ضمُّ جميع الجنود المتطوعين الذين يقاتلون مع روسيا بما فيهم مجموعة “فاغنر” المصنفة “إجرامية” بشكل رسمي لصفوف الجيش الروسي أثار جدلا واسعا حول قدرة وسمعة ثاني أقوى جيوش العالم، الذي انتقل من وهم العظمة إلى الحقيقة على أرض الواقع في أوكرانيا.

في الآونة الأخيرة، ظهرت تصريحات تتعلق بهذا الأمر، حيث اتهم قائد مجموعة “فاغنر”، الذي يُعدّ جزءا من الميليشيات، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، بالقيام بأفعال تهدف إلى تقويض جهود الجيش وتحطيم قدراته. ومن بين هذه الاتهامات، تعمّد حرمان قواته من الذخيرة والدعم، بالإضافة إلى سحب مجموعته من منطقة باخموت.

تصريحات قائد المجموعة المصنّفة على قوائم “الإجرام” الدولية، جاءت بعد أن قرر وزير الدفاع الروسي الطلب من جميع الجنود المتطوعين الذين يقاتلون مع القوات الروسية بما فيهم عناصر “فاغنر” توقيع عقد رسمي مع الاتحاد الروسي بحلول الأول من تموز/يوليو القادم، حيث تأتي هذه الخطوة من شويغو، في ظل توتر العلاقات مع بريغوجين، وتزايد الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي بسبب نقص قدراته القتالية، خاصة في العمليات الليلية.

إن الواقع الميداني يؤكد أن الجيش الروسي يواجه تحديات جمّة ويحتاج إلى إجراءات جذرية لتعزيز قدراته وتحسين أدائه، ولكن اللجوء إلى توقيع عقود رسمية مع ميليشيات مصنّفة “إجرامية” دوليا يبعث بتساؤلات عديدة، أبرزها ما هو التقييم الفعلي للقوات الروسية لمستوى التجهيز والتسليح الحالي للجنود في المعارك، وماذا يعني ضم المليشيات لثاني أقوى جيش في العالم، أيضا كيف يمكن أن تؤثر هذه المشاكل الداخلية في قدرة الجيش الروسي على تحقيق أهدافه العسكرية.

فشل المخابرات العسكرية الروسية في تقديراتها

خسائر متزايدة تكبدها الجيش الروسي منذ بدء هجوم أوكرانيا المضاد ضد روسيا، إذ لم تعترف موسكو رسميا بتقدم القوات الأوكرانية في المراحل الأولى من هجومها المضاد، فعمليا حقّقت وحدات الجيش الأوكراني نجاحات تكتيكية في جميع القطاعات التي تهاجم فيها، حيث تحاول القوات الأوكرانية إخراج القوات الروسية من ضواحي مدينة باخموت المدمرة، التي استولت عليها موسكو الشهر الماضي.

جنود أوكرانيون بموقعهم على خط المواجهة بالقرب من باخموت - إنترنت
جنود أوكرانيون بموقعهم على خط المواجهة بالقرب من باخموت – إنترنت

الحديث عن خسارة الجيش الروسي في باخموت، كان قد تنبأ به زعيم مجموعة “فاغنر”، يفغيني بريغوجين، في نهاية أيار/مايو الفائت، عندما طلبت منه القيادة العسكرية الروسية إخلاء المنطقة على حساب الجيش الروسي والقوات الشيشانية الموالية لها، حيث حذر بريغوجين من تعرض روسيا لـ”ثورة” إذا ما استمرت الجهود الحربية المتعثرة في أوكرانيا، إذ إن القوات الروسية غير مستعدة لمقاومة نظيرتها الموالية لأوكرانيا.

لروسيا سجل وتاريخ طويل في السرية غير العادية فيما يتعلق بخسائرها في الحرب؛ لذلك منذ غزت أوكرانيا، وصلت قائمة الوفيات المؤكدة إلى أكثر من 25 ألف فرد وهو ما يمثل الحد الأدنى للخسائر الإجمالية لروسيا، بحسب ما وثّقته شبكة “بي بي سي” البريطانية.

في ظل الهجمات الأخيرة، وبفضل المعدات التي يوفرها الغرب لأوكرانيا والتي تشمل كل شيء من نظارات الرؤية الليلية والمناظير إلى الطائرات بدون طيار المجهزة بالتصوير الحراري، بالمقابل التجهيز السيئ للجندي الروسي حيث وصفت القوات الروسية أنها أرسلت إلى معركة بأسلحة صدئة من الحقبة السوفيتية، قررت وزارة الدفاع الروسية إجراء تغييرات في هيكلية الجيش.

هذه التغيرات سبقتها إرهاصات، من اشتباك لفظي بين مرتزقة “فاغنر” وقادة الجيش الروسي، وهجوم الحليف المقرب للرئيس الشيشاني رمضان قديروف، على قائد قوات “فاغنر”، بعد أن أشار الأخير إلى أن كتيبة “أخمات” الشيشانية تفتقر على الأرجح إلى القدرة على احتلال منطقة “جمهورية دونيتسك”، فضلا عن اتهام بريغوجين لقيادة الجيش الروسي برفض إيصال الإمدادات العسكرية لقواته، ما أجبره على الخروج بتسجيلات مصورة يشتم فيها قيادة الجيش الروسي.

الاقتتال الداخلي بين حلفاء “الكرملين” وفتحه لصندوق “باندورا” من الانقسامات والمعطيات السابقة، يعتقد القائد الروسي السابق إيغور جيركين، أن بوتين قد فكر مؤخرا في هذه المسألة وانحاز إلى شويغو، وحكم بأن على بريغوجين الاستماع إلى أوامر وزير الدفاع، إلا أنه سيحاول على الأرجح تأخير تنفيذ أي أوامر تتطلب منه الانصياع لشويغو، حتى لو كانت تلك التفويضات من بوتين نفسه، لأن زعيم مجموعة “فاغنر” يعتقد أن روسيا لا تزال تعتمد على قواته لإحراز تقدم في أوكرانيا.

لا توجد طريقة سوا ضم الميليشيات؟

في وقت سابق من هذا الشهر، تم القبض على اللفتنانت كولونيل بالجيش الروسي، رومان فينيفيتين، واحتجز لفترة وجيزة من قبل مجموعة “فاغنر”، وهي إشارة أخرى على تصاعد التوترات بين المجموعة والقيادة العسكرية الروسية. واتهم فينيفيتين منذ ذلك الحين بريغوجين بتقويض مصالح روسيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كلمة خلال مشاركته في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي - إنترنت
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كلمة خلال مشاركته في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي – إنترنت

العقيد المتقاعد والخبير العسكري، ميخائيل خودارينوك، أوضح لـ”الحل نت”، أن لانسحاب القوات الروسية من باخموت يرجح أن يكون له تأثير سلبي على جاهزية جيش موسكو. فمن خلال الانسحاب من المنطقة، قد تفقد القوات الروسية سيطرتها على المواقع الاستراتيجية وربما تضعف وجودها العام في المنطقة، وهذا يمكن أن يعيق قدرتهم على الاستجابة بفعالية لأي تطورات أخرى في النزاع ويحدّ من قدراتهم العملياتية.

خودارينوك، لفت إلى أن رفض بريغوجين لطلب شويغو لتطويع عناصره ضمن الجيش الروسي قد ينبع من عدة أسباب، أحد الأسباب المحتملة هو أن بريغوجين قد ينظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة من قبل شويغو لممارسة سيطرة أكبر على مجموعة “فاغنر”، التي تعمل كشركة عسكرية خاصة، وأيضا قد يكون بريغوجين قلقا بشأن فقدان الاستقلالية أو التأثير على أنشطة المجموعة من خلال إخضاعها لعقود رسمية.

أيضا يرى الخبير العسكري الروسي، أن عدم وجود أسلحة ودروع وتكنولوجيا قتالية حديثة يؤثر سلبا على جاهزية الجنود الروس وقدراتهم القتالية، فبشكل عام يمكن للفجوة التكنولوجية بين القوات الروسية وخصومها المحتملين أن تضعهم في وضع غير مؤات في الحرب الحديثة، لذلك قرر بوتين ضم أية ميليشيات بشكل رسمي للجيش الروسي من أجل تعويض النقص، وزجهم في محرقة.

تقييم المستوى الحالي للمعدّات والتسليح للقوات الروسية في المعركة يوصف بأنه غير كاف. إذ يقال أن الجنود ضعيفو التجهيز، ويعتمدون على أسلحة صدئة تعود إلى الحقبة السوفيتية. ويشير هذا إلى أن المعدات والأسلحة المقدمة للقوات الروسية قد لا تفي بالمعايير المطلوبة للحرب الحديثة. ويمكن أن يؤدي استخدام الأسلحة القديمة إلى إعاقة فعاليتها القتالية وتقليل فرص نجاحها في ساحة المعركة.

الجيش الروسي منهك ومحطم

الخبراء العسكريون الذين راهنوا على فشل المخابرات العسكرية الروسية في تقديراتها عند بداية غزو روسيا لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022 يُعدون على الأصابع. فبعد عام من الهجوم الروسي على أوكرانيا، ظهرت معاناة ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم. ووصل بها الأمر إلى حدِّ فقدان السيطرة الكاملة على منطقتي لوغانسك ودونيتسك بشرق أوكرانيا، وذلك رغم الخسائر المادية والبشرية الهائلة التي كلفت موسكو.

عناصر الجيش الروسي خلال تواجدتهم على جبهات القتال في أوكرانيا - إنترنت
عناصر الجيش الروسي خلال تواجدتهم على جبهات القتال في أوكرانيا – إنترنت

وفق بيان لوزارة الدفاع الروسية، الأربعاء الفائت، تقوم “قوات أحمد”، أو ما تسميها بمفارز “أخمات”، ولواء البندقية الآلي الخامس، بإجراء عمليات هجومية على محور مارينكا، وفي وقت سابق، أعلن رئيس الشيشان رمضان قديروف، على “تليغرام”، أن الوحدات الشيشانية تلقت أمرا بإعادة انتشار قواتها على محور مارينكا وفي زاباروجيا وخيرسون  لاحتلال عدد من البلدات.

على إثر تصريحات قائد مجموعة “فاغنر”، انتقد رئيس “البرلمان” الشيشاني، ماغوميد داودوف، تصريحات بريغوجين واصفا حديثه اليومي الذي ينتقد قيادة الجيش الروسي، بأنه يثير حالة من الذعر بين سكان البلاد. وأن الاقتتال الداخلي في “الكرملين” فتح صندوق “باندورا” من الانقسامات.

الترسانة العسكرية الروسية بقدراتها المختلفة على غرار الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت وقوة الردع النووي، تعتبر محل فخر ومركز اهتمام بالغ لسياسة فلاديمير بوتين الخارجية على مدى عقدين، خصوصا إبّان غزو جورجيا في العام 2008، والحرب في منطقة دونباس منذ العام 2014 أو أثناء التدخل في سوريا العام 2015.

إلا أن طلب انضمام الميليشيات بكافة أنواعها تحت مسمى “متطوعين” إلى الجيش الروسي يشير بحسب خودارينوك، إلى أن هذه الترسانة وأداء الجيش الروسي بات ضعيفا، خاصة فيما يتعلق بمعارك تستعمل فيها أسلحة وجيوش مشتركة كالمشاة والدبابات والمدفعية والطائرات والبحرية وغيرها.

المشاكل الداخلية التي يواجهها الجيش الروسي، مثل العلاقات المتوترة مع بريغوجين، ونقص المعدات الحديثة، واستنفاد القوات، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على قدرته على تحقيق أهدافه العسكرية. ويمكن أن تؤدي هذه القضايا إلى انخفاض الروح المعنوية، وانخفاض الفعالية التشغيلية، والجاهزية للخطر. 

قد تؤدي الانقسامات والخلافات الداخلية إلى إعاقة التنسيق ووحدة القيادة ، مما يجعل من الصعب تنفيذ العمليات العسكرية بكفاءة. يمكن أن يؤدي الاعتماد على المعدات القديمة والتكنولوجيا غير الكافية إلى خلق نقاط ضعف في ساحة المعركة ويحدّ من قدرة الجيش على مواجهة الأعداء المتفوقين تقنياً. في نهاية المطاف ، يمكن لهذه المشاكل الداخلية أن تقوض الفعالية الكلية للجيش الروسي وربما تعرقل قدرته على تحقيق أهدافه الاستراتيجية.

موسكو تعتقد أنه إذا كان بإمكانها التخندق والتشبث بالأرض التي سيطرت عليها، فإن الدعم الغربي لأوكرانيا سيتراجع في النهاية. لكن إذا تمكنت أوكرانيا من اختراق التحصينات الروسية في هجومها المضاد الذي يجري التخطيط له منذ فترة طويلة، فإن القوات الروسية المستنزفة وعديمة الخبرة قد تواجه انهيارا كبيرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة