وسط ارتفاع الأسعار التي تجتاح سوريا بشكل كبير مؤخرا، بالإضافة إلى تدهور سعر الصرف، كشف مصدر في “هيئة الرقابة والتفتيش” السورية، عن فسادٍ بقيمة عشرات المليارات السورية في غضون ثلاثة أشهر فقط. وإلقاء كل مؤسسة حكومية باللوم على الأخرى في هذه القضية يدلل على مدى انتشار الفساد في المؤسسات الحكومية، وضعف دور هيئات الرقابة.

اللافت أن الحكومة في خضم كل هذا التضخم تزعم أنها لا تملك الموارد المالية لزيادة الرواتب والأجور، فيما تجري عمليات الفساد والاختلاس بالمليارات أمام أعين مسؤوليها بين الحين والآخر. إضافة إلى ذلك، تتزايد حالات الفساد وغيرها من الأعمال غير المشروعة، دون وجود أي رادع من الجهات الرقابية، وقد ظهر ذلك مؤخرا في تقرير عام 2022، حيث شهدت الأموال العامة المختلسة في مؤسسات الدولة السورية ارتفاعا في نسبتها بشكل ملحوظ، حيث أشارت التقارير الرسمية إلى قفزة كبيرة بنسبة 409 بالمئة في قيمة الأموال العامة المختلسة العام الماضي.

بالتالي فإن هذا يدعو إلى التشكيك بقدرات المؤسسات الحكومية بسبب غياب المساءلة داخل مؤسساتها، وقدرتها على السيطرة على الأموال العامة، الأمر الذي يمثّل تهديدا وآثارا سلبية جمّة على الاقتصاد والمواطنين في البلاد.

فسادا بـ21 مليار ليرة

نحو ذلك، قال مصدر في “هيئة الرقابة والتفتيش” السورية لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الأربعاء، إن قيم المبالغ المكتشفة خلال الربع الأول من العام الجاري 2023، تجاوز 21.4 مليار ليرة وأكثر من 59 ألف دولار أميركي.

هيئة الرقابة والتفتيش السورية تكشف فساداً بـ21 مليار ليرة في ثلاثة أشهر- “إنترنت”

أما المبالغ المحصلة فقدرت بنحو 10.9 مليارات ليرة وقيم المبالغ الواجب تحصيلها 11.3 مليار ليرة ونحو 59675 دولارا، وأن إجمالي عدد القضايا المعتمدة 835 قضية رقابية وتحقيقية انتهت إلى إحالات للقضاء وإحالات للمحكمة المسلكية وعقوبات مسلكية وإجراءات إدارية، وفق زعم المصدر ذاته.

على الرغم من دمج وإعادة هيكلة هيئات الرقابة والتفتيش لدى بعض الوزارات خلال الفترة الماضية، إلا أنها أثارت العديد من التحفظات من الجهات العامة والمختصين و”الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش” التي أوضحت في حينها أنه لم يتم إبلاغها أو استشارتها عند إجراء عمليات الدمج واعتبرت أن هذا الإجراء مخالف لقانون الهيئة، وفيه انتهاك لسرية المراسلات والتقارير التفتيشية المتبادلة بين الهيئة ومديريات الرقابة في الجهات العامة.

خاصة أن مديريات الرقابة الداخلية في الجهات العامة أُحدثت بموجب قانون الهيئة وأن أي فصل أو تعديل في عملها وصلاحياتها يجب ألا يتم إلا بموافقة الهيئة والقانون الناظم لعملها، وفق الصحيفة المحلية.

في العموم كانت معظم التصريحات تفيد في حينها حول هذا الموضوع بأن التحقيق هو من اختصاص السلطة القضائية، وأن القانون /24/ الناظم لعمل الهيئة منحها صلاحية التحقيق الإداري وبموجب القانون أيضا تفوّض هيئة الرقابات الداخلية بهذه الصلاحية.

كل ذلك لا يعني شيئا أمام استمرار حالات الفساد التي تجري داخل أروقة المؤسسات الحكومية، كما أن المعنيين لم يصدروا أي تصريحات أو بيانات بخصوص هذه العمليات ولا التي جرت في السابق، بمعنى أنه يتم الكتمان عن عمليات الفساد والسرقة للأموال العامة وهو ما يدلل بتهالك مؤسسات الدولة ومدى إغراقها بالفساد، وبالتالي هي المسؤولة الأولى والأخيرة أمام ما يجري من نهب للأموال.

ارتفاع معدل اختلاس الأموال

الحكومة السورية أكدت في تقرير نُشر مؤخرا، ارتفاع قيمة الأموال العامة المختلسة في مؤسسات الدولة إلى 409 بالمئة العام الماضي. وكشفت البيانات عن زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات المالية السابقة. ففي عام 2021، سجلت محكمة الجنايات الاقتصادية والمالية بدمشق، 360 دعوى اختلاس احتيال بالمليارات في المؤسسات الحكومية.

التقرير الصادر عن “الجهاز المركزي للرقابة المالية” مؤخرا، كشف عن ازدياد قضايا الفساد المالي في الوزارات والمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي والإداري. حيث بلغت قيمة المبالغ المكتشفة في قضايا الفساد والمطلوب استردادها أكثر من 104 مليارات ليرة سورية، ما يعادل 13.7 مليون دولار أميركي، استُردَّ منها سبعة مليارات ليرة سورية فقط.

مدينة اللاذقية جاءت في المقدمة من إجمالي المبالغ المكتشفة في قضايا الفساد الاقتصادي، وبلغت 2.7 مليار ليرة سورية، فيما طالت تحقيقات قضايا الفساد المالي القطاع العام الاقتصادي والإداري أيضا، وبلغ عدد الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي الخاضعة لرقابة “الجهاز المركزي”، خلال عام 2022، 1013 جهة عامة، منها 243 جهة رئيسة، مثل المؤسسات والشركات والمنشآت.

مقارنة مع حجم الأموال المكتشفة والمطلوب استردادها خلال عامي 2020 و2021، ارتفع حجم الأموال بشكل كبير في عام 2022 بجميع القطاعات. في حين لا تزال منظمة “الشفافية الدولية” تصنّف سوريا في المرتبة 178 من أصل 180 دولة، ضمن مؤشر مدركات الفساد لعام 2022.

بعض الآراء تقول إن معظم موظفي المؤسسات في اللاذقية مقربين من مسؤولين في الحكومة ولذلك معدل الفساد مرتفع هناك، نظرا لأنه يقومون بالتملّص من عمليات الفساد عبر المحسوبيات والرشاوى، وهذا الرأي ليس بجديد، فقد تم تداوله كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

فساد ومخالفات بالمليارات

قبل أيام قليلة غرمت “مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك” في محافظة حماة محطة وقود مخالفة بمبلغ 168 مليون ليرة سورية، لتصرفها بكمية الوقود الاحتياطي، وقدرها 7200 لتر وتعبئة ماء بدلا منها، والاتجار بكمية 3530 لتر بنزين، وفق وكالة “سانا” المحلية، مؤخرا.

كما وقد وصل عدد الضبوط إلى 1250 ضبطا تموينيا خلال الربع الأول من العام الجاري في محافظة اللاذقية فقط، وبغرامات تجاوزت 30.5 مليار ليرة سورية، وبالتالي هذا يكشف مدى ضعف وغياب دور الحكومة الرقابي، وانفلات التجار بالتلاعب في رفع أسعار السلع على أهوائهم.

في وقت سابق وصف عضو “جمعية حماية المستهلك” عامر ديب، أثناء حديثه لأحد المواقع المحلية، العمولة المحددة لأصحاب “الكازيات” بالممتازة، فالدولة توزع البنزين والمازوت بهامش ربح كمادة، أي أن زيادة الطلب عليها تزيد تلقائيا من أرباح صاحب المحطة، ومع ذلك يحاول الجميع تبرير السرقة لنفسه من صاحب الكازية للتاجر للصناعي، فالأرباح غير المشروعة للكازيات تصل ببعض الأحيان لـ50 مليون ليرة في اليوم. ويومية عامل الكازية لا تقل عن 100 ألف ليرة، فعلى افتراض أن تكلفة إنشاء الكازية 150-100 مليون ليرة، يحصّلها المستثمر بثلاثة أيام فقط.

الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش السورية- “سانا”

ديب، قال إن المشكلة الأساسية تكمن بآلية “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” بضبط الكازيات، والعمال فيها والتي أثبتت عدم جدواها. وفي وقت سابق، صحيفة “الوطن” المحلية نقلت عن عضو “مجلس الشعب” السوري زهير تيناوي، تأكيده وجود فساد في آليات توزيع البنزين والمازوت، مستدرك ذلك بالقول “الدليل على الفساد، هو أن هذه المواد متوافرة بكثرة في السوق السوداء لكنها ليست متوافرة لدى شركة محروقات”، وهذا يشير إلى وجود خلل في التوزيع وهذا الخلل تتحمل مسؤوليته “وزارة النفط والتموين”.

في الواقع لا يوجد هكذا معادلة في أي دولة في العالم، وهذا يقود المرء إلى فهم أمر واحد، وهو إما أن هناك عجز حكومي حقيقي يقف وراء كل هذه الفوضى وانتشار الفساد في مؤسسات الدولة، أو أن الأجهزة الحكومية نفسها فاشلة في ضبط الأموال العامة، وبالتالي يصبح المواطن فقط هو من يدفع الضريبة مقابل كل ذلك، الذي يتأرجح بين غلاء المعيشة من جهة وانخفاض مستوى الرواتب والأجور من جهة أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات