بينما فقد الملف اليمني في الفترة القليلة الماضية زخمه وتراجعت حدة الكلام عن إمكانية تجديد الهدنة غير المعلنة بين جماعة “الحوثيين” الموالية لإيران، والحكومة اليمنية الشرعية، تعود الآمال مجددا للتوصل إلى سلام شامل في اليمن، وسط اتهامات لدور إيراني بالوقوف وراء تعطيل مبادرات تمديد الهدنة وإنهاء الحرب.

تجدد الحديث عن إمكانية التوصل إلى حل للأزمة اليمنية، عاد مع لقاء وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، أمس الخميس، بالمبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ، إذ بحث الجانبان مستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية، واستعراض الجهود المشتركة لدعم سبل التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة.

في أعقاب ذلك، ذكر الأمير خالد بن سلمان في تغريدة نشرها عبر موقع “تويتر”، التقيت المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، وبحثنا مستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية، واستعرضنا الجهود المشتركة لدعم سبل التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، ينعم من خلاله اليمن واليمنيون بالأمن والاستقرار.

جهود أميركية أممية واتهامات يمنية 

قبل ذلك، كانت وزارة الخارجية الأميركية قد قالت في بيان الثلاثاء الماضي، إن ليندركينغ سيسافر إلى السعودية لتعزيز الجهود القائمة لتوسيع نطاق فوائد الهدنة وإطلاق عملية سلام شاملة، مضيفة بأنه سيجتمع بمسؤولين يمنيين وسعوديين وشركاء دوليين، لمناقشة الجهود المنسقة الرامية إلى تعزيز المحادثات الجارية، وكذلك سيتابع المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مع نظرائه من المنطقة ويناقش التقدم المحرز مؤخرا في العملية التي تدعمها الولايات المتحدة لتجنب تسرب نفطي كارثي من ناقلة النفط “صافر”.

وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وبالمبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ يبحثنان مستجدات الوضع اليمني/ إنترنت + وكالات

الخارجية الأميركية في ذات البيان، أكدت أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم التوصل إلى حل للنزاع اليمني في أقرب وقت ممكن، وأنها تعمل بشكل وثيق مع كل من “الأمم المتحدة” والشركاء الإقليميين للبناء على الهدنة التي توسطت فيها “الأمم المتحدة” والتي أتاحت أطول فترة هدوء في اليمن منذ بدء الحرب ولتمكين اليمنيين لتشكيل مستقبل أكثر إشراقا لبلادهم.

ذلك كله سبقه حراك أممي نهاية الأسبوع الماضي، حيث أنهى المبعوث الأممي هانس غروندبرغ نقاشاته في مسقط، في سياق مساعيه لتجديد الهدنة اليمنية والبناء عليها للبدء في عملية سياسية شاملة، وسط دعوات الحكومة اليمنية للقوى السياسية من أجل توحيد الجهود والالتفاف حول “مجلس القيادة الرئاسي” لضمان إنهاء الانقلاب “الحوثي” واستعادة الدولة.

في سياق الجهود ذاتها، كان المبعوث الأممي قد زار الرياض والتقى بمسؤولين سعوديين، قبل أن يحطَّ في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن للقاء رئيس “مجلس القيادة الرئاسي” رشاد العليمي. غروندبرغ أكد بعد ذلك من خلال تغريدة على حساب مكتبه في موقع “تويتر”، بأنه اختتم زيارة إلى مسقط، حيث عقد اجتماعات مع كبار المسؤولين العمانيين، ومع المتحدث باسم الميليشيات “الحوثية” محمد عبد السلام، الذي يُعد الوزير الفعلي لخارجية الانقلاب.

غروندبرغ أوضح، أنه ناقش سبل البناء على التهدئة الحالية، وبدء عملية سياسية جامعة يملكها اليمنيون تحت رعاية “الأمم المتحدة”؛ لإنهاء النزاع بشكل مستدام. في حين اتهمت الحكومة اليمنية، إيران بمواصلة تقويض جهود التهدئة وإحلال السلام الشامل والعادل والمستدام في اليمن.

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، قال الخميس الماضي، إن رصد ومتابعة سلوك النظام الإيراني يؤكد أن طهران لم تغير في سياساتها التخريبية، ذلك لأنها لا تزال تقدم مختلف أوجه الدعم لميليشياتها الطائفية، وتستخدمها أدوات لنشر الفوضى والإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة وتهديد المصالح الدولية.

مسار إيران المعاكس بشأن اليمن

التصريحات الحكومية اليمنية المنددة بإيران، تأتي في اتجاه معاكس للتقارب السعودي الإيراني منذ توقيع اتفاقية المصالحة، الأمر الذي أثار تساؤلات حول ما تسعى طهران فعله من خلال انتهاج سياسة عدائية من جانب، والبحث عن التقارب مع دول الخليج من جانب آخر، فضلا عن فرصة تجديد الهدنة في ضوء المساعي السعودية الأميركية.

المبعوث الأممي هانس غروندبرغ يبحث في عمان إمكانية تجديد الهدنة في اليمن/ إنترنت + وكالات

حول ذلك، يعلق الخبير في الشأن اليمني، محمد شجاع، قائلا إن، إيران تمتلك مشروع توسعي ليست وليدة اللحظة، لذ من المستحيل التوقف عن تغذية هذه الأفكار مثلها مثل أي دولة لديها أبعاد استراتيجية، مع فارق الأدوات المستخدمة في تبني ودعم هذا المشروع في المنطقة والقرن الإفريقي القائم على الفوضى والأفكار الدينية المتطرفة، والتحشيد الذي تعج به بعض العواصم والمدن العربية وبعض مناطق من إفريقيا، لافتا إلى أن إيران تؤسس لمشروعها من خلال العزف على الوتر الديني الخاص بها.

شجاع وفي حديث لموقع “الحل نت”، لا يعتقد أن يكون على المدى المنظور أي تحول في عملية سلام تدعمها إيران في اليمن، مشيرا إلى أن نشاطاتها في دعم “الحوثيين”، أصبح التزام أخلاقي وديني وجزء من حركة التشيع وفرض واقع جديد سيكون مؤلما على الجميع.

أما عن الجهود الأميركية السعودية في تجديد الهدنة، لفت الخبير في الشأن اليمني، بأن الهدنة ستستمر وقد تنجح، لكنه لا يُخفِ مخاوفه من استمرار التجاوزات وعمليات القتل وفرض العُقد التي تؤجل أي تحول حقيقي يلمسه المواطن، مشيرا إلى أن مشكلة اليمن تم تعقيدها بالأطراف المتداخلة والوسطاء الذين لا يلعبون أي دور سوى الإدانات والتصريحات والتحذير من أزمة إنسانية خانقة، ومحاولة استجداء الأطراف المانحة دفع مزيدا من الدعم باسم هذا البلد.

شجاع أشار إلى أن، “الحوثيين” يعبثون بالنسيج الاجتماعي واللعب على وتر الطائفية بشكل مخيف، بينما لا تزال بقية الأطراف الماسكة بالملف اليمني لا تتوقف عند ذلك ولا تزال تناقش عملية السلام، بيد أنها حتى الآن لم تحقق تقدم وهذا ما يدفع اليمنيين إلى التشاؤم والخوف وعدم الثقة.

يشار إلى أنه، منذ انتهاء هدنة الأشهر الستة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، رفضت جماعة “الحوثي” مساعي تجديدها وتوسيعها لتشمل دفع الرواتب وتحسين الظروف الإنسانية، مع تعمدها شنّ هجمات عدائية على موانئ تصدير النفط في المناطق المحررة، حيث محافظتي حضرموت وشبوة، لتحرم الحكومة الشرعية من العائدات التي تسخرها لتحسين الخدمات ودفع الرواتب والنفقات التشغيلية الحتمية للمؤسسات.

اليمن والزخم الإقليمي والدولي

عودة الأمل لإمكانية التوصل لسلام شامل في اليمن بجهود سعودية أميركية، تأتي بعد أن شهد الموقف بين الرياض و”الحوثيين” تقارب غير مسبوق، تجلّى في زيارة وفد سعودي إلى صنعاء، وفي ضوء الحديث عن إمكانية التوصل إلى هدنة طويلة الأمد في اليمن والتي يُفترض الإعلان عنها قريبا.

وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني يتهم إيران بتعطيل التوصل إلى الهدنة/ إنترنت + وكالات

لكن ما يثير الشكوك حول ذلك، هو موقف “الحوثيين” فيما إذا كانوا جادّينَ بالتوصل إلى السلام من عدمه، فضلا عن موقف إيران الذي لا تبدو ملامحه واضحة بعد فيما إذا كانت راغبة بالسلام، أم أن ما يجري يأتي في سياق ترطيب الأجواء مع الرياض التي ترفض بشكل قاطع استمرار “حكومة الحوثيين” وتدعم وحدة اليمن.

ذلك يأتي في الوقت الذي عُرفت فيه الجهود الجارية لتحقيق السلام في اليمن، زخما إيجابيا طيلة الفترة الماضية، كان من أبرز مظاهرها إتمام صفقة تبادل كبرى للأسرى بين “الحوثيين” والسلطة الشرعية.

إذ إن تقارب السعوديين “والحوثيين” المطّرد جاء في ضوء تصاعد مساعٍ إقليمية ودولية لتجديد الهدنة، المنتهية منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي بين الحكومة و”الحوثيين” على خلفية تجديدها مرتين خلال العام الماضي، ورفض الجماعة الموالية لإيران تجديدها ما لم تحقق شروطها.

اليمن يعاني منذ نحو تسع سنوات من حرب مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده السعودية، وقوات “الحوثيين”، المدعومين من إيران والمسيطرين على عدة محافظات منذ 2014، لكنه، بحسب خبراء، فإن مصير البلاد لا بد وأن يذهب نحو السلام، وذلك بالنظر إلى المتغيرات الإقليمية والدولية التي لا شك ستطال اليمن. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات