ضمن استمرار تداعيات تغير المناخ على العالم والمواطنين، حيث باتوا أمام تهديدٍ حقيقي لما يحمله المناخ من تغييرات مستقبلية؛ إذ حذر مفوض حقوق الإنسان في “الأمم المتحدة” فولكر تورك، الاثنين الماضي، من أن تغير المناخ ينذر بمستقبل “بائس ومرعب حقا” ينتشر فيه الجوع وتسوده المعاناة.

لذلك انتقد تورك زعماء العالم، لأنهم لا ينظرون سوى إلى المدى القصير عندما يتعاملون مع أزمة المناخ، وقال خلال نقاش في “مجلس حقوق الإنسان” بـ “الأمم المتحدة” بشأن الحق في الغذاء، إن الظواهر المناخية المتطرفة تقضي على المحاصيل وقطعان الماشية والنُّظم البيئية، بالتالي أن هذا يقوض قدرة المجتمعات على إعادة بناء نفسها وإعالة نفسها، ويجعل هذه المهمة مستحيلة.

مفوض حقوق الإنسان في “الأمم المتحدة” أضاف، أن أكثر من 828 مليون شخص قد عانى من الجوع في عام 2021، ومن المتوقع أن يعرض تغير المناخ ما يصل إلى 80 مليون شخص إضافيين لخطر الجوع بحلول منتصف هذا القرن، الأمر الذي أثار مخاطر كبيرة حول مستقبل العالم والبشرية.

تغير المناخ ينذر بمستقبل بائس

تورك عبّر عن ما يحصل للعالم بسبب تغيرات المناخ بعبارات حزينة وعميقة جدا، قائلا إن “بيئتنا تحترق. إنها تذوب. تغمرها الفيضانات. وتجف. وتموت… المستقبل بائس”، معتبرا أن التصدي لمشكلة تغير المناخ هي إحدى قضايا حقوق الإنسان، إذ ما يزال هناك وقت للعمل على ذلك، بيد أن هذا الوقت هو الآن.

ذلك جاء خلال جلسة الدورة الثالثة والخمسين لـ “مجلس حقوق الإنسان” المستمرة حتى الرابع عشر من الشهر الحالي، حيث أكد المسؤول الأممي فيها على أنه لا ينبغي أن نورّث مستقبل الجوع والمعاناة هذا لأطفالنا وأطفالهم، ولسنا مضطرين لذلك. نحن، الجيل الذي يمتلك أقوى الأدوات التكنولوجية في التاريخ، لدينا القدرة على تغييره.

هذا ووافقت الدول الموقّعة على “اتفاقية باريس” للمناخ عام 2015 على وضع حدّ للاحترار العالمي عند درجة حرارة “أقل بكثير” من درجتين مئويتين فوق متوسط المستويات المسجلة بين 1850 و1900، وحتى 1.5 درجة مئوية إن أمكن.

في 2022، بلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 1.15 درجة مئوية فوق متوسط 1850-1900، ووفقا لاتجاهات سياسات المناخ الحالية، سيكون الكوكب أكثر دفئا بمقدار 2.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، بحسب اللجنة الاستشارية لعلوم المناخ التابعة للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة لـ “لأمم المتحدة”.

يشار إلى أن تغير المناخ يجعل الموجات الحارة أكثر سخونة وتكرارا، بسببه هذا هو الحال بالنسبة لمعظم مناطق الأرض، وقد أكدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، إذ أدت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الأنشطة البشرية إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بنحو 1.2 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، وهذا الخط الأساسي الأعلى حرارة يعني أنه يمكن الوصول إلى درجات حرارة أعلى أثناء موجات الحر الشديدة.

في هذا الصدد، وحول الضرورات التي يمكن اتخاذها وسط هذه الحالة، تحدّث الخبير البيئي حسن شكور، قائلا إنه في ظل غياب الإصلاحات الهيكلية الرئيسية، من الصعب أن النجاح في انتهاج مسار لمواجهة تحديات المناخ بشكل متنوعٍ وشامل وقادر على الصمود. 

تعاون دولي ومسار محدد لمواجهة تغير المناخ

شكور أكد في حديث مع موقع “الحل نت”، أن التأخر في تنفيذ تلك الإصلاحات من شأنه أن يعيق من تخفيف الآثار المادية والمالية السلبية الناجمة عن تغير المناخ، وتلبية احتياجاته الاستثمارية المتزايدة، بما في ذلك في قطاعي المياه والكهرباء، مبينا أن ذلك يتطلب تعاونا دوليا مكثّفا من خلال استثمارات بمليارات الدولارات بحلول ضمن جدولة زمنية واضحة ومحددة، لتتمكن من سد الفجوات التنموية ذات الأولوية والشروع في مسار النمو الأخضر الشامل.

تحذيرات أممية من مستقبل “مرعب” بسبب تغيرات المناخ/ إنترنت + وكالات

الخبير في الشأن البيئي، أشار إلى أنه في القارات كلها تقريبا، يشهد العالم ازدياد وتيرة الكوارث الطبيعية وشدّتها بسبب تغيرات المناخ، كما في العام الماضي حين اجتاحت الحرائق الغرب الأميركي واليونان وتركيا، وغمرت الفيضانات مناطق في ألمانيا والصين، وسجلت درجات حرارة قياسية اقتربت من 50 درجة مئوية في كندا، وبغض النظر عما يحدث في الشرق الأوسط.

مبينا أن أولى خطوات مواجهة تطور هذه الكوارث وانتشارها بشكل أكبر، تتطلب تكاتف دولي ومجتمعي، يعمل بشكل أساسي وضمن نطاق زمني وخطط محددة على خفض الانبعاثات بنحو 50 بالمئة بحلول عام 2030 كي يبقى الاحترار تحت عتبة + 1.5 درجة مئوية، مستدركا أن ذلك لا يكفي لدرء كارثة المناخ التي تستمر في تهديد الكوكب، بل يجب أيضا التخلص من استخدام الفحم.

شكور دعا إلى ضرورة دمج العلوم الاقتصادية والاجتماعية بشكل أقوى، وتزويد صناع القرار بمعلومات ومعارف لمساعدتهم على تطوير سياسات واتخاذ قرارات، مشيرا إلى أن الوضع أصبح في بعض المناطق التي تتجاوز فيها درجات الحرارة المستويات العالية جدا، لن تكون فيها الحياة البشرية ممكنة، مبينا أنه في حال ارتفع مستوى سطح البحر في بعض المناطق الساحلية بأكثر من متر، لن تكون الحماية بالسدود ممكنة، وهو ما يتطلب إيجاد حلول جادة وممكنة.

جدير بالذكر، أن الكوارث المرتبطة بالمناخ تسببت خلال 2022 في نزوح أكثر من 23.7 مليون شخص داخليا، بينما اضطر كثيرون آخرون إلى الانتقال خارج بلدانهم، ومن المتوقع أن يشهد هذا الرقم ارتفاعا كبيرا خلال العقود القادمة، حيث تُقدر بعض المراكز البحثية المتخصصة أن يصل عدد النازحين بفعل المناخ إلى 1.2 مليار فرد بحلول 2050.

ذلك فضلا عن تسجيل قرابة 670 حالة اتجار بالبشر في المناطق المتضررة من الإعصار، في حين ذكرت مصادر حكومية ومنظمات غير حكومية مباشرة أن هذه الحالات زادت بعد الكارثة.

تداعيات المناخ على البشر

إذ تزداد تأثيرات التغير المناخي بـ “الاتجار بالبشر” يوما بعد يوم، فمؤخرا تشير تقارير إلى اكتشاف حالات اتجار بالبشر بشكل شائع في سونداربانس ببنغلادش، وهي أكبر غابات “المنغروف” في العالم، والمعرّضة بشكل خاص للكوارث المتعلقة بتغير المناخ، بحسب تقرير صادر عن مكتب “الأمم المتحدة”.

تغيرات المناخ تهدد حياة البشر/ إنترنت + وكالات

مثال آخر على ذلك، في غانا، دفعت الفيضانات وموجات الجفاف المتكررة بعدد كبير من سكان الأرياف للنزوح إلى المدن، حيث وجدوا أنفسهم في كثير من الأحيان مضطرين للعمل في وظائف ذات مداخيل منخفضة وعرضة لمخاطر جمّة، وذلك إلى جانب ضحايا الاستغلال في مناطق النزاع، مثل أوكرانيا.

وفقا لـ”مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، منذ عام 2010، يضطر حوالي 21.5 مليون فرد سنويا إلى مغادرة المناطق التي يعيشون فيها بسبب الكوارث المتعلقة بالتغيرات المناخية، سواء الفيضانات أو الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، أو العواصف وغيرها من الظواهر المتعلقة بالتغيرات المناخية. 

دليلا على ذلك فأن الأعاصير المدمرة التي ضربت الفلبين وبنغلادش، تسببت في نزوح أعداد كبيرة من السكان، إضافة إلى إعصار “هايان” الذي ضرب الفلبين في 2013، تسبب بمقتل ما يقرب من 6.300 شخص ونزوح 4.4 مليون شخص أخر.

أيضا فالتغيرات المناخية لعبت دورا لافتا في النزوح بين الأعوام 2011 و2015، بسبب حدوث جفاف شديد ارتبط بالنزاعات الحادة خاصة في منطقة غرب آسيا، والتي تشمل المشرق العربي في الفترة ما بين 2010 و2012، عندما حدثت تطورات ما يسمى بـ ”الربيع العربي”، وحدوث ثورات في تونس وليبيا واليمن وسوريا، وأدت إلى حروب أهلية في الدول الثلاث الأخيرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات