شهور التحاريق، فترة مظلمة يعيشها الشعب السوري وتشهد فيها تزايدا ملحوظا في استهلاك المياه، وما يثير القلق والرهبة هي العلاقة المحتملة بين هذه الظاهرة واستقالة حكومة حسين عرنوس، الحكومة رقم 95 من تاريخ استقلال البلاد. إذ إن صوت الشعب يتزايد في مطالبته بإقالة الحكومة ومحاسبة جميع وزرائها، وتعززت هذه المطالب بسبب الوضع الصعب الذي يعيشه السوريون جراء انقطاع المياه وتردي الخدمات الأساسية.

مع استمرار شهور “التحاريق” وهي أشهر حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس وارتفاع درجات الحرارة، بدأ الشعب يشعر بالعطش والحاجة المُلحّة للماء، وهذا الوضع المزري أثر بشكل كبير على حياة المواطنين. فعلى الرغم من الجهود التي تبذلها مؤسسة المياه في دمشق وريفها لتوفير خطوط مُعفاة من التقنين الكهربائي، إلا أن تنفيذ تلك الخطوط لم يحقق النتائج المأمولة.

تساؤلات المواطنين تتعالى حول السبب الحقيقي وراء تأخر توفير المياه في مناطق مختلفة، فعلى الرغم من إنفاق مبالغ ضخمة على إنشاء خطوط معفاة من التقنين، إلا أن الواقع يشهد استمرار قطع المياه في عدة أحياء ومناطق، وخصوصا في الأحياء التي تحتوي عمارات شاهقة هي التي تعاني بشكل خاص.

الشعب يطالب بإقالة حكومة عرنوس

في حي كرم صمادي في الحارة الثانية بمدينة جرمانا، حيث يعاني السكان من نقص المياه لأكثر من شهر، والمفزع أنه لا يوجد حلّ لهذه المشكلة، فالمياه تبقى منقوصة والحياة تبدو متعثرة، وما يزيد من الخوف هو تحكم الباعة غير المشروعين في إمدادات المياه، حيث يتحكمون بتوزيعها ويفرضون رسوما باهظة على المواطنين العطشى.

حسين عرنوس عندما كان وزيرا للموارد المائية - إنترنت
حسين عرنوس عندما كان وزيرا للموارد المائية – إنترنت

معاون مدير عام مؤسسة المياه في دمشق وريفها، عمر درويش، ذكر أمس الخميس لإذاعة “نينار إف إم” المحلية، أن هناك تزايدا ملحوظا باستهلاك المياه مع دخول البلاد في شهور “التحاريق”. مشيرا إلى سعي المؤسسة لتأمين خطوط معفاة من التقنين الكهربائي بالتعاون مع شركة الكهرباء، حيث يتم حاليا تنفيذ خط مياه معفى من التقنين في معضمية القلمون ومعضمية الشام وقريبا في آبار العادلية.

هذا التصريح أثار ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا أنه سابقا تم تنفيذ الخط المعفى من التقنين بمدينة جرمانا وكلّف ثلاثة مليارات ليرة سورية، ولا يزال السكان يعانون من قطع المياه وخصوصا أصحاب الطوابق العالية، فهناك أحياء لم تصلها المياه منذ 3 أشهر.

إن هذا المشهد الصادم أشعل غضب المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي، وزاد من رغبتهم في إقالة حكومة عرنوس ومحاسبة كل المسؤولين عن هذه الأزمة الخانقة. ليس ذلك فحسب؛ بل برأيهم أن استقالة حكومة عرنوس لن تكون كافية، بل يجب التحقيق في هذه القضية بمنتهى الجدّية ومحاسبة المسؤولين عن إهدار الموارد وتقصيرهم في تلبية احتياجات الشعب.

علي عباس المنحدر من طرطوس، ذكر في تعليق سابق على وضع الكهرباء وتسببها في قطع المياه، “السيد الرئيس قال لكم أيها المسؤولين لا توعدوا الناس بشيء لا تستطيعون تلبيته، وأنت يا سيد رئيس الحكومة وعدت الناس بأنهم سيلمسون تحسّن بالكهربا نهاية حزيران/يونيو، بذلك تكون قد أوهنت من عزيمة الأمة؛ لأنك لم تستطع تأمين ما وعدت به”.

الخطوط تنفّذ لكن التقنين مستمر

خلال اليومين الفائتين باغتت السوريين موجة حارّة، وكأنها تذكّرت إلقاء معايدة متأخرة عليهم، فاتخذوا من منازلهم ملجأً بالرغم من أنها لم تعد الناجي وسط تزايد انقطاع التيار الكهربائي في عدد من المناطق، وبدأت التساؤلات عن سبب استمرار قطع المياه رغم أن الموجة على كامل البلاد، أي أنه من البديهي أن وزراء الحكومة يعيشون الأجواء ذاتها.

عربة متنقلة لبيع مياه الشرب في جرمانا – إنترنت
عربة متنقلة لبيع مياه الشرب في جرمانا – إنترنت

في تصريحات سابقة، أفاد عصام الطباع، المدير العام للمؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها، بأن إنتاج مياه نبع الفيجة يبلغ 5.5 أمتار مكعبة في الثانية، ولذا تم اللجوء إلى تقنين المياه. وأوضح أنه تم توسيع مصادر الضخ، مثل استخدام نبع بردى ومحطات ضخ إضافية في المدينة، ويتم إدخال مصادر إضافية حسب الحاجة، ومن المتوقع أن تزداد ساعات التقنين في حال تطلّب الأمر.

أما فيما يتعلق بالمشروعات المتعلقة بالطاقة البديلة، أشار الطباع إلى وجود مشروع “أبو قوس” في مدينة الضمير بريف دمشق، ومن المتوقع أن يبدأ العمل به خلال الشهرين المقبلين. كما أن هناك عدة مشروعات أخرى في ريف دمشق، بما في ذلك مشروع في كفر بطنا بالتعاون مع المجتمع المحلي لتركيب طاقة بديلة، ومشروع آخر في قطنا بالتعاون مع جهة مانحة، بالإضافة إلى مشروعات أخرى قيد التنفيذ.

بشار الأسد يكلف رئيس الوزراء الحالي حسين عرنوس بتشكيل الحكومة الجديدة - إنترنت
بشار الأسد يكلف رئيس الوزراء الحالي حسين عرنوس بتشكيل الحكومة الجديدة – إنترنت

في ذات الوقت لفت الطباع إلى أنه يتم دراسة تركيب بعض الخطوط المعفاة من التقنين على بعض الآبار في ريف دمشق، وتجري حاليا دراسة تكلفة هذا المشروع بالتعاون مع شركة الكهرباء، لتحديد إمكانية تنفيذه. وأكد أن مدينة دمشق ليست بحاجة إلى خطوط معفاة من التقنين، حيث تم الطلب من وزارة الكهرباء، بناءً على طلب وزارة الموارد المائية، إعفاء محطتين رئيسيتين، وهما محطة “العقدة الثامنة” التي تزود الكسوة وصحنايا وضاحية 8 آذار وأشرفية صحنايا، والمحطة الثانية هي “العقدة السادسة” التي تزوّد جنوب دمشق.

تجارة المياه تزداد

مع معاناة مناطق محافظة ريف دمشق من وجود شحٍّ كبير في كميات المياه، أدى هذا الأمر إلى استغلال البعض للأزمة من حيث الاتجار بالمياه، فالكثير من القاطنين يضطرون لتأمين المياه عبر شرائها من الصهاريج الجوالة وبأسعار مرتفعة يحددها المتاجرون وفق أهوائهم مستغلّين غياب الرقابة عليهم وحاجة الناس الماسة للمياه.

رجل مسن يجر عربة متنقلة لتعبئة مياه الشرب في جرمانا – إنترنت
رجل مسن يجر عربة متنقلة لتعبئة مياه الشرب في جرمانا – إنترنت

أحد القاطنين في مدينة جرمانا بريف دمشق، ذكر أن الكثير من سكان المدينة لاسيما القاطنين في الطوابق العليا يعانون من عدم وصول المياه إلى خزاناتهم، ما يضطرهم للجوء إلى خيار شراء المياه من الصهاريج، بتكلفة تصل إلى 30 ألف ليرة، حسب موقع “غلوبال نيوز” المحلي.

أمام وجود شحّ بالمياه يضطر العديد من المواطنين شهريا إلى دفع أكثر من مئة ألف ليرة سورية، ثمنا لشراء المياه عبر الصهاريج الجوالة، لافتين في الوقت نفسه إلى أن معظم المياه التي يشترونها تأتي من مصادر مجهولة الهوية، وتستهلكها أعداد كبيرة من سكان المنطقة.

ليس فقط إمدادات المياه في المدينة لا تتوفر إلا ليوم واحد مقابل ثلاثة أيام انقطاع، بل إن انقطاع الكهرباء يمنع الأهالي من ملء الخزان تماما في يوم الوصول أيضا، مما يفاقم المشكلة أكثر، وبالتالي لا بد على الأهالي من شراء المياه من هذه الصهاريج، إلى جانب تشغيل المولدات لنقل المياه إلى الخزانات، والتي تتطلب لإنجاز المهمة شراء ليتر من البنزين بتكلفة لا تقل عن 10 آلاف ليرة سورية.

بحسب استطلاع حديث لإذاعة “نينار إف إم” المحلي، نُشر يوم الثلاثاء الماضي، فإن مجموعة من آراء المواطنين السوريين أفادت بأن واقع الكهرباء سيء ولا تحسّن يُذكر كما تقول الحكومة، وعلى إثر ذلك تنقطع المياه عنهم لساعات طويلة جدا، وبالتالي يضطرون لشراء المياه من الصهاريج.

في ظل هذه الأزمة المتفاقمة، يرى سكان العاصمة دمشق وريفها أنه ينبغي أن تكون حماية المياه وتأمين حاجات الشعب من أولويات الحكومة. كما يجب إيجاد حلول فعالة وسريعة لتزويد المواطنين بالمياه النقية والصالحة للشرب، وضمان استقرار خدمات المياه في جميع المناطق. و أن الشعب السوري يستحق أن تكون حكومته حازمة في حمايته وتلبية احتياجاته الأساسية، وإلا فإن مصيرها هو الاستقالة والمحاسبة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات