بعد أن باشرت قوات “أحمد” الشيشانية قتالها شرقي أوكرانيا، محرزة تقدم في بلدة مارينكا جنوب غربي دونيتسك، في وقت تنزوي قوات “فاغنر” الروسية من أرض المعارك؛ استعدادا لظهور عسكري أو سياسي مفاجئ، بدأ حلف الدولة الروسية يشهد تصدعا كبيرا خصوصا بعد اندلاع الخلاف بين اثنين من أقوى حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

آدم ديليمخانوف، الحليف المقرب للرئيس الشيشاني رمضان قديروف، هاجم قائد قوات “فاغنر” المصنفة “إجرامية”، بعد أن أشار الأخير إلى أن كتيبة “أخمات” الشيشانية تفتقر على الأرجح إلى القدرة على احتلال منطقة “جمهورية دونيتسك”.

الاقتتال الداخلي بين حلفاء “الكرملين” يفتح صندوق “باندورا” من الانقسامات، ويثير تساؤلات حول مدى تأثير هذا الخلاف على الدولة الروسية ومستقبلها، فضلا عن مآلات هذا الخلاف على موسكو، وكيف سيؤثر هذا الصراع الداخلي على استقرار ووحدة الدولة الروسية.

فصائل “الكرملين” تدمر الدولة الروسية

يفغيني بريغوجين هاجم قوات “أخمات” وهي وحدات قتالية شيشانية، قائلا إن الكتيبة قد تكون قادرة على احتلال مناطق معينة، ولكن ليس المنطقة بأكملها. وردا على ذلك، تحدث ديليمخانوف في فيديو، معلنا أن قوات “أحمد” تحقق الأهداف التي حددها القائد العام للقوات المسلحة، في إشارة إلى بوتين.

قديروف وبوتين في نوفو ـ أوغاريوفو قرب موسكو - "فرانس برس"
قديروف وبوتين في نوفو ـ أوغاريوفو قرب موسكو – “فرانس برس”

وفق بيان لوزارة الدفاع الروسية، الأربعاء الفائت، تقوم “قوات أحمد”، أو ما تسميها بمفارز “أخمات”، ولواء البندقية الآلي الخامس، بإجراء عمليات هجومية على محور مارينكا، وفي وقت سابق، أعلن رئيس الشيشان رمضان قديروف، على “تليغرام”، أن الوحدات الشيشانية تلقت أمرا بإعادة انتشار قواتها على محور مارينكا وفي زاباروجيا وخيرسون  لاحتلال عدد من البلدات.

على إثر تصريحات قائد مجموعة “فاغنر”، انتقد رئيس البرلمان الشيشاني، ماغوميد داودوف، تصريحات بريغوجين واصفا حديثه اليومي الذي ينتقد قيادة الجيش الروسي، بأنه يثير حالة من الذعر بين سكان البلاد. وأن الاقتتال الداخلي في “الكرملين” فتح صندوق “باندورا” من الانقسامات.

بريغوجين ذكر في تصريح آخر أن الخلاف بينه وبين القوات الشيشانية التي تقاتل أيضا إلى جانب الجيش الروسي في أوكرانيا قد تم حلّه. لكنه ألقى باللوم في الخلاف على فصائل مجهولة في “الكرملين” والتي يسميها “أبراج الكرملين”، وقال إن مكائدهم خرجت عن السيطرة لدرجة أن بوتين أُجبر على توبيخهم في اجتماع لمجلس الأمن.

قائد مجموعة “فاغنر” لفت إلى أن أي معركة بين القوات الخاصة بقيادة رمضان قديروف و”فاغنر” ستؤدي إلى إراقة الدماء لكن ليس هناك شك في مَن سيفوز. كما أعرب مرة أخرى عن غضبه بشأن الوضع الحالي للحرب، وأن وزارة الدفاع ليست في وضع يمكّنها من فعل أي شيء على الإطلاق لأنها غير موجودة على أرض الواقع التي يشوبها حالة من الفوضى.

خلافات قيادية عميقة.. هل انفرط العقد؟

الاشتباك اللفظي الأخير بين مرتزقة “فاغنر” وقادة الجيش الروسي حظي باهتمام كبير بسبب تأثيره على العمليات العسكرية وانعكاساته المحتملة على القيادة الروسية. فوفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، يمثل هذا الصراع خلافا ملحوظا بين مالك شركة “فاغنر” والقيادة العسكرية الروسية العليا، وهو الأول من نوعه منذ الغزو الأوكراني قبل أكثر من عام. 

يفغيني بريغوزين أما مقبرة لمقاتلي "فاغنر" - إنترنت
يفغيني بريغوزين أما مقبرة لمقاتلي “فاغنر” – إنترنت

المحلل والسياسي الروسي، أليكاس موخين، أوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن نتيجة الخلاف بين يفغيني بريغوجين ورمضان قديروف بالنسبة للدولة الروسية غير مؤكدة في هذه المرحلة. ومع ذلك، فإن مثل هذا الاقتتال العلني بين كبار حلفاء الرئيس بوتين يمكن أن يضعف صورة الدولة الروسية الموحدة والقوية. وقد يثير تساؤلات حول الانقسامات الداخلية والصراعات على السلطة داخل “الكرملين”، مما قد يؤثر على الاستقرار العام وفعالية الحكومة الروسية.

أصبح الخلاف بين بريغوجين وقديروف علنيا عندما انتقد آدم ديليمخانوف، وهو حليف مقرب من رمضان قديروف، بريغوجين عبر قناته على “تلغرام”. كان الدافع وراء الاشتباك اللفظي هو اقتراح بريغوجين بأن كتيبة “أخمات” الشيشانية تفتقر إلى القدرة على احتلال منطقة “جمهورية دونيتسك” الأوكرانية. ويبدو أن تصريح بريغوجين هذا قد أساء إلى قديروف وحلفائه، مما أدى إلى رد ديليمخانوف العلني.

هذا الصراع الداخلي داخل “الكرملين” بحسب موخين لديه القدرة على التأثير على استقرار ووحدة الدولة الروسية. ويسلط الضوء على الانقسامات وتضارب المصالح بين الشخصيات المؤثرة المقربة من بوتين. 

ففي حين أنه ليس من غير المألوف أن تحدث صراعات على السلطة داخل الدوائر السياسية، فإن الطبيعة العامة لهذا النزاع قد تقوض تصور القيادة الموحدة. كما أنه يشير إلى عدم قدرة موسكو على ضبط عمليات صنع القرار داخل الحكومة الروسية ويحتمل أن يؤثر على قدرتها على الاستجابة بفعالية للتحديات.

تحولات وسيناريوهات تغيير الخريطة السياسية

الصراع بين زعيم مرتزقة “فاغنر” والجيش الروسي يختمر منذ فترة عندما بدأت المجموعة التي يدعمها “الكرملين” اقتحام منطقة باخموت شرقي أوكرانيا، ورفض الجيش الروسي إيصال الإمدادات العسكرية لها، ما أجبر زعيم المجموعة على الخروج بتسجيلات مصوّرة يشتم فيها قيادة الجيش الروسي.

يفغيني بريغوزين، إلى اليسار، يقدم الطعام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين - إنترنت
يفغيني بريغوزين، إلى اليسار، يقدم الطعام للرئيس الروسي فلاديمير بوتين – إنترنت

هناك احتمال أن يتصاعد هذا النزاع أكثر وفقا لحديث المحلل السياسي الروسي، فاتسلاف ماتوزوف، لـ”الحل نت”، وأن يكون له تداعيات أوسع على السياسة الروسية. حيث تشير مشاركة شخصيات بارزة مثل بريغوجين وقاديروف إلى أن نزاعهم قد يكون له جذور أعمق وتداعيات تتجاوز هذا الحادث المحدد. 

إذا اشتد الصراع، فقد يؤدي إلى تشكيل فصائل أو تحالفات داخل النخبة السياسية الروسية، مما قد يؤثر على توازن القوى وعمليات صنع القرار. وربما يكون للاقتتال الداخلي داخل الكرملين عواقب مختلفة على سياسات روسيا الداخلية والخارجية. 

على الصعيد المحلي، قد يؤدي ذلك بحسب ماتوزوف، إلى حدوث تغيير في ديناميكيات السلطة ويؤثر على تكوين الدائرة الداخلية لبوتين. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تحولات أو تعديلات في السياسة حيث تتنافس شخصيات جديدة على السلطة أو تسعى إلى تعزيز مواقفها. 

فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، قد يؤثر الجو العام للانقسامات الداخلية على صورة روسيا واستقرارها المتصور، مما قد يؤثر على كيفية تفاعل الدول الأخرى مع روسيا في الأمور الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية.

داخليا بحسب ماتوزوف، من المرجح أن تختلف ردود أفعال الشعب الروسي على الخلاف المعلن بين بريغوجين وقديروف، فقد يتابع بعض الأفراد التطورات عن كثب ويحللون الآثار المحتملة على قيادة البلاد واستقرارها. ومع ذلك، من المهم معرفة أن الحكومة الروسية لديها سيطرة صارمة على وسائل الإعلام ونشر المعلومات، والتي يمكن أن تؤثر على مدى وعي الجمهور ومناقشة مثل هذه النزاعات. 

على الصعيد الدولي، قد تنظر الحكومات والمراقبون إلى هذا الاقتتال الداخلي على أنه مؤشر على التوترات الكامنة والصراعات على السلطة داخل الدولة الروسية، مما قد يؤثر على تصوراتهم لاستقرار روسيا وقدرتها على التنبؤ كفاعل جيوسياسي.

ظهور توترات خفية داخل المؤسسة العسكرية والسياسية الروسية، كما كشفها موقف مجموعة “فاغنر”، يعني أن استقرار الحكم في البلاد بات على المحك. فارتباط هذه المجموعة بالمخابرات وقدرة زعيمها على ابتزاز القيادة العسكرية الروسية علنا لا يدل إلا على أن الانقسامات الداخلية حدثت بالفعل، وأن الصراعات وصلت إلى داخل أعلى مستويات الحكومة الروسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات