مسلسل ارتفاع الأسعار في سوريا مستمر ويبدو أنه لن يتوقف ما دامت الحكومة لا تحرّك ساكنا. بل قد تكون هي المسؤولة الأولى عن هذا الغلاء الجامح وليس فقط انهيار الليرة السورية، فكلما قامت برفع أسعار المحروقات ارتفعت الأسعار بشكل جنوني دون تدخل الجهات المعنية في ضبط الأسعار أو رفع الرواتب والأجور تماشيا مع هذه الزيادات.

آخر هذه التقلبات هو توقع وصول سعر الفروج المشوي إلى 130 ألف ليرة سورية، ما يعني أنه سيكون مساويا تقريبا لراتب موظف حكومي، وهذا التوقع يأتي بعد زيادة ساعات تقنين الكهرباء وارتفاع أسعار حوامل الطاقة والغاز والمواد الأولية وخاصة أسعار الدجاج وزيوت القلي. وبالتالي لا بد من طرح تساؤل هام هنا، مَن المسؤول عن تفلّت الأسعار، ومَن يتحمل ضريبة هذا الغلاء.

أسعار الفروج “خيالية”

نحو ذلك، وصل سعر السندويشة الصغيرة للشاورما في العاصمة دمشق إلى 10 آلاف ليرة سورية، بينما وصل سعر السندويشة الوسط إلى 12 آلاف ليرة، وهي أقل وزنا من التقليدية وتم تخفيض كميات اللحم فيها لخفض سعرها، في حين يبلغ سعر سندويشة الشاورما في المحلات ذات الجودة الجيدة الحاصلة على التصنيف السياحي إلى 20 ألف ليرة، وهذا ما دفع معظم محال الفروج والشاورما للحصول على تراخيص سياحية، وفقا لبعض أصحاب محال شاورما الشعبية.

سندويشة الشاورما بـ12 ألف ليرة سورية-“فيسبوك”

كما وتراوح سعر كغ الشاورما ما بين 110 – 130 ألف ليرة سورية، تبعا لاسم المطعم ومكانه، واتجهت الكثير من المحال نتيجة انخفاض الإقبال على شراء السندويش إلى تقديم العروض، كتقديم عرض “مع كل سندويشتين شاورما واحدة مجانا”، حسبما أوردته صحيفة “البعث” المحلية يوم أمس الأربعاء.

أما في محلات الفروج والشاورما ثمة ضعف في الإقبال على هذه السلع، وفي هذا الصدد أكد أحد المواطنين وهو موظف حكومي، أنه في حال أراد شراء سندويش لأسرته المؤلفة من 5 أشخاص، فهو بحاجة إلى 60 ألف ليرة، علما أن هذه السندويشة غير “مشبعة” ويحتاج الشخص إلى سندويشتين حتما لتصبح الكلفة 120 ألف ليرة عدا سعر البطاطا المقلية واللبن “العيران”.

بمعنى أن أي عائلة في سوريا تريد أن تأكل ساندويش الشاورما، فإن ذلك سيكلفها كامل راتب الموظف، وإذا أرادوا تناول وجبات الشاورما فسيكلّفهم الأمر أكثر من ذلك. وصول الأوضاع إلى هذه المستويات ينذر بنتائج سلبية في المستقبل المنظور، وهو عزوف الناس عن شراء الشاورما واتجاه محال الشاورما إلى إغلاق أبوابها مما سيؤثر على القوى العاملة.

بالعودة إلى الموظف الحكومي، فقد نوّه إلى امتناع بعض المحال عن بيع الشاورما بالكيلوغرام لأنها أوفر من شراء السندويش الجاهز وفقا للكثير من الأسر، حيث اتجه البعض لشراء ربع كيلوغرام ومن ثم تجهيز السندويش في المنزل، مشيرا إلى أن المحال تبيع السندويش بنكهة الشاورما وبسعر مرتفع، حيث لا يضعون إلا كميات قليلة جدا من اللحم.

الحكومة شريكة بالغلاء!

في المقابل، أوضح صاحب محل شاورما في منطقة الميدان بدمشق أن زيادة ساعات تقنين الكهرباء وارتفاع أسعار حوامل الطاقة والغاز والمواد الأولية وعلى رأسها أسعار الفروج وزيوت القلي وكلف صيانة المعدات انعكس سلبا على أسعار الفروج والشاورما والبطاطا والوجبات السريعة.

كما ولفت إلى أن قلة المبيعات ترفع النفقات وتكلفة تحضير الطعام، وبالتالي يضطر أصحاب المطاعم إلى رفع أسعارهم لمواصلة العمل وعدم تكبد خسائر كبيرة. ولم يستبعد أن يصل سعر الفروج المشوي إلى 130 ألف، وهذا ليس لرغبة أصحاب المحلات برفع سعرها، وإنما لارتفاع سعر أسطوانة الغاز لأكثر من 30 بالمئة، نظرا لأن شوي الفراريج يحتاج إلى جرتي غاز يوميا.

بدوره، برر حكمت حداد عضو “لجنة مربي الدواجن” هذه الأسعار بأن أصحاب محال بيع الفروج يتحمّلون تكاليف إضافية من ضرائب وغاز وأجور عمال وغيرها من التكاليف الأخرى.

كما أن ارتفاع أسعار الشاورما مرتبط بسعر الفروج الحي والذي هو مرتبط أيضا بارتفاع سعر العلف لاسيما وأن الأعلاف تشكّل من 80 إلى 85 بالمئة من كلف الفروج، مؤكدا أن هامش الربح في الأعلاف كبير لدى المستوردين الأمر الذي ينعكس على مربّي الدواجن.

حداد أشار إلى أن الجميع يعاني سواء أكانوا مستهلكين أم مربيين، وعليه فإن المربين يبيعون الدجاج ولا يريدون الاستمرار في التربية ولا يتم دعمهم. وأكد حداد أن هناك خسائر فادحة يتكبدها المربون، حيث تبلغ تكلفة كيلوغرام الدجاج للمربي 15 ألف ليرة سورية، ويُباع بـ 18 ألف ليرة.

حداد دعا الجهات المعنية بضرورة توحيد سعر المازوت المبيع للمداجن وبيعه بالسعر المدعوم لجميع المحافظات وألا يكون هناك اختلاف بسعر مبيعه بين محافظة وأخرى.

الفروج المشوي قريبا بـ 130 ألف ليرة سورية- “فيسبوك”

هذا التصريح بمثابة اعتراف بأن الحكومة شريكة ارتفاع الأسعار، فبكل تأكيد عندما ترتفع أسعار الفيول في أي بلد، فإن جميع الأسعار تتأثر به، وهذا ما يحدث بسوريا في كل مرة تقوم الحكومة برفع أسعار حوامل الطاقة، فضلا عن عجزها في ضبط الأسعار.

انتشار فروج “الستوك”

وسط هذا الغلاء في أسعار الفروج مؤخرا، بات العديد من المواطنين السوريين ذوي الدخل المحدود يلجؤون إلى شراء الفروج “الستوك”، والذي أصبح يحظى بشعبية متزايدة في الآونة الأخيرة. يتساءل الكثيرون عن ماهية هذا الفروج ولماذا يُقبل السوريون عليه بشكل ملحوظ، وهل هو مجرد بديل اقتصادي أم ماذا.

الفروج المعروف بـ”ستوك” ليس مختلفا عن الفروج العادي من حيث الجودة والصحة. إنه يعاني فقط من تقلّص في الوزن، حيث لا يتجاوز وزنه الكيلوغرام أو الكيلوغرام ونصف على الأكثر. وهذا التقلص في الوزن يعود إلى مجموعة من الأسباب المحتملة، مثل إصابته بأمراض أو مشاكل غذائية خلال فترة نموه، والتغذية غير المتوازنة نتيجة الضغط على الأعلاف والماء في المزارع المكتظة بالدواجن، وصعوبة وصول الصوص إلى الغذاء، أو حتى إصابة الصوص بأمراض قبل فترة التفقيس.

من أجل توفير فرصة للمزارعين للتخلص من هذه الدفعة من الفروج، يتم بيعها من المزارع بأسعار تقل عن نصف أو ثلثي سعر الفروج السليم والطبيعي. وهذا السعر المنخفض جذب اهتمام العديد من المواطنين الذين يعانون من ضيق الحالة المالية والتضخم المتصاعد.

على الرغم من أن هناك بعض الأفراد قد ينظرون إلى هذا الفروج بشكل سلبي، إلا أن الواقع يشير إلى أن الكثير من الأُسر تقدّر قيمة هذا البديل الاقتصادي. حيث تختلف درجة الإقبال على شراء الفروج “الستوك” من منطقة لأخرى وفقا للأوضاع المعيشية للأُسر، ولكن يبقى الاعتبار الأساسي لهذا القرار هو الحاجة إلى تلبية احتياجات الطعام للأسر بأسعار معقولة، وفق تقرير سابق نُشر مؤخرا لصحيفة “البعث” المحلية.

لهدف عدم رفع الأسعار، أشار مدير منشأة دواجن حماة المهندس عمر حمود، إلى طلب المطاعم لشراء الفروج “الستوك” لاستخدامه في صنع الشاورما والكباب وأطباق أخرى، وأكد أن سعر الفروج لا يعكس بالضرورة جودته أو جودة لحمه. فبيع الفروج “الستوك” بسعر أقل يعود إلى نسبة تصافيه المنخفضة.

القصد بنسبة التصافي وزن اللحم المستخدم مقسوما على وزن الفروج الحي. وبمعنى آخر، يشمل وزن الأرجل والأحشاء والأجزاء التي يتم التخلص منها سواء كانت الدجاجة طبيعية أو “ستوك”. ولذلك، يتم بيع الفروج “الستوك” بسعر أقل.

الخروج من موائد السوريين

تقرير لموقع “غلوبال نيوز” نُشر مؤخرا، مفاده أن هناك مشكلة حقيقية في غلاء أسعار الدواجن ومشتقاتها والمشكلة الأهم أن الجهات المعنية لا تعتبر غلاء سعر البيض أو الفروج  حالةً طارئة ولا تستطيع أن تقطع وعودا بتجاوزها وإنما تتحدث عن سيناريوهات أشد سوءا.

لذلك فإن التساؤل الأبرز في هذه المعادلة هو ما إذا كان البيض ولحوم الدجاج سيغادران موائد السوريين، أم تركوها منذ عدة أشهر، وربما منذ سنوات.

يجيب نفس التقرير بالقول، لا بد من الاعتراف بأن تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار قد يكون أهم سبب لزيادة الفجوة بين دخل المواطن واحتياجاته الغذائية، بجانب تدني مستوى الرواتب والأجور، إذ يبلغ متوسط الراتب العادي لأي موظف حكومي ما بين 95-120 ألف ليرة سورية.

بالتالي يبدو أن أسعار البيض والدجاج ورغم قساوتها وتأثيرها السلبي على صحة الأطفال والكبار واحتمال وقوعهم في خانة فقر التغذية لكن الأقسى لا شيء يلوح في الأفق يساعد على التفاؤل الذي يتطلب مضاعفة الرواتب والأجور بالقدر الذي تضاعفت به الأسعار قياسا بالسنوات السابقة، وكذلك تأمين حوامل الطاقة ومستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة.

يبدو أن وصول أسعار الشاورما والفروج المشوي إلى هذه الأرقام سيجعلها محصورة بالمترفين وأصحاب الدخل العالي والذين يشكلون نسبة قليلة جدا من المواطنين اليوم، وستعزف النسبة الأكبر من الأهالي، سواء الطلاب أو موظفي الحكومة أو العاملين الذين يعملون من الصباح إلى المساء بأجر يومي متساوٍ لسعر السندويش فقط عن هذه السلع، حيث إن شراء الفروج المشوي بات من الأمور المنسية لمعظم الناس وسيصبح حلما للسوريين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات