بعد أن بدأت الحكومة السورية رفع الدعم عن المواطنين في شباط/فبراير 2022، تتحدث الآن الأوساط الاقتصادية والسياسية في سوريا بشكل متزايد عن إمكانية رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، والتي يعتمد عليها المواطنون بشكل كبير في حياتهم اليومية، مثل الوقود والغذاء والكهرباء. 

هذا الحديث يثير قلقا كبيرا بين المواطنين، حيث يتساءلون عن تداعيات هذا الإجراء على حياتهم وعلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. وعلى الرغم من أن القرار برفع الدعم لم يتم اتخاذه بعد، إلا أن هذا الموضوع يُعد من أهم القضايا التي تشغل بال الحكومة في الوقت الحالي.

سياسة جديدة لهيكلة الدعم

الأوساط الاقتصادية في سوريا أمام حالة من القلق والترقب بعد صدور تصريحات من رئيس الحكومة حول إمكانية عودة آلية استثناء الفئات المرفّهة من الدعم الاجتماعي. ويتساءل الكثيرون عن تداعيات هذا الإجراء على حياة المواطنين، وعلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد. 

سكان يتجمعون حول مخبز يوزعون الخبز الرخيص في محافظة حلب شمال سوريا - إنترنت
سكان يتجمعون حول مخبز يوزعون الخبز الرخيص في محافظة حلب شمال سوريا – إنترنت

هذه التصريحات تأتي في إطار تحديث آلية الدعم الحالية، التي تجاوزت قيمتها هذا العام 25 ألف مليار ليرة، والتي ترى الحكومة أنها لم تُعد مستدامة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلد، حيث عاد الملف بقوة على ما يبدو إلى مقدمة الاهتمامات الحكومية، وجاءت أولى الترجمات برفع سعر البنزين والغاز، وبعدها الأسمنت، وقريباً الكهرباء.

وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي، أعربت عن استغرابها من الأرقام التي ذكرها رئيس الحكومة، خلال حديثها أمس الخميس لصحيفة “البعث” المحلية، حيث بلغت كتلة الدعم 25 ألف مليار ليرة، وهو ما يفوق إجمالي الموازنة العامة لعام 2023. 

عاصي تساءلت عما إذا كان هذا الرقم يشمل مشتريات الحكومة من القمح والمحروقات وغيرها من السلع الأساسية، أم أن هناك خلطا في الأرقام المذكورة. مبيّنة أن هذا الجدل الحاصل حول الدعم الاجتماعي في سوريا، يعكس حجم التحديات التي تواجه الحكومة في تحديث آلية الدعم وتحقيق التوازن بين مصالح المواطنين والمصالح الاقتصادية للبلاد.

وفيما إذا كان الرقم المصرّح عنه سيؤثر على باقي بنود الموازنة، استبعدت عاصي إمكانية مقارنته بالدعم المقدّر بالموازنة  4927 مليار ليرة، والذي بلغ حوالي 30 بالمئة من إجمالي الاعتمادات، أما باقي بنود الموازنة فمعظمها تقع ضمن الإنفاق الجاري، وستبقى كما هي اسميا لا تغيير عليها، أما الزيادات في مبالغ الدعم فتضاف إلى العجز المالي الذي تجري تغطيته إما باللجوء الى الدين الداخلي وسندات الخزينة، أو الاقتراض من “البنك المركزي” بما يعرف بالتمويل التضخمي.

رفع الدعم بشكل كامل؟

عن التوقعات بالانسحاب النهائي من الدعم، اعتبرت عاصي أن سياسة دعم السلع الأساسية ثابتة في البلاد منذ فترة طويلة، ولا يمكن التخلي عنها بحسب العديد من البيانات الحكومية. ومع ذلك، وبسبب الوضع المالي الصعب، فقد أصبح من الضروري مراجعة هذه السياسات وإعادة هيكلة نظام الدعم. 

رفع الدعم سيهز سوريا من جديد - إنترنت
رفع الدعم سيهز سوريا من جديد – إنترنت

بالتالي عززت التأكيدات الحكومية على دعم الزراعة والتعليم والصحة وبعض المواد التموينية الضرورية دون ذكر للمشتقات البترولية الشكوك بخروج سلع معينة من الدعم، وأولها المشتقات البترولية وبشكل تدريجي.

كما أن رفع الدعم بشكل كامل نتيجة ارتفاع التكلفة أو وجود مشكلة أو أخطاء في الآليات المتّبعة اليوم، هو تغيير جذري وجوهري في السياسات العامة، ويحتاج إلى دراسة متكاملة، بحسب حديث عاصي. وعليه يجب توفير سيناريوهات مرافقة لتلافي العوارض السلبية المحتملة، مثل تخصيص مبالغ نقدية كافية لتغطية الاحتياجات السلعية الأساسية وفقا لقاعدة بيانات دقيقة.

المعايير التي اتبعت في التصنيف لشرائح تستحق الدعم أو لا تستحقه مشوبة بكثير من الأخطاء، وتحتاج لإعادة نظر، فعلى سبيل المثال لعدم وجود قاعدة بيانات للمواطنين تحدد فئاتهم ومهنهم ودخولهم الشهرية، وغيرها من المعلومات التي يمكن الاستناد إليها، فقد لجأت الحكومة الى اعتماد ملكية سيارة حسب سنة صنع 2008، أو ممارسة مهنة معينة أو سجل تجاري، بدل تحديد الدخل الشهري أو السنوي.

تم رصد العديد من الأخطاء في عملية الاستبعاد من الدعم سابقا، ولم يتحسن مستوى المعيشة للفئات الأقل دخلا والأشد فقرا طبقا لحديث عاصي، حيث تم استبعاد حوالي 600 ألف أسرة. كما أن تقليص عدد المستفيدين من الدعم لم يؤدي إلى تحسين معيشة المستحقين للدعم، بل تم استخدام الفرق لتخفيف فاتورة الدعم وتغطية جزء من العجز المالي في الموازنة العامة للدولة.

الاقتصاد السوري دخل دوامة مستمرة

مع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية و المعيشية، يزداد اعتماد العديد من الأسر السورية على الدعم الحكومي المقدم  لعدد من السلع والخدمات الأساسية. إلا أن ذلك بات مهددا مع القرارات الحكومية الأخيرة القاضية بزيادة أسعار السلع المدعومة، والحديث المتزايد عن إمكانية إعادة النظر ببعض أوجه ذلك الدعم.

رفع الدعم سيهز سوريا من جديد - إنترنت
رفع الدعم سيهز سوريا من جديد – إنترنت

هذه ليست المرة الأولى التي تتباين فيها اعتمادات الدعم بين عام وآخر، فقد شهدت السنوات السابقة تباينات مشابهة، وإن كانت نسبتها أقل. مع الإشارة إلى أن اعتمادات الدعم لم تكن قبل العام 2012 تظهر في الموازنة العامة للدولة بشكل مستقل وواضح، لكن عمليا يمكن القول إن مقاربة الاعتمادات المخصصة سنويا للدعم مع المتغيرات التي طرأت على سعر الصرف.

منذ مطلع شباط/فبراير الماضي، بدأت وزارة الاتصالات في حكومة دمشق بتطبيق إزالة “الدعم الحكومي” عن مجموعة من حاملي “البطاقة الذكية“، إذ وصل عدد البطاقات المُزالة إلى حوالي 598 ألفا، بحسب تصريح الوزارة.

الاقتصاد السوري بحسب وزيرة الاقتصاد السابقة، بات يعاني من دوامة مستمرة من رفع الأسعار وارتفاع معدل التضخم، حيث يؤدي أحدهما للآخر وينتج عنه بنفس الوقت. وبسبب الحاجة إلى ردم الفرق بين الأسعار الحرة والمدعومة، ترفع الحكومة أسعار السلع المدعومة نفسها، مما يؤدي إلى زيادة معدل التضخم والأسعار في موجة تضخمية جديدة. 

بسبب هذه الدوامة، يكون المواطن ذو الدخل المحدود هو الأكثر تضررا، وخاصة موظفي القطاع العام، حيث يكاد دخلهم الشهري لا يكفي لسد احتياجاتهم الشخصية لبضعة أيام. ففي السنوات الأخيرة زاد عدد الأشخاص المحتاجين للدعم، بالتوازي مع زيادة الصعوبات المالية للحكومة.

معطيات هذا السيناريو، أن الكثير من الأسر السورية تحت ضغط الغلاء وتدني الدخل ستضطر إلى تغيير عاداتها الغذائية، وتقليص إنفاقها على الغذاء إلى الحدود الدنيا، ولهذا فإن أي قرار يتعلق بمستقبل الدعم الحكومي، سوف يمس ما تبقى من لقمة عيش ملايين السوريين المصنّفين أمميا تحت خط الفقر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات