من المفارقات في تاريخ سوريا أن يتم إحياء أضخم حفل موسيقي في أكبر المعارض بسوريا بعد السيدة فيروز، بعض المغنين الشعبيين الذين ليس لهم تأثير فني كبير.

قديما كانت فيروز هي التي تحيي حفل مدينة المعارض بدمشق، واليوم بعد إعادة افتتاح هذه الحفلات، يتصدر عرضها بعض المطربين الشعبيين مثل بهاء اليوسف السوري و”دي جي” كلوي اللبنانية.

هذا الأمر سبق أن انتقده كثيرون من السوريين، واليوم أعربوا أيضا عن مدى تراجع مستوى الفن والإبداع في البلاد، بالإضافة إلى إثارة حفلة “دي جي” كلوي، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبروه انفصالا عن الواقع السوري، خاصة كمية الكهرباء والإضاءة الموجودة، حيث أثيرت الحفلة شهية السوريين للكهرباء المفقودة بشكل شبه كلي في البيوت.

جدل حول الحفلة

قبل أيام، أحيت “دي جي” كلوي حفلا شهد إقبالا كبيرا من الشباب السوري وفق الفيديوهات التي تم تداولها عبر مواقع السوشيال ميديا. والحفلة أقيمت على أرض المعارض القديمة بدمشق وتراوح سعر البطاقة بين 50 و100 ألف ليرة سورية، وفق موقع “سناك سوري” المحلي مؤخرا.

إزاء ذلك، أعرب البعض على مواقع التواصل الاجتماعي عن دهشتهم من كمية الكهرباء الموجودة في حفل “دي جي” كلوي، وسط ساعات التقنين الطويلة التي يعيشون فيها بالتزامن مع حلول فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة تدريجيا. كما وانتقدوا هكذا نوعية من الحفلات في بلد يعاني من جملة من الأزمات.

أحد المتابعين كتب حول ما إذا كانت دمشق هي ذاتها الشام، التي يعانون فيها من تقنين كهربائي، وصعوبة المواصلات وارتفاع تكاليف المعيشة والإيجارات. وكثيرا ما تتحول مثل تلك الحفلات لتُحدث جدلا. وعلقوا قائلين “الصراحة المستوى يلي وصلنا له بيرفع الراس.. انقسام المجتمع لقسمين بشكل مخيف واضح وكتير، هاي بسيريا مو بسوريا، بسوريا الواقع غير، هي دامسكوس ولا دمشق”، وفق فيديو منشور على منصة “كيو بروكرام”.

بينما رحب بعض المعلّقين على الفيديو بالحفل، معتبرين أنه يدل على أن “الأمور بسوريا رجعت أحسن من قبل”، وأن “سوريا بخير”، داعين إلى إقامة حفلات مشابهة في محافظات أخرى كحلب.

ردا على هذه الانتقادات، قالت “دي جي” كلوي، في لقاء مع إذاعة “نينار إف إم” مؤخرا، إن ثقافة الـ”دي جي غير مألوفة بشكل عام في المجتمعات العربية وخاصة للفتيات، وأشكر جميع من انتقدني”.

من جانب آخر، انتقد آخرون إحياء مثل هكذا حفلات التي اعتبروها تدعيم للفن الهابط، ولفتوا إلى ضرورة جلب فنانين لهم تاريخ فني عريق كالسيدة فيروز أو حتى بعض الفنانين القديرين الآخرين، معلقين بالقول “إس الله على أيام فيروز لما كانت بالسبعينيات بتغني بالمعرض نفسه، شام أنتِ المجد لم يغب، ويا شام عاد الصيف”.

كما وأشاروا إلى مدى التفاوت بين السابق والوقت الراهن، “حاليا أرض مدينة المعارض صارت لحفلات الدي جي، ومطربين شعبيين من قبيل علي الديك وبهاء اليوسف الي بغني أغانٍ هابطة جدا، مثل حبي دبي، ولحالي أحلالي وعلوا أنساكي”.

المنظمين لهذه الحفلات افتتحوا هذا موسم الصيف الجاري بحفلة “دي جي” وليس بحفلات مطربين وفنانين كما في الصيف الفائت، وربما لعدم قدرة الناس على دفع التذاكر التي من المفترض أن تكون أعلى سعرا بالنسبة لأي مطرب قادم من خارج سوريا.

بعض التقارير المحلية أشارت إلى أن أسعار تذاكر الحفل كانت أكثر من المعلن عنه، حيث كانت تباع بعض البطاقات في السوق السوداء ما بين 200 ألف و500 ألف ليرة سورية، وهو يمثل ضعفين إلى خمسة أضعاف راتب الموظف الحكومي.

فيروز في أرض المعارض

اسم السيدة فيروز ارتبط بمعرض دمشق الدولي الذي أُعيد افتتاحه بدورته الـ 59 عام 2017 بعد خمس سنوات من الانقطاع، بسبب الأزمة، وتواردت أخبار آنذاك على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي  للحديث عن حضور السيدة فيروز افتتاح المعرض والغناء في حفل خاص.

كما انتشرت شائعات قالت إن السيدة فيروز وافقت على افتتاح معرض دمشق الدولي لهذا العام بعد مفاوضات مع إدارة المعرض ولكن السيدة فيروز اشترطت تخفيض سعر البطاقات كي يتمكن أكبر عدد من المواطنين من الحضور، وبدأت ذكريات المعرض وصوت فيروز وهي تغني “يا شام عاد الصيف” والعديد من الأغاني والموشحات الأخرى، وفق تقرير سابق لموقع “أثر برس” المحلي.

في حين ذكرت مصادر من وزارة الإعلام السورية أن السيدة فيروز لم تثبت بعد مشاركتها في معرض دمشق الدولي وأن كل ما يُقال عبر مواقع التواصل الاجتماعي هي مجرد شائعات حتى الآن، حيث ردّت ريما الرحباني ابنة السيدة فيروز ردا حاسما في ذلك الوقت عبر حسابها الشخصي على منصة “فيسبوك” ونفت ما نُشر عن مشاركة والدتها في الافتتاح وطلبت من الجمهور عدم تصديق كل ما يُنشر على الصفحات غير الموثوقة  والمشاركة في نشر الإشاعة، وفي حال تم القبول سيتم نشره عبر الصفحات الرسمية للسيدة فيروز.

هذا وقد شاركت السيدة فيروز في حفلات معرض دمشق الدولي منذ عام 1956، وسجلت آخر دخول إلى دمشق عام 2008 حين أحيت مسرحية الرحابنة “صح النوم” على مسرح “دار الأوبرا” بدمشق بمناسبة الاحتفال بدمشق عاصمة للثقافة العربية في ذلك العام.

في السنوات السابقة أحيا المطرب الشعبي بهاء اليوسف أرض مدينة المعارض بدمشق، إلى جانب علي الديك ووفيق حبيب، بعد أن كانت السيدة فيروز تغني فيه، على الرغم من أنه يجب أن يكون هذا الحدث السنوي أكبر من المستوى الحالي، وهذا يعني أن مستوى الاهتمام بالفن تراجع كثيرا، وحتى مستوى الدراما الحالية يعزز هذه الفرضية.

أنشطة غنائية أخرى

في وقت سابق، ووسط غلاء الأسعار بشكل “خيالي”، تمّ تداول مسألة أسعار بطاقات حفل “عيد السيدة” بوادي النصارى بريف حمص الذي أقيم في الصيف الماضي، الأمر الذي أثار استياء وغضب الكثير من السوريين، حيث كان لافتا أن ثمن بعض البطاقات بلغ نصف مليون ليرة سورية.

صفحات على منصة “فيسبوك”، انتشرت فيها إعلانات ترويج الحفلات التي أقيمت في 14 من آب/أغسطس 2022، في وادي النصارى بريف حمص الغربي، لمغنين سوريين ولبنانيين. وبحسب ما تم تداوله، تتدرج البطاقة للحفل الواحد من 200 ألف ليرة سورية، إلى 400 ألف و500 ألف لنجوم لبنانيين وسوريين، أما حفلات المطربين الشعبيين، بدأ سعر البطاقة من 75 ألفا إلى 250 ألف ليرة سورية، في وقت شهدت جميع فنادق المنطقة حجوزات مكتملة قبل موعد العيد بأسبوعين.

من بين الفنانين اللبنانيين الذين شاركوا في الحفلات، فارس كرم ورامي عياش وزياد برجي، ووصلت سعر بطاقة حفلة كرم إلى 500 ألفا، أما عياش وبرجي فكانت تُباع بـ 350 ألفا.

أما الفنانين والمغنين السوريين، وفيق حبيب وعلي الديك وأخوه حسين الديك، حيث وصلت سعر بطاقة حفلة وفيق إلى 400 ألفا، أما علي الديك فوصلت إلى 275 ألفا، و حسين الديك فكانت تُباع أعلى فئات بطاقات حفلته بـ 350 ألف ليرة سورية.

كما أحيا ناصيف زيتون في الـ 24 تموز/يوليو من العام الفائت، فعاليات مهرجان “ليالي قلعة دمشق”، والمهرجان، كان برعاية “وزارة السياحة ووزارة الثقافة السورية”، ومحافظة دمشق وشركة “سيرتيل”، أما التنظيم فكان من شركة “مينا للفعاليات الثقافية والفنية” التي تقوم بتنظيم هذا الحفل منذ عام 2018.

أسعار البطاقات تراوحت بين 25 – 35 ألف ليرة سورية تبعا لصف الحضور، ووصلت إلى 150 ألف ليرة لدرجة الـ”في آي بي”، لكن وفق تقارير صحفية سابقة، فقد وصل سعر بطاقة ناصيف زيتون في السوق السوداء بأكثر من 200 ألف للحضور بالصفوف الأخيرة التي سعر تذكرتها في الأساس، كان مقدرا بـ 25 ألف ليرة فقط.

في ذلك الوقت تفاعل عدد كبير من السوريين مع هذه الإعلانات بتعليقات ساخرة وغاضبة، حيث كتب حساب أحدهم “يشتري المرء شوال من السكر، وكم علبة متة، وبزيد معي”، وأضاف آخر بشكل ساخر من رواتب الموظفين “على أساس الشعب السوري طفران وفقير ومامعو ياكل، إذا سعر البطاقة لأقل واحد بنص راتب الموظف أو يمكن هني ما بدهم الموظفين..”.

تعليقات أخرى جاءت مختلفة فيما يخص أسعار البطاقات، قائلين “معقول في حدا بيدفع نص مليون ليحضر وديع الشيخ أو وفيق حبيب وبهاء اليوسف”. وفي السنوات الماضية وحتى اليوم انخفضت مستوى السياحة في البلاد بشكل كبير.

بالنظر إلى هذه الأرقام فإنها لا تتناسب أبدا مع رواتب ومداخيل المواطنين، وبالتالي هذه الحفلات الترفيهية كغيرها من التصييف في الساحل السوري والشاليهات باتت مقتصرة على المغتربين والطبقة المخملية فقط.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات