وسط الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها الحكومة السورية، يبدو أنها تسعى في الوقت الراهن لإجراء عدة تغييرات من أجل تحقيق إيرادات مالية وبالعملة الصعبة، حيث صدرت عدة قرارات في الأيام الماضية من أجل إنعاش خزينتها بالعملات الأجنبية، واليوم أشارت إحدى الصحف المحلية، إن الحكومة تدرس منح إدارة وتشغيل مطار دمشق الدولي من قبل شركة خاصة لم تسمّها، بنسبة 49 بالمئة.

لكن ثمة شيء لافت في هذا السياق، وهو أن الحكومة السورية منحت الصيف الماضي رخصة لشركة طيران واحدة فقط، وهي شركة “أجنحة الشام” الخاصة، على الرغم من تقديم أكثر من عشرين مستثمرا لتأسيس شركات طيران مدني في سوريا، وادعت دمشق ذلك بسبب العقوبات الدولية المفروضة على سوريا وضعف القدرات المالية لهذه الشركات المقدّمة.

تطويق الاقتصاد السوري

نحو ذلك، نقلت صحيفة “البعث” المحلية، يوم الأحد الماضي عن مصادر وثيقة في “وزارة النقل السورية” أن هذه الدراسة تأتي كنهج حكومي يعوّل عليه الكثير خلال المرحلة القادمة، مبررة هذه الخطة بأنها “قطار التشاركية”، وسيحطّ في مطار دمشق الدولي عبر دراسات وصيغ قانونية يتم التباحث بشأن عقودها، وبموجبها يدخل القطاع الخاص في عمليات استثمار وإدارة وتشغيل المطار بعملياته الجوية والأرضية بحيث تتوزع الحصص بين 51 بالمئة لـ”مؤسسة الطيران العربية السورية” و49 بالمئة للمستثمر الشريك.

المصادر نفسها والتي تحفظت على كشف هويتها، أردفت للصحيفة المحلية بأن النوايا والخطط التي يتم نقاشها وبحثها في الاجتماعات المنعقدة بهذا الشأن، تفيد بأن ثمة ضرورات حيوية لهذه الشراكة بسبب الظروف الخانقة التي يتعرض لها قطاع الطيران المدني في سوريا، وبناء عليه يأتي هذا المشروع لتعزيز حركة المطار العريق.

الشركة الخاصة ستتحمل المسؤوليات التي يتيحها القطاع للعمل في الطيران المدني كتنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع وامتلاك وشراء وإيجار واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران، وفتح فروع داخل وخارج سوريا.

كما وتتحمل الخدمات الأرضية، مثل تأمين البنى اللازمة من معدات وشاحنات ورافعات وعربات أرضية تخدم حركة القدوم والمغادرة وتأمين الصيانة والتأهيل. وأكدت المصادر أن حقوق العمال محفوظة، مشيرة إلى عدم وجود أيّ بند يسمح للشركة الخاصة فصل العمال أو طردهم أو الاستعاضة عنهم، وأضافت “على العكس فإن هناك تطمينات تقول بأن تعويضات وحوافز ومشجّعات العمل لدى فريق المطار الحالي ستزيد وتتضاعف”.

لصالح من هذه الشراكة؟

بالعودة إلى الشركة الوحيدة المرخصة والتي هي شركة “أجنحة الشام” الخاصة، فإن كل المؤشرات تذهب لصالحها، وتعود ملكية هذه الشركة لـ“مجموعة شموط” التجارية التي أسسها رجل الأعمال المقرب من حكومة دمشق محمد عصام محمد أنور شموط، وفق عدة تقارير صحفية.

“مجموعة شموط” كانت تشكل غطاء لكل من رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تعود له ملكية الشركة في الأساس. لكن منذ نحو 3 سنوات استطاعت أسماء الأسد زوجة بشار الأسد عبر تحركات متعددة من سحب البساط تحت رامي مخلوف الذي كان يُعد المحرك الأساسي في اقتصاد دمشق.

خاصة بعدما وجهت أسماء لابن خال زوجها على ما يبدو في النهاية الضربة القاضية إثر تعيين رئيس جديد لمجلس إدارة شركة “سيريتل“، بعد رفع الحراسة القضائية عن الشركة، منتصف شهر تموز/يوليو 2020.

هذا يعني أن الشركة الخاصة التي ستشارك في إدارة وتشغيل مطار دمشق الدولي مدارة بشكل غير مباشر من قبل أسماء الأسد، وهذا ليس بالأمر الجديد والمثير للدهشة، حيث إن هذه السيدة باتت في صدارة الاقتصاد السوري منذ سنوات عديدة.

في شهر نيسان/أبريل الماضي نشرت صحيفة ” فاينانشال تايمز” البريطانية تقريرا مفصلا عن مجلس سري تقوده أسماء الأسد من داخل القصر الرئاسي، يتولى مهمة الهيمنة والتحكم باقتصاد سوريا، لإثراء عائلة الأسد وتمكين نفوذها إلى جانب تأمين التمويل للحكومة السورية.

تقرير الصحيفة البريطانية اعتمد على مقابلات مع 18 شخصية على دراية بآليات عمل دمشق، بينهم رجال أعمال ومديري شركات وموظفين في المنظمات الإغاثية ومسؤولين سابقين في مؤسسات الحكومة السورية.

بحسب الشهادات، فإن أسماء الأسد عملت على مدار سنوات طويلة لبناء شبكة محسوبيات واسعة بالاعتماد على المنظمات الخيرية وغير الحكومية التابعة لها، مثل “الأمانة السورية للتنمية”، بينما تحكمت هي شخصيا بتدفق أموال المساعدات الإنسانية الدولية إلى سوريا، من أجل تمكين عائلة الأسد من إحكام قبضتها على البلاد.

هذا فضلا عن أن أسماء الأسد تهيمن الآن على العديد من القطاعات الاقتصادية في سوريا، بما في ذلك قطاع العقارات والمصارف والاتصالات، عبر شركات وهمية وشخصيات مقرّبة تدير الأعمال بالنيابة عنها من الخارج.

التملّص من المسؤوليات؟

رجال أعمال ومحللون سوريون قالوا للصحيفة البريطانية، إن أسماء وزوجها بشار الأسد وشقيقه ماهر، فككوا معا طبقة التجار التقليدية في سوريا، وابتكروا أساليب جديدة تسمح لهم باستثمار الحرب اقتصاديا لتكوين ثروة شخصية، وبات اسم زوجة بشار الأسد رمزا يشير إلى هذا النظام الاقتصادي الجديد.

رامي مخلوف، الذي كان يسيطر وحده على أكثر من نصف الاقتصاد السوري، كان أبرز من استهدفتهم خطة أسماء الأسد، وأجبرته على تسليم أصوله داخل البلاد، بما في ذلك شركتي “شام القابضة” أكبر شركة سورية و”سيريتل” أكبر شركة للهاتف المحمول في سوريا، طبقا لتقرير الصحيفة.

بالتالي فإن شركة “أجنحة الشام” التي تأسست عام 2007 كأول شركة طيران خاصة، ومنذ عام 2014 أصبحت الناقل الثاني ثم أصبحت الأولى في سوريا، وباتت بديلا عن “الشركة السورية للطيران” التي فُرضت عليها عقوبات أميركية وأوروبية، هي الشركة المرشحة لمشاركة الحكومة في مطار دمشق الدولي، خاصة وأنها الشركة الخاصة الوحيدة المرخصة في البلاد.

هذا القرار لا بد أنه يحمل عدة أهداف ولا بد من طرحها هنا؛ الأول هو أنه طالما أن “الاتحاد الأوروبي”، شطب “أجنحة الشام” من قائمة عقوباته في تموز/يوليو 2022، مبررا ذلك بأن الهدف من عقوبات “الاتحاد الأوروبي”، تغيير سلوك الفرد أو الكيان المستهدف، فإن أسماء الأسد يمكن لها أن تستفيد وإن كان بشكل محدود من تحركات “أجنحة الشام” خارج سوريا.

أما الهدف الآخر وهو بمجرد مشاركة شركة خاصة في إدارة مطار دمشق الدولي فإنه من المحتمل جدا أن تقوم بإصدار تعليمات جديدة، مثل تسعيرة تذاكر الطيران وأجور الشحن وغيرها بالدولار الأميركي، كما صدرت خلال الأيام الماضية بطاقة مسبقة الدفع لمادة البنزين للمغتربين والسياح الوافدين لسوريا، فضلا عن إصدار مجلس النقد والتسليف في “مصرف سوريا المركزي” قرارا تضمن تعليمات خاصة بحيازة العملات الأجنبية والليرة السورية الداخلة إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق والخارجة منها.

حيث بموجب القرار الحكومي يُسمح بإدخال الأوراق النقدية الأجنبية “بنكنوت” حتى 500 ألف دولار أميركي، أو ما يعادلها بالعملات الأجنبية الأخرى، وفي المقابل إخراج 10 آلاف دولار فقط للمغادرين. وبالتالي لا شك أن هكذا قرارات وفق آراء بعض الخبراء هي محاولة الحكومة السورية السيطرة على تفلّت قيمة الليرة السورية أمام النقد الأجنبي من جهة، ورفد خزينتها بالعملة الصعبة من جهة أخرى.

خاصة وقد أعلن مدير عام “مؤسسة الطيران المدني السورية”، باسم منصور، أن المملكة العربية السعودية وافقت على طلب مقدّم من دمشق بشأن إعادة تشغيل الرحلات بين البلدين. وفي تصريحات نقلها موقع “هاشتاغ” المحلي اليوم الثلاثاء، قال منصور إن “العملية بانتظار إتمام شركتي الطيران السورية وأجنحة الشام استعدادهما لبدء التشغيل وعودة الرحلات”، مشيرا إلى أن “منظمة الطيران المدني العربية، التابعة للجامعة العربية، أعلمت الجانب السوري بعودة كامل نشاطاتها وفعالياتها”.

الموقع المحلي نوّه إلى أن “مؤسسة الطيران العربية السورية” بدأت بتجهيز مكاتبها في العاصمة السعودية الرياض، مؤكدا أن الرحلات ستبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك بعد الانتهاء من الإجراءات الفنية. وطبقا لحديث منصور، فإنه في حال عودة الرحلات الجوية بين سوريا والسعودية، سيتم تنشيط الرحلات مع باقي الدول العربية باتجاه دمشق، وسيشجّع الكثير من شركات الطيران إلى العبور عبر الأجواء السورية.

كذلك ونظرا لتعرض مطار دمشق الدولي لعدد من الغارات الجوية الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، نتيجة نقل الميليشيات الإيرانية أسلحة من هناك، يمكن لهذه الشركة الخاصة التي ستعمل قريبا في مطار دمشق منح المزيد من الحركة للميليشيات الإيرانية وتنفيذ عمليات تهريب وأخرى غير شرعية، وذلك بغية تهرّب الحكومة السورية من مسؤولية كل هذا.

صورة تظهر الأضرار في مطار دمشق الدولي بعد ضربات إسرائيلية-“إنترنت”

الحكومة السورية كانت قد أصدرت القانون رقم 5 لعام 2016 الخاص بالتشاركية بين القطاعين العام والخاص، لإنشاء وصيانة وتأهيل وتشغيل البنى التحتية والمشاريع المملوكة من قبل الدولة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات