساحة لعب لنوايا فاسدة هدفها المواطن.

الأسواق في سوريا - إنترنت
الأسواق في سوريا – إنترنت

مشكلة اختفاء السكر بحسب ما نقله موقع “صاحبة الجلالة” المحلي، عادت للواجهة من جديد، فضلا عن ارتفاع سعره إلى مستوى قياسي حيث تجاوز سعر كيلو السكر تسعة آلاف ليرة سورية، وهو السعر “غير المدعوم” عبر “البطاقة الذكية”.

حبزة أكد خلال حديثه للموقع أن اقتراب موسم صناعة المربيات يرفع الطلب على السكر، واستغلال التجار لهذا الأمر، فهناك  تلاعب في السوق وامتناع عن البيع وعرض المادة وإخفائها. لافتا إلى أن ارتفاع سعر مادة السكر رغم أن المستورد هو الذي يحدد التكلفة والوزارة تضيف هامش الربح فقط.

طبقا لحديث حبزة، فإن هناك عاملا آخر لرفع سعر المادة، وهو قلة المستوردين للمادة لهذا العام بسبب الارتفاع العالمي بسعر السلعة نفسها، حيث إن عدد  المورّدين لمادة السكر التجاري يزيد على 20 مستوردا، وقد تم  توريد 201 ألف طن من مادة السكر التجاري رغم أن حجم توريد مادة السكر التجاري سنويا بحدود 350 ألف طن .

أساليب جشعة للتجار

أسئلة مترامية على صفحات التواصل الاجتماعي، جلّها يتحدث عن المتستر خلف قصة اختفاء السكر، وما هي القوى التي تدفع بهذا التلاعب، وتلقي بظلالها على حياة السوريين العاديين، ولماذا ظهرت في موسم “صناعة المربيات”، وهل يمكن أن يكون اختفاء السكر ليس حادثة منعزلة بل حادثة مدبرة بعناية من قبل محرّكي القوة الشرائية في الأسواق والذين يتحكمون بمصير الشعب.

السكر في صالات البيع السورية - إنترنت
السكر في صالات البيع السورية – إنترنت

في سوق دمشق القديمة، حيث تختلط رائحة التوابل بأنفاس السوريين، كانت هناك عملية سرية جارية، وفق ما كشفه حسين الشيني، وهو عامل لدى تاجر سكر، خلال حديثه لـ”الحل نت”، حيث انتشر الحديث بين التجار عن ارتفاع الطلب على السكر. 

الشيني قال إن التجار وصفوا الموقف بأنه اللحظة المثالية لتضخيم الأسعار والتلاعب بالسوق، خصوصا أن الأمر تزامن مع انخفاض قيمة الليرة حيث أعلن “البنك المركزي” السوري، سعر تصريف الدولار الواحد مقابل 8200 ليرة سورية، وعليه فإنه من باب الصداقة الحميمة، بدأ هؤلاء التجار خطتهم بتقليص الكميات وبيعها لأصحاب معامل المربيات بأسعار مرتفعة. 

الحكومة السورية كانت قد وافقت على الاستيراد لتأمين مادة السكر في الأسواق منذ عام 2020، وبات أكثر من 30 تاجرا في سوريا يستوردون السكر إلى السوق السورية. كما وافقت الحكومة مطلع العام الجاري، على توصيات اللجنة الاقتصادية لاستيراد بعض المواد، ومنها السكر، من المملكة العربية السعودية.

فاطمة وهي أم لثلاثة أطفال، قالت لـ”الحل نت”، “كنت أشتري كيلو سكر من البائع المحلي كل أسبوع، لكن فجأة اختفى من على الأرفف، وعندما استفسرت، ادّعى أنه نفد من السوق. وبدأ الأمر مريبا، عندما تنقلت من محل إلى الآخر وكأن السكر قد تم إخفاؤه عن قصد”.

هذه الروايات والتي تؤكدها تصريحات  أمين سر “جمعية حماية المستهلك” بدمشق وريفها، تسلط الضوء على الطرق الملتوية التي يستغل بها التجار موسم المربى للتلاعب بالسوق وإخفاء السكر لبيعه لاحقا بأسعار باهظة، وأصبح جوهر الحلويات “السكر” ساحة معركة لجني الأموال.

عبء مالي على الأُسر السورية

منذ سنوات يتحكم بالاقتصاد السوري وأسواقه عدد قليل من التجار المرتبطين بأشخاص متنفذين أو المموّلين من “البنك المركزي” بالعملة الصعبة، ما أدى إلى نشاط للأسواق السوداء أو ما أُطلق عليه “الأسواق الحرة” في دمشق وضواحيها.

تجار الجملة في سوريا - إنترنت

هذه الأسواق وبحسب تقارير صحفية، انتشرت في العديد من شوارع الأحياء الجانبية من العاصمة مثل المزة 86، وعش الورور، والزاهرة، وبرزة، والتضامن، ونهر عيشة. ومعظم مدن الريف الدمشقي مثل ببيلا والسيدة زينب وجرمانا وقطنا وصحنايا والمطلة.

هذه الأماكن لم تعد أسواق شعبية أو سوداء ولم يعد يحكمها منطق الحلال والحرام أو التسعيرة الحكومية بل واقع السعر والعوز والضرورة، حيث بات التجار يحتكرون مادة معينة، ثم يخفونها من الأسواق العامة، لتظهر فجأة ضمن “السوق السوداء”.

في المقابل، بينما يستمر انهيار قيمة صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، يتواصل انهيار الواقع المعيشي وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وسط حالة من الغضب بين المواطنين، حيث تتأثر أسعار جميع السلع والمواد الأساسية في البلاد بانهيار الليرة السورية. 

أسواق بعض المحافظات السورية شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار، وتشمل أسعار المواد التموينية والخضار والفواكه والأدوية والمحروقات، إضافة لخدمات الإنترنت والكهرباء والمواصلات، ما يضع المواطن السوري أمام مواجهة مع الواقع المعيشي والمادي المتردي.

سعر السكر في معظم بلدات ومدن المحافظة السورية شهد ارتفاعا كبيرا، حيث يتراوح اليوم، سعر الكيلو غرام الواحد بين 8000 و 8500 ليرة سورية، بعد أن كان يتراوح بين 7000 و 7500 ليرة، نتيجة احتكاره من قبل التجار.

في ظل التخبط الكبير والارتفاع في أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية، يتساءل السوريون حول الجهة المسؤولة عن ضبط الأسعار، في وقت تتهم فيه وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك” التجار بعدم الالتزام بقوائم الأسعار الصادرة عن الجهات الحكومية، ليرد التجار ويبررون غلاء الأسعار بالارتفاع المتواصل لتكاليف الإنتاج، فضلا عن النقص الحاد في موارد الطاقة والمحروقات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات