خلال السنوات الماضية، وفي مثل هذه الأوقات من العام، اصطاد البحارة أنواعا نادرة وكبيرة من الأسماك في الساحل السوري، بعضها يؤكل والبعض الآخر غير صالح للأكل. لكن اللافت في هذه الظاهرة التي تبدو جديدة وغريبة بعض الشيء، أن هذه الأسماك تُباع في مزادات أسواق الأسماك بالساحل السوري بأرقام كبيرة تُقدر بالملايين.

كان آخر هذه الحوادث شبه الاستثنائية لسمكة ” الاستاكوزا” أو جراد البحر التي بيعت في المزاد يوم الإثنين الماضي بسعر ناهز المليون ليرة سورية، ويصل وزنها لنحو 2 كيلوغرام.

سمك فاخر

أسواق السمك في مدينة جبلة بمحافظة اللاذقية تشهد مزادا علنيا بشكل شبه يومي للأسماك التي يصطادها البحارة بمختلف أنواعها مثل “سفرني- قريدس- بلميدا- سلطاني- سردين” وغيرها من الأسماك كالقرش و”الاستاكوزا”، وفق تقرير لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الثلاثاء.

اصطياد سمكة “تونا” عملاقة في بانياس في وقت سابق-“مواقع التواصل الاجتماعي”

حول مسألة مبيع سمكة “الاستاكوزا” في المزاد بسعر ناهز المليون ليرة، بيّن السيد زاهر جيرو وهو يعمل صياد سمك، وصاحب مسمكة في سوق جبلة أن السوق يشهد مزادا يوميا للبيع، والسعر يخضع للعرض والطلب، فالأسعار غير ثابتة.

جيرو أردف أن سمكة “الاستاكوزا” المباعة، يختلف سعرها حسب الكميات التي يتم اصطيادها من البحر، ولكن غالبا تتراوح بين 350- 950 ألف ليرة، وغالبا ما يتم بيعها لتجار السمك لتصل إلى مطاعم العاصمة السورية دمشق، وأحيانا أخرى تُصدّر إلى لبنان.

جيرو يقول إن زبائن هذا النوع من أنواع الأسماك الفاخرة هم من أبناء الطبقة المخملية في المجتمع، وأحيانا يصل سعره في بعض المطاعم إلى نحو 3 ملايين ليرة.

مناطق الساحل السوري، خلال الصيف الماضي شهدت اصطياد العديد من الأسماك العملاقة أبرزها، سمكة “القمر العملاقة“، أو “السمكة القمرية“. وهي من أنواع السمك التي تعيش في المحيطات وأعماق البحار، وأظهرت تسجيلات مصورة، تم تداولها عبر منصات للتواصل الاجتماعي، رافعة تقوم بنقل السمكة التي تزيد نحو 1000 كغ من ميناء جبلة.

كذلك، شهدت شواطئ بانياس في بدايات حزيران/يونيو عام 2021 غزوا لكائنات بحرية هلامية المظهر، الأمر الذي أثار مخاوف وتساؤلات عدة بين السكان، من مرتادي البحر حول ماهية هذا المخلوق البحري المستجد ومخاطره، ليتبيّن لاحقا أنه نوع خطر من القناديل يسمّى بـ “القنديل المشطي”.

أيضا تداولت صفحات للتواصل الاجتماعي خلال الصيف الماضي، فيديو يظهر دلافين تسبح على سطح مياه البحر في منطقة البسيط بريف اللاذقية، فيما وصف البعض وجودها في المياه السورية بالحالة النادرة، في حين أكد خبراء بأنها موجودة في المياه السورية منذ سنوات ولا تهاجم أحدا.

كما وكان ثمة حالات نادرة أخرى، إذ تم اصطياد فردين من نوع سمكة “الببغاء” النادرة، آنذاك، في مدينة بانياس بريف طرطوس الساحلي، وتمّ تداول صور للأسماك، و ذكرها على أنها نادرة جدا، غير أن أستاذ علوم البحار والباحث في المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة “تشرين”، أمير إبراهيم، أكد لأحد المواقع المحلية، أن سمكة الببغاء ليست نادرة، فقد تم تسجيل أول ظهور لها في المياه السورية عام 2018، وهي قادمة إلى مياهنا عن طريق قناة السويس.

أسعار الأسماك

بالعودة إلى الصياد، زاهر جيرو، هناك إقبال على الأنواع الأخرى من الأسماك الشعبية كالبلميدا، والسردين، والسكنبري، وفق مزادات يومية، ودمشق هي المستهلك الأكبر لها، نصف الكميات التي يتم اصطيادها يوميا، تصل إلى سوق السمك في الزبلطاني ليتم بيعها في مزاد علني آخر.

الصياد السوري يقول، قبل يومين فقط تم اصطياد نحو 4 أطنان من سمك السردين، تم شحن النصف تقريبا إلى دمشق لبيعها في مزاد السمك في الزبلطاني. وحول واقع الاستهلاك في المحافظات، تأتي محافظة حلب في المرتبة الثانية بعد دمشق، ثم اللاذقية وطرطوس، وفق التقرير المحلي.

أسواق السمك بسوريا- “سانا”

أما بالنسبة لسمكة القرش الكبيرة التي تم تداول صور لاصطيادها خلال الشهر الماضي، فقد أوضح بأنها متوافرة دائما ويتم اصطيادها بشكل شبه يومي ولكن بأوزان مختلفة، ويتراوح وزنها بين 100- 500 كغ، ويباع الكيلو منها بسعر يتراوح بين 5- 15 ألف ليرة سورية، وتستخدم كشرحات فيليه.

كما لفت جيرو إلى أن البحر فقير بالأسماك والكميات المصطادة لا تكفي السوق المحلية، والاعتماد بنسبة كبيرة على الأسماك المستوردة تصل إلى 80 بالمئة، وبسعر أحيانا أرخص بنحو النصف مقابل السمك البلدي، مثلا كيلو الأجاج التركي يباع بـ 60 ألف ليرة، والبلدي بـ 120 ألف ليرة.

الإقبال على شراء هذه الأنواع من الأسماك خلال الفترة الحالية، قليل نوعا ما، وفق جيرو، الذي رجح السبب بذلك أن الطلب يتراجع خلال فترة الامتحانات.

رئيس جمعية الصيادين في اللاذقية خالد مثبوت أكد بدوره بأن سبب ارتفاع بعض أنواع السمك كـ”اللقز الرملي والاستاكوزا” يعود لندرته في المياه السورية فهو موجود في المياه الإقليمية وفي البحر الأحمر، إضافة إلى الجهد الكبير والتكاليف العالية لاصطياده.

بينما يعتبر آخرون أن الأسماك الموجودة في المياه السورية مثل باقي المواد الغذائية كالبصل مثلا الذي زاد سعره أضعافا مضاعفة، وكذلك الأسماك فقد زادت نحو ثلاثة أضعاف خلال الأعوام الأخيرة فقط، وكل ذلك يعود لارتفاع تكاليف الصيد بدءا من المحروقات إلى العِدّة من شباك وسنانير وغيرها من المعدات اللازمة للصيادين بشكل عام.

حيث إنه في حال توفرت مادة المازوت للمراكب الدولية أسوة بالمراكب الإقليمية فإنه سيتم تغذية السوق بكميات مضاعفة من الأسماك وبالتالي يتراجع السعر في حال زيادة الطلب عليها وتحسن القدرة الشرائية، وفق نقيب الصيادين في محافظة اللاذقية سمير حيدر في تصريحات صحفية سابقة، مبينا أن المراكب الدولية لا تحصل على المازوت المدعوم إنما تضطر لشراء المادة من السوق السوداء بالسعر الحر ما يزيد الأعباء على الصيادين.

العزوف عن شراء الأسماك

في سياق متّصل، صار السوريون يقومون بتقنين شراء الأسماك، بل أن نسبة كبيرة منهم تمتنع تماما عن شرائها، ولا بد أن ثمة أسباب دفعت باتجاه إقصاء تام لوجبات السمك عن معظم موائد السوريين، وشبه تام لبعض الميسورين نسبيا، مقابل تواجد شبه مستمر لقلة من ذوي الملاءة المالية الكبيرة.

مما لا شك فيه أن ارتفاع أسعارها يتصدر هذه الأسباب والمتضمنة تكاليف النقل من المحافظات الساحلية إلى نظيراتها الداخلية، يضاف إليها بالدرجة الثانية تكاليف التبريد لاسيما في ظل ما تشهده البلاد من تقنين قاسٍ للكهرباء.

تقرير لصحيفة “البعث” المحلية ذكرت في وقت سابق أن أسعار الأسماك في دمشق تتفاوت من يوم لآخر، إذ تلعب الأسباب آنفة الذكر دورا في ذلك وفقا لما أكده أمين حسن، وهو صاحب محال لبيع الأسماك، الذي أوضح أن ارتفاع أسعار الأعلاف المخصصة للأسماك المنتجة من المزارع السمكية يلعب دورا في هذا الشأن.

كما وأجمع عدد من تجار الأسماك في السوق الدمشقي أن أبرز أنواع السمك المتواجدة في السوق هي “السمك نهري مشط بني ويبلغ سعر الكيلوغرام منه 20 ألف، والكارب النهري الغابي يتراوح بين 18 – 20 ألف، والبوري النهري 20 ألف، والسردين ما بين الـ25 – 30”.

أما سعر السمك البحري فقد تراوحت أسعاره لأنواع مثل “الأجاج والزبيدي والملطية والسلطان إبراهيم واللقز الصغير” ما بين الـ 40 – 60 ألف، فيما يبلغ سعر “اللقز الكبير” حوالى 100 ألف ليرة سورية، وهذه الأسعار تفوق قدرة الأهالي، نظرا لأنه يعادل نحو نصف راتب الموظف الحكومي.

تراجع الطلب على لحوم الأسماك ليس بأمر جديد، بل كان منذ شهر رمضان الحالي، ويعود ذلك إلى ضعف القوة الشرائية وقلة السيولة لدى المواطنين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها كغيرها من السلع الغذائية والمنتجات بشكل عام، وبذلك أصبحت خارج حسابات الناس وضمن قائمة المقننات وهذا اعتراف سابق من مسؤولين في حكومة دمشق، وليس مجرد رأي.

إذ قال نقيب الصيادين في محافظة اللاذقية إن تراجع الحركة في سوق السمك خلال الفترة الماضية، يعود لارتفاع أسعار كافة أنواع الأسماك في ظل تراجع القدرة الشرائية وقلة الرواتب والأجور لدى الناس، وبالتالي باتت الأسماك ذات الجودة العالية من نصيب موائد الأغنياء والطبقة المخملية، والأسماك الشعبية “سمك الفقراء” وعلى وجه الخصوص السردين، والسكنبري، والبلميدا من نصيب المواطنين الميسوري الحال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات